أبو سفيان في أيدي المسلمين  

   

صفحة :289-340   

أبو سفيان في أيدي المسلمين  

 

زعماء يربأ بهم النبي عن الشرك:

عن عطاء قال: لا أحسبه إلا رفعه إلى ابن عباس قال: قال رسول الله «صلى الله عليه وآله» ليلة قربه من مكة في غزوة الفتح: «إن بمكة لأربعة نفر من قريش أربأ بهم عن الشرك، وأرغب لهم في الإسلام».

قيل: ومن هم يا رسول الله؟

قال: «عتاب بن أسيد، وجبير بن مطعم، وحكيم بن حزام، وسهيل بن عمرو»([1]).

ونقول:

1 ـ قد ذكر بعضهم: أن جبير بن مطعم أسلم بعد الحديبية، وقبل الفتح. مع أن هذه الرواية تشير إلى أن حاله حال الثلاثة المذكورين معه.

وقالوا: أسلم بين الحديبية والفتح([2]).

وقيل: في الفتح([3]).

وقيل: عام خيبر([4]). ولا يهمنا تحقيق ذلك.

2 ـ إن علينا الإشارة هنا إلى أن إطلاق هذا القول من رسول الله «صلى الله عليه وآله» فيه إغراء لهؤلاء بالتخلي عن العناد والجحود. أو هو على الأقل يضعف عزائمهم في ذلك، ويلوح لهم بأن الجسور مفتوحة، ويمكنهم العبور إلى شاطئ الأمان، في ظل الرعاية الإلهية، ليكون أقل شراسة وحماسة في مقاومة هذا الدين، ويهيئ السبيل بذلك للتخفيف من حدة الضغوط منهم على من يرتبط بهم من أقارب، وحلفاء، وما إلى ذلك..

3 ـ لكن علينا أن لا ننسى: أن هذا القول يشير إلى رذالة أخلاقية كان هؤلاء الأربعة يمارسونها، فإنهم رغم رجاحة عقولهم، التي تجعل من اعتناقهم للشرك، ومحاربتهم للحق ولأهله طيلة هذه السنين أمراً غير منطقي، ولا مستساغ، خصوصاً مع ما يرونه من التأييدات والألطاف الإلهية والمعجزات، بل إن ذلك يجعل عملهم هذا في غاية القبح، ويشير إلى سقوطهم المخزي والمشين في حمأة الشهوات، ويؤكد لجوءهم إلى الجحود عن علم ومعرفة بالحق وبأهله.

منام أبي بكر:

عن ابن شهاب: إن أبا بكر قال: يا رسول الله!! أراني في المنام وأراك دنونا من مكة، فخرجت إلينا كلبة تهرُّ، فلما دنونا منها استلقت على ظهرها، فإذا هي تشخب لبناً.

فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «ذهب كَلَبُهم، وأقبل دَرُّهم، وهم سائلوكم (بأرحامكم) بأرحامهم، وإنكم لاقون بعضهم، فإن لقيتم أبا سفيان فلا تقتلوه»([5]).

ولا ندري إن كان هذا القول من رسول الله «صلى الله عليه وآله» قد أريد به تعبير منام أبي بكر.

أم أنه جاء على سبيل التفاؤل بذهاب الكَلَب، وإقبال الدر؟!

أم أنه «صلى الله عليه وآله» قد أجرى كلامه على هذا النحو ليسجل إخباراً غيبياً صادراً عن مقام النبوة الأقدس، ليكون ذلك من دلائل نبوته؟!

وربما يؤيد هذا المعنى: أنه «صلى الله عليه وآله» قد عقب ذلك بالإخبار عن وقائع غيبية سوف تحصل، وهو قوله: «وهم سائلوكم بأرحامهم. وإنكم لاقون بعضهم»، مصرحاً باسم أبي سفيان من بين سائرهم، ثم أصدر أوامره المتضمنة لكيفية التعاطي معه.

جيش الإسلام في مر الظهران:

قال عروة: وعميت الأخبار عن قريش، فلم يبلغهم حرف واحد عن مسير رسول الله «صلى الله عليه وآله»، ولا يدرون ما هو فاعل. وهم مغتمون لما يخافون من غزوه إياهم، فبعثوا أبا سفيان بن حرب([6]).

ورووا عن ابن عباس أنه قال: مضى رسول الله «صلى الله عليه وآله» عام الفتح حتى نزل مر الظهران عشاءً، في عشرة آلاف من المسلمين، وقد عميت الأخبار عن قريش، فلا يأتيهم خبر عن رسول الله «صلى الله عليه وآله»، ولا يدرون ما هو صانع([7]).

وأمر «صلى الله عليه وآله» أصحابه أن يوقدوا عشرة آلاف نار، وجعل على الحرس عمر بن الخطاب([8]).

وعن عروة قال: لما سار رسول الله «صلى الله عليه وآله» عام الفتح، بلغ ذلك قريشاً، فخرج أبو سفيان بن حرب يتحسس الأخبار.

وقالت قريش لأبي سفيان: إن لقيت محمداً فخذ لنا منه أماناً. (زاد الواقدي قوله: «إلا أن ترى رقة من أصحابه، فآذنه بالحرب»)([9]).

فخرج هو وحكيم بن حزام، فلقيا بديل بن ورقاء، فاستتبعاه، فخرج معهما يتحسسون الأخبار، وينظرون هل يجدون خبراً، أو يسمعون به.

فلما بلغوا الأراك من مر الظهران، وذلك عشياً، رأوا العسكر، والقباب، والنيران كأنها نيران عرفة، وسمعوا صهيل الخيل، ورغاء الإبل، فأفزعهم ذلك فزعاً شديداً.

قال عروة ـ كما في الصحيح ـ: فقال بديل بن ورقاء: هؤلاء بنو كعب ـ وفي رواية بنو عمرو: يعني بها خزاعة ـ حمشتها (حاشتها) الحرب.

فقال أبو سفيان: بنو عمرو أقل من ذلك([10]).

ولكن لعل هذه تميم أو ربيعة([11]).

قالوا: فتنجعت هوازن على أرضنا؟! والله ما نعرف هذا، إن هذا العسكر مثل حاج الناس([12]).

وعن ابن عباس: أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» لما نزل مر الظهران، رقت نفس العباس لأهل مكة، فقال: وا صباح قريش، والله لئن دخلها رسول الله «صلى الله عليه وآله» عنوة قبل أن يأتوه فيستأمنوه قبل أن يدخلها عليهم عنوة، إنه لهلاك قريش إلى آخر الدهر.

قال العباس: فأخذت بغلة رسول الله «صلى الله عليه وآله» الشهباء (البيضاء) ـ وعند الواقدي: أنها الدلدل([13]) ـ فركبتها، وقلت: ألتمس حطاباً، أو صاحب لبن، أو ذا حاجة يأتي مكة، فيخبرهم بمكان رسول الله «صلى الله عليه وآله»، ليخرجوا إليه، فيستأمنوه قبل أن يدخلها عليهم عنوة، فوالله، إني لفي الأراك ألتمس ما خرجت إليه، إذ سمعت كلام أبي سفيان وبديل بن ورقاء، وهما يتراجعان، وأبو سفيان يقول: ما رأيت كالليلة نيراناً قط ولا عسكراً!

فقال بديل بن ورقاء: هذه والله خزاعة حمشتها الحرب.

فقال أبو سفيان: خزاعة أقل وأذل من أن تكون هذه نيرانها وعسكرها.

قال العباس: فعرفت صوت أبي سفيان، فقلت: يا أبا حنظلة، فعرف صوتي.

فقال: لبيك يا أبا الفضل، ما لك فداك أبي وأمي!!

فقلت: ويلك!! هذا رسول الله «صلى الله عليه وآله» في عشرة آلاف.

فقال: وا صباح قريش، والله بأبي أنت وأمي، فما تأمرني؟ هل من حيلة؟

قلت: نعم، إركب عجز هذه البغلة، فأذهب بك إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» فاستأمنه لك، فإنه والله إن ظُفِرَ بك دون رسول الله «صلى الله عليه وآله» لتقتلن.

قال أبو سفيان: وأنا والله أرى ذلك.

فركب خلفي، ورجع صاحباه ـ كذا في حديث ابن عباس وعند ابن إسحاق ومحمد بن عمر: أنهما رجعا ـ وذكر ابن عقبة ومحمد بن عمر في موضع آخر: أنهما لم يرجعا، وأن العباس قدم بهم إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» انتهى([14]).

وعن حكيم بن حزام: أنه خرج هو وأبو سفيان يتنسمان الأخبار، فلقي العباس أبا سفيان، فذهب به إلى النبي «صلى الله عليه وآله».

قال حكيم بن حزام: «فرجعت، ودخلت بيتي، فأغلقته عليَّ، ودخل النبي «صلى الله عليه وآله» مكة، فأمَّن الناس، فجئته، فأسلمت وخرجت معه إلى حنين»([15]).

وفي موضع آخر عند الواقدي: قال العباس: هذا رسول الله «صلى الله عليه وآله» في عشرة آلاف من المسلمين، فأسلم، ثكلتك أمك وعشيرتك، ثم أقبل على حكيم وبديل، فقال: أسلما، فإني لكما جار حتى تنتهوا إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فإني أخشى أن تقطعوا دون النبي «صلى الله عليه وآله».

قالوا: فنحن معك.

فجاء بهم إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله»([16]).

وفي سياق آخر، قال العباس: فجئت بأبي سفيان، كلما مررت بنار من نيران المسلمين قالوا: من هذا؟ فإذا رأوا بغلة رسول الله «صلى الله عليه وآله» وأنا عليها، قالوا: عم رسول الله «صلى الله عليه وآله» على بغلته، حتى مررت بنار عمر بن الخطاب، فلما رآني، قام، فقال: من هذا؟

قلت: العباس، فذهب ينظر، فرأى أبا سفيان خلفي، فقال: أي عدو الله!! الحمد لله الذي أمكن (أمكنني) منك بغير عقد ولا عهد، ثم خرج يشتد نحو رسول الله «صلى الله عليه وآله» وركضت البغلة فسبقته كما تسبق الدابة البطيئة الرجل البطيء، فاجتمعنا على باب قبة رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فاقتحمت عن البغلة، فدخلت على رسول الله «صلى الله عليه وآله» ودخل عمر على أثري، فقال عمر: يا رسول الله!! هذا أبو سفيان قد أمكن الله منه بغير عقد ولا عهد، فدعني فلأضرب عنقه.

قال: قلت: يا رسول الله، إني قد أجرته.

ثم التزمت رسول الله «صلى الله عليه وآله» فأخذت برأسه، فقلت: والله، لا يناجيه الليلة دوني رجل.

