الثلاثة الذين خلفوا.. وحديث كعب بن مالك

   

صفحة :211-258   

الثلاثة الذين خلفوا.. وحديث كعب بن مالك

أبو لبابة وأصحابه:

عن ابن عباس، وسعيد بن المسيب في قوله تعالى: {وَآَخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآَخَرَ سَيِّئاً}([1])، قال ابن عباس: كانوا عشرة رهط تخلفوا عن رسول الله «صلى الله عليه وآله» في غزوة تبوك، منهم: أبو لبابة، وسمى قتادة منهم: جد بن قيس وجذام بن أوس([2]).

فلما قفل رسول الله «صلى الله عليه وآله» أوثق سبعة منهم أنفسهم بسواري المسجد، وكان ممر رسول الله «صلى الله عليه وآله» إذا رجع من المسجد عليهم، فلما رآهم رسول الله «صلى الله عليه وآله» قال: «من هؤلاء الموثقون أنفسهم»؟!

قالوا: هذا أبو لبابة، وأصحاب له، تخلَّفوا عنك يا رسول الله، فعاهدوا الله ألَّا يطلقوا أنفسهم حتى تكون أنت الذي تطلقهم، فترضى عنهم وتعذرهم، وقدا اعترفوا بذنوبهم.

فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «وأنا أقسم بالله لا أطلقهم ولا أعذرهم حتى يكون الله تعالى هو الذي يطلقهم، رغبوا عني، وتخلفوا عن الغزو مع المسلمين»!!

فلما بلغهم ذلك قالوا: ونحن لا نطلق أنفسنا حتى يكون الله تبارك وتعالى هو الذي يطلقنا، فأنزل الله تبارك وتعالى: {وَآَخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآَخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ}([3])، وعسى من الله واجب، {..إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}([4]).

فلما نزلت أرسل رسول الله «صلى الله عليه وآله» إليهم فأطلقهم وعذرهم.

قال ابن المسيب: فأرسل رسول الله «صلى الله عليه وآله» إلى أبي لبابة ليطلقه، فأبى أن يطلقه أحد إلا رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فجاءه رسول الله «صلى الله عليه وآله» فأطلقه بيده، فجاؤوا بأموالهم فقالوا: يا رسول الله، هذه أموالنا فتصدق بها عنا واستغفر لنا.

فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «ما أمرت أن آخذ أموالكم»، فأنزل الله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ..}، يقول: استغفر لهم {..إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ}([5]) يقول: رحمة لهم، فأخذ منهم الصدقة، واستغفر لهم.

وكان ثلاثة نفر منهم لم يوثقوا أنفسهم بالسواري، فأُرجئوا سنة لا يدرون: يعذبون، أو يتاب عليهم. فأنزل الله تعالى: {لَقَدْ تَابَ اللَهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ..}([6]) إلى آخر الآية. وقوله: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا}. إلى قوله: {ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}([7]). يعني استقاموا فأنزل الله تبارك ـ وتعالى ـ في شأن هذه الغزوة كثيراً من سورة براءة.

وزعموا: أن ارتباط أبي لبابة كان في وقعة بني قريظة، وقد روينا عن ابن عباس وسعيد بن المسيب ما دلَّ على أن ارتباطه كان بتخلفه في غزوة تبوك([8]).

الثلاثة الذين خلِّفوا:

وقد روى الزهري، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك: أن أباه كعب بن مالك حدّث بما جرى له فقال: لم أتخلف عن رسول الله «صلى الله عليه وآله» في غزوة غزاها إلا في غزوة تبوك، غير أني كنت تخلفت عن غزوة بدر، ولم يعاتب الله أحداً تخلف عنها، إنما خرج رسول الله «صلى الله عليه وآله» يريد عير قريش، حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد.

ولقد شهدت مع رسول الله «صلى الله عليه وآله» ليلة العقبة حين تواثقنا على الإسلام، وما أحب أن لي بها مشهد بدر، وإن كانت بدر أَذْكَر.

كان من خبري: أني لم أكن قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنه في تلك الغزوة، والله ما اجتمعت عندي قبله راحلتان قط حتى جمعتهما في تلك الغزوة، ولم يكن رسول الله «صلى الله عليه وآله» يريد غزوة إلا ورَّى بغيرها، وكان يقول: «الحرب خدعة»، حتى كانت تلك الغزوة، غزاها رسول الله «صلى الله عليه وآله» في حر شديد، واستقبل سفراً بعيداً، ومفازاً، وعدداً كثيراً، فجلى للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة غزوهم ـ وفي لفظ: أهبة عدوهم ـ فأخبرهم بوجهه الذي يريد، والمسلمون مع رسول الله «صلى الله عليه وآله» كثيرون([9]).

وعند مسلم: يزيدون على عشرة آلاف([10]).

وروى الحاكم في الإكليل عن معاذ قال: خرجنا مع رسول الله «صلى الله عليه وآله» إلى غزوة تبوك زيادة على ثلاثين ألفاً.

وقال أبو زرعة الرازي: لا يجمعهم كتاب حافظ.

قال الزهري: يريد الديوان.

قال كعب: فما رجل يريد أن يتغيب إلا ظن أن سيخفى له ما لم ينزل فيه وحي الله تعالى([11]).

وغزا رسول الله «صلى الله عليه وآله» تلك الغزوة حين طابت الثمار والغلال، في قيظ شديد، في حال الخريف، والناس خارفون في نخيلهم.

وتجهز رسول الله «صلى الله عليه وآله» وتجهز المسلمون معه، فخرج في يوم الخميس. وكان يحب إذا خرج في سفر جهاد أو غيره أن يخرج يوم الخميس. فطفقت أغدوا لكي أتجهز معهم، فارجع ولم أقض شيئاً، فأقول في نفسي: أنا قادر عليه.

وفي رواية: وأنا أقدر شيئاً في نفسي على الجهاد، وخفة الجهاد، وأنا في ذلك أصبوا إلى الظلال والثمار، ولم يزل يتمادى بي الحال حتى اشتد بالناس الجد، فأصبح رسول الله «صلى الله عليه وآله» غادياً والمسلمون معه يوم الخميس، ولم أقض من جهازي شيئاً، فقلت: أتجهز بعده بيوم أو يومين، ثم ألحقهم، فغدوت ـ بعد أن فصلوا ـ لأتجهز، فرجعت ولم أقض شيئاً.

فلم يزل ذلك يتمادى بي حتى أمعن القوم وأسرعوا، وتفارط الغزو، وهممت أن أرتحل فأدركهم ـ وليتني فعلت!! ـ فلم يقدر لي ذلك.

فكنت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فطفت فيهم أحزنني أني لا أرى إلا رجلاً مغموصاً عليه بالنفاق، أو رجلاً ممن عذر الله تعالى من الضعفاء.

وعند عبد الرزاق: وكان جميع من تخلف عن رسول الله «صلى الله عليه وآله» بضعة وثمانين رجلاً ـ ولم يذكرني رسول الله «صلى الله عليه وآله» حتى بلغ تبوك.

فقال وهو جالس في القوم بتبوك: «ما فعل كعب ابن مالك»؟

فقال رجل من بني سلمة، وفي رواية من قومي ـ قال محمد بن عمر: هو عبد الله بن أنيس السلمي ـ بفتح اللام ـ لا الجهني: يا رسول الله حبسه برداه، ونظره في عطفيه.

فقال معاذ بن جبل ـ قال محمد بن عمر: وهو أثبت، ويقال: أبو قتادة: بئس ما قلت! والله يا رسول الله، ما علمت عليه إلا خيراً.

فسكت رسول الله «صلى الله عليه وآله».

قال كعب بن مالك: فلما بلغني أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» توجه قافلاً حضرني همي، وطفقت أعد عذراً لرسول الله «صلى الله عليه وآله» وأهيء الكلام، وأقول: بماذا أخرج من سخطه «صلى الله عليه وآله» غداً، واستعنت على ذلك بكل ذي رأي من أهلي.

فلما قيل إن رسول الله «صلى الله عليه وآله» قد أطل قادماً زاح عني الباطل، وعرفت أني لم أخرج منه أبداً بشيء فيه كذب، فأجمعت صدقه، وعرفت أنه لا ينجيني منه إلا الصدق.

وأصبح رسول الله «صلى الله عليه وآله» قادماً، قال ابن سعد: في رمضان، قال كعب: وكان إذا قدم من سفر لا يقدم إلا في الضحى، فيبدأ بالمسجد، فيركع فيه ركعتين، ثم يدخل على فاطمة، ثم على أزواجه، فبدأ بالمسجد فركعهما، ثم جلس للناس.

فلما فعل ذلك جاءه المخلفون، فطفقوا يعتذرون إليه، ويحلفون له، وكانوا بضعة وثمانين رجلاً، فقبل منهم رسول الله «صلى الله عليه وآله» علانيتهم، وبايعهم، واستغفر لهم، ووكل سرائرهم إلى الله تعالى. فجئته، فلما سلمت عليه، تبسم تبسم المغضب، فقال: «تعال». فجئت أمشي حتى جلست بين يديه.

وعند ابن عائذ: فاعرض عنه رسول الله «صلى الله عليه وآله» فقال: يا نبي الله، لم تعرض عني؟ فوالله ما نافقت، ولا ارتبت، ولا بدلت.

