بعوث وسرايا قبل بني جذيمة

   

صفحة : 223-244  

بعوث وسرايا قبل بني جذيمة

بـدايـة:

قد ذكروا: أن النبي «صلى الله عليه وآله» أرسل، وهو في مكة العديد من السرايا، التي كانت تهدف إلى إزالة آثار الشرك من المنطقة، وذلك في اتجاهين:

أحدهما: هدم الأصنام الني كانت مقامة في تلك المناطق، بعد أن أزيل ما كان منها معلقاً على الكعبة، وما كان على المسجد الحرام.

الثاني: دعوة الناس إلى الله تبارك وتعالى، وحده لا شريك له.

وقد ذكروا من القسم الأول والثاني وفق ترتيب المسعودي وغيره ما يلي:

1 ـ سرية خالد بن الوليد في شهر رمضان إلى نخلة اليمانية، لهدم العزّى فيها.

2 ـ سرية عمرو بن العاص في شهر رمضان إلى سواع، برهاط، فهدمه.

3 ـ سرية سعد بن زيد الأشهلي ـ هو من الأوس ـ في هذا الشهر إلى مناة بالمشلل، فهدمه.

4 ـ سرية خالد بن سعيد بن العاص إلى عرنة.

5 ـ سرية هشام بن العاص إلى يلملم.

6 ـ سرية الطفيل بن عمرو الدوسي في شوال إلى ذي الكفين، صنم عمرو بن حممة الدوسي، فهدمه.

7 ـ سرية خالد بن الوليد إلى بني جذيمة([1]).

ونقول:

هذا ما ذكره المسعودي وغيره هنا. غير أن بعضه محل نظر وإشكال، فإن بعض ما ذكروه وإن كان قد وقع قبل غزوة حنين، ولكن بعضه الآخر مختلف فيه، مع تصريح بعضهم بما يدل على أنه متأخر عن غزوة حنين. وذلك مثل سرية الطفيل بن عمرو الدوسي إلى ذي الكفين، فإنها وقعت حين أراد النبي «صلى الله عليه وآله» المسير إلى الطائف.

وبعض ثالث مما ذكر لم نجد فيما اطلعنا عليه من المصادر ما يكفي للحكم عليه، بل لم نجد ما يمكِّننا من إفراده بالذكر، وذلك مثل:

ألف: سرية خالد بن سعيد إلى عرنة.

ب: سرية هشام بن العاص إلى يلملم.

وقد أضاف آخرون إلى ما تقدم عدة سرايا ذكروها قبل ذكرهم لسرية خالد إلى بني جذيمة وهي:

9 ـ سرية غالب بن عبد الله إلى بني مدلج.

10 ـ سرية عمرو بن أمية الضمري إلى بني الديل.

11 ـ سرية عبد الله بن سهيل بن عمرو إلى بني محارب بن فهر([2]).

وسنحاول إن شاء الله ذكر هذه البعوث والسرايا وفقاً للترتيب والترقيم المذكور أعلاه، فنقول:

1 ـ سرية خالد لهدم العزى:

لقد أرسل النبي «صلى الله عليه وآله» خالد بن الوليد إلى العزى، ليهدمها، لخمس ليال بقين من شهر رمضان سنة ثمان، وكانت بيتاً بنخلة([3]).

وكان سدنتها، وحجابها: من بني شيبان، من بني سليم حلفاء بني هاشم، وكانت أعظم أصنام قريش وجميع كنانة.

وذلك: أن عمرو بن لحي كان قد أخبرهم أن الرب يشتي بالطائف عند اللات، ويصيف عند العزى، فعظموها، وبنوا لها بيتاً. وكانوا يهدون إليها كما يهدون للكعبة([4]).

وزعموا: أن خالداً ذهب إليها، فقلعها، واستأصلها، فخرجت منها عجوز عريانة، سوداء، ثائرة الرأس، فضربها خالد بسيفه، فقتلها([5]).