فلما أكثر عمر في شأنه، قلت: مهلاً يا عمر، فوالله لو كان من رجال بني عدي بن كعب ما قلت هذا، ولكنك قد عرفت أنه من رجال بني عبد مناف.

فقال: مهلاً يا عباس ـ وفي لفظ: يا أبا الفضل ـ فوالله لإسلامك يوم أسلمت كان أحب إليَّ من إسلام الخطاب لو أسلم، وما بي إلا أني قد عرفت أن إسلامك كان أحب إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» من إسلام الخطاب لو أسلم([17]).

وقيل: إن العباس قال: فقلت: يا رسول الله!! أبو سفيان بن حرب، وحكيم بن حزام، وبديل بن ورقاء قد أجرتهم، وهم يدخلون عليك.

فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «أدخلهم».

فدخلوا عليه، فمكثوا عنده عامة الليل يستخبرهم رسول الله «صلى الله عليه وآله»، ودعاهم إلى الاسلام.

فقالوا: نشهد أن لا إله إلا الله.

فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «اشهدوا أن لا اله الا الله وأني رسول الله».

فشهد بديل، وحكيم بن حزام.

وقال أبو سفيان: ما أعلم ذلك، والله إن في النفس من هذا لشيئاً بعد، فارجئها([18]).

وعند أبي شيبة، عن أبي سلمة، ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب: أنه قيل لحكيم بن حزام: بايع.

فقال: أبايعك ولا أخر إلا قائماً.

فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: أما من قبلنا فلن تخر إلا قائماً. انتهى([19]).

وقيل لأبي سفيان ذلك، فقال: كيف أصنع باللات والعزى؟

فقال عمر بن الخطاب ـ وهو خارج القبة ـ: إخرأ عليها، أما والله لو كنت خارج القبة ما قلتها.

فقال أبو سفيان: من هذا؟

قالوا: عمر بن الخطاب([20]).

زاد في الحلبية قوله: فقال أبو سفيان: ويحك يا عمر، إنك رجل فاحش، دعني مع ابن عمي، فإياه أكلم([21]).

وعند المجلسي: قال أبو سفيان: «أف لك ما أفحشك، ما يدخلك يا عمر في كلامي وكلام ابن عمي»([22]).

قال العباس: فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «اذهب به يا عباس إلى رحلك، فإذا أصبحت فأتني به».

قال: فذهبت به إلى رحلي([23]).

وقالوا: فلما أذَّن الصبح أذَّن العسكر كلهم: أي أجابوا المؤذن.

ففزع أبو سفيان من أذانهم، فقال: ما يصنع هؤلاء؟

قال العباس: فقلت: الصلاة.

قال: كم يصلون؟

قلت: خمس صلوات في اليوم والليلة. (وعند الواقدي: قال: كثير والله).

ثم رآهم يتلقون وضوء رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فقال: ما رأيت ملكاً قط كاليوم، لا ملك كسرى ولا قيصر.

قال العباس: فلما صلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» الصبح غدوت به.

وعند ابن عقبة، ومحمد بن عمر: أن أبا سفيان سأل العباس في دخوله على رسول الله «صلى الله عليه وآله»([24]).

وعن أبي سلمة، ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب: فلما أصبحوا قام المسلمون إلى طهورهم، فقال أبو سفيان: يا أبا الفضل!! ما للناس أمروا فيَّ بشيء؟

قال: لا، ولكنهم قاموا إلى الصلاة.

فأمره العباس فتوضأ، وذهب به إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» فلما دخل رسول الله «صلى الله عليه وآله» الصلاة كبّر وكبّر الناس، ثم ركع، فركعوا، ثم رفع، فرفعوا، ثم سجد فسجدوا، فقال أبو سفيان: ما رأيت كاليوم طاعة، قوم جمعهم من ههنا وههنا، ولا فارس الأكارم، ولا الروم ذات القرون بأطوع منهم له. يا أبا الفضل!! أصبح ابن أخيك والله عظيم الملك.

فقال العباس: إنه ليس بملك، ولكنها النبوة.

قال: أوذاك؟!

قال العباس: فلما فرغ رسول الله «صلى الله عليه وآله» قال: «يا أبا سفيان!! ألم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلا الله»؟!

قال: بأبي أنت وأمي!! ما أحلمك وأكرمك، وأعظم عفوك! إنه لو كان مع الله إله لقد أغنى عني شيئاً (يوم بدر ويوم أُحد) بعد، لقد استنصرت إلهي، واستنصرت إلهك، فوالله ما لقيتك من مرة إلا نصرت عليَّ، فلو كان إلهي محقاً وإلهك مبطلاً لقد غلبتك.

فقال «صلى الله عليه وآله»: «ويحك يا أبا سفيان، ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله»؟

قال: بأبي أنت وأمي ما أحلمك وأكرمك، وأعظم عفوك! أما هذه فوالله إن في النفس منها شيئاً حتى الآن.

فقال العباس: ويحك! أسلم قبل أن تضرب عنقك.

فشهد شهادة الحق، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله. (زاد في نص آخر قوله: تلجلج بها فوه) ([25]).

وظاهر كلام ابن عقبة، ومحمد بن عمر في مكان آخر: أن أبا سفيان قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله من غير أن يعرض ذلك عليه أحد.

قال: قال أبو سفيان، وحكيم بن حزام: يا رسول الله جئت بأوباش الناس، من يعرف ومن لا يعرف إلى أهلك وعشيرتك؟!

فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «أنتم أظلم وأفجر، قد غدرتم بعهد الحديبية، وظاهرتم على بني كعب بالإثم والعدوان في حرم الله تعالى وأمنه».

فقال حكيم، وأبو سفيان: صدقت يا رسول الله. ثم قالا: يا رسول الله!! لو كنت جعلت جدك ومكيدتك لهوازن، فهم أبعد رحماً، وأشد عداوة لك؟

فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «إني لأرجو من ربي أن يجمع لي ذلك كله. فتح مكة، وإعزاز الإسلام بها، وهزيمة هوازن، وغنيمة أموالهم وذراريهم، فإني أرغب إلى الله تعالى في ذلك»([26]).

وقال في نص آخر: فصار إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله»: فقال العباس: هذا أبو سفيان صار معي إليك فتؤمنه بسببي.

فقال «صلى الله عليه وآله»: أسلم تسلم يا أبا سفيان.

فقال: يا أبا القاسم! ما أكرمك وأحلمك؟

قال: أسلم تسلم.

قال: ما أكرمك وأحلمك؟

قال: أسلم تسلم.

فوكزه العباس وقال: ويلك إن قالها الرابعة ولم تسلم قتلك.

فقال «صلى الله عليه وآله»: خذه يا عم إلى خيمتك.

وكانت قريبة، فلما جلس في الخيمة ندم على مجيئه مع العباس، وقال في نفسه: من فعل بنفسه مثل ما فعلت أنا؟ جئت فأعطيت بيدي، ولو كنت انصرفت إلى مكة فجمعت الأحابيش وغيرهم فلعلي كنت أهزمه.

فناداه رسول الله «صلى الله عليه وآله» من خيمته، فقال: «إذاً كان الله يخزيك».

فجاءه العباس، فقال: يريد أبو سفيان أن يجيئك يا رسول الله.

قال: هاته.

فلما دخل قال: ألم يأن أن تسلم؟

فقال له العباس: قل، وإلا فيقتلك.

قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله.

فضحك «صلى الله عليه وآله»، فقال: رده إلى عندك.

فقال العباس: إن أبا سفيان يحب الشرف فشرفه.

فقال: من دخل داره فهو آمن، ومن ألقى سلاحه فهو آمن([27]).

ونقول:

إن لنا مع هذه النصوص وقفات، هي التالية:

إنه ليس بملك:

إنهم قد رووا: أن العباس إنما رفض مقولة أبي سفيان: «أصبح ابن أخيك والله عظيم الملك»،من حيث إن ذلك يستبطن عدم اعترافه بنبوته «صلى الله عليه وآله».. وإلا فقد قال تعالى عن داود: {وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ}([28]).

وقال حكاية عن سليمان: {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي..}([29])

من الذي كان مع أبي سفيان؟!:

وقد اختلفت الروايات في الأشخاص الذين كانوا مع أبي سفيان، وفي إسلامهم معه وعدمه، وفي أمور كثيرة أخرى..

فرواية تقول: لم يشعر أهل مكة برسول الله «صلى الله عليه وآله» حتى نزل العقبة. وكان أبو سفيان وعكرمة بن أبي جهل قد خرجا يتجسسان خبراً، ونظرا إلى النيران، فلم يعلما لمن هي..

ثم لقيهما العباس، فاصطحب أبا سفيان إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله»، ورجع عكرمة إلى مكة([30]).

ولكن روايات أخرى ذكرت: بديل بن ورقاء، وحكيم بن حزام. ولم تذكر عكرمة.

وبعضها ذكر: أن بديلاً وحكيماً رجعا إلى مكة، ولم يذهبا إلى النبي «صلى الله عليه وآله» مع العباس وأبي سفيان.

وبعضها الآخر يقول: بل ذهبا معهما إليه «صلى الله عليه وآله».

لم يبلغهم حرف واحد:

وفي حين يقول عروة: عُمِّيت الأخبار عن قريش، فلم يبلغهم حرف واحد عن مسير رسول الله «صلى الله عليه وآله»، ولا يدرون ما هو فاعل، وهم مغتمون لما يخافون من غزوه إياهم.. يعود عروة هذا ليناقض نفسه، فيقول: لما سار رسول الله «صلى الله عليه وآله» عام الفتح، بلغ ذلك قريشاً.

وقوله الأول هو الصحيح، لأن الرواية عن ابن عباس وغيره تؤيده. بالإضافة إلى نصوص كثيرة أخرى.

ورغم أن الرواية الثانية قد صرحت: بأن قريشاً قالت لأبي سفيان: إن لقيت محمداً فخذ لنا منه أماناً، فإنها أيضاً قد صرحت: بأن أبا سفيان ومن معه لم يخطر في بالهم أن يكون هذا الجيش العظيم الذي يرونه هو للنبي «صلى الله عليه وآله»، بل ذهبت أوهامهم إلى خزاعة تارة، وإلى تميم أخرى، وإلى ربيعة ثالثة، ثم إلى هوازن رابعة..

