سريـــة أسامــة بن زيــد
قال الصالحي الشامي:
إن رسول الله «صلى الله عليه وآله» أقام بعد حجته
بالمدينة بقية ذي الحجة، والمحرم، وما زال يذكر مقتل زيد بن حارثة،
وجعفر بن أبي طالب وأصحابه، ووجد عليهم وجداً شديداً.
فلما كان يوم الإثنين لأربع ليال بقين من صفر. سنة إحدى
عشرة أمر رسول الله «صلى الله عليه وآله» بالتهيؤ لغزو الروم، وأمرهم
بالجد، ثم دعا من الغد يوم الثلاثاء لثلاث بقين من صفر أسامة بن زيد
فقال: «يا أسامة، سر على اسم الله وبركته، حتى تنتهي إلى (موضع) مقتل
أبيك، فأوطئهم الخيل، فقد وليتك هذا الجيش، فأغر صباحاً على أهل أبنى([1])
وحرّق عليهم. وأسرع السير تسبق الأخبار، فإن أظفرك الله، فأقلل اللبث
فيهم، وخذ معك الأدلاء، وقدم العيون والطلائع أمامك»([2]).
فلما كان يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من صفر بدئ برسول
الله «صلى الله عليه وآله» وجعه، فَحُمَّ وصُدِعَ. فلما أصبح يوم
الخميس عقد لأسامة لواء بيده.
ثم قال:
«اغز بسم الله في سبيل الله، فقاتل من كفر بالله، اغزوا
ولا تغدروا، ولا تقتلوا وليداً ولا امرأة، ولا تتمنوا لقاء العدو فإنكم
لا تدرون لعلكم تبتلون بهم، ولكن قولوا: اللهم اكفناهم بما شئت، واكفف
بأسهم عنا.
فإن لقوكم قد جلبوا وضجوا، فعليكم بالسكينة والصمت، ولا
تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم، وقولوا: اللهم إنا نحن عبيدك وهم عبادك،
نواصينا ونواصيهم بيدك، وإنما تغنيهم أنت، واعلموا أن الجنة تحت
البارقة».
فخرج أسامة بلوائه [معقوداً]، فدفعه إلى بريدة بن
الحصيب الأسلمي، وعسكر بالجرف، فلم يبق أحد من [وجوه] المهاجرين
الأولين والأنصار إلا انتدب في تلك الغزوة منهم أبو بكر الصديق، وعمر
بن الخطاب، وأبو عبيدة بن الجراح، وسعد بن أبي وقاص، وأبو الأعور سعيد
بن زيد بن عمرو بن نفيل، في رجال آخرين من الأنصار عدة، مثل قتادة بن
النعمان، وسلمة بن أسلم بن حريش([3]).
فاشتكى رسول الله «صلى الله عليه وآله» وهو على ذلك، ثم
وجد من نفسه راحة فخرج عاصباً رأسه فقال: «أيها الناس، أنفذوا بعث
أسامة».
ثم دخل رسول الله «صلى الله عليه وآله».
فقال رجل من المهاجرين ـ كان أشدهم في ذلك قولاً ـ عياش
بن أبي ربيعة [المخزومي]: «يستعمل هذا الغلام على المهاجرين»؟.
فكثرت المقالة، وسمع عمر بن الخطاب بعض ذلك فرده على من
تكلم به، وأخبر رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فغضب غضباً شديداً.
وخرج يوم السبت عاشر المحرم سنة إحدى عشرة.
وقد عصب رأسه بعصابة وعليه قطيفة، ثم صعد المنبر، فحمد
الله، وأثنى عليه، ثم قال:
«أما بعد، أيها الناس، فما مقالة قد بلغتني عن بعضكم في
تأميري أسامة، ولئن طعنتم في إمارة أسامة لقد طعنتم في إمارة أبيه من
قبله، وأيم الله، كان للإمارة لخليقاً، وإن ابنه من بعده لخليق
للإمارة، وإن كان لمن أحب الناس إلي، وإنهما لمخيلان لكل خير، فاستوصوا
به خيراً، فإنه من خياركم»([4]).
ثم نزل فدخل بيته، وجاء المسلمون الذين يخرجون مع أسامة
يودعون رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فيهم عمر بن الخطاب، ويمضون
إلى العسكر بالجرف.
ودخلت أم أ يمن فقالت:
«يا رسول الله، لو تركت أسامة يقيم في معسكره حتى
تتماثل، فإن أسامة خرج على حالته هذه لم ينتفع بنفسه».
فقال:
«أنفذوا بعث أسامة».
فمضى الناس إلى المعسكر فباتوا ليلة الأحد.
وفي نص آخر:
ثم ثقل «صلى الله عليه وآله» في مرضه، فجعل يقول:
«جهزوا جيش أسامة، أنفذوا جيش أسامة، أرسلوا بعث أسامة» يكرر ذلك([5]).
