الجيشان إلى حنين

ويلاحظ:
أن المؤرخين لا يجرؤون على ذكر صاحب لواء رسول الله
«صلى الله عليه وآله» في هذه الغزوة، ولكن القمي «رحمه الله»، لم يهمل
الروايات المصرحة باسمه، فجهر بالحق، ولم يبالِ بالأخطار التي أدناها
الاتهام بالزندقة، والخروج عن الدين، فهو يقول:
«بلغ رسول الله «صلى الله عليه وآله» اجتماع هوزان
بأوطاس، فجمع القبائل، ورغَّبهم في الجهاد، ووعدهم النصر، وأن الله قد
وعده أن يغنمه أموالهم، ونساءهم، وذراريهم.
فرغب الناس، وخرجوا على راياتهم، وعقد اللواء الأكبر،
ودفعه إلى أمير المؤمنين «عليه السلام». وكل من دخل مكة براية، أمره أن
يحملها. وخرج في اثني عشر ألف رجل، عشرة آلاف ممن كانوا معه([1]).
وقيل:
عشرة آلاف([2]).
وقيل:
أحد عشر ألفاً([3]).
وقيل:
أحد عشر ألفاً وخمس مائة([4]).
وقيل:
أربعة عشر ألفاً([5]).
وقيل:
ستة عشر ألفاً([6]).
فيهم ثمانون من المشركين من أهل مكة منهم صفوان بن أمية، وسهيل بن عمرو([7]).
ونلاحظ هنا ما يلي:
أولاً: إنه
«صلى الله عليه وآله» ـ وفق هذا النص ـ قد أخبر الناس بنتائج تلك الحرب
مسبقاً. ولعل ذلك يرجع لعدة أسباب:
أحدها:
أن يرغِّب الناس في الخروج إلى الحرب..
الثاني:
أن يكون ذلك من أسباب الربط على قلوبهم، وتأكيد اليقين
لديهم بصحبة النبوة..
الثالث:
أن يثقوا برعاية الله تعالى لهم، ولطفه بهم..
الرابع:
أن يعرف الناس، ويميز أهل اليقين، والصادقين في إيمانهم
عن غيرهم من المدَّعين غير الصادقين.
الخامس:
أن يدلهم ما جرى من الهزيمة الشاملة، ثم النصر العتيد
الذي يأتي بعدها بسيف علي «عليه السلام» على: أن ذلك كان بعلم الله،
وأن الذي تحقق لم يكن عن استحقاق منهم، بل هو أمر صنعه الله لوليه ووصي
رسوله «صلى الله عليه وآله»، وأنهم إنما ينعمون بفواضله، ويستفيدون من
ثمار جهده وجهاده، فالغنائم ليست لهم، وكذلك السبايا والأسرى، فإذا
قسمها رسول الله «صلى الله عليه وآله» على من شاء من المؤلفة قلوبهم،
فليس لأحد الحق في أن يعترض بشيء، وليس له أن يتوهم أن له نصيباً أو
حقاً فيها.. بل هي لخصوص صانع النصر، ألا وهو علي بن أبي طالب «صلوات
الله وسلامه عليه»..
زعموا:
أن النبي «صلى الله عليه وآله» عقد الألوية ليلة حرب
حنين في وقت السحر، «فدفع لواء المهاجرين إلى عمر بن الخطاب، ولواء إلى
علي بن أبي طالب، ولواء إلى سعد بن أبي وقاص، ولواء الأوس إلى أسيد بن
حضير، ولواء الخزرج إلى حباب بن المنذر، وآخر إلى سعد بن عبادة.
وقيل:
كان لكل من الأوس والخزرج لواء في تلك الغزوة، ولكل
قبيلة من القبائل التي كانت معه لواء، ثم ركب «صلى الله عليه وآله»
بغلته الخ..» ([8]).
وفي سيرة الدمياطي:
في كل بطن من الأوس والخزرج لواء وراية يحملها رجل منهم([9]).
ونقول:
قد تقدم:
أن اللواء الأكبر كان مع علي «عليه السلام»، ولكن هؤلاء
يحاولون الكيد لعلي «عليه السلام»، والتشكيك بما له من فضائل وكرامات
بهذه الطريقة الغبية والمفضوحة، فنحن نسجل هنا ما يلي:
1 ـ
إنهم هم أنفسهم يقولون: إنه «صلى الله عليه وآله» قد
أعطى لواء المهاجرين لعلي «عليه السلام»، وأعطى راية لعمر بن الخطاب([10]).
إنه لا شك في كذب هذه الإدعاءات، فالألوية إنما تعطى
للشجعان الأكفاء، ولم يظهر من عمر بن الخطاب ما يدل على ذلك، بل ظهر
منه عكسه في كثير من المقامات التي انهزم فيها.
2 ـ
إن عامة المؤرخين، والمصنفين في السيرة النبوية لا
يجرؤن على التصريح باسم حامل اللواء الأكبر في هذه الحرب الهائلة، وأنه
علي «عليه السلام». وهذا يرجع إلى أن لدى الحكام، وكل من يدور في فلكهم
من وعاظ السلاطين، وسائر الناس ـ والناس على دين ملوكهم ـ حساسية كبيرة
من ذكر أي شيء يرتبط بعلي «عليه السلام»، أو يشير إلى فضله، ومناقبه
ومقاماته..
ولعل تصريح المصادر الكثيرة:
بأنه «عليه السلام» كان حامل لواء رسول الله «صلى الله
عليه وآله» في بدر، وفي كل مشهد جعلهم يكتفون بذلك، ويعتبرون: أن هذه
التصريحات تبرِّئ ذمتهم، وتدفع عنهم الإحراجات التي يخشون التعرض لها
من التصريح بهذا الأمر في كل غزوة، ومقام ، ومشهد، فلا ضير إذا أهملوا
ذلك واكتفوا به عن التصريح المتعاقب والمتوالي في كل مرة.
وقد غاب عنهم:
أن هذا التصرف منهم قد أفسح المجال للحاقدين،
والمصطادين بالماء العكر لمحاولة تزوير الحقائق، وإطلاق ادِّعاءات
تجانب الواقع والحقيقة في المواقف المختلفة، فزعموا في حرب حنين: أنه
«صلى الله عليه وآله» أعطى لواء المهاجرين لعمر بن الخطاب، وأن علياً
صلوات الله وسلامه عليه كان يحمل لواء من ألوية المهاجرين، وأعطى «صلى
الله عليه وآله» راية لسعد وراية لعمر. ثم أعطى لواء الخزرج لحباب بن
المنذر، ولواء الأوس لأسيد بن خضير.
نقول:
إن ذلك لا يصح، لأن لواء الجيش كله كان مع علي. ولا
يمنع أن يكون معه لواء المهاجرين أيضاً.
ويدل على ذلك:
1 ـ
إنهم يقولون: إنه «عليه السلام» كان صاحب لواء رسول
الله «صلى الله عليه وآله» في بدر، وفي كل مشهد([11]).
2 ـ
عن ابن عباس، قال: لعلي بن أبي طالب «عليه السلام» أربع
ما هنّ لأحد: هو أول عربي وعجمي صلى مع رسول الله «صلى الله عليه
وآله». وهو صاحب لوائه في كل زحف. وهو الذي ثبت معه يوم المهراس (أي
يوم أحد)؛ وفرَّ الناس. وهو الذي أدخله قبره([12]).
3 ـ
عن ابن عباس: كان علي «عليه السلام» أخذ راية رسول الله
«صلى الله عليه وآله» يوم بدر.
قال [الحكم ] الحاكم:
وفي المشاهد كلها([13]).
4 ـ
وعن مالك بن دينار: سألت سعيد بن جبير وإخوانه من
القراء: من كان حامل راية رسول الله «صلى الله عليه وآله»؟
قالوا:
كان حاملها علي (رض)([14]).
وفي نص آخر:
أنه لما سأل مالك سعيد بن جبير عن ذلك غضب سعيد، فشكاه
مالك إلى إخوانه من القرّاء، فعرّفوه: أنه خائف من الحجاج.
فعاد وسأله، فقال:
كان حاملها علي (رض).
هكذا سمعت من عبد الله بن عباس([15]).
وفي نص آخر عن مالك بن دينار، قال:
قلت لسعيد بن جبير: من كان صاحب راية رسول الله «صلى
الله عليه وآله»؟
قال:
إنك لرخو اللبب.
فقال لي معبد الجهني:
أنا أخبرك. كان يحملها في المسير ابن ميسرة العبسي،
فإذا كان القتال؛ أخذها علي بن أبي طالب رضي الله عنه([16]).
5 ـ عن جابر:
قالوا: يا رسول الله، من يحمل رايتك يوم القيامة؟
قال:
من عسى أن يحملها يوم القيامة، إلا من كان يحملها في
الدنيا، علي بن أبي طالب؟!([17]).
وفي نص آخر:
عبر باللواء بدل الراية([18]).
6 ـ
وحينما مرّ سعد بن أبي وقاص برجل يشتم علياً «عليه
السلام»، والناس حوله في المدينة، وقف عليه، وقال: يا هذا! علامَ تشتم
علي بن أبي طالب؟
ألم يكن أول من أسلم؟
ألم يكن أول من صلى مع رسول الله «صلى الله عليه وآله»؟
ألم يكن أزهد الناس؟
ألم يكن أعلم الناس؟
وذكر حتى قال:
ألم يكن صاحب راية رسول الله «صلى الله عليه وآله» في
غزواته؟([19]).
وظاهر كلامه هذا:
أن ذلك كان من مختصاته صلوات الله وسلامه عليه.
7 ـ
عن مقسم: إن راية النبي «صلى الله عليه وآله» كانت تكون
مع علي بن أبي طالب «عليه السلام»، وراية الأنصار مع سعد بن عبادة،
وكان إذا استعر القتال كان النبي «صلى الله عليه وآله» مما يكون تحت
راية الأنصار([20]).
8 ـ
عن عامر: إن راية النبي «صلى الله عليه وآله» كانت تكون
مع علي بن أبي طالب «عليه السلام»، وكانت في الأنصار حيثما تولوا([21]).
وقد يناقش في هذين النصين الواردين تحت رقم (7) و (8)
بأنهما فيما يبدو يرجعان إلى نص واحد وهو المروي عن ابن عباس([22])
بواسطة عامر تارة ومقسم أخرى وعامر عن مقسم ثالثة، وكلاهما عن ابن عباس
في مورد رابع. وقد يظهر لنا من كل ذلك أنها رواية واحدة اكتفى الراوون
بذكر واحد ممن رأوه هو الأشهر والأذكر بنظرهم.
وفي جميع الأحوال نقول:
قد يقال:
إن هذه الرواية أو الروايتين لا تدلَّان على أن الراية
كانت دائماً مع علي «عليه السلام» بصورة أكيدة وصريحة، لكن الإنصاف هو:
أن ظاهرهما ذلك. ولكن تبقى هذه رواية شاذة لا عبرة بها إذا قورنت بذلك
السيل الهائل من الروايات الصحيحة والصريحة في خلاف ذلك كما هو ظاهر.