تزوير الحقائق:

ولكن ما نريد أن نبينه للقارئ الكريم هو أن كتابنا هذا قد حفل بالكثير الكثير مما يشير إلى تزوير عروة وأضرابه للحقائق، واختلاقهم للترهات، رغم شدة تحاشينا في هذا الكتاب عن الإستغراق في مناقشة أقوال هؤلاء الناس، الذين أرادوا أن يستأثروا لأنفسهم بمقام ليسوا من أهله، ألا وهو مقام حفظ العلم، والشريعة، والتاريخ، وكل الحقائق التي تحتاجها الأمة عبر الأجيال، مع أنهم إنما قدموا لها بحراً زاخراً بالأباطيل والأضاليل، والخزعبلات، والخرافات، حتى إذا ضاقت بهم السبل، واضطروا للاعتراف بشيء من الحقيقة، فإنك تراهم يثيرون حولها أجواء من الريبة والشك والإتهام، ويشبعونها حذلقة، وتمويهاً وتشويهاً.

عشرة آلاف نار لماذا؟!:

ولسنا بحاجة إلى بيان أهدافه «صلى الله عليه وآله» حين أمر أصحابه بإيقاد عشرة آلاف نار.. الأمر الذي بهر عتاة وجبابرة أهل الشرك، وفراعنة قريش.

وقد تقدم: أن أبا سفيان، وحكيم بن حزام، وابن ورقاء فزعوا فزعاً شديداً حين رأوا تلك النيران، كأنها نيران عرفة.

ولولا أنهم رأوا القباب والعسكر الجرار، وسمعوا صهيل الخيل، ورغاء الإبل، لأمكن أن يتسرب إلى أوهامهم احتمال أن تكون فئة صغيرة هي التي أوقدت هذه النيران الكثيرة.

لقد تأكد لديهم:

1 ـ أن من يوقد هذه النيران، يريد أن يُعلم أعداءه بحضوره، غير آبه بهم، ولا خائف منهم.. وأنه لم يأت متسللاً، ولا مغيراً يريد أن يربح المعركة عن طريق المباغتة، لتعوض المباغتة ضعفه، أو لتوهن شيئاً من قدرات عدوه..

2 ـ إنه يريد بإيقاد هذه النيران الكثيرة أن يظهر حجم قوته، وحضورها، وسعتها وامتدادها، لتساعد تلك النيران أولئك الناظرين الذين قد يكونون في مرتفع، على رؤية أول وآخر رجل جاء لقتال عتاة الشرك، من دون أن تغرقهم عيونهم في ضباب الإبهام، بسبب الظلمة التي قد تمنع العيون من الإحاطة بها.

وتبين حجم الامتداد والسعة إذا كان ذلك الجيش عشرة آلاف مقاتل، ومعهم الخيول المقاتلة، والإبل الحاملة للأثقال، والمساعدون، وربما الكثير من النساء، والأتباع.. فإن ذلك يحتاج إلى مساحات شاسعة في حركة ذلك الجمع وفي نزوله على حد سواء.

إذن، فقد كان طبيعياً أن يتحير أبو سفيان ومن معه في هوية هذا الجيش الذي أمامهم هل هو خزاعة، أو تميم، أو ربيعة؟!.

إن لقيت محمداً فخذ لنا أماناً:

وأما بالنسبة إلى ما رواه عروة: من أن قريشاً قالت لأبي سفيان: إن لقيت محمداً فخذ لنا منه أماناً، فلا يمكننا تأييده. خصوصاً إذا صدقنا عروة في زعمه: أن قريشاً كانت قد علمت بمسير النبي «صلى الله عليه وآله»..

لأنها إن كانت تعلم بمسير النبي «صلى الله عليه وآله» إليها، أو لو علمت بالمسير دون أن تعلم بالمقصد، فإن المفروض بها: أن تحتاط للأمر، وتتجهز للقائه في ساحات القتال..

إلا إذا كان قد بلغ بها الضعف حداً يدعوها للاستسلام على كل حال.. ففي هذه الحالة لم يكن ثمة داع لاستسرار النبي «صلى الله عليه وآله» بمسيره، وبمقصده؟!

اللهم إلا إذا فرض: أنه «صلى الله عليه وآله» لا يعلم بضعف قريش هذا.. وهو أمر لا مجال لقبوله، فإنه «صلى الله عليه وآله» كان مطلعاً على أحوال مكة، واقفاً على قدراتها، عارفاً بنواياها، وتوجهاتها.

بل إن الأمر قد كان ميسوراً لأي قائد آخر، إذ إن عهد الحديبية قد سهَّل انتقال أخبار مكة وأهلها إليه، خصوصاً من مسلمي مكة الذين كانوا منتشرين في مختلف البيوت، ومن جميع الطبقات والفئات.

العباس الناصح لقريش على بغلة رسول الله :

وواضح: أن ركوب العباس على بغلة رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وبحثه عن رسول يرسله إلى قريش، لا يمكن أن يكون بدون علم النبي الأعظم «صلى الله عليه وآله»، بل ذلك ـ فيما يظهر ـ داخل في صلب خطة النبي «صلى الله عليه وآله» لأخذ مكة من أولئك الجبارين والظالمين من دون قتال، وذلك باعتماد طريقة ترسيخ القناعة لدى أقطابها بعجزهم عن مناجزته الحرب، إلا إذا كانوا يريدون أن يلقوا بأيديهم إلى الدمار والبوار.

وقد كان العباس أفضل رسول إلى قريش وزعمائها، فإنهم على قناعة تامة بأنه لا يمكن أن يفرط بهم، كما أثبتته لهم تجربتهم الطويلة معه..

فإذا جاءتهم النصيحة من قبل العباس، فإنهم لا يرفضونها، ولا يستغشونه.

وقد ظهر من تفدية أبي سفيان للعباس بأبيه وأمه، مدى عمق علاقة المودة والصفاء فيما بينهما، حتى إنه يجعل نفسه رهن إشارة العباس..

ثم يظهر العباس هنا بمظهر القوي الحازم، الذي يفرض رأيه وقراره بدون أي تحفظ، بل هو يقول لأبي سفيان: ثكلتك أمك وعشيرتك.

على أن نفس ركوب العباس بغلة رسول الله «صلى الله عليه وآله»، من شأنه أن يطمئن أولئك المعاندين والمستكبرين إلى أن مكانة أبي الفضل محفوظة عند رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وأن كلمته مؤثرة لديه.

كما أن أحداً من المسلمين لا يجرؤ على إخفار جواره، إذا دخلوا هذا المعسكر العرمرم معه وفي حمايته، فكيف إذا أردف رأس الشرك خلفه، وحمله معه؟

فالعباس بعد كل هذا هو الوسيلة الأكثر أمناً في الطريق، والأكثر فاعلية وتأثيراً لدى رسول الله «صلى الله عليه وآله»..

وربما يكون هناك اتفاق على طريقة عمل فيما بين العباس وبين هؤلاء، وقد تغاضى النبي «صلى الله عليه وآله» عن التصريح للعباس بمعرفته بها.. واستفاد العباس في الوصول إلى الهدف الكبير والخطير، ألا وهو دخول مكة من دون إراقة دماء.. كما سيتضح في المطالب التالية..

علم العباس بمكان أبي سفيان:

وبعد.. فإننا لا نستطيع أن نصدق ما يذكرونه من أن العباس قد ذهب إلى الأراك يبحث عن حطاب، أو عن صاحب لبن ليرسله إلى قريش ليحذرها من هذا الجيش القادم، ويدعوها إلى المبادرة إلى أخذ الأمان من رسول الله «صلى الله عليه وآله»..

بل الذي يظهر من مسار الأحداث هو: أن العباس كان عالماً بمكان أبي سفيان، وبديل بن ورقاء، وحكيم بن حزام، وقد قصدهم ليأتي بهم.. الأمر الذي يشير إلى أنه قد يكون هناك اتفاق فيما بينه وبينهم على كل ما يجري، إذا أردنا أن نظن أنه كان معهم من أول الأمر، ثم لما رأوا الجيش أرسلوه إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» فأسلم، وتوسط لهم لديه، ثم عاد ليأتي بهم. ولعله كان يظن أن النبي «صلى الله عليه وآله» لم يلتفت إلى طبيعة حركة العباس في التمهيد لاستسلام أبي سفيان.

والذي يدعونا إلى اعتماد هذا الاتجاه: أننا لاحظنا فيما سبق أن العباس كان من الطلقاء، وأن الدلائل والشواهد لا تؤيد هجرته ولا حتى ملاقاته للنبي «صلى الله عليه وآله»، لا في ذي الحليفة، ولا الجحفة، ولا السقيا، ولا الأبواء، ولا.. ولا..

وقد لاحظنا هنا أيضاً ما يلي:

1 ـ إنه لا معنى لقولهم: إن العباس قد ذهب يبحث عن حطاب، أو صاحب لبن، ليرسله إلى أهل مكة.. إذ إن الوقت كان ليلاً، ولا يوجد حطاب ولا صاحب لبن في هذا الوقت..

2 ـ إن الحطاب أو صاحب اللبن إن كان من أهل مكة، فإنه لا يأتي من مكة كل هذه المسافة، بل هو يحتطب ويرعى في محيط مكة نفسها.

وإن كان ممن يسكن الأراك، ومر الظهران، فلماذا يبحث عن حطاب أو صاحب لبن (راع) ويترك سكان البيوت في تلك المنطقة، فليقصدهم، وليكلف واحداً منهم بهذه المهمة..

3 ـ إن أمراً بهذه الخطورة، وقراراً بهذا الحجم، وهو: أن يستسلموا، ويسلموا مكة لرسول الله «صلى الله عليه وآله» لا يصدق فيه حطاب، أو صاحب لبن، بل هو يحتاج إلى آراء الرجال التي يُسكن إليها، ويُعتمد عليها، فكيف إذا كان هذا الرسول ممن يُظن فيه أن يكون العدو قد أرسله إليهم، ليسقط مقاومتهم، ويضعف إرادتهم، ويؤثر على قرارهم عن هذا الطريق، وبهذا الأسلوب..

4 ـ لماذا خرج العباس بهذه المهمة ليلاً، ولم يخرج لها نهاراً؟!

5 ـ ما هذه الصدفة التي جعلت العباس يسمع كلمات أبي سفيان ويفهمها، في حين كان أبو سفيان يحتاج إلى أن يتكلم بصوت خفيض لكي لا يشعر ذلك الجيش أو حرَّاسه بوجوده.

كما أن المفروض: أن العباس يركب بغلة لا تراعي في مسيرها عنصر السرية، ولا تسعى لإخفاء أصوات وقع حوافرها، ولعلها أصوات قوية، لما تصادفه في طريقها من الحجارة وغيرها، خصوصاً مع عدم قدرتها على الرؤية التي تمكنها من تجنب بعض الأحجار الكثيرة وسواها بسبب الظلام.