غير أننا نظن: أن هذه القصة قد تعرضت للتشويه والتحريف، بهدف التمويه على ما بدر من خالد، من مخالفة لأمر رسول الله «صلى الله عليه وآله»، حيث تذكر النصوص أيضاً: أن خالداً لم يقلع العزَّى، ولم يهدمها، بل رجع إلى النبي «صلى الله عليه وآله»، وأخبره أنه قد قلعها.

فقال له «صلى الله عليه وآله»: هل رأيت شيئاً؟!

قال: لا.

قال: ما قلعت.

وفي رواية قال: إنك لم تهدمها، فارجع إليها فاهدمها.

فعاد إليها خالد متغيظاً ومعه المعول، فقلعها، فخرجت منها عجوز الخ..([6]).

ونص آخر يقول: إن خالداً خرج في ثلاثين فارساً من أصحابه.

قال ابن إسحاق: فلما سمع سادنها السلمي بسير خالد إليها علَّق عليها سيفه، وأسند في الجبل الذي هي فيه وهو يقول:

أيـا عـزَّ شـدي شـدة لا شوى لها                على خالـد ألقي القنـاع وشـمـري
أيـا عـزَّ إن لم تـقـتـلي المرء خالداً             فـبـوئـي بإثم عاجـل أو  تُـنَصَّري

قالوا: فأتاها خالد، فقطع السمرات، وهدمها، ثم رجع إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» فأخبره.

فقال: «هل رأيت شيئاً»؟

قال: لا.

قال: «فإنك لم تهدمها، فارجع إليها فاهدمها».

فرجع خالد وهو متغيظ. فلما رأت السدنة خالداً انبعثوا في الجبل، وهم يقولون: يا عزَّى خبليه، يا عزَّى عوريه، ولا تموتي برغم.

فخرجت إليه (امرأة عجوز) سوداء، عريانة، ثائرة الرأس مولولة، زاد أبو الطفيل: تحثو التراب على رأسها ووجهها. فضربها خالد وهو يقول:

يـا عـزَّ كـفرانـك لا سـبـحانـك            إنـي رأيـت الله قــد أهــانــــك

فجزَّلها اثنتين، ثم رجع إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فأخبره.

فقال: «نعم، تلك العزى قد يئست أن تعبد ببلادكم أبداً»([7]).

الحدث في قفص الإتهام:

ونلاحظ على هذه الروايات أموراً عديدة:

فأولاً: هل كانت هذه العجوز السوداء من الإنس أو من الجن؟!

وإذا كانت من الجن.. فهل يمكن لخالد أن يقتل الجن بسيفه؟!

وإذا كانت السيوف الإنسية تقتل الجن.. فلماذا لم تتجنب تلك الجنية سيف خالد؟!

وما هو مصير جثتها بعد قتلها؟! هل بقيت ظاهرة للعيان؟ أم اختفت؟!

وإذا كانت قد اختفت.. فكيف يمكن إثبات صحة قتلها وموتها؟!

وهل يمكن لخالد في هذه الحال: أن يثبت صحة ما يدَّعيه لنفسه من بطولة، وعظمة؟!

وهل كان أمثال هذه العجوز، يوجدون عند سائر الأصنام، مثل هبل، واللات، وودّ، وسواع، ومناة و.. و.. الخ..؟!

وهل ظهرت تلك العجائز على الذين هدموا تلك الأصنام، واقتلعوها؟!

ثانياً: لماذا كذب خالد فيما أخبر به رسول الله «صلى الله عليه وآله»؟! فأخبره بأنه قد هدم العزَّى، والحال أنه لم يهدمها.

ثالثاً: لماذا لم يهدم خالد العزَّى في المرة الأولى؟! هل لأنه خاف من ان يكون لها تأثير عليه، من حيث أنه يعتقد: بأن لها شأناً وأثراً؟!

فإن كان الأمر كذلك، فهو يثير أكثر من علامة استفهام حول صحة إيمان خالد، وحول إخلاصه فيما يدَّعيه من التخلي عن الشرك، وعبادة غير الله تعالى.