قال كعب: فقال لي: «ما خلَّفك؟ ألم تكن قد ابتعت ظهرك»؟

فقلت: بلى إني والله يا رسول الله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أن سأخرج من سخطه بعذر، ولقد أُعطيت جدلاً، ولكني ـ والله ـ لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني ليوشكن الله تعالى أن يسخطك عليَّ، ولئن حدثتك اليوم حديث صدق تجد عليَّ فيه، إني لأرجو فيه عفو الله عني، لا والله ما كان لي من عذر، والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنك.

فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «أما هذا فقد صدق، فقم حتى يقضي الله تعالى فيك ما يشاء».

فقمت، فمضيت وثار رجال من بني سلمة فاتبعوني، فقالوا: ما علمناك كنت أذنبت ذنباً قبل هذا، ولقد عجزت أن لا تكون اعتذرت إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» بما اعتذر به إليه المخلفون، قد كان كافيك ذنبك استغفار رسول الله «صلى الله عليه وآله» لك.

فوالله ما زالوا يؤنبوني، حتى أردت أن أرجع فأكذب نفسي، فقلت: ما كنت لأجمع أمرين: أتخلف عن رسول الله «صلى الله عليه وآله» وأكذبه.

ثم قلت لهم: هل لقي هذا معي أحد؟

قالوا: نعم، رجلان قالا مثل ما قلت، فقيل لهما مثل ما قيل لك.

فقلت: من هما؟

قالوا: مرارة بن الربيع العمري، وهلال بن أمية الواقفي.

وعند ابن أبي حاتم من مرسل الحسن: أن سبب تخلف الأول أنه كان له حائط حين زها، فقال في نفسه: قد غزوت قبلها فلو أقمت عامي هذا؟!

فلما تذكر ذنبه قال: اللهم أشهدك أني قد تصدقت به في سبيلك.

وأن الثاني كان له أهل تفرقوا ثم اجتمعوا فقال: لو أقمت هذا العام عندهم. فلما تذكر قال: اللهم لك عليَّ أن لا أرجع إلى أهلي ولا مالي.

قال كعب: فذكروا رجلين صالحين قد شهدا بدرا فيهما أسوة، فمضيت حين ذكروهما لي.

ونهى رسول الله «صلى الله عليه وآله» المسلمين عن كلامنا أيها الثلاثة من بين من تخلف عنه.

فاجتنبنا الناس، وتغيروا لنا.

وعند ابن أبي شيبة: فطفقنا نغدو في الناس لا يكلمنا أحد، ولا يسلم علينا أحد، ولا يرد علينا سلاماً.

وعند عبد الرزاق: وتنكَّر لنا الناس حتى ما هم بالذي نعرف، وتنكرت لنا الحيطان حتى ما هي بالتي نعرف. انتهى.

ما من شيء أهم إلي من أن أموت فلا يصلي عليَّ رسول الله «صلى الله عليه وآله»، أو يموت فأكون من الناس بتلك المنزلة، فلا يكلمني أحد، ولا يصلي علي حتى تنكرت في نفسي الأرض حتى ما هي التي أعرف.

فلبثنا على ذلك خمسين ليلة.

فأما صاحباي فاستكانا، وقعدا في بيتهما يبكيان.

وأما أنا فكنت أشب القوم وأجلدهم، فكنت أخرج فأشهد الصلاة مع المسلمين، وأطوف الأسواق، فلا يكلمني أحد، ولا يرد علي سلاماً وآتي رسول الله «صلى الله عليه وآله» وهو في مجلسه بعد الصلاة فأسلم عليه، وأقول في نفسي: هل حرك شفتيه برد السلام علي أم لا؟ ثم أصلي قريباً منه فأسارقه النظر، فإذا أقبلت على صلاتي أقبل علي، فإذا التفت نحوه أعرض عني.

حتى إذا طال علي ذلك من جفوة الناس مشيت حتى تسورت جدار حائط أبي قتادة، وهو ابن عمي. أي أنه من بني سلمة، وليس هو ابن عمه أخو أبيه الأقرب، قال كعب: وهو أحب الناس إلي، فسلمت عليه، فوالله، ما رد علي، فقلت له: يا أبا قتادة، أنشدك بالله، هل تعلمني أحب الله ورسوله؟

فسكت، فعدت له فنشدته، فسكت [فعدت له فنشدته] فلم يكلمني، حتى إذا كان في الثالثة أو الرابعة قال: الله ورسوله أعلم .

ففاضت عيناي، وتوليت حتى تسورت، قال: فبينما أنا أمشي في سوق المدينة إذا بنبطي من أنباط الشام ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة يقول: من يدل على كعب بن مالك؟

فطفق الناس يشيرون له، حتى إذا جاءني دفع إليَّ كتاباً من ملك غسان، وعند ابن أبي شيبة: من بعض من بالشام، كتب إلي كتاباً في سرقة حرير فإذا فيه:

أما بعد، فإنه قد بلغني أن صاحبك قد جفاك، فأقصاك ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة، فإن تك متحولاً فالحق بنا نواسيك.

فقلت لما قرأتها: وهذا أيضاً من البلاء، قد طمع فيَّ أهل الكفر، فتيممت بها التنور فسجرته بها.

وعند ابن عائذ: أنه شكا قدره إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» وقال: ما زال إعراضك عني حتى رغب فيَّ أهل الشرك.

قال كعب: حتى إذا مضت أربعون ليلة من الخمسين إذا رسول رسول الله «صلى الله عليه وآله» يأتيني .

قال محمد بن عمر: وهو خزيمة بن ثابت، وهو الرسول إلى مرارة وهلال بذلك.

قال كعب: فقال: إن رسول الله «صلى الله عليه وآله» يأمرك أن تعتزل امرأتك. أي عمرة بنت حمير بن صخر بن أمية الأنصارية أو خَيَرة ـ بفتح الخاء المعجمة فالتحتانية.

فقلت: أُطلقها، أو ماذا أفعل؟

قال: لا، بل اعتزلها ولا تقربها، وأرسل إلى صاحبيَّ مثل ذلك.

فقلت لامرأتي: الحقي بأهلك، فتكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر.

قال كعب: وجاءت امرأة هلال بن أمية، أي خولة بنت عاصم لرسول الله «صلى الله عليه وآله» فقالت: يا رسول الله، إن هلال بن أمية شيخ ضائع ليس له خادم ـ وعند ابن أبي شيبة: إنه شيخ قد ضعف بصره ـ انتهى. فهل تكره أن أخدمه؟

قال: «لا، ولكن لا يقربك».

قالت: إنه والله ما به حركة إلى شيء!! والله ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا.

قال كعب: فقال لي بعض أهلي: لو استأذنت رسول الله «صلى الله عليه وآله» في امرأتك كما أذن لهلال بن أمية أن تخدمه.

فقلت: والله لا أستأذن فيها رسول الله «صلى الله عليه وآله» وما يدريني ما يقول رسول الله «صلى الله عليه وآله» إذا استأذنته فيها، وأنا رجل شاب.

فلبثت بعد ذلك عشر ليال، حتى كملت لنا خمسون ليلة، من حين نهى رسول الله «صلى الله عليه وآله» عن كلامنا.

وعند عبد الرزاق: وكانت توبتنا نزلت على النبي «صلى الله عليه وآله» ثلث الليل.

فقالت أم سلمة: يا نبي الله ألا نبشر كعب بن مالك؟

قال: إذاً يحطمكم الناس ويمنعونكم النوم سائر الليلة.

قال: وكانت أم سلمة تجيئه في ثاني عشرة بأمري، فلما صليت الفجر صبح خمسين ليلة، وأنا على ظهر بيت من بيوتنا، فبينا أنا جالس على الحال الذي ذكره الله تعالى قد ضاقت علي نفسي وضاقت علي الأرض بما رحبت، سمعت صوتاً صارخاً أوفى على جبل سلع، يقول بأعلى صوته: يا كعب بن مالك، أبشر.

وعند محمد بن عمر: أن الذي أوفى على سلع أبو بكر الصديق فصاح: قد تاب الله ـ تعالى ـ على كعب، يا كعب: أبشر.

وعند ابن عقبة: أن رجلين سعيا يريدان كعباً يبشرانه، فسبق أحدهما، فارتقى المسبوق على سلع فصاح: يا كعب، أبشر بتوبة الله تعالى وقد أنزل الله ـ تعالى ـ عز وجل فيكم القرآن، وزعموا أن اللذين سعيا هما: أبو بكر وعمر.

قال كعب: فخررت ساجداً أبكي فرحاً بالتوبة، وعرفت أن قد جاء فرج، وآذن رسول الله «صلى الله عليه وآله» بتوبة الله تعالى علينا حين صلى صلاة الفجر، فذهب الناس يبشروننا، وذهب قِبَل صاحبيَّ مبشرون، وركض إليَّ رجل على فرس ـ وعند محمد بن عمر: هو الزبير بن العوام.

قال كعب: وسعى ساع من أسلم حتى أوفى على الجبل، وعند محمد بن عمر: أنه حمزة بن عمرو الأسلمي.

قال كعب: وكان الصوت أسرع من الفرس، فلما جاءني الذي سمعت صوته، وهو حمزة الأسلمي يبشرني، نزعت له ثَوْبَيَّ فكسوته إياهما ببشراه، والله ما أملك غيرهما يومئذٍ. واستعرت ثوبين من أبي قتادة ـ كما عند محمد بن عمر ـ فلبستهما.

قال: وكان الذي بشر هلال بن أمية بتوبته سعيد بن زيد، فما ظننت أنه يرفع رأسه حتى تخرج نفسه، أي من الجهد، فقد كان امتنع عن الطعام حتى كان يواصل الأيام صياماً لا يفتر عن البكاء، وكان الذي بشر مرارة بن الربيع بتوبته سلكان بن سلامة أو سلامة بن وقش.