ونزل أسامة يوم الأحد ورسول الله «صلى الله عليه وآله»
ثقيل مغمور، وهو اليوم الذي لدوه فيه، فدخل عليه وعيناه تهملان، وعنده
الناس والنساء حوله، فطأطأ عليه أسامة فقبله، والنبي «صلى الله عليه
وآله» لا يتكلم، فجعل يرفع يديه إلى السماء ثم يضعها على أسامة، كأنه
يدعو له.
ورجع أسامة إلى معسكره.
ثم دخل يوم الإثنين، وأصبح رسول الله «صلى الله عليه
وآله» مفيقاً، وجاءه أسامة فقال له: «اغد على بركة الله»([6]).
فودعه أسامة، وخرج إلى معسكره لما رأى رسول الله «صلى
الله عليه وآله» مفيقاً.
ودخل أبو بكر فقال:
«يا رسول الله، أصبحت مفيقاً بحمد الله واليوم يوم ابنة
خارجة فأذن لي». فأذن له، فذهب إلى السنح.
وركب أسامة إلى العسكر، وصاح في أصحابه باللحوق
بالعسكر، فانتهى إلى معسكره، وأمر الناس بالرحيل وقد متع النهار.
فبينا هو يريد أن يركب أتاه رسول أمه أم أيمن يخبره أن
رسول الله «صلى الله عليه وآله» يموت.
فأقبل إلى المدينة، وأقبل معه عمر بن الخطاب، وأبو
عبيدة بن الجراح، فانتهوا إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» وهو يجود
بنفسه، فتوفي رسول الله «صلى الله عليه وآله» ذلك اليوم.
ودخل المسلمون الذي عسكروا بالجرف إلى المدينة، ودخل
بريدة بن الحصيب باللواء معقوداً، فغرزه عند باب رسول الله «صلى الله
عليه وآله».
وحسب نص الجوهري:
«..فتثاقل أسامة، وتثاقل الجيش بتثاقله، وجعل رسول الله
«صلى الله عليه وآله» في مرضه يثقل ويخف، ويؤكد القول في تنفيذ ذلك
البعث، حتى قال له أسامة: بأبي أنت وأمي، تأذن أن أمكث أياماً حتى
يشفيك الله؟
قال:
اخرج، وسر على بركة الله.
قال:
يا رسول الله، إن أنا خرجت وأنت على هذه الحال خرجت وفي
قلبي قرحة.
فقال:
سر على النصر والعافية.
قال:
يا رسول الله، إني أكره أن أسأل عنك الركبان.
قال:
انفذ لما أمرتك به.
ثم أغمي على رسول الله «صلى الله عليه وآله».
ثم تذكر الرواية:
أنه خرج حتى نزل بالجرف، ومعه أبو بكر، وعمر، وأكثر
المهاجرين الخ..
ثم أتاه رسول أم أيمن تخبره بأن النبي يموت([7]).
فلما بويع لأبي بكر أمر بريدة أن يذهب باللواء إلى بيت
أسامة، ليمضي لوجهه، وألا يحله حتى يغزوهم.
وقال لأسامة:
أنفذ في وجهك الذي وجهك فيه رسول الله «صلى الله عليه وآله». وأمر
الناس بالخروج، فعسكروا في موضعهم الأول، وخرج بريدة باللواء.
فلما ارتدت العرب، كُلِّم أبو بكر في حبس أسامة، فأبى([8]).
ومشى أبو بكر إلى أسامة في بيته فكلمه في أن يترك عمر،
وأن يأذن له في التخلف، ففعل.
وخرج ونادى مناديه عزمت لا يتخلف عن أسامة من بعثه من
كان انتدب معه في حياة رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فإني لن أوتى
بأحد أبطأ عن الخروج معه إلا ألحقته به ماشياً. فلم يتخلف عن البعث
أحد.
وخرج أبو بكر يشيع أسامة.
فركب من الجرف لهلال ربيع الآخر في ثلاثة آلاف، فيهم
ألف فارس، وسار أبو بكر إلى جنبه ساعة وقال:
«أستودع الله دينك، وأمانتك، وخواتيم عملك. إني سمعت
رسول الله «صلى الله عليه وآله» يوصيك، فانفذ لأمر رسول الله «صلى الله
عليه وآله»، فإني لست آمرك ولا أنهاك عنه، إنما أنا منفذ لأمر أمر به
رسول الله «صلى الله عليه وآله».
فخرج سريعاً، فوطئ بلاداً هادية، لم يرجعوا عن الإسلام،
جهينة وغيرها من قضاعة. حتى نزل وادي القرى، فسار إلى أُبْنَى في عشرين
ليلة.
فقدم له عين له من بني عذرة يدعى حريثاً، فانتهى إلى
أبنى، ثم عاد فلقي أسامة على ليلتين من أبنى، فأخبره أن الناس غارون
ولا جموع لهم، وحثهم على السير قبل اجتماعهم.