رابعاً: إنه حين عاد خالد إلى العزَّى متغيظاً، إن كان تغيظه على العزَّى؟ فلماذا حدث هذا التغيظ منه الآن، ولم يكن حين ذهب إليها ثم رجع؟!

وإن كان هذا التغيظ على رسول الله «صلى الله عليه وآله» نفسه، حيث كشف أمره، وفضحه، فذلك قد يصل إلى حد الكفر والخروج من الدين..

وإن كان تغيظ على نفسه، وعلى ارتكابه ما أوجب الفضيحة وظهور الكذب، وافتضاح النوايا، فهذا ما لا سبيل إلى تلافيه، بعد ان أوقع نفسه فيه، ولكن ذلك لا يعفيه من المسؤولية، بل هو يقترب في قبحه وفي تأثيراته من الخيار الثاني الآنف..

خامساً: قد تكرر هذا الحديث بعينه بالنسبة لنائلة أيضاً، ولكنهم لم يذكروا أن أحداً قتل تلك العجوز. وتقدم ذلك.

وذكر هذا الحديث بعينه، مع ذكر قتلها بالنسبة لمناة، حيث زعموا: أن سعد بن زيد قتلها أيضاً.

ولكن عمرو بن العاص لم ينل هذا الشرف، ولا خرجت له شيطانه، ولا شيطان حين هدم سواعاً.

ملاحظة: إننا نظن أنهم أرادوا أن ينسبوا لخالد فضيلة حرب الجن، وهي كرامة ثابتة لعلي أمير المؤمنين «عليه السلام»، لكي يرفعوا من شأن خالد، ويقللوا من شأن علي «عليه السلام»، حيث لا تبقى هذه الفضيلة منحصرة فيه ولا هي من خصائصه وميزاته على غيره.

السادن.. بين الذكاء والغباء:

ثم إن ما فعله السادن من تعليق السيف برقبة الصنم ليدافع عن نفسه، فيه دلالة ظاهرة على أنه كان مدركاً بفطرته، وبعقله سخافة عبادتهم لصنم، لا يضر ولا ينفع، ولا يبصر ولا يسمع. وتصرفه هذا يشير إلى ذكائه، وحسن تخلصه من المسؤولية، ودفع أي اعتراض عليه، أو مؤاخذة له، فيما يرتبط بعدم مبادرته للدفاع عن ذلك الصنم المشؤوم.

ولو أنه كان يؤمن بأن للصنم القدرة على المقاومة، والدفاع عن نفسه، فإنه يكون في غاية الغباء، وفي منتهى السذاجة، والتغفيل..

هل هذه سرية؟!:

إن تسمية هدم العزَّى التي كانت مجرد صنم في بيت ببطن نخلة بأنه «سرية» لعله لا يخلو من مسامحة، بل مبالغة، لأجل تعظيم شأن خالد، وتعويضه عن بعض ما فقده في قصة بني جذيمة.

وكذلك الحال في قصة هدم عمرو بن العاص لسواع، فإنه لم يكن هناك أحد من الناس يخشى منه سوى سادنه.

كما أن من الملاحظ: أن الذي حضر هدم العزَّى أيضاً هو خصوص السادن دون سواه..

فلعل إرسال ثلاثين رجلاً مع خالد قد كان بهدف الحماية من مخاطر الطريق، فلا يتعرض له أحد بسوء.

أو لعله كان لغرض آخر، مثل دعوة بعض القبائل التي قد تصادفهم في الطريق إلى الدخول في هذا الدين.

قبل قصة بني جذيمة أو بعدها:

قال الصالحي الشامي:

ذكر ابن إسحاق ومن تابعه، إرسال خالد لهدم العزى بعد سرية خالد إلى بني جذيمة.

وذكرها محمد بن عمر، وابن سعد، والبلاذري، وجرى عليه في المورد والعيون، وجزم به في الإشارة قبلها. وارتضاه في الزهر، وقال: إن في الأول نظراً، من حيث إن رسول الله «صلى الله عليه وآله» كان قد وجد على خالد في أمر بني جذيمة، ولا يتجه إرساله بعد ذلك في بعث.