فلماذا لم يسمع أبو سفيان ورفيقاه وقع حوافر بغلة العباس، ليختاروا السكوت حتى يتبين لهم من يقصدهم؟! فلعله من أعدائهم الذين يجب أن يحترزوا منهم؟!

عمر وأبو سفيان:

وقد أكدت النصوص أيضاً هذه النتيجة التي انتهينا إليها، فقد روي عن أبي ليلى، قال: كنا مع رسول الله «صلى الله عليه وآله» بمرِّ الظهران، فقال: «إن أبا سفيان بالأراك فخذوه» فدخلنا، فأخذناه([31]).

فبينما هم ـ يعني أبا سفيان، وحكيم بن حزام، وبديل بن ورقاء ـ كذلك، لم يشعروا حتى أخذهم نفر كان رسول الله «صلى الله عليه وآله» بعثهم عيوناً له، فأخذوا بخطم أبعرتهم.

فقالوا: من أنتم؟

فقالوا: هذا رسول الله «صلى الله عليه وآله» وأصحابه.

فقال أبو سفيان: هل سمعتم بمثل هذا الجيش، نزلوا على أكباد قوم لم يعلموا بهم؟([32]).

ورووا: أن النبي «صلى الله عليه وآله» قال للناس: إنكم لاقون بعضهم، فإن لقيتم أبا سفيان فلا تقتلوه([33]).

وعن عكرمة: أن أبا سفيان لما أخذه الحرس قال: دلوني على العباس، فأتى العباس فأخبره الخبر، وذهب به إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله»([34]).

فنستفيد من هذه النصوص، ومن جميع النصوص المتقدمة: أن النبي «صلى الله عليه وآله» هو الذي أرشدهم إلى وجود أبي سفيان بالقرب منهم، وحدد لهم المكان الذي كان فيه، وأمرهم بأخذه، فأخذوه ومن معه من دون أن يشعروا، ويبدو أن العباس كان مع تلك المجموعة، فطلب أبو سفيان منه أن يتولى حمايته، وإيصاله إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله»، ليأمن على نفسه، فحمله على البغلة التي أذن له النبي «صلى الله عليه وآله» بركوبها، لعلمه بالحاجة إليها خصوصاً في هذا المورد.

ثم لقيهم عمر بن الخطاب في الطريق وعرف أبا سفيان، فحاول أن يستفيد من الفرصة لإظهار حرصه وغيرته على الإسلام، وشدته في مناوأة أعدائه، فطلب من النبي «صلى الله عليه وآله» أن يأذن له في قتله.

ولعله كان يعلم: أنه «صلى الله عليه وآله» لن يأذن له، وذلك قياساً على الموارد الكثيرة جداً التي لم يستجب النبي «صلى الله عليه وآله» لطلبه فيها ولو مرة واحدة بأن يأذن له بقتل أسرى.

ترهات وأكاذيب:

وبعدما تقدم نقول:

إن أبا سلمة ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب قالا: أُخذ أبو سفيان وأصحابه وكان حرس رسول الله «صلى الله عليه وآله» نفر من الأنصار، وكان عمر بن الخطاب تلك الليلة على الحرس، فجاؤوا بهم إليه.

فقالوا: جئناك بنفر أخذناهم من أهل مكة.

فقال عمر، وهو يضحك إليهم: والله لو جئتموني بأبي سفيان ما زدتم.

قالوا: قد والله أتيناك بأبي سفيان.

فقال: احبسوه، فحبسوه حتى أصبح، فغدا به على رسول الله «صلى الله عليه وآله».

وقال ابن عقبة: لما دخل الحرس بأبي سفيان وصاحبيه، لقيهم العباس بن عبد المطلب، فأجارهم([35]).

ونقول:

أولاً: من الواضح: أن النصوص المتقدمة وهي الأكثر عدداً، والأوضح سنداً والمعتمدة لدى المحدثين والمؤرخين، تدحض هذه المزاعم وتسقطها.

ثانياً: بالنسبة لما قيل من أنه لما دخل الحرس بأبي سفيان وصاحبيه لقيهم العباس فأجاره نقول: إنه لا يصح إجارة المحارب بعد أسره.. وذلك واضح.

ثالثاً: لا ندري لماذا جعل النبي «صلى الله عليه وآله» الحرس من خصوص الأنصار، ولم يجعل بينهم أحداً من المهاجرين، ولا من غيرهم من مسلمي سائر البلاد، إلا إذا كان يتهم المهاجرين بمحاباة قومهم، أو بالتواطؤ معهم ضده..

كما إننا لم نفهم لماذا خرج رسول الله «صلى الله عليه وآله» عن المألوف منه في الموارد المشابهة، وجعل هنا فقط خصوص عمر ـ وهو من المهاجرين ـ على جماعة الأنصار؟!

بديل بن ورقاء خزاعي:

وزعمت بعض النصوص: أن بديل بن ورقاء هو الذي توهم أن ذلك الجيش النبوي العظيم الذي رأوا نيرانه هو قبائل خزاعة.

ويرد عليه: أن بديل بن ورقاء كان خزاعياً، وكان يعرف خزاعة وحججها، وهذا يرجح الرواية التي تقول: إن رجلاً آخر قال: هذه خزاعة، فقال له بديل: هؤلاء أكثر من خزاعة([36]).

ما هذا التصافي والإنسجام؟!:

ثم إن ما يثير العجب هنا هو هذا التوافق والإنسجام التام بين بديل بن ورقاء، الزعيم الخزاعي، وبين زعماء قريش، التي شاركت في البطش بقومه، وارتكبت مجزرة رهيبة في حقهم، ونقضت العهد مع رسول الله «صلى الله عليه وآله» بالتعدي عليهم.. مع كون رسول الله «صلى الله عليه وآله» إنما يقدم مكة بهذا الجيش غضباً لخزاعة، وسعياً لتأديب قريش، والقضاء على بغيها وجبروتها الظالم.

ويؤكد هذا الذي نقوله: أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» حين أجاب حكيم بن حزام بقوله: «أنتم أظلم وأفجر، قد غدرتم بعقد الحديبية، وتظاهرتم على بني كعب ـ يعني خزاعة ـ بالإثم والعدوان، وفي حرم الله وأمنه». قال بديل بن ورقاء الخزاعي: «صدقت ـ والله ـ يا رسول الله، فقد غدروا بنا. والله لو أن قريشاً خلوا بيننا وبين عدونا ما نالوا منا الذي نالوا»([37]).

فإذا كان بديل يرى قريشاً غادرة فاجرة، فما هذا التعاون والانسجام مع زعمائها ضد حليفه الذي جاء لنصره، ورفع الظلم عنه؟!

والأكثر غرابة هنا: أن يكون هذا الود والصفاء بين بديل وبين أبي سفيان بالذات، فإن أبا سفيان هو الذي أرسلته قريش إلى المدينة ليحتال على النبي «صلى الله عليه وآله» وعلى المسلمين، ليضيع دماء أبنائهم، وليساعد الغدرة والظلمة في غدرهم وظلمهم، وفي التغطية عليهم، وإنكار حق خزاعة حتى بديات قتلاهم.

وقد قلنا فيما سبق:

إن فعل أبي سفيان هذا لعله أفحش وأقبح من فعل ناقضي العهد، ومرتكبي الجرائم في حق خزاعة..

حماس عمر لقتل أبي سفيان:

وقد قرأنا في تلك النصوص أيضاً: شدة حماس عمر لقتل أبي سفيان بمجرد أن رآه مع العباس على بغلة رسول الله «صلى الله عليه وآله»..

ولكن ذلك يثير لدينا ألف سؤال وسؤال عن مدى وعي عمر للأمور، وتقديره لها، وغير ذلك.. وأول سؤال يقفز إلى الذهن هو: هل كان دائماً يتحمس لقتل أبي سفيان بيده حتى في ساحات القتال في المعارك السابقة؟!

وإذا كان كذلك، فهل هو في مستوى حماسه لقتله حين رآه أسيراً في يد أهل الإسلام، لا حول له ولا قوة؟!

أم أنه كان في ساحات القتال في زمرة الضعفاء من المقاتلين، وفي طليعة المنهزمين حين تستعر نار الحرب، ويروج سوق الطعن والضرب؟!

وهل كان في الصفوف الأولى يبارز الفرسان، ويناجز الشجعان؟ أم كنت تراه في الصفوف الخلفية، يحتمي بغيره، ومشغولاً بحفظ نفسه؟!

تناقضات مواقف عمر وأبي بكر:

وقد كان عمر لم يزل يطلب من النبي «صلى الله عليه وآله» أن يدعه يضرب عنق هذا الأسير وذاك.. وقد تكرر منه ذلك مرات كثيرة جداً، وكان هو المطالب بقتل أسرى بدر، حتى رووا في ذلك روايات شنيعة المضمون، من حيث إنها تهدف إلى الطعن بالرسول الأكرم نفسه «صلى الله عليه وآله» ـ حسبما تقدم بيانه في غزوة بدر، في فصل الغنائم والأسرى.

وقد كان أبو بكر قرين عمر، وصفيه وحبيبه ونجيَّه، وكانا معاً يداً واحدة في كل ما يجري، فلماذا نجد لأبي بكر مساراً آخر في هذه الأمور بالذات؟ فكيف اتفقا في سائر القضايا واختلفا في خصوص هذا الأمر؟!

بل لم نسمع أن أبا بكر قد أيد عمر في مواقفه هذه إلا مرة واحدة، وانعكست الأمور بينهما في مرة واحدة أيضاً.. أي أن عمر كان هو الميال للقتل والعنف، وكان أبو بكر باستمرار هو الذي يهدئه، ويفثؤه، ويردعه عن مضايقة رسول الله «صلى الله عليه وآله»، ويمنعه من مواصلة الإلحاح عليه.. باستثناء مورد واحد، انعكست فيه الأمور، وتبدلت المواقف، فصار عمر هو حمامة السلام، والداعي للصلح والمداراة والوئام.. وأصبح أبو بكر في موقع المصمم على الحرب والقتال مهما كانت النتائج..

ولكن هذا التفاوت قد ظهر حين أصبحت الحرب مع المسلمين الرافضين للإعتراف بشرعية خلافة أبي بكر، وأصروا على عدم إعطائه الزكاة، ولم يكفروا بعد إسلامهم([38])، فأصر أبو بكر على حربهم.

وأطلق كلمته المشهورة: «لو منعوني عقال بعير لجاهدتهم (أو لقاتلتهم) عليه»([39]).

والمورد الواحد الذي اتفق فيه هذان الرجلان هو: مخالفة أمر رسول الله «صلى الله عليه وآله» في قتل أصل الخوارج، فنشأ عن مخالفة رسول الله «صلى الله عليه وآله» فيه مفسدة عظمى حاقت بالأمة، ولا تزال آثارها تتفاعل فيها إلى يومنا هذا.