قال كعب: وانطلقت إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» فتلقاني بالتوبة، يقولون: لتُهنِك توبة الله تعالى عليك.

قال كعب: حتى دخلت المسجد، فإذا برسول الله «صلى الله عليه وآله» جالس حوله الناس، فقام إليَّ طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهنأني. والله ما قام إلي رجل من المهاجرين غيره، ولا أنساها لطلحة.

قال كعب: فلما سلمت على رسول الله «صلى الله عليه وآله» قال رسول الله «صلى الله عليه وآله» وهو يبرق وجهه من السرور: [أبشر بخير يوم مرّ عليك منذ ولدتك أمك].

فقلت: يا رسول الله، أمن عندك أم من عند الله؟

قال: «لا بل من عند الله، إنكم صدقتم الله فصدقكم الله».

وكان رسول الله «صلى الله عليه وآله» إذا سُر استنار وجهه كأنه قطعة قمر، وكنا نعرف ذلك منه.

فلما جلست بين يديه قلت: يا رسول الله، إن من توبتي أن أنخلع من مالي كله صدقة إلى الله تعالى وإلى رسوله «صلى الله عليه وآله».

قال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك».

قلت: نصفه؟

قال: «لا».

قلت: ثلثه؟

قال: «نعم».

قلت: فإني أمسك سهمي الذي بخيبر.

وقلت: يا رسول الله، إنما نجاني الله تعالى بالصدق، وإن من توبتي ألَّا أحدث إلا صدقاً ما بقيت، فوالله ما أعلم أحداً من المسلمين أبلاه الله تعالى في صدق الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله «صلى الله عليه وآله» أحسن مما أبلاني، ما تعمدت منذ ذكرت ذلك لرسول الله «صلى الله عليه وآله» إلى يومي هذا كذباً، وإني لأرجوا أن يحفظني الله تعالى فيما بقيت.

فأنزل الله تبارك وتعالى على رسوله «صلى الله عليه وآله»: {لَقَدْ تَابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ} إلى قوله: {وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}([12])، فوالله ما أنعم الله علي من نعمة ـ بعد أن هداني للإسلام ـ أعظم في نفسي من صدقي لرسول الله «صلى الله عليه وآله» أن لا أكون كذبته فأهلك كما هلك الذين كذبوا، فإن الله تعالى قال في الذين كذبوا حين أنزل الوحي شر ما قال لأحد، فقال تبارك وتعالى: {سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ} إلى قوله: {فَإِنَّ اللَهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ}([13]).

قال كعب: وكنا قد تخلفنا أيها الثلاثة عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله «صلى الله عليه وآله» حين حلفوا له، فبايعهم واستغفر لهم، وأرجأ رسول الله «صلى الله عليه وآله» أمرنا حتى قضى الله سبحانه وتعالى فيه بذلك، قال الله تعالى: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}([14]) وليس الذي ذكر الله مما خلفنا عن الغزو، وإنما تحليفه إيانا، وإرجاؤه أمرنا عمن حلف له واعتذر إليه، فقبل منه([15]).

وعن كعب بن مالك قال: لما نزلت توبتي قبلت يد رسول الله «صلى الله عليه وآله»([16]).

وفي نص آخر: قبلت يده وركبتيه([17]).

ونقول:

خلفوا أم تخلفوا؟!:

إننا قبل أن ندخل في مناقشة النص أو النصوص المتقدمة نحب أن نشير إلى أن التعبير القرآني عن الذين لم يسيروا إلى تبوك قد جاء بصيغة «خلفوا» المبني للمجهول. أي الذين تُرِكُوا وخلفهم المسلمون وراء ظهورهم، وساروا للجهاد في سبيل الله. ربما يشير إلى أن مخالفتهم لأمر النبي «صلى الله عليه وآله» دعت المسلمين إلى تركهم، والإنفصال عنهم، ومواصلة سيرهم إلى الله تعالى بدونهم..

هذا وقد فسر الأئمة الطاهرون: زين العابدين، والباقر، والصادق، والكاظم «عليهم السلام» بأنهم الثلاثة الذين خالفوا، أو قرأوها قراءة تفسيرية كذلك([18]). فراجع.

وبعدما تقدم نقول:

كنا قد ذكرنا في حديثنا عن غزوة بني قريظة في فصل: «فشل المفاوضات وخيانة أبي لبابة».. حديث خيانة أبي لبابة، وارتباطه إلى سارية من سواري المسجد النبوي، حتى أطلق النبي «صلى الله عليه وآله» سراحه بعد نزول الآيات في حقه.. وأثبتنا أنه حديث غير دقيق، بل هو في أكثره مكذوب ومختلق..

وحيث إنهم قد ذكروا عنه هذا الأمر في غزوة تبوك، فلا محيص عن العودة للإشارة إلى بعض ما يفيد في جلاء الحقيقة، فنسجل مع مراعاة الإختصار الشديد ما يلي:

خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً:

إن قوله تعالى: {خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآَخَرَ سَيِّئاً}([19]) لا ينطبق على قصة أبي لبابة وأصحابه، لأن المفروض: أن ما صدر منهم هو التخلف عن رسول الله «صلى الله عليه وآله» ثم الإعتراف بالذنب، والآية لم تصرح بتوبته.

وإذا كان قد تاب فعلاً فإن الآية تقول: إن التوبة إنما تعقبت العمل الصالح والسيء اللذين اختلطا. وبدون ذلك فلا يوجد إلا عمل سيء، واعتبار التوبة هي العمل الصالح غير ظاهر.

بل قد روي: أن هذه الآية نزلت في حق الذي تكلم في حق القراء بما لا يليق، فشكاه عمر بن الخطاب إلى النبي «صلى الله عليه وآله»، ولعل ذلك قد جرى في غزوة تبوك أيضاً([20]).

وقيل: نزلت في عبد الله بن أُبي([21]).

وفي نص آخر: أنها نزلت في رجل من المنافقين قال: يحدثنا محمد أن ناقة فلان بوادي كذا في يوم كذا وكذا، وما يدريه بالغيب؟!([22]).

وفي نص آخر: أنها نزلت في بعض المنافقين في تبوك([23]).

خذ من أموالهم صدقة:

وعن آية خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم نقول:

روي عن الإمام الباقر «عليه السلام»: أنها نزلت في شهر رمضان فأمر «صلى الله عليه وآله» مناديه فنادى في الناس: إن الله فرض عليكم الزكاة كما فرض عليكم الصلاة([24]).

وهذا معناه ـ إن كانت الآية تعني أبا لبابة ـ: أن النبي «صلى الله عليه وآله» لم يقبل من أبي لبابة ومن معه أموالهم كصدقات، وإنما أخذ منهم زكاة أموالهم..

مع ملاحظة أننا قد قلنا فيما سبق: إن الزكاة قد فرضت قبل ذلك في مكة، فتكون هذه الآية قد جاءت لتمنع من أخذ غير الزكاة المفروضة قبل ذلك، إما إرفاقاً بهم، وإما للإشارة إلى عدم خلوص نيتهم في هذا العطاء..

إختلاف الروايات:

وقد ذكرنا في حديثنا عن غزوة بني قريظة طائفة من تناقضات واختلاف الروايات فيما يرتبط بقصة أبي لبابة.

ونشير هنا أيضاً إلى: أن هذه التناقضات ظاهرة أيضاً بين الروايات التي تدَّعي أن ما جرى قد كان في غزوة تبوك، وكمثال على ذلك نذكر:

أن الرواية المتقدمة عن ابن عباس تقول: إن سبعة ارتبطوا في المسجد، معلنين توبتهم، وإن المتخلفين كانوا عشرة.

ولكن رواية أخرى عن ابن عباس تقول: إن المتخلفين كانوا ثلاثة، وهم الذين ارتبطوا أنفسهم في سواري المسجد وبقي ثلاثة([25]).

وفي نص آخرعن ابن زيد: أن الذين ربطوا أنفسهم كانوا ثمانية([26]).

وفي حديث قتادة: إن المجموع كان سبعة، والذين ارتبطوا بالسواري كانوا أربعة([27]).

وفي حديث عن جابر: إن المتخلفين كانوا ستة([28]).

اختلاف الروايات في الثلاثة الذين خلفوا:

وعن مقدار المدة التي أرجئ إليها الثلاثة الذين خلفوا تقول رواية تقدمت: إنها سنة.

لكن رواية أخرى تقول: إنهم أرجئوا أربعين يوماً([29]).

ورواية كعب بن مالك الطويلة تقول: إنهم بقوا خمسين ليلة([30]).

وعن أسمائهم نقول:

قيل: إن الثلاثة الذين لم يربطوا أنفسهم إلى سوار المسجد، فنزلت فيهم الآية هم: كعب بن مالك، ومرارة بن الربيع، وهلال بن أمية([31]).

وفي نص آخر: هم عثمان وصاحباه([32]).

وعن صفوان، قال أبو عبد الله «عليه السلام»: كان أبو لبابة أحدهم([33]).

هل كفر المتخلفون؟!:

وقد ذكرت الروايات المتقدمة: أن النبي «صلى الله عليه وآله» أرسل إلى المتخلفين، وهم: كعب بن مالك، وهلال بن أمية، ومرارة بن الربيع يأمرهم باعتزال نسائهم.. فهل هذا لمجرد التضييق عليهم، أم أن ما فعلوه قد أظهر ردتهم عن الإسلام، ولا يصح نكاح المرتد، بل لا بد لزوجته من أن تعتد منه؟!