والذي ذكره غير واحد، منهم الواقدي، وتلميذه محمد بن سعد: أن سرية خالد إلى العزَّى كانت لخمس ليال من شهر رمضان، وسرية خالد إلى بني جذيمة كانت في شوال سنة ثمان.

قلت: إن صح ما ذكره ابن إسحاق من كون سرية خالد لهدم العزَّى بعد سرية بني جذيمة، فوجهه: أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» رضي عليه، وعذره في اجتهاده([8]).

غير أننا نقول:

إن سرية خالد لهدم العزَّى لا ربط لها بوجد النبي «صلى الله عليه وآله» على خالد، بسبب الجريمة التي ارتكبها في حق بني جذيمة. وإنما هي متصلة بسياسة رسول الله «صلى الله عليه وآله» في اقتلاع جذور الشرك من قلوب أولئك الناس الطامحين والمغامرين. أو على الأقل إحراق آخر خيوط الأمل الذي ربما يراودهم في العودة إلى السقوط في حمأة الشرك، وتلويث النفوس بقاذوراته.

كما أن ذلك يساعد على قطع علاقة الناس السذج والبسطاء بهذا النوع من الناس، الذي يحمل رواسب من هذا النوع، وتكريس علاقتهم بمصدر الوحي، ورمز الفضيلة والإيمان والتقوى..

فكان «صلى الله عليه وآله» يريد أن يحطم اصنامهم بأيدي خصوص هؤلاء الذين يتعاملون مع القضايا بمنطق انتهاز الفرص، واقتناصها، ليصبح أمرهم ظاهراً، وليأمن الناس بوائقهم، التي قد تتجه إلى نحو من العمل السري والتآمري، الذي يريد أن يحفظ معالم الإنحراف، مختزنة في نفوس الضعفاء، والسذج، والبسطاء، ليستفيد منها في الموقع المناسب.

وعلى هذا الأساس نقول:

إن قولهم: إنه لا يمكن أن يكلف النبي «صلى الله عليه وآله» خالداً بهدم العزى بعد أن فعل ببني جذيمة ما فعل غير صحيح.

وذلك لأن النبي «صلى الله عليه وآله» كان سيبعث خالداً لهدم العزَّى، وعمرو بن العاص لهدم سواع، حتى لو ارتكب خالد جريمته في حق بني جذيمة.. وحتى لو ظهرت من عمرو بن العاص البوائق والمعاصي.

بل إن ظهور ذلك من هذا أو ذاك يؤكد لزوم اختيارهما لهذه المهمة، كما هو ظاهر لا يخفى.

فما ذكره الصالحي الشامي أو غيره: من أن من الممكن أن يكون «صلى الله عليه وآله» قد رضي على خالد، ليصح إرساله لهدم العزَّى.. غير صحيح.

ولعل الصحيح هو: أنه كان غاضباً على خالد، فاقتضى هذا الغضب نفسه، أن يرسله في هذه المهمة. رفقاً بالناس، وحفظاً للدين، وإقامة للحجة عليه وعلى أمثاله.

2 ـ هدم سواع:

قال الواقدي، وابن سعد وغيرهما: في شهر رمضان بعث رسول الله «صلى الله عليه وآله» عمرو بن العاص إلى سواع: صنم هذيل بن مدركة، وقيل: لهمدان([9])، وكان على صورة امرأة ليهدمه.

قال عمرو: فانتهيت إليه، وعنده السادن، فقال: ما تريد؟

فقلت: أمرني رسول الله «صلى الله عليه وآله» أن أهدمه .

قال: لا تقدر على ذلك.

قلت: لم؟

قال: تمنع.

قلت: حتى الآن أنت على الباطل؟! ويحك، وهل يسمع أو يبصر؟

قال: فدنوت منه فكسرته، وأمرت أصحابه (أصحابي) فهدموا بيت خزانته فلم نجد فيه شيئاً.