9 ـ
عن ثعلبة بن أبي مالك، قال: كان سعد بن عبادة صاحب راية
رسول الله «صلى الله عليه وآله» في المواطن كلها؛ فإذا كان وقت القتال
أخذها علي بن أبي طالب([23]).
10 ـ
قال ابن حمزة: «وهل نقل أحد من أهل العلم: أن علياً كان
في جيش إلا وهو أميره»؟([24]).
11 ـ
وفي حديث المناشدة: أن علياً «عليه السلام» قال: نشدتكم
الله، هل فيكم أحد صاحب راية رسول الله «صلى الله عليه وآله» منذ يوم
بعثه الله إلى يوم قبضه، غيري؟!
قالوا:
اللهم لا([25]).
قالوا:
لما بلغ رسول الله «صلى الله عليه وآله» خبر هوازن وما
عزموا عليه، أراد التوجه لقتالهم، واستخلف عتاب بن أسيد أميراً على أهل
مكة، ومعاذ بن جبل (إماماً بها، وفقيهاً فيها) يعلمهم السنن والفقه،
وكان عمر عتاب إذ ذاك قريباً من عشرين سنة([26]).
ونقول:
قد تقدم الحديث عن عتاب بن أسيد واستخلافه على مكة، وعن
إبقاء معاذ بن جبل معه، ليعلمهم بعض الأحكام والسنن.
وقد بينا هناك بعض ما يفيد في معرفة ما يرمي إليه النبي
«صلى الله عليه وآله» من هذا الإختيار وذاك..
عن جابر بن عبد الله، وعمرو بن شعيب، وعبد الله بن أبي
بكر بن عمرو بن حزم، والزهري، وعن أمية بن سفيان: أن رسول الله «صلى
الله عليه وآله» لما أجمع السير إلى هوازن ذكر له: أن عند صفوان بن
أمية أدرعاً وسلاحاً، فأرسل إليه ـ وهو يومئذٍ مشرك ـ فقال: «يا أبا
أمية أعرنا سلاحك هذا نلقى فيه عدونا».
فقال صفوان:
أغصباً يا محمد؟
قال:
«لا، بل عارية مضمونة حتى نردها إليك».
قال:
ليس بهذا بأس، فأعطى له مائة درع بما يكفيها من السلاح،
فسأله رسول الله «صلى الله عليه وآله» أن يكفيهم حملها، فحملها إلى
أوطاس([27]).
ويقال:
إنه «صلى الله عليه وآله» استعار
منه أربعمائة درع بما يصلحها([28]).
وزعم بعضهم:
أن بعض تلك الأدرع فُقد، فأراد النبي «صلى الله عليه
وآله» أن يضمنها له، فأبى بعد إسلامه، وقال: «أنا اليوم في الإسلام يا
رسول الله أرغب»([29]).
قالوا:
واستعار رسول الله «صلى الله عليه وآله» في غزوة حنين
أيضاً من نوفل بن الحارث بن عبد المطلب ثلاثة آلاف رمح، فقال: «صلى
الله عليه وآله»: كأني أنظر إلى رماحك هذه تقصف ظهر المشركين([30]).
ونقول:
قد يقال:
ما هو السبب في استعارة النبي «صلى الله عليه وآله»
درعاً من مشرك، وكذلك في اقتراضه أموالاً من المشركين في مكة، ومنهم
صفوان بن أمية كما تقدم.
مع أن هذا الأمر لا يخلو من إحسان
وتفضل من المعير بالنسبة للمستعير، وكان النبي «صلى الله عليه وآله»
يطلب من الله: أن لا يجعل لكافر ولا مشرك عليه يداً يستحق أن يكافئه،
أو أن يشكره عليها([31]).
ونقول في الجواب:
إن الإمتنان على الآخرين، إنما يصح لو كان لذلك المشرك
مال يبذله، وعطاء يسديه، وأما إعطاء العبد لمالكه مالاً، فلا يعد
تفضلاً، لأن العبد وما ملكت يداه لسيده ومولاه..
وصفوان بن أمية كان من مشركي مكة التي افتتحها رسول
الله «صلى الله عليه وآله» عنوة، ومن دون قتال، لأن ما وقع من قتال لم
يكن بأذن رسول الله «صلى الله عليه وآله»، بل كان منهياً عنه. فأصبح
أهلها الذين نابذوه وقاتلوه ملكاً له، يتصرف فيهم كيف يشاء، وأصبح
مالهم ماله، فاستعارة الدروع من صفوان لا تجعل لصفوان يداً عند رسول
الله «صلى الله عليه وآله»، لأن صفوان ودروعه ملك له «صلى الله عليه
وآله».
يضاف إلى ذلك:
أنه قد يقال: إن اقتراضه «صلى الله عليه وآله» هذا لم
يكن لاستفادته الشخصية، بل هو لأجل حفظ الدين والدفع عن المؤمنين، فليس
لهم أن يمنّوا على شخص النبي «صلى الله عليه وآله» بما يعود نفعه
لغيره.
فإن قلت:
إن النبي «صلى الله عليه وآله» قد حرر أهل مكة، وقال
لهم: اذهبوا فأنتم الطلقاء. فكانت الأموال لأهلها، فإن أعاروها له «صلى
الله عليه وآله» كانت يداً لهم عنده.
ونجيب:
أولاً:
إنه «صلى الله عليه وآله» قال لهم: اذهبوا فأنتم
الطلقاء، ولم يقل لهم: اذهبوا فأنتم الأحرار. والطليق مقابل المقيد،
والأسير. والعبد مقابل الحر.. وإطلاق الأسير يعطيه القدرة على التنقل
والحركة، سواء أكان هذا الطليق عبداً أو حراً.
وإنما لم يقل لهم:
اذهبوا فأنتم الأحرار، لإمكان أن يوهموا الناس بأن
مقصود النبي «صلى الله عليه وآله» هو تقرير حقيقة ثابتة منذ الأزل.
فاختيار كلمة: أنتم الطلقاء تعني من جهة: سبق العبودية لهم. وهي من جهة
أخرى تبقي الأمر مؤرجحاً بين احتمالين:
أحدهما:
أنه قد حررهم بنفس هذه الكلمة.
والثاني:
أنهم لا زالوا على عبوديتهم، ولكنه يعطيهم الحرية في
التصرف كتصرف الأحرار.
فمعاملتهم من قبل النبي «صلى الله عليه وآله» والأئمة،
كما يعامل الأحرار لا ينافي ما قلناه.. لأنه يكون قد جاء على سبيل
التفضل والتكرم، فإن للسيد أن يفسح المجال لعبده ليتملك، ويتزوج، ويبيع
ويشتري، ولا يلزمه بالإستئذان منه في شيء من ذلك.. وإن انتهى الأمر بعد
ذلك إلى صرف ذلك المالك نظره عن عبده هذا بالكلية، ليصبح طليقاً وحراً
أيضاً..
أي أن حريته تتحقق بصرف النظر هذا، لا بكلمة:
اذهب فأنت طليق..
وعلى هذا الأساس يصح من مالك ذلك العبد أن يقترض من
عبده، وأن يرد إليه ما اقترضه منه.
ونلاحظ هنا:
دقة وأهمية هذه السياسة النبوية مع أناس يعرف «صلى الله
عليه وآله» أخلاقهم وطموحاتهم، ونفسياتهم، ويتوقع، بل ويعرف كيف سيكون
موقفهم من هذا الإسلام، ومن رموزه الحقيقين، وهم علي وأهل بيته «عليهم
السلام»، فأراد أن يبقي على هذا الشعور عندهم بحقيقة ما انتهى إليه
أمرهم معه من خلال تذكيرهم بأنهم لا يستحقون إلا أن يكونوا أرقاء ويسجل
ذلك للتاريخ وللأجيال..
نعود لنقول:
إن مكة لم تفتح عنوة، وخوف أهل مكة من الجيش المندفع
إليها لا يجعلها مفتوحة بقوة السيف.. ولا نرى فرقاً بين أن تجتمع
الجيوش في المدينة، فيخاف أهل مكة، ويعلنون استسلامهم، وبين أن تحضر
الجيوش إلى محيط البلد، فيخاف أهلها، ويجنحون إلى الاستسلام، وبين أن
يدخلها ذلك الجيش، فيخاف أهلها ويعزفزن عن القتال. ففي هذه الموارد
كلها لا يقال: إن البلد قد فتحت عنوة..
وربما يشهد لكون مكة ملكاً لرسول الله «صلى الله عليه
وآله»:
ما ورد في الروايات من كراهة تأجير بيوت مكة للحجاج،
وأن يعلقوا عليها أبوباً، وأنه لا ينبغي أن يمنعوا الحاج شيئاً من
الدور ينزلونها وأن للحجاج أن ينزلوا معهم في دورهم في ساحة الدار، حتى
يقضوا مناسكهم، وأن أول من جعل لدور مكة أبواباً هو معاوية([32]).
ثانياً:
لو سلمنا: أن إطلاقهم يعني تحريرهم، لكن ذلك لا يخرج
أموالهم عن كونها غنائم للفاتحين، ولا يعيدها إليهم إلا بإعطاء جديد
وصريح.
ومجرد إغماض النظر عن المطالبة بتلك الأموال يكون منة
أخرى له «صلى الله عليه وآله» عليهم، حيث إنه «صلى الله عليه وآله»
أباح لهم التصرف بها، وإن لم يملّكهم إياها.
وربما يقال:
إن هذه الأموال إن كانت غنائم، وكانت مكة قد فتحت عنوة،
فمعنى ذلك: أنها ملك للفاتحين، وهم هذا الجيش الذي دخل مكة كله، فما
معنى أن يتصرف بها رسول الله «صلى الله عليه وآله» دونهم، وأن يعطيها
لأهل مكة ليتصرفوا بها؟!
ونجيب:
بأن فتحها عنوة إنما هو بمعنى أخذها قهراً عن أهلها،
ولو بواسطة ما دخلهم من رعب حين رأوا ذلك الجيش.. فإذا لم يقع قتال
واستسلم الناس لرسول الله «صلى الله عليه وآله»، فإن أموالهم تكون
خالصة له«صلى الله عليه وآله»، لا للمقاتلين، وفي هذه الحال يكون هو
الذي يعطي ويهب، ويأذن بالتصرف، أو لا يأذن.
فالمراد بقوله:
لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب: أنه مما لم يقاتل عليه.
وليس المراد:
أنه لم تحضره الخيل والرجال.
وأما ما وقع من خالد بن الوليد، من قتال في مكة، فهو
غير مشروع، لأن النبي «صلى الله عليه وآله»، لم يأذن به، بل هو قد نهى
عنه..