ألا نبشر كعب بن مالك؟!:

ويستوقفنا هنا أيضاً ما زعمته رواية كعب: من أن براءتهم قد نزلت في الثلث الأخير من الليل، فقالت أم سلمة: ألا نبشر كعب بن مالك؟

فقال «صلى الله عليه وآله»: إذن يحطمكم الناس، ويمنعونكم النوم سائر الليلة..

وهذا غير مقبول أيضاً:

أولاً: لماذا اهتمت أم سلمة بخصوص كعب بن مالك، وأهملت رفيقيه، فإن كان قريباً لها فذلك لا يمنع من تبشير سواه، وقد تقدم: أنها هي التي يزعمون أنها بشرت أبا لبابة حين ربط نفسه في المسجد في قصة بني قريظة..

ثانياً: هل يصح إبقاء إنسان مسلم رهن العذاب ولو نفسياً لمجرد الخوف من اجتماع الناس ومنعهم المبشر من إكمال نومته تلك الليلة؟!

لم يعاتب الله أحداً تخلف عن بدر:

زعم كعب بن مالك: أن الله لم يعاتب أحداً تخلف عن بدر.

وإنما يريد بكلامه هذا: أن يعذر نفسه، ويحفظ ماء وجهه في تخلفه عن ذلك المشهد العظيم.. بل هو يحاول أن يفضل بيعة العقبة عليها..

ونقول:

1 ـ إن عدم لوم الله لهم لا يعني أن ما فعلوه كان مقبولاً، فإن نفس عدم استجابتهم لدعوة رسول الله «صلى الله عليه وآله» لهم للمسير معه خذلان عظيم. وعدم عتاب الله تعالى لهم إنما هو بفضل منه، ورحمة.

2 ـ إن الله تبارك وتعالى قد عاب على من تخلف عن بدر تخلفهم، فقال: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ المُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ يُجَادِلُونَكَ فِي الحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى المَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ}([34]).

وفي هذا الكلام لوم وتقريع ظاهر، فلماذا يحاول كعب أن ينكره؟!

3 ـ أما تفضيل بيعة العقبة على غزوة بدر فهو غير مسموع، لأن الذين شهدوا العقبة، قد أعطوا العهد والميثاق، والتزموا بنصرة النبي «صلى الله عليه وآله»، وبايعوه على ذلك.. فمن وفى منهم فله أجره ومنزلته عند الله بوفائه، لا بنفس بيعته. ومن قعد عن نصرته، ونكث بعهده جوزي بفعله..

وأما قبل حضور وقت النصر، فإن للبيعة فضلها، من حيث تضمنها لدرجة من الطمأنينة والتأييد.

أما الذين شهدوا بدراً، فالذين جاهدوا منهم بأموالهم وأنفسهم واستشهدوا، قد وفوا بعهدهم، وعقدهم وبيعتهم، ومن لم يستشهد فلا بد من الإنتظار إلى الأخير لنرى ما تكون نهايته، وإلى ما يؤول إليه أمره..

ولا ينفع تبجح كعب بن مالك بنفس البيعة، فإن الأمور مرهونة بخواتيمها، فضلاً عن أن الوفاء بالبيعة لا يكفي فيه الحضور في المشاهد المتعاقبة، بل لا بد من صدق الجهاد فيها، وصحة النية، وعدم الفرار من الزحف في أُحد، وخيبر، وقريظة، وحنين، وغير ذلك.

وليس لأحد ان يفضل مقاماً على مقام، ومشهداً على مشهد من عند نفسه، ولغايات شخصية.. بل لا بد أن يقدم الشاهد على ذلك من القرآن والسنة الشريفة.

مبررات المتخلفين:

لقد ساق كعب الكثير من العبارات التي تشير إلى وجود مثبطات له ولغيره من المسلمين عن ذلك المسير، مثل: الحر الشديد، وأنه استقبل سفراً بعيداً، ومفازاً، وعدداً كثيراً، وأن المسلمين الذين كانوا يريدون السفر كثيرون. وأن الثمار طابت، والناس خارفون في نخيلهم، وأنه يصبو للظلال والثمار.

غير أننا نقول:

إن ذلك لو صح، ولم يكن السبب في تخلفه هو ضعف الإيمان، فقد كان يجب أن يؤثر على عزيمة الثلاثين ألفاً الباقين الذين نفروا مع رسول الله «صلى الله عليه وآله». فلماذا لم يؤثر ذلك إلا على جماعة يبالغون في تصغير حجمها حتى ادَّعى بعضهم: أن مجموعها يصل إلى بضعة وثمانين شخصاً حسب زعمهم؟!

على أن ذلك لو صح أيضاً لكان يجب أن نجد ولو واحداً من هؤلاء الناس يذكر ذلك لرسول الله «صلى الله عليه وآله»، ويطلب منه تأجيل مسيره، أو التفكير في حل لهذه المشكلة..

كما أنه «صلى الله عليه وآله» كان أرأف وأرحم بالمسلمين منهم بأنفسهم، فلماذا لم يلاحظ ذلك، ولا سيما مع شدة الحر، وبعد الشقة، وما إلى ذلك من اعتبارات؟!

وقد صرح القرآن بهذه الحقيقة، حين قال: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}([35])،

يضاف إلى ذلك: أن الله تعالى هو أرحم الراحمين، فلماذا لم يعفهم من ذلك المسير رحمة، وهو تعالى يعلم واقع حالهم. مع العلم بأن المنافع التي سيجنونها منه، لا قيمة لها في قبال الضرر الذي سينالهم بسببه؟!

إن ذلك كله يوضح: أن كلام كعب غير صحيح، وأن الحقيقة هي تلك التي أظهرها كعب بن مالك نفسه في بعض كلماته المتقدمة حيث قال: «فكنت إذا خرجت في الناس، بعد خروج رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فطفت فيهم أحزنني أني لا أرى إلا رجلاً مغموصاً عليه بالنفاق، أو رجلاً ممن عذر الله تعالى من الضعفاء».

حبسه برداه، ونظره في عطفيه:

وقد ظهر من سكوت النبي «صلى الله عليه وآله» عن ذلك الرجل الذي تناول كعب بن مالك بقوله: «حبسه برداه ونظره في عطفيه» أن النبي «صلى الله عليه وآله» لم يرَ في كلام هذا الرجل ما يوجب الإعتراض، وأنه لم يعتبر ذلك من مفردات الغيبة المحرمة.. كما أنه «صلى الله عليه وآله» لم يؤيد معاذ بن جبل في دفاعه، فدل ذلك على جواز غيبة كعب، وإنما تجوز غيبة الفاسق فيما تجاهر به على الأقل..

على أن دفاع معاذ لا فائدة فيه، فإن معاذاً لم يبرئ كعباً مما قاله ذلك الرجل، لأن معاذاً لم يزد على ادِّعاء أنه لا يعرف عن كعب شيئاً..

الصدق والكذب في كلام كعب بن مالك:

إن النص المتقدم رواه لنا كعب بن مالك عن نفسه، ولا نستطيع أن نؤكد صحة جميع ما ورد فيه، لا لأجل قوة احتمال: أنه يريد أن يجر النار إلى قرصه، مع ظهور حرصه في مختلف الفقرات على التأكيد على براءته من النفاق، مع اعترافه بأنه يرى من المتخلفين إلا من كان منافقاً باستثناء الضعفاء..

بل لأننا وجدناه يصرح: بأنه كان مهتماً بتبرئة نفسه ولو بصنع كذبة حتى على رسول الله «صلى الله عليه وآله».. وإنه لم يتراجع عنها إلا خوفاً من أن يفضحها النبي «صلى الله عليه وآله» الذي كان يعلم بالغيب، لأنه لو كذب عليه ليرضى عنه ليوشكن الله تعالى أن يسخطه عليه، بإعلامه بكذبه عليه..

غير أن ثمة استثناءً كان الناس يعرفونه، وهو أنه «صلى الله عليه وآله» لم يكن يصرح بنفاق أهل النفاق، إذ ليس للنبي «صلى الله عليه وآله» أن يفعل ذلك. بل يجب أن يعاملهم وفق ظاهر حالهم..

وقد صرح «صلى الله عليه وآله» بذلك، كما ذكره كعب نفسه في الحديث المتقدم ـ حيث نقل عنه أنه حين اعتذر له المخلفون «قبل منهم رسول الله «صلى الله عليه وآله» علانيتهم، وبايعهم، واستغفر لهم، ووكل سرائرهم إلى الله تعالى..».

ولذلك يدَّعي كعب: أنه قال للنبي «صلى الله عليه وآله»: «ما نافقت، ولا بدلت، ولا ارتبت».

مفارقة مرفوضة:

وقد اتهم كعب بن مالك النبي «صلى الله عليه وآله» بأمر خطير، وارتكاب مفارقة غير مقبولة في تعامله مع المخلفين، حيث ذكر: أن المخلفين جاؤوا إليه «صلى الله عليه وآله»، فاعتذروا، فقبل منهم علانيتهم. وبايعهم، ووكل سرائرهم إلى الله تعالى..

ولكنه حين جاءه كعب بن مالك. وقدم له عذره، فإنه بالرغم من أن النبي «صلى الله عليه وآله»، قد صدقه، فإنه لم يقبل منه علانيته، ولا بايعه، ولا استغفر له، بل قال له: «.. فقم حتى يقضي الله تعالى فيك ما يشاء».