ثم قلت للسادن: كيف رأيت؟

قال: أسلمت لله تعالى([10]).

وزعموا: أن هذا الصنم سمي سواعاً على اسم سواع بن شيث بن آدم «عليه السلام»، وقد كان هذا الصنم لقوم نوح «عليه السلام»، ثم صار لهذيل.

كان برهاط: قرية جامعة على ثلاثة أميال من مكة على ساحل البحر يحجون إليه([11]).

وبعدما تقدم فإننا نطلب من القارئ الكريم، أن يلاحظ ما يلي:

1 ـ إن الرواة هنا لم يذكروا لنا إن كان مع عمرو بن العاص أحد. فضلاً عن أن يذكروا عدد من كان معه حين ذهب لهدم سواع.

2 ـ إن أصحاب الصنم هم الذين هدموا خزانته بأمر من عمرو بن العاص.

3 ـ أين ذهبت الأموال أو التحف، أو الأمتعة التي كانوا يتوقعون وجودها في خزانة الصنم؟! فإن الناس كانوا يهدون لأصنامهم أشياء مختلفة.

4 ـ إن عمرو بن العاص يستدل على السادن بدليل كان الأحرى، والأجدر به أن يستدل هو به على نفسه، فإنه كان إلى الأمس القريب يعبد تلك الأصنام، ويتقرب لها.

5 ـ هل يصح تكليف رجل واحد بمهمة هدم صنم أن يوصف بأنه سرية؟!

3 ـ هدم مناة وقتلها:

قالوا: بعث رسول الله «صلى الله عليه وآله» في شهر رمضان بعد فتح مكة([12]) سعد بن زيد الأشهلي إلى مناة لهدمها، وكانت (بالمشلل([13])) للأوس والخزرج، وغسان.

وقيل: مناة لخزاعة. وكانت بقديد. قاله قتادة([14]).

وقيل: هي صخرة كانت لهذيل وخزاعة وثقيف([15]).

فخرج في عشرين فارساً حتى انتهى إليها وعليها سادن. فقال السادن: ما تريد؟

قال: هدم مناة.

قال: أنت وذاك.

فأقبل سعد يمشي إليها، وتخرج إليه امرأة عريانة، سوداء، ثائرة الرأس، تدعو بالويل، وتضرب صدرها.

فقال السادن: مناة!! دونك بعض غضباتك.

ويضربها سعد بن زيد الأشهلي فقتلها. ويقبل إلى الصنم معه أصحابه، فهدموه.

ولم يجد في خزانتها شيئاً.

وانصرف راجعاً إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله»([16]).

ونحن نسجل هنا الأمور التالية:

1 ـ إننا لا نستطيع أن نؤيد صحة ما ذكرته الرواية آنفاً: من أن مناة كانت للأوس، والخزرج، وغسان. فأين عنها غسان في الشام؟! والأوس والخزرج في المدينة؟!

في حين أن المشلل موضع لجهة البحر، وهو الجبل الذي يهبط منه إلى قديد.

2 ـ هل يصح تسمية مهمة هدم صنم بأنه سرية؟!

3 ـ لماذا يخلي السادن بين سعد بن زيد وبين الصنم ليهدمه، فلا يمانع، أو لا يظهر انزعاجه، أو رأيه ولو بكلمة، أو لا يحذر الفاعل من عواقب ما يقدم عليه كما فعل سادن سواع والعزى؟!

بل هو يقول للمهاجم: أنت وذاك.

ولكنه حينما رأى تلك المرأة خرجت إليه، يقول لها: مناة!! دونك بعض غضباتك.

على أن ثمة سؤالاً آخر هنا، وهو: هل كان ذلك السادن يعرف مناة؟!

وهل كان قد رآها قبل هذه المرة؟!

ولماذا لم يكن هذا الأمر قد اشتهر بالجزيرة العربية بأسرها؟!