فسار إلى أُبْنَى وعبأ أصحابه، ثم شن عليهم الغارة،
فقتل من أشرف له، وسبى من قدر عليهم، وحرق بالنار منازلهم، وحُرُثهم،
ونخلهم، فصارت أعاصير من الدواخين، وأجال الخيل في عرصاتهم، وأقاموا
يومهم ذلك في تعبئة ما أصابوا من الغنائم. وكان أسامة على فرس أبيه
سبحة، وقتل قاتل أبيه في الغارة، وأسهم للفرس سهمين، وللفارس سهماً،
وأخذ لنفسه مثل ذلك.
فلما أمسى أمر الناس بالرحيل ثم أغذ السير، فورد وادي
القرى في تسع ليال، ثم بعث بشيراً إلى المدينة بسلامتهم. ثم قصد بعد في
السير، فسار إلى المدينة، ستاً حتى رجع إلى المدينة ولم يصب أحد من
المسلمين.
وخرج أبو بكر في المهاجرين وأهل المدينة يتلقونهم
سروراً بسلامتهم، ودخل على فرس أبيه سبحة، واللواء أمامه، يحمله بريدة
بن الحصيب حتى انتهى إلى باب المسجد، فدخل فصلى ركعتين. ثم انصرف إلى
بيته.
وبلغ هرقل وهو بحمص ما صنع أسامة، فبعث رابطة يكونون
بالبلقاء، فلم تزل هناك حتى قدمت البعوث إلى الشام في خلافة أبي بكر
وعمر([9]).
ونقول:
إن لنا مع ما تقدم الوقفات التالية:
لقد ذكر الصالحي الشامي:
أن النبي «صلى الله عليه وآله» أمر بالتهيؤ لغزو الروم
يوم الإثنين، لأربع ليال بقين من شهر صفر، سنة إحدى عشرة، وفي يوم
الثلاثاء أمر أسامة بتولي هذه المهمة، وفي يوم الأربعاء بُدِئ برسول
الله وجعه، فَحُمَّ وصُدِعَ، وفي يوم الخميس عقد لأسامة لواءاً بيده.
ولكنه يعود فيقول:
إنه «صلى الله عليه وآله» لما سمع طعن الطاعنين في
تأمير أسامة على المهاجرين، «خرج يوم السبت عاشر المحرم سنة إحدى عشرة،
وقد عصب رأسه بعصابة، ثم صعد المنبر، فخطبهم، وفند مقالتهم وردها»([10]).
وهذا تناقض واضح..
إلا أن يدعى:
أن ثمة غلطاً في هذا النص الأخير، وأن الصحيح هو: أنه
خطبهم في العاشر من شهر ربيع الأول، لا شهر محرم.
ولكنها دعوى موهونة أيضاً، فإن الصحيح هو أنه «صلى الله
عليه وآله» قد توفي في الثامن والعشرين من شهر صفر..
يستعمل
هذا
الغلام على المهاجرين؟!:
ولا ندري كيف يمكن أن نحكم على عياش بن أبي ربيعة وعلى
القوم الذين تكلموا بمثل كلامه، بصحة الإيمان ونحن نرى أنه يعترض على
رسول الله «صلى الله عليه وآله» في تأميره أسامة، ويخطئه، ويطعن في
عصمته؟!([11]).
ويزيد الأمر إشكالاً:
تبرير اعتراضه هذا بأنه «صلى الله عليه وآله» قد أمّر
أسامة على المهاجرين، مع أنه أمَّره على المهاجرين والأنصار معاً.
وكأنه يرمي إلى الإيحاء بأن المهاجرين طبقة مميزة عن
غيرهم من سائر المسلمين بما في ذلك الأنصار.
فهو ينطلق من شعور عنصري، أو مفهوم طبقي، أدانه الإسلام
ورفضه، ولا يعترف به، بل يعتبره من الدعوات المنتنة والبغيضة.
ويلاحظ:
أن ابن أبي الحديد المعتزلي وتبعه الحلبي قد زادا كلمة
والأنصار على النص من عند أنفسهما، مع عدم وجود هذه الكلمة في المصادر
الأولية كما يعلم بالمراجعة، فلماذا هذا التصرف يا ترى؟!!
ولا نستطيع أن نتجاهل ما ورد في النصوص التي رواها
السنة والشيعة، من أن النبي «صلى الله عليه وآله» حين أمّر أسامة بن
زيد على ذلك الجيش الذي جمع فيه المهاجرين والأنصار، ومن بينهم
الطامعون بالخلافة، وقال: جهزوا جيش أسامة، لعن الله من تخلف عن جيش
أسامة([12]).
أو نحو ذلك.
فلم يطيعوا أمره «صلى الله عليه وآله»، وَسَوَّفُوا
وتعللوا بالعلل، وبالمعاذير الواهية.