فإن كان المخلفون قد كذبوا فيما اعتذروا به، وصدق كعب، فهل يكون جزاء الصدق والصادق التضييق والمعاناة، وجزاء الكذب والكاذب الرفق والمحاباة؟!

ولماذا يدفعه النبي «صلى الله عليه وآله» بتعامله معه إلى أن يندم على صدقه، وتحدثه نفسه باللجوء إلى الكذب؟!

ولماذا ينهى النبي «صلى الله عليه وآله» الناس عن كلام هؤلاء الثلاثة الذين صدقوا، دون سواهم ممن كذب ونافق؟!

إلا إذا كان كعب يريد بذلك أن يقول: إن المنافق كان يعامل بظاهره، وتوكل سريرته إلى خالقه ـ وأما هو فليس من المنافقين، ولذا لم يكتف منه بالظاهر حتى يكون الله تعالى هو الذي يحكم فيه.

وفي هذا من مدح النفس وتزكيتها ما لا يخفى..

الثلاثة لم يتوبوا:

ثم إن الآية الشريفة تقول: {..وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}([36]).

وقد زعموا: أن هذه الآية قد دلت على توبة الثلاثة، وعلى قبولها من الله تبارك وتعالى، وقد تقدم ذلك في رواية كعب بن مالك أيضاً..

غير أننا نقول:

إن الآية الشريفة لا تدل على توبتهم ولا على قبولها، بل هي وسابقتها قد دلتا على أن الله تعالى قد عاد على النبي «صلى الله عليه وآله» بالرحمة، كما عاد على المهاجرين والأنصار بها، فذكر النبي «صلى الله عليه وآله» في الآية الأولى تشريفاً للأمة وتكريماً للرسول ليفيد أنه «صلى الله عليه وآله» هو الواسطة في نزول الخير والبركات على أمته، ثم ذكر في الآية الثانية الثلاثة الذين خلفوا، وأنه قد تاب عليهم أي رجع عليهم برحمة الهداية إلى الخير، لكي يهتدوا بها إلى الإستغفار والتوبة، فإذا فعلوا ذلك قبل توبتهم وعاد عليهم بغفران ذنوبهم.

أي أن الآية تقول: إن الله تاب على الثلاثة. أي عاد إليهم برحمة الهداية للإستغفار، لكي يتوبوا، لكنه لم يبين لنا هل تابوا فعلاً أم لا.. بل اكتفى بقوله: {ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا}([37]) كما أنه لم بيَّن أنه قبل توبتهم أم لم يقبلها.

وقد ادَّعى كعب بن مالك: أنه فعل ذلك، وادَّعى أيضاً: أن الله قد قبل توبته.

ولكننا نشك في صحة قوله، إذ لو كان قد تاب فعلاً، وكان الله قد قبل توبته لجاءت الآية هكذا: ثم تاب عليهم ليتوبوا، فلما تابوا قبل توبتهم.. ولكن الله لم يقل ذلك.

بل قد وجدنا في كلمات كعب المتقدمة ما يدل على خلاف ذلك.

وقد روي عن الإمام أبي جعفر الصادق «عليه السلام» أيضاً قوله: أقالهم، فوالله ما تابوا([38]).

لا يثق بما يختاره له النبي :

وقد رفض كعب من مالك أن يستأذن رسول الله «صلى الله عليه وآله» في أمر امرأته، لأنه لا يدري ما يقول إذا استأذنه.. وهو رجل شاب.

أي أنه يخشى أن يأمره بما لا يتوافق مع ميوله وغرائزه، كشاب، وكأنه يرى أن النبي «صلى الله عليه وآله» قد لا يراعي حاله، وحاجاته، ومصلحته، فآثر أن يبقى في دائرة الجهل بما يريده الرسول، ولا يعرض نفسه لاحتمالات لا يريد أن يعرض نفسه لها..

وهذا يشير إلى ضعف ثقته بما يختاره الله ورسوله له، وإبائه عن القبول به، ويشير أيضاً إلى أن نفسه أحب إليه من كل شيء حتى من رسول الله «صلى الله عليه وآله»..

وهذا يدعونا إلى عدم الوثوق بما زعمه من ندم على ما فرط منه لقوة احتمال أنه كان يريد أن تأتي الأمور كلها موافقة لأهوائه وما تشتهيه نفسه، ولعل ما يظهره من توبة إنما هو للتخلص من سلبيات نبذ الناس له، وحرمانه مما كان يطمح للحصول عليه، والوصول إليه في الظروف العادية..

فإن قلت: لعل مراده أن الأمر قد جاء باعتزال امرأته هو وصاحباه، فألحقها بأهلها، ثم إن امرأة هلال بن أمية استأذنت رسول الله «صلى الله عليه وآله» في البقاء لخدمته فأذن لها.

فقال لكعب بعض أهله: استأذن رسول الله في امرأتك. أي أن ترجع إليك لتكون عندك للخدمة كامرأة هلال بن أمية.

فقال: لا أستأذن فيها، ولا أدري إن كان رسول الله «صلى الله عليه وآله» يجيبني على ما أطلب أم لا؟! وكيف يجيبني إلى استخدام امرأتي وأنا رجل شاب أقدر على خدمة نفسي، بينما هلال بن أمية شيخ ضعيف البصر؟!

قلنا: إن هذا الوجه وإن كان محتملاً، فإنه لا يمنع من احتمال الوجه الذي ذكرناه آنفاً.. وذلك يمنع من الوثوق بنزاهة الرجل كما هو ظاهر..

لماذا كعب دون سواه؟!:

واللافت هنا: أن الصائح يوفي على سلع، ويصرخ بأعلى صوته بالبشارة لكعب، ولا يذكر الرجلين الآخرين، فما هذا الإهتمام بكعب دون سواه؟!

ولماذا لا تكون البشارة للثلاثة في نداء واحد؟!

وما هذه العظمة والأهمية لكعب، حتى جعلت أبا بكر يصرخ بالبشارة له، بل لعل عمر قد شارك أبا بكر في ذلك أيضاً؟!

يوم التوبة خير يوم:

قال الصالحي الشامي:

استشكل إطلاق قوله «صلى الله عليه وآله»: «أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك» بيوم إسلامه، فإنه مر عليه بعد أن ولدته أمه، وهو خير ما مر، فقيل: هو مستثنى تقديراً، وإن لم ينطق به لعدم خفائه.

قال الحافظ (يعني العسقلاني): «والأحسن في الجواب أن يوم توبته يكمل يوم إسلامه، فيوم إسلامه بداية سعادته، ويوم توبته مكمل لها، فهو خير من جميع أيامه.

وإن كان يوم إسلامه خيرها، فيوم توبته المضاف إلى إسلامه خير من يوم إسلامه المجرد عنها»([39]).

ونقول:

إن هذا الذنب العظيم الذي أوجب ردته عن الإسلام، فيوم توبته منه خير يوم، لأن توبته كانت السبب في نجاته من الخلود في النار مع الكافرين والمشركين الذين جحدوا بآيات الله، وعصوا رسوله..

ولا خير في يوم إسلام تعقبه الردة..

ولعل هذا هو المراد بكلام الحافظ المذكور أخيراً..

كعب لا يملك إلا ثوبيه:

وقد زعم كعب: أنه أعطى ثوبيه لمن بشره بتوبة الله عليه، وقال «والله ما أملك غيرهما يومئذٍ، واستعار ثوبين من أبي قتادة».

ونقول:

إن هذا قد لا ينسجم مع قوله حين مسيرهم إلى تبوك: «إني لم أكن قط أقوى، ولا أيسر مني حين تخلفت عنه تلك الغزوة. والله ما اجتمعت عندي قبله راحلتان قط حتى جمعتهما في تلك الغزوة».

وقال للنبي «صلى الله عليه وآله»: «والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنك».

فهل عاد فأنفق ذلك كله في تلك الأيام اليسيرة، حتى لم يبق معه سوى ثوبيه اللذين يلبسهما؟!

ومما يزيد ريبنا في مقولات كعب: أنه هو نفسه يعود فيدَّعي أنه عرض على رسول الله أن يتصدق بجميع ماله، ثم بنصفه، فلم يقبل منه، ثم قبل منه أن يتصدق بثلث ماله، فمن أين جاءه المال، إذا كان قد استعار ثوبين من أبي قتادة ليلبسهما، بعد أن أعطى ثوبيه للبشير.

أمن عندك؟! أم من عند الله؟!:

ولا نستطيع أن نغض الطرف عن قول كعب للنبي «صلى الله عليه وآله» حين بشره «صلى الله عليه وآله» بخير يوم مرَّ عليه: أمن عندك؟ أم من عند الله؟! فإنه يتضمن اتهاماً للنبي «صلى الله عليه وآله» بأنه يقول أشياء من عند نفسه، مع أن الله تعالى يقول: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} ([40]). ولا يمكن أن يصدر هذا من مؤمن صحيح الإيمان..

النبي يأمر كعباً بإمساك ماله؟!

وقد ذكر لنا كعب: أن النبي «صلى الله عليه وآله» لم يرض منه بأن يتصدق بماله كله، ولا بنصفه، وقال له: أمسك بعض مالك فإنه خير لك.

مع أنهم يقولون: إنه «صلى الله عليه وآله» قد قبل من أبي بكر أن يأتي بماله كله لينفقه في سبيل الله حين كان يتجهز لتبوك، ورضي بأن لا يترك أبو بكر لأهله شيئاً..

كما أنه قد رضي من عمر بأن يأتي بنصف ماله، ورضي من عثمان بأن يجهز جيش العسرة كله..