4 ـ يلاحظ هنا: أن المرأة العريانة السوداء الخ.. لا تخرج لمواجهة خالد في المرة الأولى حتى عاد إليها، واقتلعها، فخرجت.

ولكن مناة تخرج لسعد بن زيد بمجرد توجهه نحو الصنم.

5 ـ يلاحظ أيضاً: توافق صفات العزى، وحركاتها، مع صفات مناة، وحركاتها، فهي عريانة.. سوداء.. ثائرة الرأس.. تدعو بالويل.. تضرب صدرها.. امرأة.

6 ـ ويلاحظ: أن سعد بن زيد لا يجد في خزانة مناة شيئاً أيضاً!!

4 ـ سرية خالد بن سعيد إلى عرنة:

5 ـ سرية هشام بن العاص إلى يلملم:

وقد قلنا: إن ما راجعناه من مصادر لا يسمح لنا بتقديم تفاصيل تذكر عن أحداث محتملة حصلت في هاتين السريتين.

6 ـ سرية الطفيل الدوسي إلى ذي الكفين:

وسيأتي الحديث عن هذه السرية قبيل مسير النبي «صلى الله عليه وآله» إلى الطائف، لأنها كانت بعد حنين.

7 ـ سرية غالب بن عبد الله إلى بني مدلج:

وقالوا: إنه «صلى الله عليه وآله» بعث (وهو في مكة) غالب بن عبد الله في سرية دعوة إلى بني مدلج، فقالوا: لسنا عليك ولا معك.

فقال الناس: اغزهم يا رسول الله!

فقال: إن لهم سيداً أديباً أريباً، ورب غاز من بني مدلج شهيد في سبيل الله([17]).

ونقول:

1 ـ إن ذلك يدل على أنه «صلى الله عليه وآله» كان عارفاً بأدق التفاصيل في المحيط الذي يتعامل معه، بل كان أعرف الناس بطبائع الأشخاص وحالاتهم. كما أنه يعرف مدى نفوذهم وتأثيرهم، ويتخذ قراراته على هذا الأساس.

ولكن هل هذه المعرفة كانت مكتسبة له من خلال ما تهيأ له من وسائل عادية؟! أم انها مرتبطة بالتسديد، واللطف الإلهي، والإمداد الغيبي؟!

إننا نرى صحة هذا الخيار الأخير، ولا نجد فيه أي محذور، فإن التدخل الغيبي الإلهي لإيصال المنافع للبشر، ودفع المضار عنهم أمر مشهود في تاريخ البشر.

ولكن إذا كان يراد بهذا التدخل التوصل إلى سلب الناس القدرة على التصرف، وعلى الإختيار، أو أخذهم ومؤاخذتهم استناداً إلى معارف حصلت بوسائل غير عادية، ولا تقع تحت قدرتهم، فذلك هو المحذور الذي لا يمكن أن يكون له أي دور في السياسة الإلهية للبشر، أو في التعامل معهم.

2 ـ إنه «صلى الله عليه وآله» لم يكتف بما ذكره لهم، من معرفته الدقيقة بكل ما من شأنه أن يؤثر على مسار الأمور، بحيث تنتهي إلى ما يحبه المسلمون.. بل هو قد تجاوز ذلك بإخبارهم الغيبي عن مستقبل بني مدلج في هذا الدين، وأنهم سيدخلون فيه، وسيكون منهم الشهداء في سبيل الله.. الأمر الذي يصل بالأمور لدى أصحابه إلى درجة اليقين بالنتائج، فلا موضع للتوهم في أن يكون ما يخبرهم به مجرد توقعات يطلقها على سبيل التفاؤل للربط على القلوب، وشحذ العزائم، وإيقاظ الهمم.

3 ـ إنه «صلى الله عليه وآله» لم يشر إلى ما سيفعله سيد بني مدلج!! هل سوف يُسلم؟! أم أنه سيبقى على شركه؟! لكنه، وهو السيد الأديب الأريب سيمنع قومه من إظهار العداوة، ومن إثارة المتاعب، والدخول في تحالفات، أو في مؤامرات ضد الإسلام والمسلمين، وهذا يكفي مبرراً للكف عن بني مدلج..