فكيف ولماذا عرضوا أنفسهم للعن رسول الله «صلى الله
عليه وآله»؟!
هل كانوا يرونه مخطئاً في تجهيزه لذلك الجيش؟
أم اتكلوا على حديث رواه الكذابون عن رسول الله «صلى
الله عليه وآله»، يدّعون فيه أنه «صلى الله عليه وآله» قال: اللهم من
سببته أو لعنته، فاجعل ذلك زكاة ورحمة له؟!([13]).
وقد ذكرنا هذا الحديث أكثر من مرة في هذا الكتاب، وبينا
خطله وفساده..
وذكروا:
أن عمر بن الخطاب جاء إلى أبي بكر يلتمس منه بلسان
الأنصار عزل أسامة، وتولية غيره، فوثب أبو بكر إلى عمر، فأخذ بلحيته،
فقال: ثكلتك أمك وعدمتك يا بن الخطاب، استعمله رسول الله وتأمرني أن
أنزعه؟!([14]).
ونقول:
أولاً:
إنه إذا مات النبي أو الوصي، يستطيع وصيه أو الولي من
بعده أن يعزل قواد الجند، والأمراء والعمال على البلاد، لأن الظروف قد
تتغير، وتمسُّ الحاجة إلى صرف النظر عن بعض الإجراءات، أو استبدال بعض
القادة على الجند أو العمال والولاة..
لكن الذي لا يعزل هو فقط الإمام وولي الأمر المنصوص
عليه من الله ورسوله..
فما معنى أن يحتج الخليفة على عدم عزل أسامة بأن النبي
قد نصبه؟!([15]).
ثانياً:
إن أبا بكر نفسه قد عزل عدداً ممن نصبهم رسول الله «صلى
الله عليه وآله» في حياته، واستمروا على عملهم إلى ما بعد وفاته «صلى
الله عليه وآله»، فقد ذكر العلامة الأميني: أن أبا بكر جعل خالد بن
سعيد بن العاص على مشارق الشام في الردة، وكان النبي «صلى الله عليه
وآله» قد استعمله على ما بين زمع زبيد إلى حد نجران. أو على صدقات
مذحج، ومات وهو على عمله([16]).
واستعمل أبو بكر يعلى بن أمية على حلوان. مع أن النبي
«صلى الله عليه وآله» كان قد استعمله على الجند. وتوفي «صلى الله عليه
وآله» وهو على عمله([17]).
وكان عمرو بن العاص على عُمَان، وتوفي «صلى الله عليه
وآله» وهو أميرها([18]).
وكان عكرمة على صدقات هوازن عام وفاته. فاستعمل أبو بكر
عكرمة على عمان ثم عزله،
واستعمل عليها حذيفة بن محصن([19]).
ثم ذكر أن عمر نفسه قد عزل بعض من كانوا في عهد النبي
«صلى الله عليه وآله»، وكذلك عثمان، فاستعمل عثمان بن أبي العاص على
عمان والبحرين سنة 15، وكان على الطائف من زمن النبي «صلى الله عليه
وآله» وغير ذلك([20]).
ثالثاً:
إن المعترضين على تأمير أسامة إنما أخذوا مبررات
الإعتراض مما جرى في السقيفة، حيث استدلوا على أحقية أبي بكر للخلافة
بكبر سنه، فلا غضاضة على الأنصار إذا طالبوه بعزل صغير السن عنهم،
وتولية من هو أسن منه.
بل إن هذا الإعتراض قد صدر من بعض المهاجرين والأنصار
في عهد النبي على النبي «صلى الله عليه وآله» نفسه بالنسبة لزيد بن
حارثة، أبي أسامة، فاضطر «صلى الله عليه وآله» إلى أن يخطب الناس،
ويؤكد أهليته للإمارة كأبيه، ويشير إلى أن اعتراضهم لم يكن لأجل سنه،
وإنما لأمور أخرى يخفونها، ولو كان السبب هو مجرد السن، فلماذا يطعنون
بإمارة أبيه من قبل.
رابعاً:
لماذا يتكلم عمر بلسان الأنصار، ونحن نعرف أنه لم يكن
يُكِنُّ لهم الكثير من الود والصفاء، ولا سيما بعد قصة السقيفة؟!
خامساً:
قد برّروا الإعتراض على تأمير أسامة بأنه لا يجوز أن
يتأمر على المهاجرين، كما تقدم عن عياش بن أبي ربيعة، ولم نسمع للأنصار
اعتراضاً على تأمير أسامة..
سادساً:
إذا كان أبو بكر متقيداً إلى هذا الحد بتوجيهات رسول
الله «صلى الله عليه وآله»، فلماذا طلب من أسامة أن يتخلى له عن عمر بن
الخطاب، ويبقيه عنده؟!
سابعاً:
إذا كان النبي «صلى الله عليه وآله» قد قرر ذلك، فهل
يحق لأسامة أن يبطل قرار النبي «صلى الله عليه وآله» فيه؟!