ودعوى:
أن دخول الجيوش إلى مكة، واستسلام أهلها خوفاً من تلك
الجيوش لإحساسهم بالعجز عن مواجهتها، لا يوجب اعتبار مكة مفتوحة عنوة،
كما أوضحناه فيما سبق، والتعبير بكلمة: «فتح» مكة لا يجدي في تغيير
الحكم الذي يدور مدار فتحها نتيجة القتال..
قال أهل المغازي:
خرج رسول الله «صلى الله عليه
وآله» إلى حنين لست خلون من شهر شوال([33]).
وقال ابن إسحاق:
لخمس، وبه قال عروة، واختاره ابن جرير، وروي عن ابن
مسعود([34]).
وقيل:
لليلتين بقيتا من شهر رمضان([35]).
وجمع بعضهم بين القولين:
بأنه «صلى الله عليه وآله» بدأ بالخروج من أواخر رمضان،
وسار سادس شوال([36]).
وكان وصوله في عاشره([37]).
وقد انتهى إلى حنين مساء ليلة الثلاثاء([38]).
وقال الواقدي:
إن ذلك كان يوم السبت([39]).
ونقول:
إننا لا نستطيع أن نؤيد هذا الجمع بين القولين، فإنه
«صلى الله عليه وآله» لا يحتاج إلى هذه المدة الطويلة التي تقرب من
أسبوع أو أسبوعين، لتحريك قواته إلى المعسكر، مهما كان عدد تلك القوات
كبيراً.
ولو صح ذلك، فهو يعني:
وجود خلل كبير في حركته، من شأنه أن يسهِّل على أعدائه
تسديد ضرباتهم القوية إلى الجيش، وإسقاط مقاومته.
ولكان نجاحه في حروبه غير منطقي، ولا مقبول، بل لا بد
من اعتباره من خيالات الرواة والمحدثين.
عن أبي هريرة:
أن رسول الله «صلى الله عليه وآله»
قال: حين أراد حنيناً: «منزلنا غداً إن شاء الله تعالى بخيف بني كنانة،
حيث تقاسموا على الكفر([40]).
وفي رواية قال:
«منزلنا إن شاء الله تعالى إذا فتح الله الخيف، حيث
تقاسموا على الكفر»([41]).
ونقول:
قد تقدم:
أنه «صلى الله عليه وآله» إنما قال ذلك حين فتح مكة،
وقد كان أهل مكة قد تقاسموا على الكفر بخيف بني كنانة.. فلعل أبا هريرة
قد سمع ذلك من غيره، ثم لما أراد أن يحدث به غيره ذهل عن حقيقة ما
سمعه، وسافر وهمه إلى قصة حنين.. أو أراد أن يبعد حديث التقاسم على
الكفر عن قريش التي كان ضالعاً في التسويق لبعض الطامحين فيها لإبعاد
أمر الخلافة بعد رسول الله «صلى الله عليه وآله» عن أهل بيته الأطهار
«عليهم السلام».
هذا بالإضافة إلى احتمال أن يكون خيف بني كنانة قد أصبح
معسكراً لجيش الإسلام في فتح مكة، وفي حرب حنين على حد سواء.. لكي
ينطلق منه حماة الدين وأنصار الله ورسوله من المؤمنين المستضعفين، بعد
أن كان ذلك المكان مجمعاً لعتاة الكفر، الساعين لإطفاء نور الله، ويأبى
الله إلا أن يتم نوره ولو كره المشركون.. والكافرون..
والله العالم بحقيقة الحال، وهو الموفق والمسدد في جميع
الأحوال..
لقد كان أهل حنين ـ وفي رواية:
أهل مكة ـ يظنون حين دنا منهم رسول الله «صلى الله عليه
وآله»، حين قدم من المدينة أنه مبادر بهوازن، وصنع الله لرسوله أحسن من
ذلك، فتح له مكة، وأقر بها عينه، وكبت بها عدوه.
فلما خرج إلى حنين، خرج معه أهل مكة لم يغادر منهم
أحداً، ركباناً ومشاة، حتى خرج معه النساء يمشين على غير دين، نظاراً
ينظرون، ويرجون الغنائم، ولا يكرهون أن تكون الصدمة لرسول الله «صلى
الله عليه وآله»([42]).
وكان معه ثمانون من المشركين:
أبو سفيان بن حرب، وصفوان بن أمية، وكانت امرأته مسلمة
وهو مشرك لم يفرق بينهما.
وجعل أبو سفيان بن حرب كلما سقط ترس أو سيف أو متاع من
أصحاب رسول الله «صلى الله عليه وآله» نادى رسول الله «صلى الله عليه
وآله»: أن أعطنيه أحمله، حتى أوقر بعيره([43]).
وخرج رسول الله «صلى الله عليه
وآله» وزوجتاه:
أم سلمة، وميمونة، فضربت لهما قبة([44]).
ونقول:
لابد لنا هنا من بيان ما يلي:
إن خروج جميع أهل مكة، مؤمنهم وكافرهم إلى حنين، وإن
كانت أغراض الخارجين فيه مختلفة، إنما يشير إلى عمق تأثير ما جرى في
فتح مكة على حياة الناس، وعلى تفكيرهم، وفي أعماق الروح لدى جميع
المكيين، حيث لا بد أن يدركوا أنهم أمام تحد هائل ومصيري، قد أصبح في
طور التبلور، بصورة عملية ولابد من التعاطي معه بمسؤولية، وعقلانية،
واستيعاب تداعياته بحكمة وروية، وبحنكة وأناة، ولم يعد مسموحاً لأحد أن
يتصرف وفق هواه، ومشتهاه..
وخروج جميع أهل مكة إلى حنين يدل على أن الناس بدأوا
يسعون للمشاركة، ولو على مستوى المشاعر، والعواطف، وأنهم يرصدون
التحولات التي تلف منطقتهم، وتهيمن على محيطهم بحرص واهتمام بالغ، وإن
كانت أغراضهم من ذلك تختلف وتتفاوت، وكثير منهم إنما يبحثون عن الغنائم
والمكاسب. ولكن قسماً كبيراً لم يكن يفكر بهذه الطريقة..
وهذا يعطينا تفسيراً معقولاً ومقبولاً لخروج طائفة من
الناس ـ حتى النساء ـ إلى حنين، على غير دين، نظاراً ينظرون. على حد
تعبير النص المذكور آنفاً..
وعن الذين خرجوا يرجون الغنائم، نقول:
إننا لا نستطيع أن نتعقل طمع المشركين بأموال حلفائهم،
ومن يرونهم إخواناً لهم، ومن هم على دينهم، وجيرانهم. ومن هم وإياهم في
خندق واحد في حرب رسول الله «صلى الله عليه وآله» من معه أهل الإيمان..
نعم.. لا يمكن تعقل ذلك، إلا على أساس انعدام الحس الإنساني، وتلاشي
حركة الضمير والوجدان لديهم.
واللافت هنا:
أن يكون على رأس الطامعين بالغنائم زعماء الشرك وعلى
رأسهم أبو سفيان بن حرب وأضرابه ممن كانوا طيلة كل تلك السنين يدعون
الناس إلى حرب محمد «صلى الله عليه وآله»، وإلى سفك دمه، وإسقاط
أطروحته ودعوته، ولا يكرهون أن تكون الصدمة لرسول الله «صلى الله عليه
وآله»، وها هم يخرجون مع رسول الله «صلى الله عليه وآله» بصورة علنية
وظاهرة، ولا يخجلون من تصرفهم هذا.
مع أن هذا لا يتوافق حتى مع مفاهيم الجاهلية، ومع
طريقة أهل الشرك أنفسهم، حيث يعدونه غدراً وخيانة، ومن موجبات الخزي
والعار.
ونقرأ في النصوص المتقدمة:
أن أبا سفيان كان يجمع ما يسقط من أفراد ذلك الجيش من
أترسة وسيوف، وأمتعة. حتى أوقر بعيره منها. وأنه كان هو المبادر لهذا
الفعل..
فهل أراد بذلك إظهار حسن نواياه لرسول الله «صلى الله
عليه وآله» وللمسلمين؟!. أو أراد أن يكون ما يجمعه بعضاً من غنيمة كان
يرجوها لو كانت الدائرة على المسلمين؟!
لعل ما سيأتي من أنه لم يكن صادقاً في إسلامه، وكان
يرجو أن تكون الدائرة على أهل الإيمان.. يؤيد هذا الإحتمال الأخير.
ودعوى:
أنه «صلى الله عليه وآله» لم يفرق بين صفوان المشرك،
وامرأته المسلمة غير ظاهرة الصحة.
فإنه لو صح:
أن امرأة صفوان قد أسلمت قبله، فذلك لا يعني خروجها من
بيته، وانفصالها التام عنه. بل المطلوب هو: أن يعرِّفها «صلى الله عليه
وآله» أنه ليس لصفوان أن يقربها، ويمكنها بعد ذلك أن تنتظر زوجها إلى
حين انقضاء عدتها توقعاً لإسلامه.. كما كان الحال بالنسبة لما يذكرونه
عن امرأة عكرمة بن أبي جهل، حيث إنها لحقته إلى ساحل البحر، وجاءت به
إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وكانت مسلمة، وهو لا يزال على
شركه، فكانت تمنعه من الإقتراب منها إلى أن أسلم..
إن إخراج النبي «صلى الله عليه
وآله» لزوجتيه:
ميمونة، وأم سلمة معه في هذه الحرب، وإخراجهن، أو إخراج
غيرهن من نسائه، وكذلك إخراج ابنته سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء
«عليها السلام»، أحياناً في حروبه الأخرى.. رغم أن جميع تلك الحروب لم
تكن ـ بحسب ظواهر الأمور ـ مأمونة النتائج من حيث الإنكسار، أو
الإنتصار. إن ذلك يعد دليلاً آخر على يقينه بوعد الله تعالى له. ولابد
أن يعد ذلك من إخباراته الغيبية، ومن دلائل نبوته.. إذ إن أحداً لا
يخاطر بهذا الأمر الحساس جداً في مثل هذه الحالات. إذا كان غير واثق
بالنصر، وبمصونية عرضه من أن يناله أي أذى.
وقد تقدم:
أن مالك بن عوف قد أمر في حنين أصحابه بأن يستصحبوا
نساءهم وأطفالهم ونعمهم، فتغيّظ عليه دريد بن الصمة، وصفق بيديه، وقال:
«راعي ضأن والله» لاحتمال أن تكون الدائرة عليه، فتكون الفضيحة في أهله
وماله. وأمره أن يرفع الأموال والنساء والذراري إلى عليا قومهم، وممتنع
بلادهم. هذا على الرغم من أن مالك بن عوف قد جمع أكثر من عشرين ألف
سيف، ويرى أن النصر في متناول يده، ويرى أن محمداً «صلى الله عليه
وآله» لم يقاتل رجالاً ذوي خبرة قبل هذه المرة، وإنما كان يلقى قوماً
أغماراً، لا علم لهم بالحرب، فيظهر عليهم على حد تعبيره، كما تقدم تحت
عنوان: الإستخبارات العسكرية..