فقد رووا: أن أبا بكر قال للنبي «صلى الله عليه وآله»: إني مررت بوادي كذا وكذا، فإذ رجل متخشع، حسن الهيئة، يصلي..

فقال له النبي «صلى الله عليه وآله»: إذهب إليه فاقتله.

فذهب إليه، فلما رآه على تلك الحال كره أن يقتله، فرجع إلى النبي «صلى الله عليه وآله»..

فقال النبي «صلى الله عليه وآله» لعمر: إذهب فاقتله.

فذهب إليه فرآه على تلك الحال فكره أن يقتله.

فقال «صلى الله عليه وآله» لعلي «عليه السلام»: اذهب فاقتله.. فذهب إليه فلم يجده.

فقال النبي «صلى الله عليه وآله»: إن هذا وأصحابه يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم. وذكر حديث الخوارج ومروقهم من الدين، وفي آخره: فاقتلوهم هم شرُّ البرية([40]).

وفي نص آخر: فقال علي «عليه السلام»: أفلا أقتله أنا يا رسول الله؟!

قال: بلى أنت تقتله إن وجدته.. فانطلق علي «عليه السلام» فلم يجده.. أو نحو ذلك([41]).

ولكن ما يمكن أن نعتبره قاسماً مشتركاً فيما بين جميع هذه الموارد هو: أن هذا المورد الأخير قد جاء موقفهما فيه مخالفاً لأمر رسول الله «صلى الله عليه وآله»..

وموقف أبي بكر في قتل مانعي الزكاة هو الآخر مخالف لله ولرسوله.. وقد عاد عمر إلى رأي أبي بكر ووافقه عليه أيضاً..

كما أن طلبات عمر المتكررة بأن يجيز له الرسول قتل هذا وذاك قد جاءت كلها على خلاف ما يريده الله ورسوله أيضاً..

فما هذا التوافق العجيب بين أبي بكر وعمر في هذين الموردين على خلاف رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وأن تكون جميع مواقف عمر مخالفة لما يريد الله ورسوله في جميع المواقف المختلفة؟!..

لا مبرر لقتل أبي سفيان:

1 ـ إن عمر كان مهتماً بقتل أبي سفيان، مع أنه يعلم: أن هناك مسلمين كثيرين يعيشون في مكة، وإن قتله قد يؤدي إلى ارتكاب المشركين مجزرة هائلة في حقهم فيما لو حصل هيجان عارم لا يخضع للمنطق، ولا يستجيب لنداء العقل..

2 ـ المفروض أن أبا سفيان قد أصبح في قبضة أهل الإسلام، ولعل ذلك يفسح المجال لاتفاقات تؤدي إلى حقن الدماء، وانطلاقة الإسلام بقوة في تلك المنطقة، فلماذا لا يترك رسول الله «صلى الله عليه وآله» ليعالج الأمور بحكمته ورويته؟!..

3 ـ لماذا لا يسعى عمر لإدخال أبي سفيان في الإسلام؟ ألم يكن إسلام أبي سفيان أحب إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» من قتله؟!.

مع ملاحظة: أن عمر كان يحب إسلام العباس أكثر من حبه لإسلام أبيه الخطاب لو كان حياً، لعلمه بسرور رسول الله «صلى الله عليه وآله» بإسلام عمه..

إلا إذا كان عمر يرى: أن النبي «صلى الله عليه وآله» إنما يرغب بإسلام عمه.. لأنه عمه، ولا يرغب بإسلام أبي سفيان تعصباً منه ضد بني عبد شمس، ولأنه عدوه المحارب له. فالعصبية العشائرية هي الحاكمة على مواقفه وتصرفاته «صلى الله عليه وآله»، وهذا المنطق سيء وخطير، لأنه ينتهي إلى الطعن بنبوة النبي «صلى الله عليه وآله» في عصمته وحكمته، ومزاياه. وهو مرفوض جملة وتفصيلاً..

اتهام العباس لعمر بن الخطاب:

إن العباس قد سجل اتهاماً صريحاً لعمر في نواياه، وفي نوازعه العشائرية، وتعصباته القبائلية حين قال له:

«مهلاً يا عمر! فوالله، لو كان من رجال بني عدي ما قلت هذا. ولكنك قد عرفت أنه من رجال بني عبد مناف».

ولم يستطع عمر أن يدفع عن نفسه هذه التهمة إلا بادعاءٍ آخر، من شأنه أن يزيد من وطأة اتهامه في نواياه، وهو أنه كان يحب إسلام العباس، لأن ذلك يسر النبي «صلى الله عليه وآله»..

مع العلم: بأن إسلام أبي سفيان أيضاً كان يسر النبي «صلى الله عليه وآله»، لأن هداية نسمة خير مما طلعت عليه الشمس، ولأن ذلك قد يوجب تنفيس الإحتقان في المنطقة بأسرها. ولعل إسلام غيره ليس بهذه المثابة..

فلماذا يريد عمر قتل هذا، ولا يهتم بإسلامه، دون ذاك؟!.

ونريد أن لا تفوتنا الإشارة إلى أن هذا الإتهام نفسه قد يوجه إلى عمر حين طالب بقتل أسرى بدر، حيث لم يكن فيهم أحد من بني عدي أيضاً([42])..

إسلام العباس.. وإسلام الخطاب:

وبعد.. فإننا لم نستطع أن نتبين وجهاً مقبولاً أو معقولاً لقول عمر: إن إسلام العباس كان أحب إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» من إسلام الخطاب..

وإنه «صلى الله عليه وآله» يريد إسلام كل الناس، ولا يفرحه إسلام هذا أكثر من إسلام ذاك، ولعل إسلام سلمان الفارسي كان أحب إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» من إسلام العباس، إذ كان إسلام سلمان من موجبات القوة للدين، أو كان أكثر صفاءً، وأعظم رسوخاً، وقوة وعمقاً..

ومن الذي أخبر عمر بواقع إيمان الناس، وبدرجات رسوخ الإيمان في قلوبهم؟!

ومع غض النظر عن ذلك كله، يبقى سؤال نطالب عمر بالإجابة عنه، وهو: إذا كان قد عرف محبة رسول الله «صلى الله عليه وآله» لإسلام العباس، فهل هو أيضاً قد عرف كراهته لإسلام أبي سفيان؟!.

ولماذا كان في أيام خلافته يعظم أبا سفيان والعباس ويقدمهما بصورة لافتة، فقد كان يُفرَش لعمر فراش في بيته في أيام خلافته، فلا يجلس عليه أحد إلا العباس بن عبد المطلب وأبو سفيان بن حرب.

زاد المبرد قوله: هذا عم رسول الله، وهذا شيخ قريش([43]).

جوار العباس:

وقد ذكرت الروايات المتقدمة: أن العباس قال لرسول الله «صلى الله عليه وآله» إنه أجار أبا سفيان.

وذكرت أيضاً: أنه أجار بديل بن ورقاء، وحكيم بن حزام..

ونقول:

إنه جوار لا يصح، بل هو غير جائز، إذا كان يريد بهذا الجوار منع النبي «صلى الله عليه وآله» من التصرف المناسب في حق أبي سفيان، وفي حق بديل، وحكيم..

ويشهد لذلك: أنه لما قدم أبو سفيان المدينة يطلب تجديد عهد الحديبية، والزيادة في المدة، وطلب من رجالات الصحابة أن يجيروا بين الناس، قد واجه رفض ذلك منهم جميعاً، وكانت حجتهم أنه ليس لأحد أن يجير على رسول الله «صلى الله عليه وآله».

ولأجل ذلك نلاحظ: أن النبي «صلى الله عليه وآله» كما لم يلتفت إلى مطالبات عمر بن الخطاب بقتل أبي سفيان، لم يقم وزناً لجوار العباس لهؤلاء أيضاً، بل بقي مصراً على إجراء حكم الله تعالى فيهم، إن لم ينطقوا بالشهادتين.

وهذا ما يدعونا إلى القول:

إنه إن كان قد أجار أحداً من هؤلاء، حتى على رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فهو مخطئ بلا ريب. وهو لا يلزم لرسول الله «صلى الله عليه وآله» بشيء من ذلك. وقد ظهر من تعامل رسول الله «صلى الله عليه وآله» معهم: أنه لم يلتفت إلى ما ادَّعاه العباس من جوار..

وإن كان العباس قد أجار هؤلاء الثلاثة: أبا سفيان، وحكيماً وبديلاً من سائر الناس لكي يصلوا إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» سالمين، ليرى فيهم رأيه، فهو تصرف مقبول، ويكون قول العباس لعمر عن أبي سفيان: إني قد أجرته مجرد محاولة لحمايته من عمر، لكي لا يتسرع في الإقدام على أمر خطير كهذا..

هل مكث أبو سفيان عند النبي عامة الليل؟:

وهناك رواية ذكرت: أن العباس حين أدخل أبا سفيان وحكيماً وبديلاً على النبي «صلى الله عليه وآله» مكثوا عنده عامة الليل يستخبرهم.. وانتهى الأمر بإسلام بديل وحكيم، ولكن أبا سفيان طلب التأجيل.

ونقول:

أولاً: إننا نشك في أن تكون هناك تفاصيل كثيرة ترتبط بشؤون الحرب ويحتاج النبي «صلى الله عليه وآله» إلى الوقوف عليها منهم، ويستغرق الاستخبار عنها هذا الوقت الطويل (عامة الليل). لا سيما وأن هذا الجيش الكبير قد ظهر ببلادهم فجأة، ولم يكن لديهم أية فرصة للإعداد والإستعداد، وجمع الناس من البلاد.

ولو فرض: أنه كان يريد أن يستخرج منهم بعض الأمور، فلماذا لا يوكل أمر سؤالهم عنها إلى غيره؟!

ثانياً: إذا كان العباس قد أسلم، وكان مقيماً بمكة مثلهم، فإنه هو الآخر يستطيع أن يخبر النبي «صلى الله عليه وآله» بما يريد معرفته.

ولو فرضنا: أنه كان قد خرج من مكة قبلهم، وقد استجدت أمور بعده ولم يعلم بها، فإن تلك الأمور لا تحتاج في الاستخبار عنها إلى هذا الوقت الطويل.

ثالثاً: لماذا يشعرهم بأنه محتاج إلى ما عندهم ما دام أنه مسدد بالوحي الصادق؟ في حين أن المصلحة تقضي بأن يظهر لهم التسديد والرعاية الإلهية له ولمسيرته «صلى الله عليه وآله»..