هذا كله عدا عن تخلف أبي بكر نفسه عن ذلك الجيش، بعد أن
كان النبي «صلى الله عليه وآله» قد ندبه ليكون فيه كسائر الناس؟!..
قال الصالحي الشامي:
ذكر محمد بن عمر، وابن سعد:
أن أبا بكر كان ممن أمره رسول الله «صلى الله عليه
وآله» بالخروج مع أسامة إلى أُبنى، وجرى عليه في المورد، وجزم به في
العيون، والإشارة، والفتح في مناقب زيد بن حارثة.
وأنكر ذلك الحافظ أبو العباس بن تيمية، فقال في كتابه
الذي رد فيه على ابن المطهر الرافضي:
«لم ينقل أحد من أهل العلم أن النبي «صلى الله عليه
وآله» أرسل أبا بكر وعثمان في جيش أسامة، فقد استخلفه يصلي بالمسلمين
مدة مرضه إلى أن مات. وكيف يتصور أن يأمره بالخروج في الغزاة وهو يأمره
بالصلاة بالناس»؟ وبسط الكلام على ذلك.
فقلت:
وفيما ذكره نظر من وجهين:
أولهما:
قوله: لم ينقل أحد من أهل العلم الخ.. فقد ذكره محمد بن
عمر، وابن سعد، وهما من أئمة المغازي.
ثانيهما:
قوله: وكيف يرسل أبا بكر في جيش أسامة؟ الخ.. ليس
بلازم، فان إرادة النبي «صلى الله عليه وآله» بعث جيش أسامة كان قبل
ابتداء مرض رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فلما اشتد به المرض استثنى
أبا بكر، وأمره بالصلاة بالناس.
وقال ابن سعد:
حدثنا عبد الوهاب بن عطاء العجلي قال: حدثنا المعمري عن
نافع عن ابن عمر:
أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» بعث سرية فيها أبو
بكر وعمر، واستعمل عليهم أسامة بن زيد، وكان الناس طعنوا فيه أي في
صغره، فبلغ ذلك رسول الله «صلى الله عليه وآله» الخ.. فذكر الحديث([21]).
ونقول:
إن علينا أن نضيف إلى ما تقدم مايلي:
1 ـ
إن النص المتقدم يقول: «لم يبق أحد من وجوه المهاجرين
والأنصار، إلا انتدب (بالبناء للمفعول) في تلك الغزوة، منهم أبو بكر
الخ..».
ومن الواضح:
أن انتداب وجوه المهاجرين والأنصار، إنما كان من قبل
رسول الله «صلى الله عليه وآله» نفسه.
2 ـ
إن الذين ذكروا أبا بكر في جيش أسامة لا ينحصرون
بالواقدي وابن سعد، بل فيهم اليعقوبي، والبلاذري، وكثيرون آخرون([22]).
3 ـ
بالنسبة لاستخلاف النبي «صلى الله
عليه وآله» له ليصلي بالمسلمين.. نقول:
قد تعرضنا لهذا الموضوع بالتفصيل في فصل مستقل،
وبيَّنَّا وهن ما استندوا إليه في ذلك، مع أن الروايات الصحيحة قد دلت
على: أن النبي «صلى الله عليه وآله» قد عزله عن الصلاة، حين رآه يؤم
الناس.. الأمر الذي يعزز الروايات التي تقول: إن النبي «صلى الله عليه
وآله» لم يكن يعلم بتصديه للصلاة، بل كان ذلك بتدبير من عائشة، كما
نقله المعتزلي عن علي «عليه السلام»، أو عن أبي بكر نفسه.
على أن نفس التناقض الشديد فيما بين الروايات يسقطها عن
درجة الإعتماد، فراجع ما ذكرناه حين الحديث عن هذا الأمر..
4 ـ
يضاف الى ما تقدم: أنه إذا كان «صلى الله عليه وآله» قد
جعله في جيش أسامة، فلماذا تراجع عن قراره وغيَّر رأيه بهذه السرعة؟!
فإن حاجة الناس إلى من يؤمهم في صلاتهم لا توجب استدعاء أبي بكر، إلا
إذا فرض: أنه لم يكن بين الذين تخلفوا عن جيش أسامة من هو مؤهل
لإمامتهم في الصلاة!!
وهذا لا يمكن قبوله. إذ ما هو النقص الذي كان يحول
بينهم وبين ذلك؟! هل هو بأنهم كانوا بأجمعهم لا يحسنون القراءة مثلاً؟!
أم هو عدم وجود من يملك صفة العدالة بينهم؟ إن ذلك
بعيد، ولا مجال للمصير إليه، لما يلي:
أولاً:
لمنافاته لقولهم بعدالة جميع الصحابة.
ثانياً:
إنهم يروون عن النبي «صلى الله عليه وآله» أنه قال:
صلوا خلف كل بر وفاجر.