إن حمل النبي «صلى الله عليه وآله» نساءه «صلى الله
عليه وآله» يشير للأعداء وللأولياء على حد سواء بثقته بالنصر، بالرغم
من عدم توفر شيء من مقوماته.. أو ظهور شيء من علاماته، بل الدلائل
والشواهد متوافرة ومتضافرة بضد ذلك، وأن العدو هو الذي يملك مقومات
الظفر، ومفاتيح النصر..
فيكون هذا الفعل منه «صلى الله عليه وآله» من أسباب
الربط على قلوب الأولياء، ومن أسباب كبت الأعداء أيضاً، وهو بمثابة
إخبار غيبي إلهي بنتائج المعركة، وهو من دلائل صدقه، وشواهد نبوته، ومن
معجزاته وكراماته كما لا يخفى.
عن أبي قتادة الحارث بن مالك قال:
خرجنا مع رسول الله «صلى الله عليه وآله» إلى حنين،
ونحن حديثوا عهد بالجاهلية، فسرنا معه إلى حنين، وكانت لكفار قريش ومن
سواهم من العرب شجرة عظيمة ـ وعند الحاكم في الإكليل: سدرة خضراء -
يقال لها: «ذات أنواط»، يأتونها كل سنة، فيعلقون أسلحتهم عليها،
ويذبحون عندها، ويعكفون عليها يوماً.
فرأينا ونحن نسير مع رسول الله «صلى الله عليه وآله»
سدرة خضراء عظيمة، فتنادينا من جنبات الطريق: يا رسول الله، اجعل لنا
«ذات أنواط» كما لهم «ذات أنواط».
فقال رسول الله «صلى الله عليه
وآله»:
«الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، قلتم والذي نفسي
بيده، كما قال قوم موسى لموسى:
{اجْعَلْ
لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ
تَجْهَلُونَ}([45])
إنها لسنن، لتركبن سنن من كان قبلكم، حذو القذة بالقذة»([46]).
ونقول:
1 ـ
إن الحديث عن حركة السنن التاريخية في الأمم السابقة
واللاحقة، لا يعني أن ثمة جبرية إلهية تفرض على البشر قراراتهم، وتتحكم
بتصرفاتهم، دون أن يكون لهم فيها أي خيار، أو اختيار..
بل هو حديث عن حركة الأسباب والعلل، وتأثيرها في
المسببات والنتائج.
وهو من أدلة أن الله سبحانه قد خلق الخلق، وفق نظام
دقيق يهيمن عليه قانون السببية، ويمكن التعرف على طبيعة حركته من خلال
هذا النظام، حين يقف الإنسان على حقائقه ودقائقه بصورة صحيحة ويقينية،
ويعرف منظوماته الأرقى، وطبيعة علاقاتها بما هو أدنى منها في سلسلة
مراتبها المختلفة.
وإذا وقف النبي «صلى الله عليه وآله» والمعصوم «عليه
السلام» على هذه الحقائق والدقائق من نفس صانعها وواضعها، فإنه سيكون
قادراً على رؤية نتائجها المختلفة، في طول الأزمنة المتعاقبة، لأنه
يعرف أن الزمان والمكان لا يمثل عائقاً لحركة السنن، بل هما حاضنان
لنتائجها وتداعياتها، في عين كونهما خاضعين لها أيضاً..
فإخبار رسول الله «صلى الله عليه وآله» بما سيكون
بالإستناد إلى هذه السنن، لا يمكن تلقِّيه على أنه أمر عادي، وقريب
المنال.. بل هو دليل عظمة رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وآية نبوته،
من حيث إنه «صلى الله عليه وآله» قد نال درجة استحق معها أن يطلعه الله
على أسرار الخليقة، وسنن الحياة، وحقائق التكوين.. وهو ما لم ينله أحد
من البشر سواه على الإطلاق..
من أجل ذلك يكون إخبار النبي «صلى الله عليه وآله» عن
هذه السنن والحقائق، هو عين اليقين، لأنه يأخذ عن الله تبارك وتعالى،
خالق الكون، وواهب الحياة، وجاعل السنن.
وأما ما يخبر به غيره، فلا يعدو أن يكون من التظني،
والرجم بالغيب، استناداً إلى استقراءات ناقصة، أو اجتهادات تنتهي إلى
الحدس والتخمين.. مع ضعف بل عجز ظاهر عن الإحاطة بالسنن، وبمنظومتها،
ومراتبها، وطبيعة ومدى علاقاتها وتأثرها وتأثيراتها في بعضها البعض..
2 ـ
ثم إنه لا شك في أن النبي الأعظم
«صلى الله عليه وآله» على علم تام بأخلاق الناس
وبأهوائهم وميولهم،
وهو أعرف من كل أحد بطموحات، وبطريقة تفكير، وبحقيقة
وصحة ومدى إيمان أولئك الذين سوف يخلفونه، ويخططون لبلورة دور لهم في
المسيرة العامة، خارج دائرة توجيهاته
«صلى الله عليه وآله»، ولا تتلاءم مع الأوامر والزواجر
الإلهية..
فإذا وضع ذلك في سياق السنن الإلهية في البشر وخَلْقِهم
وخُلُقهم، فلا بد أن يدرك المنحى الذي سوف تتخذه تصرفاتهم، ومواقفهم
وممارساتهم..
3 ـ
واللافت هنا:
أن طلبهم من رسول الله
«صلى الله عليه وآله» أن يجعل لهم ذات أنواط، كأهل
الجاهلية، قد أشبه طلباً لبني إسرائيل من موسى، فهل جاء هذا التشابه
بين هؤلاء وأولئك على سبيل الصدقة؟! أم أن له جذوراً في أعماق الذات؟!
وهل هذا يشير إلى أن ثمة وجوه شبه أخرى بين هذين الفريقين في سائر
المجالات؟!
وهل هناك علاقة بين التعبير الوارد عن رسول الله «صلى
الله عليه وآله» في الإشارة إلى يهود أمته «صلى الله عليه وآله»..
الذين يقتلون ذريته([47])،
وبين يهود بني إسرائيل؟!.
إن ذلك كله يحتاج إلى المزيد من التتبع للنصوص،
والمقارنة بينها، ورصد الظواهر في هذه الأمة، وفي بني إسرائيل! وكنا قد
بذلنا محاولة في هذا الإتجاه، نسأل الله أن يوفقنا لإتمامها في الوقت
المناسب.
عن سهل بن الحنظلية:
إنهم ساروا مع رسول الله «صلى الله عليه وآله» يوم
حنين، فأطنبوا في السير، حتى إذا كان عشية حضرْتُ صلاة الظهر عند رسول
الله «صلى الله عليه وآله»، فجاء رجل فارس، فقال: يا رسول الله، إني
انطلقت بين أيديكم حتى طلعت جبل كذا وكذا، فإذا بهوازن قد جاءت عن بكرة
أبيهم، بظعنهم، ونعمهم، وشائهم، اجتمعوا.
فتبسم رسول الله «صلى الله عليه
وآله» وقال:
«تلك غنيمة للمسلمين غدا إن شاء الله تعالى».
ثم قال:
«من يحرسنا الليلة»؟ الخ..([48]).
ونقول:
إن
لهذه الحادثة، نظائر عديدة في حياة النبي الأكرم «صلى الله عليه وآله».
ولكن لا بأس بالتوقف قليلاً في هذا المورد على الأقل. ونترك سائر
الموارد إلى حصافة القارئ الكريم، الذي سيكون قادراً على استنطاق
نصوصها، واستخراج معانيها ومراميها، المناسبة لمقام النبوة، وسياق
الأحداث..
فنقول:
لقد بشر النبي الكريم «صلى الله عليه وآله» أصحابه بأن
ما جاءت به هوازن من ظعن، ونعم، وشاء سيكون غنيمة للمسلمين.. وذلك على
سبيل الإخبار الغيبي، الذي هو من دلائل النبوة، ومن أسباب زيادة اندفاع
المؤمنين للقتال، وتشكيك الأعداء بقدراتهم، وبقوتهم..
خصوصاً:
وأنه «صلى الله عليه وآله» قد أخبر عن حصول هذا الأمر
بالجملة الإسمية المفيدة للتحقق والثبوت..
كما أنه قد تبسم قبل أن يتفوه بهذا الخبر المفرح لأهل
الإيمان، والمخيف والمحزن لأهل الكفر والطغيان..
وهو تبسم يوحي بالثقة وبالرضا والإرتياح، وذلك يزيد من
رعب العدو، ومن ثقة واندفاع الولي، عوضاً عن التوجس، والترقب..
وهو أيضاً يحمل معه معنى الاستخفاف بالعدو، والسخرية من
قراره باستصحاب الظعن والأنعام، وأنه خطأ وقع فيه عدوه، حين أحضر ذلك
كله أمام أعين محاربيه من المؤمنين، الذين سوف يزيدهم حضور الغنيمة
اندفاعاً وتوثباً.. فكيف إذا كان أهل مكة أنفسهم، والمشركون منهم أيضاً
قد حضروا هذه الحرب طمعاً بالغنائم أيضاً حسبما تقدم؟!.
إنه تبسم العارف بالنتائج، والواقف على الخفايا
والأسرار.
ثم إنه
«صلى الله عليه وآله»
قد علق حصول المسلمين على تلك الغنيمة على مشيئة الله تبارك وتعالى.
كما أن صياغة العبارة
«تلك
غنيمة المسلمين غداً»،
قد خلت من الإشارة إلى أي دور للمسلمين في أخذ هذه الغنيمة، ولو أراد
أن يشير إليهم بشيء من ذلك، لقال: غداً يغنمها المسلمون، أو سيغنمها
المسلمون، أو نحو ذلك..
وذلك.. لأن حصول هذه الغنيمة إنما هو بصنع من الله،
وبتوفيق منه لنبيه الكريم «صلى الله عليه وآله»، ولوليه العظيم علي بن
أبي طالب «عليه السلام»، ثم يعطيها للمسلمين بمشيئة منه تبارك وتعالى..
من دون استحقاق منهم لها، حتى بأن تنسب الغنيمة إليهم..
فظهر أن قوله «صلى الله عليه وآله»:
«إن
شاء الله تعالى»،
لم يأت لمجرد التيمن، أو الدعاء، بل هو إخبار عن أن الأمر في هذه
الغنيمة يرجع كله لله تعالى، وليس لإرادة أو لفعل الناس دور يصح معه
نسبة ذلك إليهم.
وقد ظهرت صحة ودقة هذا التعبير حين فرَّ المسلمون
بأجمعهم عن رسول الله
«صلى الله عليه وآله»،
ولم يبق أحد يقاتل المشركين غير علي
«عليه
السلام».