إلا أن يقال: إنه «صلى الله عليه وآله» إنما كان يتعامل مع الأمور وفق مسارها الطبيعي، لا من خلال الوحي، والغيب، إلا في مواقع معينة، ووفق شروط وضوابط لا تكون متوفرة في هذا الموقف..

رابعاً: هل كانوا مأمونين على ما يخبرونه في الأمور التي يسألهم، حتى لو افترضنا حاجته إلى العلم بها؟!

مُلك أم نبوة؟!:

لقد مضى على بعثة رسول الله «صلى الله عليه وآله» أكثر من عشرين سنة، عاش منها ثلاث عشرة سنة في مكة، وأظهر لهم فيها تعاليم الإسلام، وبيَّن للناس تعاليمه وأحكامه، وقرأ عليهم القرآن. وقد رأوا عن كثب معاملته لأصحابه، ونظرة أصحابه إليه، وتعاملهم معه. كما أنهم حتى بعد هجرته إلى المدينة في السنوات الثماني الأخيرة، لم ينقطعوا عن تتبع أخباره ورصد حركته.

ولكنهم بالرغم من ذلك كله، ما زالوا يظهرون في أفعالهم وأقوالهم ما يشير إلى خطأ فاحش في أساس نظرتهم إليه، وإلى تعاليمه. ويتجلى ذلك في حوادث فتح مكة المختلفة، فقد حفلت تصريحات كثيرة لزعمائهم، بأن ما يرونه لدى محمد «صلى الله عليه وآله» هو الملك. رغم أنهم قد شاهدوا الكثير من المعجزات والكرامات الدالة على أنها النبوة، والرعاية والإرادة الإلهية..

ومن المفردات التي تدخل في سياق هذه السياسة من هؤلاء العتاة قول أبي سفيان للعباس أكثر من مرة: «لقد أصبح ابن أخيك ـ والله ـ عظيم الملك». أو «ما رأيت ملكاً قط كاليوم، لا ملك كسرى ولا قيصر» أو نحو ذلك..

ويجيبه العباس بأنها النبوة، وليست الملك..

ومن ذلك

أيضاً: أن حكيم بن حزام حين قيل له: بايع.

قال: «أبايعك، ولا أخر إلا قائماً».

فهو يراه ملكاً مثل سائر الملوك، في فارس والروم وغيرها، لا بد من أن يخضع الناس له إلى حد أنهم يخرون سجداً أو ركعاً بمجرد رؤيته تحية له.. وكأن حكيم بن حزام أراد أن يشترط لنفسه أمراً يمتاز به عن غيره من العرب، وهو: أن لا يخر ساجداً أو راكعاً في تحيته له، بل يحييه وهو قائم.

ولكن جواب النبي «صلى الله عليه وآله»لحكيم قد بيَّن: أنه لا توجد مطالب من هذا النوع في قاموس تعامل الناس مع النبي «صلى الله عليه وآله».. فهو يقول: أما من قبلنا فلن تخر إلا قائماً.. أي أنه ليس في شرعنا، ولا في قراراتنا المرتبطة بالتعامل مع الآخرين أي خضوع يصل إلى حد الركوع والسجود لرسول الله «صلى الله عليه وآله»..

عمر لا يراعي مجالس رسول الله :

وإذا صح ما ذكروه عن عمر بن الخطاب، من أنه قال لأبي سفيان الذي كان في محضر النبي «صلى الله عليه وآله»: إخرأ عليها (أي على العزى) فهو غير مقبول منه من جهات:

إحداها: أنه يمثل جرأة على مقام رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وخروجاً عن الحدود، ومخالفة لأبسط اللياقات التي يفترض مراعاتها في مجالس الناس العاديين، فكيف إذا كان ذلك بمحضر رسول الله «صلى الله عليه وآله». سيد رسل الله، وأفضل مخلوقاته تبارك وتعالى؟!

وقد أظهر أبو سفيان تقززه من هذا الفحش، فقال: أف لك ما أفحشك! أو قال: ويحك يا عمر، إنك رجل فاحش. ويمكن أن يكون قد قال الكلمتين معاً أيضاً.

الثانية: إن ما صنعه عمر قد جاء على سبيل استراق السمع المذموم، وبطريقة الفضول والتدخل فيما لا يعنيه، فهو إنما كان في خارج القبة، وقد ألقى كلامه من وراء الحجاب، من دون ان يدعوه أحد إلى ذلك..

ولذلك قال أبو سفيان: «ما يدخلك يا عمر في كلامي، وكلام ابن عمي».

أو قال: «دعني مع ابن عمي، فإياه أكلم». ولعله قال الكلمتين معاً.

الثالثة: إن هذا من الموارد التي ورد النهي عنها في القرآن الكريم بخصوصها، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَي اللهِِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللَهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}([44]). فلماذا يتدخل عمر ويقدم بين يدي الله ورسوله؟!

وعلينا أن لا نغفل الإشارة إلى تعبير أبي سفيان عن رسول الله «صلى الله عليه وآله» بقوله: ابن عمي، معتبراً عمر بن الخطاب رجلاً غريباً عنهما، لكونه من بني عدي. فهو ينطلق من موقعه العشائري ليقطع بذلك الطريق على عمر..

ولعل السر في أننا لم نسمع أي تعليق أو اعتراض من النبي «صلى الله عليه وآله» على هذا المنحى، ولم يقل لأبي سفيان أن المعيار هو الأخوة الإيمانية والقرابة الدينية لا العشائرية.. هو: أن بإمكان أبي سفيان أن يتنصل من هذا الأمر، ويفكر في أن يكون ذلك محط تفكيره ومرمى كلامه.

أبو سفيان يخاف من الأذان والصلاة!!:

وقد زعمت النصوص: أن أبا سفيان قد فوجئ بأذان المسلمين، وقيامهم إلى طهورهم، فسأل العباس، فأجابه بأنها الصلاة.

ونقول:

1 ـ قد يقال: إن أبا سفيان كان قد رأى النبي «صلى الله عليه وآله» والمسلمين يصلون في مكة قبل الهجرة طيلة ثلاث عشرة سنة، ورآهم في المدينة قبل مدة يسيرة، حينما ذهب ليطلب من النبي «صلى الله عليه وآله» تجديد العهد، والزيادة في المدة، وسمع فيها الأذان، وبقي أياماً يتصل برجالات المهاجرين والأنصار، يطلب منهم مساعدته فيما جاء له..

فما معنى: أن يفزع من الأذان في هذه المرة؟!

والحقيقة هي: أن أبا سفيان قد سمع العسكر يجيبون المؤذن بصورة جماعية، فظن أنهم قد اتفقوا على أمر بعينه.

ويدل على ذلك: أن المسلمين حين قاموا إلى طهورهم، قال أبو سفيان للعباس: «ما للناس؟! أمروا فيَِّ بشيء»؟!

وهذا على قاعدة: كاد المريب أن يقول: خذوني.

أو كما قال تبارك وتعالى: {يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ..}([45]).

ونحن وإن كنا لا نستبعد احتمال أن يكون أبو سفيان قد رأى النبي «صلى الله عليه وآله» يصلي في المسلمين جماعة في المدينة..

غير أننا نقول:

إن صلاة عشرة آلاف رجل في جماعة واحدة مع رسول الله «صلى الله عليه وآله» لا بد من أن يخيف أبا سفيان، ويحركه إلى الإستفهام..

ونعتقد: أننا لسنا بحاجة إلى بيان: أن الوضوء الذي نسبته بعض الروايات المتقدمة إلى أبي سفيان، وأن العباس أمره فتوضأ، إنما يقصد به مجرد غسل الوجه واليدين.. ولا يراد به الوضوء بمعناه الشرعي عند أهل الإسلام، لأن أبا سفيان لم يكن قد أسلم آنئذٍ.

أسلم تسلم:

لقد حاول أبو سفيان التسويف في الإقرار بالشهادتين، ربما لأنه كان يأمل بتجاوز هذه المرحلة، وهو يريد أن يحتفظ لنفسه بوضع خاص، يحفظ له محوريته بين أهل الشرك، ومرجعيته لهم.

أو على الأقل يريد أن يكون له ملك في مقابل نبوة محمد، التي حاول أن يصر على أنها مظهر من مظاهر الملك أيضاً.. فطلب من النبي «صلى الله عليه وآله» أن يرجئ طلب الإقرار بالشهادة له بالنبوة.

فأعطاه «صلى الله عليه وآله» فرصة ليتدبر أمره في تلك الليلة. وفي اليوم التالي: عاد ليكرر ذلك الطلب عليه، ويعود أبو سفيان إلى المراوغة مرة بعد أخرى، معتمداً على معسول من الكلام ظناً أنه يبلِّغه إلى ما يريد..

ولكن القضية لم تكن قابلة للإستمرار، لأن أبا سفيان ظل منذ أن بعث الله محمداً «صلى الله عليه وآله» يرتكب أعظم الجرائم والموبقات ويحارب الله ورسوله، ويتسبب بإزهاق الأرواح، وظلم النفوس، والعدوان على الناس في كراماتهم، وفي حرياتهم، وفي جميع الشؤون.. ولا بد من إزالة تبعات ذلك كله، إما بالجزاء العادل، وهو مواجهة القتل في الدنيا والعذاب في الآخرة، فيما لو أصر على اللجاج والعناد، وعلى إعلان الحرب على الحق وأهله بالسيف، وبالكلمة، وبالموقف. وهذا في حد نفسه جرم عظيم، وظلم جسيم للدين وللمؤمنين.. ولا مجال للتجاوز عنه أو التساهل فيه.. لأنه يقود إلى إضلال الناس، أو إلى استمرار كثير من الضالين على ضلالهم. وإما أن يتراجع عن شركه، ويعلن إسلامه، وبطلان ما كان عليه، ويقر بخطئه في مواقفه، وفي ممارساته السابقة. وبذلك يستفيد من سماحة الإسلام الذي منحه عفواً في الدنيا عن جرائمه وعفواً في الآخرة إن تاب توبة نصوحاً..

فيكون باختياره للإسلام قد سهل مهمة انتشار دعوة الحق، وازال من أذهان بعض المستضعفين الذين يرتبطون به، بنحو أو بآخر، أية شبهة، ورفع أنواع الضغط النفسي، الذي كان يشعر به هؤلاء أو غيرهم، ويمنعهم من الدخول في هذا الدين..

ولأجل ذلك: كرر عليه النبي الأعظم «صلى الله عليه وآله» قوله: أسلم تسلم. أي أنه يسلم من العقوبة على جرائمه في الدنيا على أقل تقدير، حسبما بيناه..

وبذلك يظهر: أن هذه الكلمة لا تعني أن الإسلام يَقهر على الإيمان، أو أنه انتشر بالسيف..