ثالثاً:
إننا إذا قلنا باشتراط العدالة في الإمام، فمن الصعب
الحكم بفسق أولئك الناس كلهم. فالحديث عن أن استثناء أبي بكر قد كان
بعد اشتداد مرض النبي «صلى الله عليه وآله»، لا معنى له..
ولا بد لنا من التأمل في السبب الذي دعا النبي «صلى
الله عليه وآله» أن يأمر أسامة بأن يُقِلَّ اللبث في أهل أُبنى، بعد أن
يظفر بهم، فهل هو لا يريد أن يفسح المجال أمام أولئك الأعداء لانتهاز
الفرصة لتسديد ضربتهم للمسلمين على حين غفلة منهم؟! فإن هذا ما يوجبه
النصح للمسلمين والمحافظة عليهم، وحفظهم من أن يتعرضوا لصدمة روحية، قد
تبلغ حد الإحباط لدى بعض ضعفاء النفوس..
أو لأنه «صلى الله عليه وآله» أراد أن يبقي على حالة
الإبهام والغموض، والتهيب للمسلمين، في نفوس أولئك الأعداء؟!
أو لأنه يريد منه أن يسرع بالرجوع إلى المدينة، لأن طول
غيابه قد يفسح المجال أمام بعض الفئات لجمع قواهم، والإنقضاض على
المدينة عاصمة الإسلام.
أو لأنه يريد أن يحميه من أن يتمكن هرقل من إرسال جيوشه
الهائلة لنجدة أهل أُبنى، ويتمكن من إلحاق الأذى بأسامة وبجيشه.
أو أن كل ذلك كان مقصوداً ؟!!
ربما يكون هذا الأخير هو الأولى والأظهر..
وقد أشارت بعض النصوص المتقدمة إلى
الحديث الذي يقول:
إنهم لدّوا رسول الله في مرضه، وقد تكلمنا عن هذا
الحديث في هذا الجزء من الكتاب وقلنا: إنه حديث خرافة، فراجع..
وقد نسبوا إلى النبي «صلى الله عليه وآله» أنه أمر
أسامة بأن يحرق على أهل أُبنى، ونحن نشك في صحة هذه الرواية، وذلك لما
يلي:
1 ـ
إن كان المراد تحريق الشجر مثل النخل وغيره، فنقول:
قد ورد عن ثوبان أنه سمع رسول الله
«صلى الله عليه وآله» يقول:
من قتل صغيراً أو كبيراً، أو أحرق نخلاً، أو قطع شجرة
مثمرة، أو ذبح شاة لإهابها، لم يرجع كفافاً([23]).
فإنه يدل على أن هذا العمل مرجوح عند الشارع، ولا يأمر
النبي «صلى الله عليه وآله» بما هو مرجوح..
بل قد ورد ما يدل على حرمته أيضاً، وبذلك أفتى عدد من
الفقهاء إلا في حال الضرورة([24]).
وحكم كثير منهم بالكراهة([25]).
والنبي «صلى الله عليه وآله» لا يأمر بالمكروه فضلاً عن
الحرام إلا مع الضرورة. فيرتفع معها عنوان الحرمة أو الكراهة.
إلا أن يقال:
إن المرجوح هو فعل ذلك بالمسلمين، أو في نخلهم، وشجرهم،
ولا يشمل نخل المحاربين وشجرهم، وأملاكهم.
ويجاب:
بأن الكلام قد جاء مطلقاً، كما أن النهي عن ذلك قد يكون
لأجل أنه من مصاديق الإفساد في الأرض، وهذا صادق على صورة كون النخل
للمحاربين أيضاً، إلا مع الحاجة إليه لكسر شوكة العدو، وتحقيق النصر
عليه.
2 ـ
وإن كان المراد تحريق الناس بالنار، فقد روي عن النبي
«صلى الله عليه وآله» أنه قال: لا يعذب بالنار إلا رب النار. أو نحو
ذلك([26]).
إلا أن يقال:
إن التعذيب بالنار المنهي عنه هو: أن يكون من يراد
تعذيبه في قبضة الإنسان المؤمن، ويريد أن يورد عليه عقوبة أو أذى
مشروعاً من حدّ أو تعزير.
وأما الإستفادة من النار في قتال العدو فلا مانع منه.
3 ـ
ما نسب إلى علي «عليه السلام» من أنه أحرق عبد الله بن
سبأ.. لعله غير دقيق، فقد روي:
أنه «عليه السلام» حفر له ولأصحابه حفائر، وخرق بعضها
إلى بعض، ثم دخن عليهم حتى ماتوا([27]).