وإن كان العباس أو غيره من بني هاشم لم يبادروا إلى
الفرار، فإنما كانوا حول رسول الله
«صلى الله عليه وآله» يحوطونه ويحفظونه
كحراس له، في حين كان المهاجم للأعداء، وصاحب النكاية فيهم هو علي
«عليه
السلام»
دون سواه، كما سيأتي إن شاء الله تعالى..
وآخر ما نشير إليه هنا:
أنه
«صلى الله عليه وآله»،
سرعان ما تجاوز هذا الموضوع، وطوى عنه كشحاً، مظهراً عدم الإكتراث به،
حيث بادر إلى القول:
«من
يحرسنا الليلة»؟!
وكأنه يريد أن يفهم الناس أن هذا الأمر مفروغ عنه، فلا حاجة لأن يشغل
الناس أنفسهم في تفاصيله.
وهذا يعد تأكيداً آخراً على تحقق هذا الأمر، ولابد أن
تظهر ثمرات ذلك كله بعد النصر الذي سيعقب هزيمة جميع المسلمين عن رسول
الله
«صلى الله عليه وآله»..
و عن سلمة بن الأكوع قال:
غزونا مع رسول الله «صلى الله عليه وآله» هوازن، فبينما
نحن نتضحى مع رسول الله «صلى الله عليه وآله» إذ جاء رجل على جمل أحمر،
فأناخه، ثم انتزع طلقاً من حقبه فقيد به الجمل، ثم تقدم فتغدى مع
القوم.
وجعل ينظر وفينا ضعفة ورقة من الظهر، وبعضنا مشاة، إذ
خرج يشتد، فأتى الجمل، فأطلق قيده، ثم أناخه، ثم قعد عليه. فاشتد به
الجمل، واتبعه رجل من أسلم من أصحاب رسول الله «صلى الله عليه وآله»
على ناقة ورقاء.
وفي رواية:
أتى عين من المشركين إلى رسول الله «صلى الله عليه
وآله» وهو في سفر، فجلس عند أصحابه يتحدث. انتهى.
ثم انفتل، فقال رسول الله «صلى الله
عليه وآله»:
«اطلبوه واقتلوه».
قال سلمة:
وخرجت أشتد، فكنت عند ورك الناقة، ثم تقدمت حتى كنت عند
ورك الجمل، ثم تقدمت حتى أخذت بخطام الجمل، فأنخته، فلما وضع ركبته على
الأرض، اخترطتُّ سيفي فضربت رأس الرجل فندر.
ثم جئت بالجمل أقوده عليه رحله وسلاحه، فاستقبلني رسول
الله «صلى الله عليه وآله» والناس معه، فقال: «من قتل الرجل»؟
قالوا:
ابن الأكوع.
قال:
«له سلبه أجمع»([49]).
ن
ونقول:
إن في هذه الرواية أموراً من شأنها أن تزلزل الطمأنينة
لدينا بصحتها، ونذكر منها:
1 ـ
إذا كان ابن الأكوع قد تبع ذلك الرجل وحده، فلا معنى
لسؤال النبي «صلى الله عليه وآله»: «من قتل الرجل»؟ لاسيما وأنه «صلى
الله عليه وآله» قد جاء والناس معه لاستقباله..
إلا أن يقال:
ليس في الرواية دلالة على أن ابن الأكوع تبع ذلك الرجل
وحده، ولعله بعد أمر النبي «صلى الله عليه وآله» بقتل الرجل انبعث أكثر
من شخص، وإنما تحدث سلمة عن خروجه هو، وكيف أنه أدركه فقتله وعاد،
فاستقبله النبي «صلى الله عليه وآله» ومعه الناس. أي سوى من كان خرج في
طلب الرجل..
ولكن هذا الإحتمال لا يتلاءم مع سياق كلام ابن الأكوع،
إذ لو كان معه غيره لقال: فاستقبلنا رسول الله «صلى الله عليه وآله»
الخ..
2 ـ
إن الرواية الأولى تصرح: بأنه تبعه على ناقة ورقاء..
والثانية تفيد: أنه تبعه راجلاً، فأي ذلك هو الصحيح؟!
3 ـ
قد كان بإمكان ذلك الرجل أن ينسل من بينهم بصورة
طبيعية، فلماذا يركض ويشتد.. وما معنى: أن يهجم على الطعام بهذه
الطريقة المثيرة؟! والمفروض بالعين: أن يكون أكثر كياسة، ولباقة، وحنكة
مما نراه.
4 ـ
إن حركة الرجل السريعة لا بد أن تثير المسلمين، وتدعوهم
لأن يلحقوه، ويأخذوه ليعرفوا خبره، مع أننا لا نجد في الرواية ما يشير
إلى أن أحداً تحرك لهذه المهمة سوى رجل واحد هو سلمة بن الأكوع.
واحتمال أن يكون قد تحرك غيره معه لا يتلاءم مع سياق
كلام ابن الأكوع حسبما ذكرناه فيما سبق..
5 ـ
حين ينزل النبي «صلى الله عليه وآله» بجيشه لكي يتضحوا
(أي لأجل أكل طعام الضحى)، فإنه «صلى الله عليه وآله» لا يجلس وحيداً
بعيداً عن جيشه وفي عمق الصحراء، بل المتوقع هو: أن ينزل في مكان، ثم
يصير الجيش يتحلق حوله حتى يصبح «صلى الله عليه وآله» في الوسط.. فكيف
استطاع ذلك الرجل أن يخترق تلك الجموع، ويسير كل تلك المسافات بين جموع
تعد بالألوف، ويطارده سلمة بن الأكوع، ثم لا يعترضه أحد من ذلك الجيش،
الذي يحتاج إلى عدة دقائق للخروج من بين جموعه؟! وكيف لم تثر حركته
فضولهم؟!
وكيف لم يشاركوا سلمة بن الأكوع في اللحاق به؟!
وكيف؟! وكيف؟!
6 ـ
هل إن ملاحقة وحسم مصير عينٍ، أو راصدٍ، تستوجب أن يقوم
رسول الله «صلى الله عليه وآله» بنفسه، ومعه الناس لاستقبال من فعل
ذلك؟!
7 ـ
إن ما فعله ذلك الرجل، من مجيئه على الجمل، وإطلاق
قيده، وإناخته، ثم قعوده عليه، ثم إنهاضه، والإنطلاق به، يحتاج إلى بعض
الوقت، الذي يستطيع معه ابن الأكوع وغيره الوصول إليه، والفبض عليه قبل
أن ينهض به الجمل، فلماذا صبروا حتى فعل ذلك كله. وانطلق بجمله؟!
8 ـ
لماذا كان مع الرجل ناقة وجمل؟!
أو فقل:
إن الرواية تتحدث أولاً عن جمل جاء به ذلك الرجل،
فأناخه، وعقله. ثم تتحدث عن ناقة حاذاها سلمة بن الأكوع، ثم عن جمل
حاذاه، ثم تقدم حتى أخذ بخطامه. فمن أين ومتى جاءت تلك الناقة؟! وما هي
الحكمة في ذلك؟!
9 ـ
إذا كان سلمة يركب الناقة، فمتى نزل عنها، حتى أخذ
بخطام ذلك الجمل الذي ينطلق بسرعة فائقة؟!
10 ـ
لماذا لم يبادر ذلك الرجل إلى القفز عن ظهر الجمل حينما
كان ينخيه سلمة ليتمكن من تجنب سيف سلمة، بل هو قد انتظر حتى اناخ به
الجمل، ثم اخترط سيفه، وقتله به؟!
11 ـ
إذا كان قتل ذلك الرجل له أهمية إلى حد ان رسول الله
«صلى الله عليه وآله» يخرج مع الناس لاستقبال قاتله، فلماذا اقتصرت
الرواية على سلمة نفسه، ولم يهتم بها الرواة، ولم يتناقلوها بالمستوى
الذي يليق بها؟!
12 ـ
إننا نلاحظ: أن راوي الحديث في البداية كان سلمة بن
الأكوع، ولكنه هو نفسه يعود اخيراً ليقول: «واتبعه رجل من أسلم، من
أصحاب رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فكيف نفسر هذا السياق لراوٍ
يتحدث عن نفسه بهذه الطريقة؟!
وذكروا:
أنهم حين ساروا إلى حنين وأصبحوا قريباً من جمع هوازن.
وأرادوا المبيت في موقعهم، قال «صلى الله عليه وآله»: من يحرسنا
الليلة؟!
قال أنس بن أبي مرثد:
أنا يا رسول الله.
قال:
«فاركب».
فركب فرساً له، وجاء إلى رسول الله «صلى الله عليه
وآله»، فقال له رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «استقبل هذا الشعب،
حتى تكون في أعلاه ولا نغرن من قبلك الليلة».
فلما أصبحنا خرج رسول الله «صلى الله عليه وآله» إلى
مصلاه، فركع ركعتين ثم قال: «هل أحسستم فارسكم»؟
قالوا:
يا رسول الله، ما أحسسناه، فثوب بالصلاة.
فجعل رسول الله «صلى الله عليه وآله» يصلي وهو يلتفت
إلى الشعب، حتى إذا قضى رسول الله «صلى الله عليه وآله» صلاته قال:
«أبشروا فقد جاءكم فارسكم».
فجعل ينظر إلى خلال الشجر في الشعب، وإذا هو قد جاء حتى
وقف على رسول الله، فقال: إني انطلقت حتى كنت في أعلى هذا الشعب، حيث
أمرني رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فلما أصبحت، طلعت الشعبين
كليهما، فنظرت فلم أر أحداً.
فقال له رسول الله «صلى الله عليه
وآله»:
«هل نزلت الليلة»؟
قال:
لا، إلا مصلياً، أو قاضي حاجة.
فقال له رسول الله «صلى الله عليه
وآله»:
«قد أوجبت، فلا عليك أن لا تعمل بعدها»([50]).
ونقول:
إننا نشك في صحة هذه الرواية، وذلك لما يلي:
أولاً:
إذا كانت الحراسة لرسول الله
«صلى الله عليه وآله»
فهو لا يحتاجها في جيش يبلغ تعداده الألوف، وإن احتاج إليها، فما معنى
أن يكون حارسه رجلاً
واحداً.
وإن كان المقصود هو:
أن يحرس أنس بن أبي مرشد ذلك الجيش كله؟! فهو غير
معقول! فإن جيشاً بهذا العدد الكبير، يحتاج إلى عشرات، بل إلى مئات من
الفرسان، الذين يحيطون به من جميع الجهات، حتى لا يفاجئهم العدو من أية
جهة كانت.
ولو فرضنا:
أن العدو كان في الجهة التي كان أنس مرابطاً فيها.