فإما أن يكون ذلك كله مكذوباً، أو يكون كلام كعب غير صحيح!! مع احتمال الكذب في الجميع أيضاً.. ولعل هذا هو الأقرب والأصوب حسبما ظهر مما ذكرناه في هذا الكتاب.

على أننا قد سألنا كعباً من أين له هذا المال الذي يريد أن يتصدق به أو بنصفه أو بثلثه وهو يدَّعي قبل لحظات أنه أعطى ثوبيه للبشير، ولم يكن يملك شيئاً غيرهما، ثم استعار ثوبين من أبي قتادة ليلبسهما؟!

على أنه قد اعترف أيضاً بأن له سهماً بخيبر أيضاً، وقد صرح بأنه يمسكه، ويتخلى عما عداه.

 الإنسجام بين طلحة وبين كعب:

وقال بعضهم: إن سبب قيام طلحة لكعب: أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» كان آخى بينهما لما آخى بين المهاجرين والأنصار، والذي ذكره أهل المغازي: أن كعباً كان أخا الزبير لكن كان الزبير أخا طلحة في أخوة المهاجرين فهو أخو أخيه([41]).

ونقول:

لعل هناك عاملاً آخر يمكن إضافته إلى ما ذكره هذا البعض، وهو أن ثمة انسجاماً في الروحية، وفي الأفكار، والتصورات، وربما في السلوك، بين كعب وبين طلحة.

وقد أظهرت الأحداث مدى جرأة طلحة على رسول الله «صلى الله عليه وآله»، حتى لقد آذاه في عرضه وأزواجه حين قال: «ليموتن محمد ولنجلسن بين خلاخيل نسائه حتى نزل قوله تعالى: {..وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللهِ عَظِيماً}([42])»([43]). ومات النبي «صلى الله عليه وآله» وهو ساخط عليه([44]).

ثم حارب وصيه من بعده في حرب الجمل.. إلى غير ذلك من أفاعيله الكثيرة التي لا مجال هنا لتتبعها..

ثم أظهر حديث كعب السابق ـ موقف كعب من رسول الله «صلى الله عليه وآله» ـ وهو موقف يدين كعباً ويكشف حقيقته.. وستأتي الإشارة إلى موقفه من وصيه من بعده أيضاً.

وكان رسول الله «صلى الله عليه وآله» يؤاخي بين كلٍّ ونظيره حسبما أشرنا إليه في حديث المؤاخاة.

كعب وكتاب ملك غسان:

قال بعضهم: دلّ صنع كعب بكتاب ملك غسان على قوة إيمانه، ومحبته لله تبارك وتعالى ورسوله «صلى الله عليه وآله»، وإلا فمن صار في مثل حاله من الهجر والإعراض قد يضعف عن احتمال ذلك، وتحمله الرغبة في الجاه والمال على هجران من هجره، ولا سيما مع أنه من الملك الذي استدعاه إليه، لأنه لا يكرهه على فراق دينه، لكن لما احتمل عنده أنه لا يأمن من الإفتتنان، حسم المادة، وأحرق الكتاب، ومنع الجواب.

هذا مع كونه من البشر الذين طبعت نفوسهم على الرغبة ولا سيما مع الإستدعاء، والحث على الوصول إلى المقصود من الجاه والمال، ولا سيما والذي استدعاه قريبه، ومع ذلك فغلب عليه دينه، وقوي عنده يقينه، ورجح ما فيه من النكر والتعذيب، على ما دعي إليه من الراحة والتنعيم، حباً في الله تعالى ورسوله «صلى الله عليه وآله»، كما قال «صلى الله عليه وآله»: «وأن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما»([45]).

ونقول:

1 ـ إن ما ذكره هذا البعض غير سليم، ولا قويم، بل هو موضع تساؤل وريب، فإن عدم الإستجابة لملك غسان كما يكون بسبب قوة إيمان كعب، فإنه قد يكون أيضاً لأجل ضعف كعب، وعدم قدرته على مواجهة سلبيات استجابته لطلب ملك غسان.. لا سيما إذا كانت هناك أمور أساسية وهامة، لا يستطيع أن يعرضها لخطر لا يعرف طبيعته ولا مداه إذا اتخذ قراراً بالإلتحاق بمعسكر الكفر..

بل إن ما رآه من قوة وشوكة الإسلام ونبي الإسلام كما ظهر في غزوة مؤتة، ثم تأكد ذلك في غزوة تبوك، التي لم يجترئ فيها طاغية الروم حتى على التفكر بالتصدي والتحدي ـ إن هذا الذي رآه ـ يجعله شديد التردد في الإستجابة، لأنه يرى فيها خطراً عظيماً على نفسه، وعلى كل مشروعه في هذه الحياة. لا سيما وأن الرسالة قد وصلته بصورة معلنة وظاهرة، وقد ذهبت أخبارها في كل اتجاه.

2 ـ إن ما ذكره النص الآنف الذكر من أن ملك غسان سوف لا يكرهه على فراق دينه غريب وعجيب.

فأولاً: من أين ظهر له أن ملك غسان سوف لا يكرهه على فراق دينه.. حتى لو وعده بذلك..

ثانياً: هل هذا الذي يلجأ إلى أعداء دينه، وأعداء رسوله يبقى على دين الإسلام، لا سيما إذا كان التجاؤه هذا مضادة لنبيه، وكيداً منه له.. لا سيما وأن القرآن قد حدد موقع من يتولى أعداء الله ورسوله، فقال: {وَمَنْ يَتَوَلهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}([46]).

أسئلة حاسمة حول الرسالة:

وتبقى هناك أسئلة أساسية وحاسمة، وهي: لماذا يتصل ملك غسان بكعب بن مالك دون رفيقه، اللذين نزلت الآية فيه، وفيهما؟!

بل لماذا لم يتصل بعبد الله بن أُبي الذي يزعمون: أن معسكره لم يكن بأقل المعسكرين ـ حين المسير إلى تبوك؟ أو لماذا لم يتصل بمحمد بن مسلمة، وهو لم يكن مريضاً، ولا ضعيفاً؟!

وسؤال آخر: لماذا لم يوصِ ملك غسان حامل رسالته إلى كعب بن مالك بمراعاة جانب السرية في الإتصال معه؟!

ألا يحتمل أن يكون أمر الرسالة قد اكتشف بواسطة الغيب، كما اكتشفت رسالة حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة يوم الفتح؟؟.

من المكلف بمقاطعة المتخلفين؟!:

بالنسبة إلى قول أبي قتادة لما سأله كعب: الله ورسوله أعلم. قال القاضي: لعل أبا قتادة لم يقصد بهذا تكليمه، لأنه منهي عن كلامه. وإنما قال ذلك لنفسه لما ناشده، فقال أبو قتادة ذلك مظهراً لاعتقاده، لا ليسمعه.

وبالنسبة لقول كعب: قال لي بعض أهلي.

قال في النور: الظن أن القائل له من بعض أهله امرأة، وذلك أن النساء لم يدخلن في النهي، لأن في الحديث: «ونهى المسلمين عن خطابنا».

وهذا الخطاب لا يدخل فيه النساء، وأيضاً فإن امرأته ليست داخلة في النهي، فدل على أن المراد الرجال.

وقال الحافظ: لعل القائل بعض ولده أو من النساء، ولم يقع النهي عن كلام الثلاثة للنساء اللائي في بيوتهن، أو أن الذي كلَّمه كان منافقاً، أو الذي يخدمه. ولم يدخل في النهي([47]).

ونقول:

1 ـ إن قولهم: نهى المسلمين عن خطابنا لا يدل على عدم شمول النهي للنساء، فإن المراد بالمسلمين هم الأشخاص المسلمون، سواء كانوا رجالاً أم نساءاً، وهذه هي طريقة الخطابات القرآنية، كما في قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ}([48])، فإن المراد هم: الناس المؤمنون، وليس المراد خصوص الرجال المؤمنين، لأنه استعمل صيغة جمع المذكر السالم.. وهكذا سائر الآيات القرآنية والخطابات النبوية.

ولو أراد الذكور وحدهم لقال ـ مثلاً: نهى رجال المسلمين.

2 ـ إن كعب بن مالك ـ كما في الدر المنثور ـ قال: «نهى رسول الله الناس عن كلامنا» ولم يقل: نهى المسلمين، ولعل ذلك يفسر لنا التصريح بأن الناس هجروا المتخلفين حتى الصببيان([49]).

وفي تفسير القمي: «لم يكلمهم رسول الله ولا إخوانهم، ولا أهلوهم، فضاقت عليهم المدينة»([50]).

وقد ذكروا: أنه «صلى الله عليه وآله» قد قال لأصحابه: «لا تكلموا رجلاً تخلف عنا، ولا تجالسوه حتى آذن لكم»، وإنه قد قال ذلك لأصحابه قبل وصوله إلى المدينة حين جاء المنافقون يتلقونه، ثم إنه «صلى الله عليه وآله» رحمهم وبايعهم واستغفر لهم، ثم كانت قضية الثلاثة الذين خلفوا([51]).

كعب بن مالك ليس كأبي ذر:

وقد اتضح من جميع ما تقدم: أنه ليس من الصواب اعتبار حال كعب بن مالك كحال أبي ذر، إذ شتان ما بين الرجلين، فكعب قد خالف أمر رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وأصبح في جملة العصاة، وقد امر رسول الله «صلى الله عليه وآله» بهجره، ولم تتحقق له توبة كما ظهر من النص الذي رواه كعب لنا، مع ما فيه من محاولة التضخيم والتفخيم.