بل هي تعني: أن الذي يرتكب جريمة محاربة الحق، ويحارب الله ورسوله، ويسعى في قتل أهل الحق لا يسلم من الجزاء العادل على عدوانه هذا إلا إذا أعلن تراجعه عن موقفه هذا.. واعترف بخطئه فيما ارتكبه من جرائم..

وقد تفضل الله تعالى عليه بهذا العفو، لأنه يريد أن يوفر على الأمة خسائر أكبر قد تنشأ من مواصلته مسيرته الإجرامية، حين يرى أنه هالك لا محالة..

المعادلة التي اعتمد عليها أبو سفيان:

وقد استند أبو سفيان في تقرير بطلان الشرك إلى معادلة تقول: إنه لو كان هناك إله آخر لكان أغنى عنه شيئاً في بدر، وفي أُحد، وفي سواهما.

ولكن ليت شعري لماذا لم يأخذ بهذه المعادلة منذ بدر، أو أُحد، أو الخندق، ليكون قد وفر على الأمة تلك الويلات والمآسي التي أصابتها بسبب بغيه وإصراره على الجحود والعدوان؟

علماً بأن طريقته هذه لا تؤدي إلى التوحيد التام، وإن كان هو قد نوه بذلك، لأن كلامه يدل على أن إله محمد «صلى الله عليه وآله» محق وإله أبي سفيان مبطل، ولكنه لا يدل على عدم صحة دعوى تعدد الآلهة.

لولا المعجزة لم يسلم أبو سفيان:

وتذكر رواية الراوندي: أن ذلك كله لم يقنع أبا سفيان بإعلان إسلامه، رغم تحذير العباس له بأنه إن لم يسلم جوزي بالقتل..

ولكن النبي «صلى الله عليه وآله» عامله أيضاً بالرفق، حيث أمر العباس بأن يأخذه إلى خيمته، وصار أبو سفيان يحدث نفسه: بأنه لو جمع الأحابيش، فلعله كان يهزم هذا الجيش، وإذ برسول الله «صلى الله عليه وآله» يناديه من خيمته، ويقول له: «إذن كان الله يخزيك».

وكان لا بد لأبي سفيان من أن يخضع للأمر الواقع فقد طفح الكيل، وبلغ في لجاجه حداً لم يعد له عذر فيه، فإن رسول الله «صلى الله عليه وآله» يقرأ نواياه، وأقر أبو سفيان بالشهادتين مرغماً ليحقن بذلك دمه.

فوفر على الناس المزيد من الخسائر، وانسحب من ساحة الصراع المسلح، ليدير صراعاً آخر، وبطريقة أخرى، ليكون صراعاً من الداخل يهدف إلى السعي للحصول هو وحزبه على أكبر قدر من المكاسب، بل على أهم المواقع والمناصب..

وأصبح كما يقول صاحب الإستيعاب وغيره: كهفاً للمنافقين([46]).

ولهذا البحث مجال آخر.

العتاب والجواب:

وقد ذكرت النصوص المتقدمة: أن أبا سفيان وحكيم بن حزام قد عاتبا رسول الله «صلى الله عليه وآله» بأسلوب يفتقر إلى أبسط قواعد اللياقة والأدب. حيث وصفا الجيش الذي كان معه بأنهم أوباش الناس، جاء ليحارب بهم أهله وعشيرته..

وقد نسيا:

أولاً: أن أبا سفيان نفسه لم يزل يجمع الأحابيش والأوباش وغيرهم، لمحاربة من هو من أهلهما وعشيرتهما طيلة ما يقرب من عقد من الزمن. بل إن أبا سفيان لم يتلفظ بالشهادتين إلا بعد أن أعلمه النبي «صلى الله عليه وآله»: بأنه يحدِّث نفسه لو أنه جمع الأحابيش لحرب رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وهو من أهله وعشيرته..

ثانياً: إن حرب أبي سفيان للنبي «صلى الله عليه وآله»، الذي هو من أهله وعشيرته، ما هي إلا حرب بغي وظلم، وهتك لحرمات الله تعالى..

ثالثاً: هل الاستعانة بمن يعرف ومن لا يعرف لدفع الظلم وإقامة العدل، قبيحة ومرفوضه!! ولا يكون غدر قريش بخزاعة في حرم الله وأمنه ونقضها لعهد الحديبية، وسعيها في تكريس نتائج الغدر ـ لا يكون ـ قبيحاً ومرفوضاً؟!

إن ذلك كله يبين لنا مدى صدقية قوله «صلى الله عليه وآله» لحكيم بن حزام ولأبي سفيان:

«أنتم أظلم وأفجر، قد غدرتم بعهد الحديبية، وظاهرتم على بني كعب بالإثم والعدوان، في حرم الله تعالى وأمنه».

وأما تحريضهما رسول الله «صلى الله عليه وآله» على هوازن، فلم يكن يهدف إلى إقامة الحق، وإجراء سنة العدل في هوازن على يدي رسول الله «صلى الله عليه وآله».. بل كان من منطلق ظالم، وغير منطقي، لأنهم استندوا في إغرائه بهم إلى أنهم أبعد رحماً، وأشد عداوة له. وليس هذا هو منطق الإسلام ونبي الله تعالى.

وقد جاءت إجابة النبي «صلى الله عليه وآله» لهما شديدة الوقع، بالغة الأثر، حيث قال:

«إني لأرجو من ربي أن يجمع لي ذلك كله: فتح مكة، وإعزاز الإسلام بها، وهزيمة هوازن، وغنيمة أموالهم، وذراريهم».

وقد تضمنت هذه الكلمات كل ما يغيظ الكفار ويذلهم، ويخزيهم.. لأن جمع ذلك كله له سيكون بالنسبة إلى أبي سفيان وابن حزام من أعظم الكوارث عليهما وعلى أهل الشرك.. بل إن الفوز بأية مفردة من تلك المفردات سيكون فيه أعظم الخزي والذل للشرك وأهله.. والمفردات التي أشار إليها هي:

1 ـ فتح مكة: التي كانوا يستطيلون بها على العرب، ويمتلكون من خلالها قلوبهم، ويفرضون إرادتهم.. وفي التسلط على مكة، وإبطال نفوذهم أعظم الخزي والذل لهم.

2 ـ إعزاز الإسلام في نفسه وهذا أيضاً سيكون من أعظم المصائب والملمات على أهل الشرك.. فكيف إذا كان هذا الإعزاز في مكة نفسها؟!

3 ـ هزيمة هوازن: وهذه أيضاً: فاجعة كبرى لمشركي قريش، لأنهم يرون فيها سنداً قوياً لهم. وسقوطها معناه: أن يفقدوا بها أملاً كان يهبهم بعض السكون والطمأنينة.

4 ـ غنيمة أموال هوازن: وهذا معناه: أن لا تقوم لها قائمة بعدها، وأن تخرج من معادلة الحرب والصراع بصورة تامة، ونهائية..

5 ـ إن الأشد إيلاماً لهم: أن النبي الكريم «صلى الله عليه وآله» لا يعتمد في تحقيق ذلك كله على نفسه وعلى هذا الجيش الهائل، بل هو يعتمد على ربه تبارك وتعالى.. الذي لم يكونوا في أي وقت في موقع رضاه، بل كانوا دائماً في موقع سخطه.

تصحيح اشتباه:

كان بديل بن ورقاء الخزاعي يقول: لما كان يوم الفتح أوقفني العباس بين يدي رسول الله «صلى الله عليه وآله» وقال: يا رسول الله، هذا يوم قد شرفت فيه قوماً، فما بال خالك بديل بن ورقاء، وهو قعيد حيه؟

قال النبي «صلى الله عليه وآله»: «إحسر عن حاجبيك يا بديل».

فحسرت عنهما، وحدرت لثامي، فرأى سواداً بعارضي، فقال: كم سنوك يا بديل؟

فقلت: سبع وتسعون يا رسول الله.

فتبسم النبي «صلى الله عليه وآله» وقال: «زادك الله جمالاً وسواداً، وأمتعك وولدك، لكن رسول الله «صلى الله عليه وآله» قد نيف على الستين، و قد أسرع الشيب فيه، اركب جملك هذا الأورق وناد في الناس: «إنها أيام أكل وشرب».

وكنت جهيراً، فرأيتني بين خيامهم وأنا أقول: أنا رسول رسول الله «صلى الله عليه وآله» يقول لكم: إنها أيام أكل وشرب، وهي لغة خزاعة، يعني الإجتماع([47]).

ونقول:

إننا لا نريد أن نزيد هنا شيئاً على ما قاله المجلسي «رحمه الله»: «والمشهور: أن هذا النداء كان في حجة الوداع، لا عام الفتح»([48]).


([1]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص219 عن ابن عساكر، وتاريخ مدينة دمشق ج15 ص106 وتهذيب تاريخ دمشق ج4 ص419 وتهذيب الكمال ج7 ص182 وتهذيب التهذيب ج2 ص348 ومستدرك الحاكم ج3 ص595 والسيرة الحلبية ج3 ص79 وكنز العمال ج11 ص759 وأسد الغابة ج1 ص271.

([2]) السيرة الحلبية ج3 ص79 و (ط دار المعرفة) ص18 وج2 ص62.

([3]) راجع: الإصابة ج1 ص226 والإستيعاب (مطبوع مع الإصابة) ج1 ص230 والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج2 ص62 وج3 ص18 والمحلى ج11 ص62 وعمدة القاري ج10 ص3 وج14 ص295 والتمهيد لابن عبد البر ج9 ص147وخلاصة تهذيب الكمال ص60 وإسعاف المبطأ ص23 والمعارف لابن قتيبة ص285 والمنتخب من ذيل المذيل للطبري ص52 والوافي بالوفيات ج11 ص44 وأعيان الشيعة ج4 ص67.

([4]) الإستيعاب (مطبوع مع الإصابة) ج1 ص230 والتمهيد لابن عبد البر ج9 ص147 وأعيان الشيعة ج4 ص67.

([5]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص214 عن البيهقي، والمغازي للواقدي ج2 ص812 وتاريخ الإسلام للذهبي ج2 ص542 ومنتخب الكلام في تفسير الأحلام لابن سيرين ج1 ص380 وشرح النهج للمعتزلي ج17 ص268 وإمتاع الأسماع ج1 ص357.

([6]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص214 عن ابن إسحاق، والواقدي، وبه جزم ابن عائذ، وغيرهم. والسيرة الحلبية ج3 ص78 ومجمع البيان ج10 ص555 و 556 والبحار ج21 ص103 وراجع ص127 وراجع: تاريخ الخميس ج2 ص80 وعمدة القاري ج17 ص279 والطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص135 وإمتاع الأسماع ج8 ص385 وأعيان الشيعة ج1 ص275 وعيون الأثر ج2 ص185 والمعجم الكبير ج8 ص10 والسيرة النبوية لابن هشام ج4 ص859.