4 ـ إن هذا الذي جرى يظهر: أنه «صلى الله عليه وآله» لم يكن يريد حمل الناس على الإسلام، ولا كان يريد أن يستفيد من عنصر القوة إلا حين تُلجئه الظروف إلى ذلك، وذلك حين يعلن الآخرون الحرب على الإسلام وأهله، دون أن تكون هناك أية فرصة لدفع شرهم، ورد عاديتهم إلا بالتوسل بالقوة.

5 ـ إنه «صلى الله عليه وآله» كان حريصاً على ممارسة حقه في دعوة الناس إلى الحق، وتعريفهم، وإبلاغهم بنبوته، وإقامة الحجة عليهم فيها، وفيما يدعو إليه.. ثم يترك الخيار لهم.

8 ـ سرية عمر بن أمية إلى بني الديل:

وبعث «صلى الله عليه وآله» عمر بن أمية الضمري إلى بني الديل، فدعاهم إلى الله ورسوله، فأبوا اشد الإباء، فقال الناس: اغزهم يا رسول الله.

فقال: «صلى الله عليه وآله»: أتاكم الآن سيدهم قد أسلم، فيقول لهم: أسلموا، فيقولون: نعم([18]).

ونقول:

إننا بالإضافة إلى ما قدمناه في الحديث عن غزوة بني مدلج، نقول:

إنه «صلى الله عليه وآله» قد توقع لأصحابه قرب قدوم سيدهم إليهم، وحتمية تحقق ما يخبرهم به، حيث قال: «أتاكم الآن سيدهم» بصيغة الفعل الماضي الدال على التحقق والوقوع.

ثم أخبر عن إسلام سيد بني الديل قبل قدومه.

ثم توقع أن يكون نفس سيدهم داعية لقومه إلى الدخول في الإسلام، وذلك سيوفر على المسلمين مشكلات كثيرة، وقد تكون كبيرة أيضاً. وسيسهل على بني الديل الدخول في دين الله، من دون أي خوف أو وجل، أو توقع إساءة أو ملامة من رئيسهم وسيدهم.

9 ـ سرية ابن سهيل بن عمرو إلى بني محارب:

وبعث «صلى الله عليه وآله» عبد الله بن سهيل بن عمرو إلى بني محارب بن فهر، فأسلموا، وجاء معه نفر منهم إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله»([19]).

أما سرية بني جذيمة، فسنفرد حديثاً عنها ابتداءً من الفصل التالي.


([1]) التنبيه والإشراف ص233 و 234 وراجع: سبل الهدى والرشاد ج5 ص260 والمغازي للواقدي ج3 ص873 وعن تاريخ مدينة دمشق ج16 ص77 و 232.

([2]) إعلام الورى (ط سنة 1399 هـ) ص119 والبحار ج21 ص140 عنه، وراجع: مناقب آل أبي طالب (ط دار الأضواء سنة 1412 هـ ) ج1 ص262.

([3]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص196 عن ابن سعد، والبيهقي، وتاريخ الخميس ج2 ص96 وشرح المواهب اللدنية للزرقاني ج3 ص488 و 489 وتاريخ الأمم والملوك (ط دار المعارف) ج3 ص65 والمغازي للواقدي ج3 ص874 وتاريخ الخميس ج2 ص97 والطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص145 وعيون الأثر ج2 ص207 والبحار ج21 ص145 وراجع: البداية والنهاية ج4 ص361 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص597.

([4]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص196 عن ابن سعد، والواقدي، وتاريخ الخميس ج2 ص96 وشرح المواهب اللدنية للزرقاني ج3 ص488 و 489 وراجـع: = = السيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج1 ص19 ج3 ص208 وراجع: البداية والنهاية ج4 ص361 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص597.