فمن الذي يضمن عدم انتقال العدو
منها إلى جهة أخرى، ليشن هجومه منها، أو أن لا يفرق
قواه في مختلف الجهات، لتأتي حملته مؤثرة في تشويش الأمور على الجيش
الغافل، والغارق في النوم؟!
ثانياً:
كيف أوكل
«صلى الله عليه وآله»
أمر حراسته، أو حراسة الجيش كله إلى رجل واحد، قد يأخذه النوم، أو
يأخذه العدو، وتكون الكارثة؟!.
أليس يزعمون:
أن النبي
«صلى الله عليه وآله»
قد جرب ذلك وهو في طريق عودته إلى خيبر، حيث طلب من بلال أن يبقى
مستيقظاً إلى حين طلوع الفجر، فنام بلال، وفاتتهم الصلاة؟!
فإننا وإن كنا قد كذبنا هذه المزاعم، لكننا نذكرها هنا
على سبيل إلزام من يصدق بها.
ثالثاً:
ما معنى أن يصلي النبي
«صلى الله عليه وآله»
ويلتفت إلى جهة الشعب؟!.
واحتمال أن يكون «صلى الله عليه وآله» قد صلى عدة صلوات
وكان يلتفت إلى الشعب بعد انتهاء كل صلاة لا يتلاءم مع سياق الكلام،
ولا سيما قوله: فثوب بالصلاة، حيث إن ظاهره أنه «صلى الله عليه وآله»
كان يصلي الصلاة المكتوبة.. ويؤيده قوله: حتى إذا قضى رسول الله «صلى
الله عليه وآله» صلاته.
رابعاً:
قالت الرواية: إن أنس بن أبي مرشد قد نزل من موقعه لأجل
قضاء الحاجة..
ألا يعد ذلك:
تفريطاً بالمهمة التي أوكلت إليه؟!
وألم يكن النبي «صلى الله عليه
وآله» يعلم:
أنه
بحاجة إلى أن ينزل من موقعه
إذا عرضت الحاجة له؟ فماذا لو أن العدو هجم عليه وعلى المسلمين في هذه
اللحظة؟!.
خامساً:
لعلَّ الأمرَّ والأدهى من ذلك كله زعمهم: أنه
«صلى الله عليه وآله»
قال لأنس:
«لا
عليك، ألَّا تعمل بعدها»!.
فهل سهر هذه الليلة في سبيل الله يكفيه عن العمل بقية
عمره؟!
وهل معنى قوله هذا:
أن العمل قد سقط عنه، ولم يعد مطالباً به، فإذا جاء به
فإنه سيكون قد أتى بعمل لا يطلبه الله منه..
وإذا كان ذلك غير مطلوب، فهل يمكن أن نفهم ذلك أن عمله
بعد اليوم أصبح بلا ثمرة، ولا أثر؛ لأن سهر تلك الليلة قد أغنى عنه؟!..
وهل يصح من النبي
«صلى الله عليه وآله»
أن يلوح لإنسان بأن يترك العمل، ويكتفي بما سلف؟!.
وقد سئل النبي
«صلى الله عليه وآله»
ـ والسائل له هي عائشة ـ عن السبب في أنه يجهد نفسه في عبادة الله، مع
أن الله قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال: أفلا أكون عبداً
شكوراً؟([51]).
فلماذا لا يدعوه إلى المزيد من الطاعة لله، ليكون عبداً شكوراً أيضاً؟
مع أننا نتحفظ على صحة سؤال عائشة أيضاً، فإنها إنما
قالت ذلك بحسب نظرتها هي لرسول الله «صلى الله عليه وآله»، لا بحسب
واقع الأمر.. فإنها كانت ترى: أن المقصود بالذنب المغفور للنبي «صلى
الله عليه وآله»: هو ذنبه تجاه ربه.
وذلك غير صحيح، فإنه
«صلى الله عليه وآله»
معصوم عن الذنب والخطأ، مبرّأ من الزلل.. والمقصود بالذنب في آيات سورة
الفتح هو ما يراه قومه ذنباً.
سادساً.. وأخيراً:
إن أنساً قد صرح: بأنه قضى ليلته مصلياً، فهل استطاع أن
يتوجه إلى الكعبة في صلاته؟!. وماذا لو كانت الكعبة خلف ظهره، حين يكون
في مواجهة العدو؟! وهذا هو الأولى بالإحتمال بالنسبة لحنين التي هي إلى
جهة الطائف. والمسلمون إنما قدموا من مكة باتجاه حنين، ويفترض أن تكون
مكة خلفهم وحنين أمامهم في مسيرهم ذاك..
ويقولون:
إن عباس بن مرداس قد أسدى لهوازن نصيحة في شعره حيث
قال:
أبلـغ هـوازن أعـلاهـا وأسفلها منـي رسـالـة
نـصـح فـيـه تبـيـان
إني أظـن رسـول الله صابحـكم جيشاً له في فضـاء الأرض أركـان
فيهم سليم أخوكم غير تارككم والمـسـلـمـون عبــاد الله
غســان
وفي عـضـادتـه اليمنى بنو أسـد والأجـربـان بـنـو عـبـس
وذبـيان
تكاد ترجف منه الأرض ترهبـه وفي مـقــدمــه أوس
وعــثـــمان
قال ابن إسحاق:
أوس وعثمان قبيلا مُزَيْنَة([52]).
وغني عن القول:
أن المقصود بهذا الشعر إن كان هو نصح هوازن لكي تأخذ
حذرها، وتستعد للحرب، فتلك خيانة منه، يحاول أن يتستر عليها بادعاء
مدح جيش المسلمين، وتخويف أعدائهم.
وإن كان المقصود هو مجرد الإفتخار، وعرض العضلات، ومن
عادة العرب: الإفتخار على أعدائهم بشجاعتهم، وبعدتهم، وعددهم.. فلماذا
يخبرهم بوقت وصول النبي «صلى الله عليه وآله» إليهم؟!
والذي نراه هو:
أن هذا الشعر قد تضمن ما يلي:
1 ـ
تفويت عنصر المفاجأة على جيش المسلمين، لأنه أخبر العدو
بوقت وصول رسول الله «صلى الله عليه وآله» بجيشه إليهم، وتلك خيانة
عظمى، وجناية كبرى.
2 ـ
إنه يتضمن تطميناً لهوازن، بأن سليماً، التي كان هو من
زعمائها هم إخوان لهوازن، وهم سوف لن يتركوهم طعمة للسيوف.
ويلاحظ هنا:
أنه لم يصف سليماً بالإسلام، بل أطلق وصف الإسلام على
غسَّان، ومن بعدهم.
وهذه إشارة أخرى لهوازن:
بأن سليماً لم تزل تبطن الكفر، وإن اظهرت الإيمان.
وبعدما تقدم، فقد يراود الذهن احتمال أن يكون هذا الرجل
من أهل النفاق، وربما يكون قد عاد إلى نفسه بعد ذلك.
([1])
البحار ج21 ص147 و 149 و 155 و 165 وتفسير القمي ج1 ص286
والبرهان (تفسير) ج2 ص113 ونور الثقلين ج2 ص199وإعلام الورى ج1
ص228 وراجع: الإرشاد للمفيد ج1 ص140 وتحفة الأحوذي ج5 ص139
والتفسير الأصفى ج1 ص459 والتفسير الصافي ج2 ص330 وشرح النهج
للمعتزلي ج15 ص106 وتفسير جوامع الجامع للطبرسي ج2 ص55 وجامع =
= البيان ج10 ص130 وكشف الغمة ج1 ص220 و 221 وسبل الهدى
والرشاد ج5 ص341 وشجرة طوبى ج2 ص307 وزاد المسير ج3 ص281
وتفسير القرطبي ج8 ص100 وتفسير البحر المحيط ج5 ص25 فتح القدير
ج2 ص348.
([2])
زاد المسير ج3 ص281.
([3])
فتح القدير ج2 ص348.
([4])
راجع: تفسير الثعلبي ج5 ص22 وزاد المسير ج3 ص281 عن مقاتل
وتفسير القرطبي ج8 ص100 وتفسير البحر المحيط ج5 ص25.
([5])
راجع: تفسير البحر المحيط ج5 ص25.
([6])
فتح القدير ج2 ص348 وزاد المسير ج3 ص281 وتفسير القرطبي ج8
ص100 وتفسير البحر المحيط ج5 ص25.
([7])
تاريخ الخميس ج2 ص100 والسيرة النبوية لدحلان (ط دار المعرفة)
ج2 ص109 وراجع: إمتاع الأسماع ج8 ص389 والسيرة الحلبية (ط دار
المعرفة) ج3 ص64.
([8])
تاريخ الخميس ج2 ص101 السيرة الحلبية ج3 ص107 و (ط دار
المعرفة) ص64 والسيرة النبوية لدحلان (ط دار المعرفة) ج2 ص109
وراجع: الطبقات الكبرى ج2 ص150 وأعيان الشيعة ج1 ص279 وإمتاع
الأسماع ج2 ص12 وج7 ص170.
([9])
السيرة الحلبية ج3 ص107 و (ط دار المعرفة) ص64، وراجع: الطبقات
الكبرى ج2 ص150.
([10])
السيرة الحلبية ج3 ص107 و (ط دار المعرفة) ص64 والسيرة النبوية
لدحلان (ط دار المعرفة) ج2 ص109 وراجع: الطبقات الكبرى ج2 ص150
وإمتاع الأسماع ج7 ص170.
([11])
ترجمة الإمام علي بن أبي طالب «عليه السلام»، من تاريخ ابن
عساكر (بتحقيق المحمودي) ج1 ص145 وتاريخ مدينة دمشق (ط دار
الفكر) ج42 ص74 وذخائر العقبى ص75 عن أحمد في المناقب،
والطبقات الكبرى لابن سعد (ط ليدن) ج3 ق1 ص14 و (ط دار صادر)
ج3 ص23 وتاريخ الإسلام للذهبي ج3 ص625 وكفاية الطالب ص336 عنه،
وفي هامشه عن: كنز العمال ج6 ص398 عن الطبراني، والرياض النضرة
ج2 ص202 وقال: أخرجه نظام الملك في أماليه. وراجع: فضائل
الصحابة لابن حنبل ج2 ص650 و 1106 عن ابن عباس، والحكم، وشرح
إحقاق الحق ج8 ص528 وج30 ص220 وج32 ص24.