([7]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص214 عن إسحاق بن راهويه، والحاكم، والبيهقي، ودلائل النبوة للبيهقي ج4 ص27 والسيرة الحلبية ج3 ص77 و 78 ومجمع البيان ج10 ص555 والبحار ج21 ص103 و 127 والمغازي للواقدي ج2 = = ص814 وتفسير البغوي ج4 ص538 وشرح معاني الآثار ج3 ص320 والثقات لابن حبان ج2 ص43 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص328 والمستدرك للحاكم ج3 ص43 والبداية والنهاية ج4 ص230 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص546.

([8]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص214 والسيرة الحلبية ج3 ص78 و (ط دار المعرفة) ص15 ومجمع البيان ج10 ص556 والبحار ج21 ص103 والمغازي للواقدي ج2 ص814 وتاريخ الخميس ج2 ص80 وعيون الأثر ج2 ص186وفتح الباري ج8 ص5 وعمدة القاري ج17 ص279 وشرح النهج للمعتزلي ج17 ص268 والطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص135 وإمتاع الأسماع ج1 ص358 وج8 ص385 وأعيان الشيعة ج1 ص275.

([9]) المغازي للواقدي ج2 ص814.

([10]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص214 و 215 وفي هامشه عن البخاري ج7 ص597 والسيرة الحلبية ج3 ص78 وراجع: مجمع البيان ج10 ص556 والبحار ج21 ص103 و 128 وراجع: تاريخ الخميس ج2 ص80 والمغازي للواقدي ج2 ص814 وراجع: كنز العمال ج10 ص507 وتاريخ مدينة دمشق ج23 ص448 والبداية والنهاية ج4 ص333 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص553 .

([11]) البحار ج21 ص128 ومستدرك سفينة البحار ج8 ص108 وإعلام الورى ج1 ص220.

([12]) المغازي للواقدي ج2 ص814 وإمتاع الأسماع ج1 ص358 وغريب الحديث ج2 ص529.

([13]) المغازي للواقدي ج2 ص815.

([14]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص215 و 216 عن إسحاق بن راهويه، والسيرة الحلبية ج3 ص78 ومجمع البيان ج10 ص556 والبحار ج21 ص103 و 127 و 128 وراجع: المغازي للواقدي ج2 ص816 و 818 و 819 وراجع ص815 وشرح النهج للمعتزلي ج17 ص268 وكنز العمال ج10 ص506 و 507 وتاريخ مدينة دمشق ج23 ص450 و 451.

([15]) تاريخ الخميس ج2 ص95.

([16]) المغازي للواقدي ج2 ص815 وتاريخ الخميس ج2 ص80 و 81 والطبقات الكبرى ج2 ص135 وإمتاع الأسماع ج1 ص358.

([17]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص216 وفي هامشه: عن ابن أبي شيبة ج14 ص475، والسيرة الحلبية ج3 ص78 و 79 و (ط دار المعرفة) ص17 ومجمع البيان ج10 ص556 و (ط مؤسسة الأعلمي) ص471 والبحار ج21 ص103 و 104 و 128 وراجع: شرح معاني الآثار ج3 ص320 و 321 والدرر لابن عبد البر ص216 وشرح نهج البلاغة ج17 ص269 وتفسير نور الثقلين ج5 ص694 وتفسير الميزان ج20 ص381 وتفسير البغوي ج4 ص538 وتفسير القرآن العظيم ج4 ص122 والثقات لابن حبان ج2 ص46 وتاريخ مدينة دمشق ج23 ص449 وتاريـخ الأمـم والملـوك ج2 ص331 وتاريخ الإسـلام للذهبي ج2 ص540 والبداية والنهاية ج4 ص331 والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج2 ق2 ص43 والسيرة النبوية لابن هشام ج4 ص862 وعيون الأثر ج2 ص187 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص548 وشرح إحقاق الحق ج33 ص147.

([18]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص216 عن ابن عقبة والواقدي، والسيرة الحلبية ج3 ص79 و (ط دار المعرفة) ص18 والمغازي للواقدي ج2 ص815 وإمتاع الأسماع ج1 ص359.

([19]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص216 عن ابن أبي شيبة، والفايق في غريب الحديث ج1 ص312 وكنز العمال ج10 ص533 وغريب الحديث لابن سلام ج2 ص132 والمصنف لابن أبي شيبة ج8 ص528.

([20]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص216 والسيرة الحلبية ج3 ص79 والبحار ج21 ص129 عن إعلام الورى ج1 ص221 وراجع: فتح الباري ج8 ص6 والمصنف لابن أبي شيبة ج8 ص532 وتفسير السمرقندي ج2 ص43.

([21]) السيرة الحلبية ج3 ص79 و (ط دار المعرفة) ص18.

([22]) البحار ج21 ص129 وإعلام الورى ج1 ص221.

([23]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص217 والسيرة الحلبية ج3 ص79 و (ط دار المعرفة) ص17 والبحار ج21 ص129 عن إعلام الورى ج1 ص221، والمغازي للواقدي ج2 ص815 وتاريخ الخميس ج2 ص81 وعون المعبود ج8 ص180 والثقات لابن حبان ج2 ص46 والبداية والنهاية ج4 ص331 والسيرة النبوية لابن هشام ج4 ص862 وعيون الأثر ج2 ص187 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص549.

([24]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص217 عن ابن عقبة، والواقدي، والبحار ج21 ص129 عن إعلام الورى، والمغازي للواقدي ج2 ص815 و 816.

([25]) البحار ج21 ص129 عن إعلام الورى ج1 ص221 ومستدرك سفينة البحار ج8 ص109.

([26]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص217 و 218 عن ابن أبي شيبة، وفي هامشه عن: كنز العمال برقم (30173) والسيرة الحلبية ج3 ص79 و 80 ومجمع البيان ج10 ص556 والبحار ج21 ص 104 و 128 و 129 والمغازي للواقدي ج2 ص815 و 816 و 817 و 818 وتاريخ الخميس ج2 ص81.

([27]) البحار ج21 ص118 و 119 عن الخرايج والجرايح ج1 ص163.

([28]) الآية 20 من سورة ص.

([29]) الآية 35 من سورة ص.

([30]) البحار ج21 ص118 عن الخرايج والجرائح ج1 ص162.

([31]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص214 و 215 عن الطبراني، ومجمع الزوائد ج5 ص172 و (ط دار الكتب العلمية) ج6 ص169 والمعجم الكبير ج7 ص76.

([32]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص215 عن ابن عقبة، والسيرة الحلبية ج3 ص79 و (ط دار المعرفة) ص17.

([33]) السيرة الحلبية ج3 ص78 و (ط دار المعرفة) ص17.

([34]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص215 عن ابن أبي شيبة، وشرح معاني الآثار ج3 ص314 وكنز العمال ج10 ص526 وتفسير السمرقندي ج2 ص43 والمصنف لابن أبي شيبة ج8 ص532.

([35]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص215 عن ابن أبي شيبة، والسيرة الحلبية ج3 ص79 و (ط دار المعرفة) ص17 وإمتاع الأسماع للمقريزي ج1 ص359 ونيل الأوطار ج8 ص169 وفتح الباري ج8 ص5 وراجع: السيرة النبوية لابن كثير ج3 ص548 والبداية والنهاية ج4 ص331.

([36]) السيرة الحلبية ج3 ص78 و (ط دار المعرفة) ص16.

([37]) السيرة الحلبية ج3 ص80 و (ط دار المعرفة) ص19.

([38]) راجع: المحلى لابن حزم ج11 ص193 وفرق الشيعة ص7 والمقالات والفرق ص4 وراجع: تاريخ الأمم والملوك ج3 ص255 وتاريخ الردة ص10 وراجع: مجمع الأمثال ج2 ص65 والفتوح لابن أعثم ج1 ص58.

([39]) راجع مصادر ذلك تحت عنوان: الجرأة على الدماء.

([40]) مسند أحمد ج3 ص15 والمصنف للصنعاني ج10 ص155 و 156 ومجمع الزوائد ج6 ص225 و 226 و 227 والبداية والنهاية ج7 ص299 وشرح النهج للمعتزلي ج2 ص266 و 267 والكامل في الأدب ج3 ص220 و221 ونيل الأوطار للشوكاني ج7 ص351 والمراجعات للسيد شرف الدين ص376 و 378 والنص والإجتهاد للسيد شرف الدين ص96 والغديرج7 ص216 وأهمية الحديث عند الشيعة للشيخ آقا مجتبي العراقى ص217 وفتح الباري ج12ص266 والفصول المهمة للسيد شرف الدين ص121.

([41]) كشف الأستار عن مسند البزار ج2 ص360 و 361 والعقد الفريد ج2 ص404 وراجع المصنف للصنعاني ج10 ص155 و 156 ومجمع الزوائد ج6 ص226 و 227 والمناقب لابن شهراشوب ج3 ص187 و 188 عن مسند أبي يعلى، والإعانة لابن بطة، والعكبري. وزينة أبي حاتم الرازي، وكتاب أبي بكر الشيرازي وغيرهم والطرائف ج2 ص 429 والبداية والنهاية ج7 ص 298 والغدير ج7 ص216 وحلية الأولياء ج2 ص317 و ج3 ص 227 والإصابة ج1 ص484 والنص والإجتهاد ص 93 و 94 عن بعض ما تقدم.

([42]) راجع موقفه هذا في هذا الكتاب في غزوة بدر، فصل: الغنائم والأسرى.

([43]) العقد الفريد ج2 ص289 والكامل للمبرد ج1 ص319.

([44]) الآية 1 من سورة الحجرات.

([45]) الآية 4 من سورة المنافقون.

([46]) سبل الهدى والرشاد ج4 ص351 والإستيعاب (ط دار الكتب العلمية) ج4 ص58 و (ط دار الجيل) ص1678 والإكمال في أسماء الرجال للخطيب التبريزي ص104 والنزاع والتخاصم للمقريزي ص58 وراجع: الغدير ج3 ص253 وج8 ص278 وشيخ المضيرة لأبي رية ص161 والنصائح الكافية لابن عقيل ص110.

([47]) الأمالي لابن الشيخ ص239 و (ط دار الطباعة والنشر ـ قم) ص376 والبحار ج21 ص115 وج96 ص308 وراجع: الإصابة ج1 ص141.

([48]) البحار ج21 ص116.

 
   
 
 

العودة إلى موقع الميزان