([5]) تاريخ الخميس ج2 ص96 وشرح المواهب اللدنية للزرقاني ج3 ص388 و 489 وراجع: البحار ج21 ص145 والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج3 ص208 وسبل الهدى والرشاد ج6 ص196.

([6]) تاريخ الخميس ج2 ص96 وشرح المواهب اللدنية للزرقاني ج3 ص488 و 489 والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج3 ص308 وزاد المعاد ج1 ص1166 والبحار ج21 ص145 والطبقات الكبرى ج2 ص145 و 146 وتاريخ مدينة دمشق ج16 ص232 وإمتاع الأسماع ج14 ص12 وسبل الهدى والرشاد ج6 ص196 وعيون الأثر ج2 ص207.

([7]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص196 عن أبي الطفيل، والواقدي، وابن سعد، وتاريخ الأمم والملوك (ط دار المعارف) ج3 ص65 والمغازي للواقدي ج3 ص873 و 874 وراجـع: السيرة النبـوية لابن هشـام ج4 ص79 وتاريـخ = = الخميس ج2 ص96 والبحار ج21 ص145 والطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص146 وتاريخ مدينة دمشق ج16 ص232 وإمتاع الأسماع ج14 ص12 وعيون الأثر ج2 ص207.

([8]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص196 و 197.

([9]) تاريخ الخميس ج2 ص97 وزاد المسير ج8 ص100والتبيان للطوسي ج10 ص141 وتفسير جوامع الجامع للطبرسي ج3 ص647 وتفسير غريب القرآن ص213 وتفسير النسفي ج4 ص284 وتفسير الرازي ج30 ص144 وتفسير البيضاوي ج5 ص395 وتفسير البحر المحيط ج8 ص335 وتفسير أبي السعود ج9 ص40 والسيرة الجلبية (ط دار المعرفة) ج1 ص18ولسان العرب ج8 ص170 ومجمع البحرين ج4 ص481 وتاج العروس ج11 ص230.

([10]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص198 عن الواقدي، وابن سعد، وراجع: تاريخ الأمم والملوك (ط دار المعارف) ج3 ص65 و 66 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج2 ص340 و 341 والمغازي للواقدي ج2 ص870 وتاريخ الخميس ج2 ص96 و 97 وراجع: البحار ج21 ص145 والطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص146 وعيون الأثر ج2 ص208 والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج3 ص209.

([11]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص198 وتاريخ الخميس ج2 ص97 عن مزيل الخفا.

([12]) الطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص147 والتنبيه والإشراف ص233 وسبل الهدى والرشاد ج6 ص199.

([13]) المشلل: جبل إلى ناحية البحر، وهو الذي يهبط منه إلى قديد.

([14]) تاريخ الخميس ج2 ص97 وتفسير مجمع البيان ج9 ص294 وتفسير البغوي ج4 ص250.

([15]) تاريخ الخميس ج2 ص97 وراجع: الجامع لأحكام القرآن ج17 ص99 وتفسير الرازي ج28 ص296 وراجع: الأعلام للزركلي ج8 ص80 وموسوعة التاريخ الإسلامي ج1 ص117.

([16]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص199 وراجع: تاريخ الخميس ج2 ص97 و 96 والطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص146 و 147 وتاريخ الإسلام للذهبي ج2 ص563 وعيون الأثر ج2 ص208 والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج3 ص209.

([17]) إعلام الورى (ط سنة 1399 هـ) ص119 و (ط مؤسسة آل البيت) ج1 ص227 والبحار ج21 ص140 عنه، وراجع: مناقب آل أبي طالب ج1 ص262 وتاريخ اليعقوبي ج2 ص73.

([18]) إعلام الورى (ط سنة 1399 هـ) ص119 و (ط مؤسسة آل البيت) ج1 ص227 والبحار ج21 ص140 عنه، وراجع: مناقب آل أبي طالب (ط دار الأضواء) ج1 ص262.

([19]) راجع المصادر المتقدمة في الهامش.

 
   
 
 

العودة إلى موقع الميزان