([12])
مستدرك الحاكم ج3 ص111 وتلخيصه للذهبي بهامشه، ومناقب
الخوارزمي ص21 و 22 وإرشاد المفيد ص48 و (ط دار المفيد) ج1 ص79
وذخائر العقبى= =
ص86 والبحار ج20 ص81 وج38 ص240 و 256 وتيسير المطالب ص49
ومناقب أهل البيت للشيرواني ص39 والإستيعاب ج3 ص1090 وشرح
النهج ج4 ص117 ونظم درر السمطين ص134 وشواهد التنزيل ج1 ص118
والإكمال في أسماء الرجال ص127 وأبو هريرة للسيد شرف الدين
ص135 وتاريخ مدينة دمشق ج42 ص72 وتهذيب الكمال ج20 ص480
والوافي بالوفيات ج21 ص178 وأعيان الشيعة ج1 ص335 والمناقب
للخوارزمي ص58 وكشف الغمة ج1 ص79 و 190 والعدد القوية ص244
والنصائح الكافية ص237 وبناء المقالة الفاطمية للسيد ابن طاووس
ص133 ومنهاج الكرامة ص95 وغاية المرام ج5 ص175 وشرح إحقاق الحق
ج4 ص454 و 455 وج15 ص430 و 654 وج20 ص457 وج22 ص146 وج23 ص509
وج31 ص296 و 604.
([13])
ذخائر العقبى ص75 والرياض النضرة المجلد الثاني ج4 ص156
وينابيع المودة ج2 ص166 وجواهر المطالب لابن الدمشقي ج1 ص189
وشرح إحقاق الحق ج8 ص527 وج30 ص221 وراجع: الكامل لابن عدي ج1
ص240 وتاريخ مدينة دمشق ج42 ص72 .
([14])
ذخائر العقبى ص75 وينابيع المودة ج2 ص167 وشرح إحقاق الحق ج4
ص269 وج15 ص550 ومناقب آل أبي طالب ج3 ص85 والبحار ج42 ص60.
([15])
راجع: مستدرك الحاكم ج3 ص137 وصححه، وقال: له شاهد من حديث
زنفل العرفي، وفيه طول فلم يخرجه الحاكم، وأعيان الشيعة ج1
ص337 وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب «عليه السلام» في الكتاب
والسنة والتاريخ لمحمد الريشهري ج11 ص345 ومناقب الخوارزمي
ص258 و 259 و (ط مؤسسة النشر الإسلامي) ص358، وشرح إحقاق الحق
ج4 ص269 وج8 ص524 وج15 ص549 ومناقب آل أبي طالب ج3 ص85 والبحار
ج42 ص60 وغاية المرام ج7 ص51.
([16])
الطبقات الكبرى (ط ليدن) ج3 ق1 ص15 و (ط دار صادر) ج3 ص25
ومستدرك الحاكم ج3 ص111 وتلخيصه للذهبي بهامشه، ومناقب
الخوارزمي ص21 و 22 والإرشاد للمفيد ص48 وتيسير المطالب ص 49
وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب «عليه السلام» في الكتاب
والسنة والتاريخ لمحمد الريشهري ج9 ص437 وشرح إحقاق الحق ج8
ص524 وج32 ص343.
([17])
مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ج3 ص27 والبحار ج39 ص213
ومناقب أمير المؤمنين للكوفي ج1 ص291 و 515 وج2 ص498 والمعجم
الكبير للطبراني ج2 ص247 والإكمال في أسماء الرجال ص34 وقاموس
الرجال ج10 ص334 وكتاب المجروحين لابن حبان ج3 ص54 والكامل
لابن عدي ج7 ص47 والمسترشد للطبري هامش ص334 والإحتجاج للطبرسي
هامش ص180 والرياض النضرة المجلد الثاني ج3 ص172 عن نظام الملك
في أماليه، وكفاية الطالب ص336، وقال: ذكره محدث الشام ـ أي
ابن عساكر ـ في ترجمة علي «عليه السلام» من كتابه بطرق شتى عن
جابر، وعن أنس، وكنز العمال ج13 ص136 ومناقب أمير المؤمنين
«عليه السلام» لابن المغازلي ص200 وتاريخ مدينة دمشق ج42 ص74 و
75 والموضوعات ج1 ص16 و 388 وميزان الإعتدال ج4 ص240 والبداية
والنهاية ج7 ص371 وجواهر المطالب لابن الدمشقي ج1 ص182 وعمدة
القاري ج16 ص216 ومناقب الخوارزمي ص358 وشرح إحقاق الحق ج15
ص552 و 553 وج23 ص297 وج30 ص224 وحديث خيثمة ص199 وتنبيه
الغافلين ص19.
([18])
تاريخ مدينة دمشق ج42 ص75 وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب
«عليه السلام» في الكتاب والسنة والتاريخ لمحمد الريشهري ج8
ص149 وشرح إحقاق الحق ج15 ص557.
([19])
شرح الأخبار ج2 ص542 والإكمال في أسماء الرجال للخطيب التبريزي
ص78 وإمتاع الأسماع ج12 ص35 وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب
«عليه السلام» في الكتاب والسنة والتاريخ لمحمد الريشهري ج8
ص321 وشرح إحقاق الحق ج18 ص203 ومناقب أمير المؤمنين للكوفي
ص291 ومستدرك الحاكم ج3 ص500 وصححه على شرط الشيخين هو والذهبي
في تلخيص المستدرك، وحياة الصحابة ج2 ص514 و 515. وأظن أن
القضية كانت مع سعد بن مالك أبي سعيد الخدري، لأن سعد بن أبي
وقاص كان منحرفاً عن أمير المؤمنين «عليه السلام». ويشير إلى
ذلك ما ذكره الحاكم في مستدركه ج3 ص499 من أن أبا سعيد قد دعا
على من كان ينتقص علياً «عليه السلام» فاستجاب الله له.
([20])
المصنف للصنعاني ج5 ص288، والتاريخ الكبير ج6 ص258 وشرح إحقاق
الحق ج8 ص527 وج20 ص529 و 332 وتاريخ مدينة دمشق ج20 ص249 وسير
أعلام ج1 ص273 وراجع: فتح الباري ج6 ص89 عن أحمد، عن ابن عباس
بإسناد قوي.
([21])
المصنف للصنعاني ج5 ص288 وشرح إحقاق الحق ج20 ص530
([22])
مجمع الزوائد ج5 ص321 وراجع: فتح الباري ج6 ص89 والتاريخ
الكبير ج6 ص258 وسبل الهدى والرشاد ج7 ص371 و 372 وج9 ص109
وشرح إحقاق الحق ج8 ص526 .
([23])
أسد الغابة ج4 ص20 وأنساب الأشراف ج2 ص106 لكن فيه: ميسرة
العبسي بدل سعد بن عبادة، وراجع: شرح إحقاق الحق ج8 ص525.
([24])
الشافي لابن حمزة ج4 ص164.
([25])
المسترشد في إمامة علي بن أبي طالب «عليه السلام» ص57 و (ط سنة
1415قم) ص334.
([26])
سبل الهدى والرشاد ج5 ص312 و 406 والسيرة النبـوية لدحـلان (ط
دار = = المعرفة) ج2 ص108 وراجع: إعلام الورى ص128 وتاريخ
الخميس ج2 ص100 والبحار ج21 ص174 والعبر وديوان المبتدأ والخبر
ج2 ق2 ص48 و 49 وإمتاع الأسماع ج2 ص10 والطبقات الكبرى لابن
سعد ج2 ص137 وأعيان الشيعة ج1 ص278 .
([27])
سبـل الهـدى والـرشـاد ج5 ص312 عن ابن إسحـاق، وأحمـد، وأبي
داود، = = والنسائي، وراجع: البداية والنهاية ج4 ص370 والسيرة
النبوية لابن هشام ج4 ص891 والثقات لابن حبان ج2 ص66 وتاريخ
الأمم والملوك ج2 ص346 والتنبيه والإشراف ص234 والكامل في
التاريخ ج2 ص262 وأعيان الشيعة ج1 ص279 وعيون الأثر ج2 ص215
والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص613 وإمتاع الأسماع ص10 وإعلام
الورى ص119 والبحار ج21 ص164 و 165 وتاريخ الخميس ج2 ص100
والسيرة الحلبية ج3 ص107 و (ط دار المعرفة) ص63 والسيرة
النبوية لدحلان (ط دار المعرفة) ج2 ص108 .
([28])
سبل الهدى والرشاد ج5 ص312 والسيرة الحلبية ج3 ص107 و (ط دار
المعرفة) ص63 وإمتاع الأسماع ص10 والسيرة النبوية لدحلان (ط
دار المعرفة) ج2 ص108 وتفسير القرطبي ج8 ص97.
([29])
السيرة النبوية لدحلان (ط دار المعرفة) ج2 ص108 وسبل السلام ج3
ص69 وتلخيص الحبير ج11 ص210 ونيل الأوطار ج6 ص41 ومسند أحمد ج3
ص401 وج6 ص465 والسنن الكبرى للنسائي ج3 ص410 وسنن الدارقطني
ج3 ص35 وتنقيح التحقيق للذهبي ج2 ص121 وأضواء البيان للشنقيطي
ج9 ص123 والبداية والنهاية ج4 ص371 وإمتاع الأسماع ج14 ص8
والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص614 والسيرة الحلبية (ط دار
المعرفة) ص63.
([30])
سبل الهدى والرشاد ج5 ص312 عن السهيلي، والسيرة الحلبية ج3
ص107 و (ط دار المعرفة) ص63 والسيرة النبوية لدحلان (ط دار
المعرفة) ج2 ص108. وراجع: المستدرك للحاكم ج3 ص246 والإستيعاب
لابن عبد البر ج4 ص1512 وقاموس الرجال ج10 ص415 والطبقات
الكبرى لابن سعد ج4 ص47 وأسد الغابة ج5 ص46 والمنتخب من ذيل
المذيل ص10.
([31])
تقدمت مصادر ذلك في الحديث عن إيمان أبي طالب.
([32])
راجع النصوص في المصادر التالية: مسائل علي بن جعفر ص143 و 168
وقرب الإسناد ص65 و 52 والكافي ج1 ص243 و 244 وج4 ص243 و 244
ومن لا يحضره الفقيه ج2 ص126 وتهذيب الأحكام ج5 ص420 و 463
وعلل الشرايع ج1 ص396 والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج13 ص267 ـ
270 و (ط دار الإسلامية) ج9 ص367 و 368 والبحار ج33 ص171
والتفسير الأصفى ج2 ص802 والتفسير الصافي ج3 ص371 وتفسير نور
الثقلين ج3 ص481 والحدائق الناضرة ج17 ص348 و 349 وجواهر
الكلام ج20 ص49 وجامع المدارك ج2 ص549 ومختلف الشيعة ج4 ص367
وجامع أحاديث الشيعة ج10 ص99 و 101 ومنتقى الجمان ج3 ص476.
([33])
السيرة النبوية لدحلان (ط دار المعرفة) ج2 ص108 وسبل الهدى
والرشاد ج5 ص346 وفتح الباري ج8 ص21 والبحار ج21 ص181 عن مجمع
البيـان = = ج5 ص18 والبداية والنهاية ج4 ص369 والسيرة النبوية
لابن كثير ج3 ص610 وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب «عليه
السلام» في الكتاب والسنة والتاريخ لمحمد الريشهري ج1 ص255
ومعجم قبائل العرب ج3 ص1232 وإمتاع الأسماع ج2 ص9 والطبقات
الكبرى ج2 ص150 ودلائل النبوة للبيهقي ج5 ص123 وعن أبي نعيم،
وابن إسحاق، والواقدي، وابن سعد، وتاريخ الخميس ج2 ص100.