أما أبو ذر فله شأن آخر سنوضحه فيما يأتي إن شاء الله تعالى، ولأجل ذلك فنحن لا نوافق على قولهم: وكان نفر من المسلمين أبطأت بهم النية عن رسول الله «صلى الله عليه وآله» حتى تخلفوا عنه من غير شك ولا ارتياب منهم: كعب بن مالك، وهلال بن أمية، وأبو خيثمة، وأبو ذر الغفاري.

وكانوا نفر صدق لا يتهمون في إسلامهم انتهى.

هذا وقد لحق أبو خيثمة، وأبو ذر برسول الله «صلى الله عليه وآله»([52]).

وقد صرحت النصوص: أن النساء قد شاركوا في مقاطعتهم أيضاً، فقد قالوا: «فأعرض عنهم رسول الله «صلى الله عليه وآله» والمؤمنون، حتى إن الرجل ليعرض عن أبيه وأخيه، وحتى أن المرأة لتعرض عن زوجها»([53]).

الجهاد فرض عين أو فرض كفاية:

قال الحافظ: إنما غلظ الأمر على كعب وصاحبيه وهوجروا، لأنهم تركوا الواجب عليهم من غير عذر، لأَن الإمام إذا استنفر الجيش عموماً لزمهم النفير، ولحق اللوم بكل فرد، أي لو تخلف.

قال ابن بطال: إنما اشتد الغضب على من تخلف، وإن كان الجهاد فرض كفاية لكنه في حق الأنصار خاصة فرض عين لأنهم بايعوا على ذلك، ومصداق ذلك قولهم وهم يحفرون الخندق:

 نـحـن الـذيـن بـايـعـوا محـمـداً          عــلى الجــهــاد مـا بـقـيـنـا أبـدا

وكأن تخلفهم عن هذه الغزوة كبيرة، لأنها كالنكث لبيعتهم.

قال السهيلي: ولا أعرف له وجها غير الذي قاله ابن بطال.

قال الحافظ: قد ذكرت وجهاً غير الذي ذكره، ولعله أقعد.

ويؤيده قوله سبحانه وتعالى: {مَا كَانَ لِأَهْلِ المَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ المُحْسِنِينَ}([54]).

وعند الشافعية: أن الجهاد كان فرض عين في زمنه «صلى الله عليه وآله»، فعلى هذا، فيتوجه العتاب على كل من تخلف مطلقاً([55]).

ونقول:

إن النبي «صلى الله عليه وآله» قد ندب جميع الناس إلى الجهاد، ولم يأذن لأحد بالتخلف، فمن تخلف فقد عصى أمر رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فيستحق العتاب والعقاب..

وبذلك يتضح: أن المعيار هنا ليس هو أن الجهاد فرض عين أو فرض كفاية، لكي يعود الأمر في تشخيص ذلك إلى المكلفين أنفسهم! بل المعيار هو أمر رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فمعصية الرسول، والتمرد عليه محرم في نفسه، و طاعته فرض عين، حتى لو كان الجهاد فرض كفاية..

2 ـ كما أنه لا محل للحديث عن أن ذلك يختص بالأنصار وحسب، فإن بيعتهم إنما هي لتأكيد إلزامهم بالواجب، تماماً كما جرى في بيعة الغدير، فإن الإمامة لا تثبت بالبيعة، ولا تنتفي بعدمها، بل هي ثابتة في حق من بايع، ومن لم يبايع لأنها بالنص، والبيعة إنما هي لتأكيد وجوب الواجب في حقهم على ما هو عليه، ولكنها لا تغير من صفة الوجوب، فلا تجعل الواجب الكفائي واجباً عينياً ولا العكس..

3 ـ إن التخلف عن الغزو الذي يحتاج المسلمون إلى القيام به للذب عن دينهم، وعن أنفسهم، وقد ندبهم إليه رسول الله «صلى الله عليه وآله» كبيرة على كل حال، سواء أكان ذلك ممن بايع أو ممن لم يبايع.. فلا يصح اعتبار تخلف المهاجرين صغيرة، وتخلف الأنصار كبيرة.

كعب بن مالك يحتاج إلى أوسمة:

وقد كان لا بد من البحث عن أوسمة، أو اختراعها لكي تمنح لكعب بن مالك، فإنه كان عثمانياً لم يبايع علياً «عليه السلام»([56]).

وكان عثمان قد استعمله على صدقة مزينة، وترك ما أخذ منهم له([57]).

وقد رثى عثمان بأمور منكرة([58]).

وربما من أجل ذلك كان النبي «صلى الله عليه وآله» قد آخى بينه وبين الزبير([59])، أو بينه وبين طلحة([60]).

وقد تقدم: أنه «صلى الله عليه وآله» كان يؤاخي بين كل ونظيره..

وكان كعب بن مالك، وحسان بن ثابت، ونعمان بن بشير عثمانية، يقدمون بني أمية على بني هاشم، ويقولون: الشام خير من المدينة، واتصل بهم أن ذلك بلغ علياً «عليه السلام»، فدخلوا عليه، فقال له كعب: أخبرنا عن عثمان أقتل ظالماً فنقول بقولك؟ أو قتل مظلوماً فتقول بقولنا، ونكلك إلى الشبهة فيه؟ فالعجب من تيقننا وشكك.. وقد زعمت العرب أن عندك علم ما اختلفنا فيه، فهاته نعرفه.

فقال لهم أمير المؤمنين «عليه السلام»: لكم عندي ثلاثة أشياء: استأثر عثمان فأساء الإثرة، وجزعتم فأسأتم الجزع، وعند الله ما تختلفون فيه إلى يوم القيامة.

فقالوا: لا ترضى بهذا العرب، ولا تعذرنا به.

فقال أمير المؤمنين «عليه السلام»: أتردون علي بين ظهراني المسلمين بلا نية صادقة، ولا حجة واضحة؟! أخرجوا عني فلا تجاوروني في بلد أنا فيه أبداً.

فخرجوا من يومهم فساروا حتى أتوا معاوية فقال: لكم الكفاية أو الولاية، فأعطى حساناً ألف دينار وكعباً ألف دينار، وولى النعمان حمص([61]).

وكان كعب أحد من عاون المصريين، وشهر سلاحه، فلما ناشد عثمان الناس أن يغمدوا سيوفهم، انصرف، ولم ير أن الأمر ينتهي إلى قتله فلما قتل وقف على الأنصار وقال:

من مـبـلـغ الأنصار عنـك رسالة                رسـل تـقـص عليهـم  الـتـبـيانا([62])

إلخ..

وعن الزهري: أن كعب بن مالك قال يوم الدار: يا معشر الأنصار، انصروا الله.. مرتين([63]).


([1]) الآية 102 من سورة التوبة.

([2]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص478 و 479 والدر المنثور ج3 ص272 عن أبي الشيخ وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل ج5 ص272، وجامع البيان للطبري ج11 ص19 وتفسير ابن أبي حاتم ج6 ص1872 وزاد المسير لابن الجوزي ج3 ص335 وتفسير البحر المحيط ج5 ص98 وفتح القدير ج2 ص401 والبداية والنهاية ج5 ص32 وإمتاع الأسماع ج8 ص395 والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص48.

([3]) الآية 101 من سورة التوبة.

([4]) الآية 37 من سورة البقرة.

([5]) الآية 103 من سورة التوبة.

([6]) الآية 114 من سورة التوبة.

([7]) الآية 118 من سورة التوبة.

([8]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص479 عن ابن إسحاق، والبيهقي، وفتح القدير ج2 ص402 وراجع المصادر المتقدمة.

([9]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص473 عن ابن إسحاق، وعبد الرزاق، وابن أبي شيبة، وأحمد، والبخاري، ومسلم، وقال في هامشه: أخرجه البخاري ج8 ص113 (4418) و (ط دار الفكر) ج5 ص130 ومسلم ج4 ص2120 ـ 2128 (53)، والبيهقي في الدلائل ج5 ص273 والمغازي للواقدي ج3 ص997 والبداية والنهاية ج5 ص23 و (ط دار إحياء التراث العربي) ج5 ص29 وراجع: عمدة القاري ج18 ص48 والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص42 وعيون الأثر ج2 ص264 .

([10]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص473 ومسلم ج4 ص2120 ـ 2128 (53) و (ط دار الفكر) ج8 ص112وشرح مسلم للنووي ج17 ص100.

([11]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص473 عن الحاكم في الإكليل، وفي هامشه عن: البداية والنهاية ج5 ص23، وتاريخ الإسلام للذهبي ج2 ص653 وراجع: صحيح البخاري ج5 ص130 والسنن الكبرى للبيهقي ج9 ص34 وعمدة القاري ج18 ص48 ورياض الصالحين للنووي ص67 وتاريخ مدينة دمشق ج50 ص197 وتفسير الآلوسي ج11 ص42 وتفسير البغوي ج2 ص334 وتفسير القرآن العظيم ج2 ص411 والدر المنثور ج3 ص287 والبداية والنهاية ج5 ص29 وعيون الأثر ج2 ص264 والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص43.

([12]) الآيتان 117 و 119 من سورة التوبة.

([13]) الآيتان 95 و 96 من سورة التوبة.

([14]) الآية 118 من سورة التوبة.

([15]) الحديث السابق ذكره بطوله في سبل الهدى والرشاد ج5 ص473 ـ 478 والنص له، وفي الدر المنثور ج3 ص287 ـ 289 عن عبد الرزاق، وابن أبي شيبة، وابن جرير، وأحمد، والبخاري، ومسلم، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن حبان، وابن مردويه، والبيهقي.