4 ـ
من الممكن أن يكون هذا الحديث قد نسب إلى رسول الله
«صلى الله عليه وآله» بهدف تبرير فعل صدر عن أبي بكر، الذي أحرق
الفجاءة السلمي([28])،
وصدر أيضاً من خالد بن الوليد([29])،
ثم صدر من أسامة تجاه أهل أُبنى، ومعه جماعات من الصحابة ممن لا يحب
هؤلاء الناس أن تنسب إليهم مخالفات صريحة، لأنهم كانوا ـ عموماً ـ من
أنصار الحاكم الجديد.
تقدم:
أنه «صلى الله عليه وآله» قال لأسامة: «أغز عليهم» وهو
تصحيف، إذ لا معنى لتعدية كلمة «أغز» بعلى، فقوله: «أغز عليهم» كلام
ركيك، إلى حد الغلط، وهو لا يصدر عن أفصح وأبلغ الناس، فالصحيح هو:
«أغر عليهم».. ولعل عدم وجود النقط للحروف هو الذي أوقع في الإشتباه..
ولا مجال للإعتراض بأن النبي «صلى الله عليه وآله» لا
يأمر بالإغارة على الآمنين. وذلك لأن أهل أبنى كانوا معلنين للحرب على
الإسلام وأهله، وقد كان لهم دور بارز في مؤتة.
ولا مانع من صحة ما روي، من أن قاتل زيد بن حارثة كان
فيهم أو منهم، وليس للمحارب أن يتوقع من عدوه أن يعلمه بموقعه، وبخططه،
أو بما يحمله من سلاح، أو بساعة إغارته عليه.. بل عليه هو أن يكون
حذراً، وأن يستعد للمفاجآت، ويحسب لها حسابها.
ولعدوه الحق بأن يموه عليه، وأن يطلب غرته ويغير عليه..
فلا محذور في أن يأمر النبي «صلى الله عليه وآله» أسامة بن زيد بأن
يغير على أهل أبنى في أي وقت شاء.
قال العلامة البحاثة السيد عبد الحسين شرف الدين «رحمه
الله»، في بيانه لأسباب تثاقلهم ثم تخلفهم عن جيش أسامة:
«لا يفوت البعث بتثاقلهم عن السير، ولا بتخلف من تخلف
منهم عن الجيش». أما الخلافة فإنها تنصرف عنهم لا محالة، إذا انصرفوا
إلى الغزوة قبل وفاته «صلى الله عليه وآله..
وكان بأبي هو وأمي ـ أراد أن تخلو منهم العاصمة، فيصفو
الأمر من بعده لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب «عليه السلام» على سكون
وطمأنينة.
فإذا رجعوا وقد أبرم أمر الخلافة، وأحكم لعلي «عليه
السلام» عقدها، كانوا عن المنازعة والخلاف أبعد..
وإنما أمّر عليهم أسامة وهو ابن سبع عشرة سنة([30])
لياً لأعنة البعض، وردّاً لجماح أهل الجماح منهم، واحتياطاً من الأمن
في المستقبل من نزاع أهل التنافس لو أمِّر أحدهم كما لا يخفى.
لكنهم فطنوا إلى ما دبر «صلى الله عليه وآله»، فطعنوا
في تأمير أسامة، وتثاقلوا عن السير معه، فلم يبرحوا من الجرف حتى لحق
النبي «صلى الله عليه وآله» بربه، فهمّوا حينئذ بإلغاء البعث، وحلّ
اللواء تارة، وبعزل أسامة أخرى، ثم تخلف من تخلف منهم عن الجيش، وفي
أولهم أبو بكر وعمر([31]).
ويفهم من قول الجوهري «فتثاقل
أسامة، وتثاقل الجيش بتثاقله»:
أن السبب في تثاقل الجيش هو أسامة بالذات..
غير أن من الواضح:
أن أكثر الجيش، ربما لم يكن مدركاً لما يجري، وكان
يتعامل مع الأمور بعفوية، وسلامة طوية وانقياد وطاعة، غير أن المفروض
بأعيان القوم، وزعمائهم أن لا يستسلموا للأمور ببساطة، بل لا بد أن
يتساءلوا عن مبررات هذا التثاقل، وسيرفضونه إن وجدوا أنه لا يملك
مبررات تقنعهم، وسترتفع عقيرتهم بالإعتراض والإدانة..
ولكننا حين نراجع موقفهم هنا نجد:
أنهم لم يرتفع لهم صوت، رغم شدة وتواصل حثّ النبي «صلى
الله عليه وآله» لهم على المسير، إلى حد لعن المتخلفين، بل كان هؤلاء
الأعيان والزعماء يشاركون في هذا التثاقل، ويمعنون فيه.. مما يعني أنه
تثاقل قد تفاهموا عليه مع أسامة، إن لم يكونوا هم الذين جروه إليه، أو
فرضوه عليه..
ويؤكد هذا الذي نقوله:
أن هذا التثاقل، أو فقل: هذا التمرد على أوامر رسول
الله «صلى الله عليه وآله» قد استمر حوالي نصف شهر..