([34])
سبل الهدى والرشاد ج5 ص314 والبداية والنهاية ج4 ص369 و 371
والطبقات الكبرى ج2 ص143 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص610 و
615 وراجع: عمدة القاري ج12 ص136 .
([35])
سبل الهدى والرشاد ج5 ص346 وفتح الباري ج8 ص21 والبحار ج21
ص181 عن مجمع البيان ج5 ص18 والطبقات الكبرى ج2 ص143 وشرح
النهج للمعتزلي ج8 ص133.
([36])
سبل الهدى والرشاد ج5 ص346 وفتح الباري ج8 ص21.
([37])
سبل الهدى والرشاد ج5 ص346 وفتح الباري ج8 ص21 وإمتاع الأسماع
ج2 ص11 وج8 ص388 وأعيان الشيعة ج1 ص379 وموسوعة الإمام علي بن
أبي طالب «عليه السلام» في الكتاب والسنة والتاريخ لمحمد
الريشهري ج1 ص255.
([38])
سبل الهدى والرشاد ج5 ص316 و 318 والطبقات الكبرى لابن سعد ج2
ص150 وإمتاع الأسماع ج2 ص11 وأعيان الشيعة ج1 ص379.
([39])
سبل الهدى والرشاد ج5 ص314 والطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص150
وتهذيب المقال ج3 ص286 وإمتاع الأسماع ج2 ص9 وأعيان الشيعة ج1
ص379 وشرح النهج للمعتزلي ج8 ص133.
([40])
سبل الهدى والرشاد ج5 ص230 و 313 عن البخاري، ومسند أحمد ج2 ص
237 و 262 و 353 و 540 وج5 ص202 وعن صـحيـح البخـاري ج2 ص158
وج4 = = ص33 و 247 وج5 ص92 وج8 ص194 وعن صحيح مسلم ج4 ص86 وشرح
مسلم للنووي ج9 ص61 وعن فتح الباري ج7 ص147 وج8 ص13 وراجع:
المجموع للنووي ج8 ص252 وسنن ابن ماجة ج1 ص446 وج2 ص8 والسنن
الكبرى للبيهقي ج5 ص160 وج6 ص218 وعن السنن الكبرى للنسائي ج2
ص467 ونيل الأوطار ج5 ص166 وكنز العمال ج10 ص388 وج11 ص77
وتهذيب الكمال ج22 ص156 وغريب الحديث ج2 ص831 ومعجم ما استعجم
ج2 ص526 وعون المعبود ج5 ص343 ومسند ابن راهويه ج1 ص32 ومسند
أبي يعلى ج11 ص332 وصحيح ابن خزيمة ج4 ص321 و 322 ومسند
الشاميين ج4 ص177 وشرح النهج للمعتزلي ج17 ص277 وعن نصب الراية
ج3 ص181 و 182 وعلل الدارقطني ج9 ص248 والمعجم الكبير ج1 ص168
والفايق في غريب الحديث ج1 ص349 وتاريخ بغداد ج9 ص95 وتحفة
الأحوذي ج3 ص574 وتاريخ مدينة دمشق ج54 ص223 وج57 ص394 وعن
البداية والنهاية ج4 ص339 وج5 ص224 والسيرة النبوية لابن كثير
ج3 ص561 وج4 ص407 ولسان العرب ج12 ص481.
([41])
سبل الهدى والرشاد ج5 ص 231 و 313 وصحيح البخاري وج5 ص92
ومسند أحمد ج2 ص322 وصحيح مسلم ج4 ص86 وعمدة القاري ج17 ص282
وفتح الباري ج8 ص16 والبداية والنهاية ج4 ص339 والسيرة النبوية
لابن كثير ج3 ص561 والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج3 ص333.
([42])
سبل الهدى والرشاد ج5 ص314 عن الواقدي، وابن عقبة، وتاريخ
الخميس ج2 ص100 والبداية والنهاية ج4 ص377 والسيرة النبوية
لابن كثير ج3 ص625 وتاريخ الإسلام للذهبي ج2 ص577 والسيرة
الحلبية (ط دار المعرفة) ج3 ص63.
([43])
سبل الهدى والرشاد ج5 ص314 وراجع: تاريخ الإسلام للذهبي ج2
ص578 وإمتاع الأسماع ج2 ص12.
([44])
سبل الهدى والرشاد ج5 ص314 عن الواقدي.
([45])
الآية 138 من سورة الأعراف.
([46])
سبل الهدى والرشاد ج5 ص314 عن ابن إسحاق، والترمذي، والنسائي،
وابن أبي حاتم، والحاكم في الإكليل، وتاريخ الخميس ج2 ص101
والسيرة الحلبية ج3 ص107 و (ط دار المعرفة) ص64 وراجع: مسند
أحمد ج5 ص218 والمصنف لابن أبي شيبة ج8 ص634 ومسند أبي يعلى ج3
ص30 وتفسير ابن أبي حاتم ج5 ص1553 والبداية والنهاية ج4 ص372
وكتاب السنة لابن أبي عاصم ص37 والسيرة النبوية لابن هشام ج4
ص893 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص616 والمعجم الكبير ج3
ص244 والدرر لابن عبد البر ص325 وكنز العمال ج11 ص170 وجامع
البيان ج9 ص61 وتفسير الآلوسي ج9 ص42 والعبر وديوان المبتدأ
والخبر ج2 ق2 ص46.
([47])
البحار ج44 ص304 والعوالم، الإمام الحسين للبحراني ص598 عن
عيون أخبار الرضا، وتفسير الإمام العسكري ص369 والتفسير الصافي
ج1 ص154 وتأويل الآيات لشرف الدين الحسيني ج1 ص75 وذوب النضار
لابن نما الحلي ص12.
([48])
سبل الهدى والرشاد ج5 ص315 عن النسائي، وأبي داود، وتاريخ
الخميس ج2 ص101 عن المشكاة، والسيرة الحلبية ج3 ص107 والمغني
لابن قدامة ج10 ص380 وسنن أبي داود ج1 ص561 والمستدرك للحاكم
ج2 ص83 والسننن الكبرى للبيهقي ج9 ص149 والسنن الكبرى للنسائي
ج5 ص273 والمعجم الكبير للطبراني ج6 ص96 وتفسير القرآن العظيم
ج1 ص456 وأسد الغابة ج1 ص130 وتهذيب الكمال ج34 ص218 والإصابة
ج1 ص280 وتاريخ الإسلام للذهبي ج2 ص575 والبداية والنهاية ج4
ص372 والسيرة النبوية = = لابن كثير ج3 ص616 والسيرة النبوية
لدحلان (ط دار المعرفة) ج2 ص109 وفيه: أن هذا الرجل هو ابن أبي
حدرد نفسه.
([49])
سبل الهدى والرشاد ج5 ص337 عن البخاري، وفي هامشه عن: البخاري
في الجهاد (3051)، وأحمد ج4 ص51 وأبو داود (2653)، والطبراني
في الكبير ج7 ص29 والبيهقي في السنن الكبرى ج9 ص6 و 147 و 306
والطحاوي في المشكل ج4 ص140 وراجع: نيل الأوطار للشوكاني ج8
ص97 وصحيح مسلم ج5 ص150 وشرح مسلم للنووي ج12 ص67 وفتح الباري
ج6 ص117 وعمدة القاري ج14 ص296 وشرح معاني الآثار ج3 ص227
ومعرفة السنن والآثار ج5 ص119 والإستذكار لابن عبد البر ج5 ص63
والجامع لأحكام القرآن ج8 ص6 وأضواء البيان للشنقيطي ج2 ص83.
([50])
سبل الهدى والرشاد ج5 ص315 عن النسائي، وأبي داود، والإصابة ج1
ص73 وتاريخ الخميس ج2 ص101 والمغني لابن قدامة ج10 ص381 والشرح
الكبير ج10 ص379 وسنن أبي داود ج1 ص561 والمستدرك ج2 ص84
والسنن الكـبرى للبيهقي ج9 ص149 والمعجـم الكبير ج6 ص96 = =
وتفسير القرآن العظيم ج1 ص456 وأسد الغابة ج1 ص130 والإصابة ج1
ص280 وتاريخ الإسلام للذهبي ج2 ص575 والبداية ج4 ص372 والسيرة
البنوية لابن كثير ج3 ص617.
([51])
راجع: البرهان (تفسير) ج3 ص29 عن الكافي، وعن الإحتجاج
للطبرسي، والدر المنثور ج6 ص70 عن ابن المنذر، وابن مردويه،
والبيهقي في الأسماء والصفات، وفي شعب الإيمان، وابن عساكر،
وابن أبي شيبة، وأحمد في الزهد، وأبي يعلى، والحسن بن سفيان،
وابن عدي، وأبي نعيم في حلية الأولياء
عن عائشة، وأنس، وأبي هريرة، والحسن، وأبي جحيفة
وغيرهم. وراجع: الصلاة في الكتاب والسنة للريشهري ص196 والكافي
ج2 ص95 وشرح أصول الكافي ج8 ص294 ومستدرك الوسائل ج1 ص128
ومشكاة الأنوار ص76 والبحار ج68 ص24 وج81 ص262 وجامع أحاديث
الشيعة ج1 ص403 وموسوعة أحاديث أهل البيت «عليهم السلام» للشيخ
هادي النجفي ج5 ص421 وميزان الحكمة ج4 ص3232 ومسند أحمد ج6
ص115 وصحيح البخاري ج6 ص44 وصحيح مسلم ج8 ص142 والسنن الكبرى
للبيهقي ج7 ص39 وراجع: فتح الباري ج3 ص13 وعمدة القاري ج19
ص177 والديباج على مسلم ج6 ص171 والمعجم الأوسط ج4 ص138
والمعجم الصغير ج1 ص71 وفضائل الأوقات للبيهقي ص128 وتخريج
الأحاديث والآثار ج2 ص349 وتفسير ابن عربي ج1 ص95 والجامع
لأحكام القـرآن = = ج14 ص277 وتفسير القرآن العظيم ج4 ص197
وأضواء البيان للشنقيطي ج8 ص360 وتهذيب الكمال ج16 ص300 وإمتاع
الأسماع ج2 ص315 و 316 وج13 ص33 وأهل البيت في الكتاب والسنة
لمحمد الريشهري ص268 وجامع السعادات ج3 ص192 ومكيال المكارم ج1
ص290.
([52])
سبل الهدى والرشاد ج5 ص315 والبداية والنهاية ج4 ص372 والسيرة
النبوية لابن كثير ج3 ص616.
|