وراجع: الديباج على مسلم ج6 ص115 وصحيح البخاري ج5 ص135 وعمدة القاري ج18 ص51 وصحيح مسلم ج8 ص112 والسنن الكبرى للنسائي ج6 ص361 وجامع البيان للطبري ج11 ص83 وتفسير ابن أبي حاتم ج6 ص1903 والجامع لأحكام القرآن ج8 ص282.

([16]) سبل الهدى الرشاد ج5 ص478 عن ابن عساكر، وكنز العمال ج13 ص581 وتاريخ مدينة دمشق ج50 ص 20.

([17]) الدر المنثور ج3 ص289 عن أبي الشيخ، وابن مردويه.

([18]) فتح القدير للشوكاني ج2 ص413 والبرهان (تفسير) ج2 ص69 عن تفسير القمي، والكليني، ونور الثقلين ج2 ص278 عن مجمع البيان.

([19]) الآية 102 من سورة التوبة.

([20]) الدر المنثور ج3 ص254 عن أبي نعيم في حلية الأولياء، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ، وابن مردويه. وراجع المصادر في الهوامش السابقة.

([21]) الدر المنثور ج3 ص254 عن ابن المنذر، وابن أبي حاتم، والعقيلي في الضعفاء، وأبي الشيخ، وابن مردويه، والخطيب في رواة مالك.

([22]) الدر المنثور ج3 ص254 عن ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ، والبحار ج21 ص197 وتفسير مجمع البيان ج5 ص82 وتفسير مجاهد ج1 ص283 وجامع البيان للطبري ج10 ص221 وتفسير ابن أبي حاتم ج6 ص1830 وتفسير الثعلبي ج5 ص65 وزاد المسير ج3 ص315 .

([23]) الدر المنثور ج3 ص254 عن ابن المنذر، وابن ابي حاتم، وأبي الشيخ، عن قتادة.

([24]) الكافي ج3 ص497 وموسوعة أحاديـث أهل البيت «عليهم السلام» للشيخ = = هادي النجفي ج8 ص469 وميزان الحكمة ج2 ص1594 ونهج السعادة ج8 ص64 والتفسير الأصفى ج1 ص488 والتفسير الصافي ج2 ص371 وتفسير نور الثقلين ج2 ص260 وتفسير الميزان ج9 ص384 ومنتقى الجمان ج2 ص358 وتفسير البرهان ج2 ص156 وذخيرة المعاد (ط. ق) ج1 ق3 ص418.

([25]) الدر المنثور ج3 ص273 عن ابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، وراجع: زبدة البيان ص184 وتخريج الأحاديث والآثار ج2 ص97 وتفسير الكبير للرازي ج16 ص175.

([26]) الدر المنثور ج3 ص273 عن ابن أبي حاتم، وتفسير الآلوسي ج11 ص12 والجامع لأحكام القرآن ج8 ص242.

([27]) الدر المنثور ج3 ص273 عن ابن أبي حاتم، وأبي الشيخ، وتفسير ابن أبي حاتم ج6 ص1873 و 1875 وتفسير الثعلبي ج5 ص89.

([28]) الدر المنثور ج3 ص273 عن أبي نعيم في المعرفة، وابن عساكر، وابن مندة، وأبي الشيخ. وراجع: لباب النقول (ط دار إحياء العلوم) ص124 و (ط دار الكتب العلمية) ص111.

([29]) الدر المنثور ج3 ص273 عن أبي الشيخ، وابن مندة، وابن عساكر، وأبي نعيم في معرفة الصحابة، وتاريخ مدينة دمشق ج50 ص196.

([30]) عمدة القاري ج18 ص279 .

([31]) تفسير العياشي ج2 ص115 وتفسير البرهان ج2 ص169 والدر المنثور ج3 ص286 ـ 289 عن ابن جرير، وابن المنذر، وأبي الشيخ، وابن مندة، وابن مردويه، وابن عساكر، وعن تفسير القمي ج1 ص296 و 297 وحواشي الشرواني ج7 ص455 والبحار ج21 ص204 و 219 وعمدة القاري ج13 ص211 وج17 ص102 وج18 ص278 وج22 ص144 والتفسير الصافي ج2 ص386 و 387 وتفسير السمرقندي ج2 ص93 وجامع البيان للطبري ج11 ص78 وتفسير غريب القرآن للطريحي ص143 وتفسير مجمع البيان ج5 ص137 وتفسير جوامع الجامع ج2 ص102 والإستيعاب (ط دار الجيل) ج4 ص1542 تحفة الأحوذي ج8 ص404.

([32]) الكافي ج8 ص377 والبحار ج21 ص237 وج89 ص58 وتفسير العياشي ج2 ص115 وتفسير نور الثقلين ج2 ص278 والبرهان في تفسير القرآن ج2 ص169.

([33]) البحار ج21 ص237 وتفسير العياشي ج2 ص116 وتفسير نور الثقلين ج2 ص278 .

([34]) الآيتان 5 و 6من سورة الأنفال.

([35]) الآية 128 من سورة التوبة.

([36]) الآية 118 من سورة التوبة.

([37]) الآية 118 من سورة التوبة.

([38]) البحار ج21 ص237 والبرهان (تفسير) ج2 ص169 ونور الثقلين ج2 ص278 وتفسير العياشي ج2 ص116.

([39]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص481 و 482.

([40]) الآيتان 3 و 4 من سورة النجم.

([41]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص481 وفتح الباري ج8 ص92.

([42]) الآية 53 من سورة الأحزاب.

([43]) شرح النهج للمعتزلي ج9 ص56 و 323 وراجع: الدر المنثور ج5 ص214 عن ابن أبي حاتم، وعبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن سعد عن السدي، وقتادة، ومحمد بن عمرو بن حزم، والبحار ج17 ص27 وج22 ص190 وج321 ص107 والتفسير الأصفى ج2 ص1000. وراجع: كتاب الأربعين للشيرازي ص217 والتفسير الصافي ج4 ص199 وج6 ص61 وتفسير نور الثقلين ج4 ص298.

([44]) شرح النهج للمعتزلي ج1 ص186.

([45]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص481. وراجع: المجموع للنووي ج19 ص221 و 224 وسبل السلام ج1 ص35 ونيل الأوطار ج3 ص325 و 326 وروضة الواعظين ص417 ومستدرك الوسائل ج12 ص234 ومشكاة الأنوار للطبرسي ص220 وجامع أحاديث الشيعة ج16 ص229 ومسند أحمد ج3 ص103 و 172 و 207 و 230 و 248 و 275 و 278 و 288 وصحيح البخاري ج1 ص10 و 11 وصحيح البخاري ج7 ص83 وج8 ص56 وصحيح مسلم ج1 ص48 ومصادر كثيرة أخرى.

([46]) الآية 51 من سورة المائدة.

([47]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص481، وفتح الباري ج8 ص91 وإمتاع الأسماع ج2 ص81.

([48]) الآية 1 من سورة المؤمنون.

([49]) تفسير مجمع البيان للطبرسي ج5 ص137 والبحار ج21 ص205 و التبيان ج5 ص316.

([50]) تفسير البرهان ج2 ص169 وتفسير القمي ج1 ص298 ونور الثقلين ج2 ص279 وتفسير الميزان ج9 ص303.

([51]) الدر المنثور ج3 ص286 عن ابن مردويه، وسبل الهدى والرشاد ج5 ص472 عن ابن عقبة، وعن دلائل النبوة للبيهقي ج5 ص280، والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج3 ص123 وتخريج الأحاديث والآثار ج2 ص81 وإمتاع الأسماع ج2 ص80.

([52]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص441 عن ابن إسحاق والواقدي، والتفسير الصافي ج2 ص384 والبحار ج21 ص215 وتفسير القمي ج1 ص294 والمستدرك للحاكم ج3 ص50 وراجع: فيض القدير شرح الجامع الصغير ج4 ص484 و وتفسير أبي السعود ج4 ص110 و الثقات لابن حبان ج2 ص94.

([53]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص473 وإمتاع الأسماع ج2 ص80 و السيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج3 ص124.

([54]) الآية 51 من سورة المائدة.

([55]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص480 و 481 وفتح الباري ج8 ص93.

([56]) تاريخ الأمم والملوك ج3 ص452.

([57]) تاريخ الأمم والملوك ج3 ص452 والكامل في التاريخ ج3 ص191 .

([58]) تاريخ مدينة دمشق ج39 ص536.

([59]) المصنف لابن أبي شيبة ج6 ص265 وأحكام القرآن للجصاص ج2 ص98 وأحكام القرآن لابن العربي ج3 ص542 والجامع لأحكـام القرآن للقرطبي = = ج14 ص124 ولباب النقول (ط دار إحياء العلوم) ص115 و (ط دار الكتب العلمية) ص102 وأنساب الأشراف ج1 ص271 والمجموع للنووي ج15 ص403.

([60]) الإستيعاب (ط دار الجيل) ج2 ص764 وإمتاع الأسماع ج6 ص141.

([61]) نهج السعادة ج1 ص219 وتاريخ مدينة دمشق ج50 ص178.

([62]) تاريخ مدينة دمشق ج39 ص539، وراجع الأغاني.

([63]) شرح الأخبار ج2 ص29 والإستيعاب (ط دار الجيل) ج3 ص1326 وتاريخ مدينة دمشق ج39 ص432 وأسد الغابة ج5 ص172.

 
   
 
 

العودة إلى موقع الميزان