وحتى حينما لم يجد أسامة بداً من المسير، تحت وطأة
إصرار رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فإنه سار قليلاً، وبمقدار ساعة
فقط، ثم حط رحاله في الجرف على بعد فرسخ واحد من المدينة، ربما ليبقى
جيشه في أجواء ما يجري في المدينة، وعلى علم بالشائعات عن حياة النبي
«صلى الله عليه وآله»، التي ربما كانت فئات في المدينة تغذيها،
بالتعاون مع مجموعات في الجيش نفسه.
وكان أسامة يترك الجيش ويدخل المدينة، ويصر على النبي
«صلى الله عليه وآله» بالتريث، ويصر عليه النبي «صلى الله عليه وآله»
بالإستعجال، حتى لقد رجع في اليوم الأخير مرتين كانت الأخيرة منهما
برفقة عمر وأبي عبيدة، فوجده يجود بنفسه.
ثم ذكر السيد شرف الدين:
أن الشيخ سليم البشري قد اعتذر عنهم بما حاصله:
1 ـ
بالنسبة لتثاقلهم، نقول:
إن النبي «صلى الله عليه وآله»، وإن كان قد حثهم على
الإسراع، ولكنه تمرض بعد ذلك مباشرة، فثقل حتى خيف عليه، فلم تسمح
نفوسهم بفراقه وهو في تلك الحال، فتربصوا ينتظرون في «الجرف» ما تنتهي
إليه حاله.
وهذا من وفور إشفاقهم عليه، وولوع قلوبهم به. ومقصدهم
في تثاقلهم: إما قرة عيونهم بصحته، وإما التشرف بتجهيزه، وتوطيد الأمر
لمن يتولى عليهم من بعده. فهم معذورون في تربصهم.
2 ـ
واعتذر عن طعنهم في إمارة أسامة: بأن سببها هو حداثة
سنه، وهم شيوخ وكهول، ونفوس الشيوخ والكهول تأبى النزول على حكم الشبان([32]).
ونقول:
إننا نضيف إلى ما تقدم ما يلي:
أولاً:
إنه «صلى الله عليه وآله» لم يكتف في أمره لهم بالمسير
مع أسامة على ما قبل اشتداد مرضه، بل هو قد استمر يأمرهم بذلك مرة بعد
أخرى حتى بعد اشتداد المرض أيضاً، وقد أكد هذا الإلتزام بلعنه لمن
يتخلف. فليس لأحد أن يعتذر عن معصية الأمر الوجوبي من أجل أمر مستحب
فهو كمن يترك الحج الواجب، والصلاة الواجبة، لأنه أراد أن يزور أحد
المؤمنين، أو لانشغاله بالتسبيح والتهليل.
ثانياً:
لقد كان النبي «صلى الله عليه وآله» أعرف بالمصالح
والمفاسد منهم. فمواصلة حثه لهم على الإسراع بالمسير حتى بعد اشتداد
مرضه، مع علمه بأن صحابته قلقون عليه يدل على أن ما يتوخاه من هذا
الإسراع أعظم من مصلحة طمأنتهم على مصيره، أو مشاركتهم في مراسم دفنه،
أو في توطيد الأمر لمن يتولى الأمر بعده.. فإن هذه الأمور لا تخفى على
رسول الله «صلى الله عليه وآله».
فكان يجب أن يمتثلوا أمره، على قاعدة:
{وَيُسَلِّمُوا
تَسْلِيماً}([33]).
ولا يحق لهم أن يعتبروا رأيهم مقدماً على أوامره، فإن رأيهم ينتهي إلى
الحدس والظن، أما هو فلا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى..
ثالثاً:
إن حديث الإشفاق، لا يمكن القبول به، لأن المعيار هو ما
يحكم به العقل، وتقتضيه الحكمة، لا ما تدعو إليه العاطفة، ويسوق إليه
الهوى. ألا ترى أنْ لو كان لإحدى النساء طفل مريض، وقد وصف له الطبيب
دواءً مراً، أن عقلها يحتم عليها أن تسقيه الدواء، وإن كانت عاطفتها
تصدها عن ذلك، لأنها لا تريد أن تؤذي طفلها بمرارة الدواء..
رابعاً:
بالنسبة لنفرة نفوس الشيوخ من الإنقياد إلى الشباب،
نقول:
إن هذا لو كان عذراً لوجب أن يكون جميع الذين كانوا
أكبر سناً من رسول الله «صلى الله عليه وآله» معذروين في اختيارهم
الكفر والشرك على الإسلام، لأن نفوسهم تأبى الإنقياد لرسول الله «صلى
الله عليه وآله» لأنه كان شاباً بالنسبة إليهم..
ولكان يجب أن لا ينقاد كثير من أهل الممالك لرؤسائهم
وملوكهم، حين يكونون أكبر منهم سناً، أو حين يكونـون شيوخـاً، وملوكهم
ورؤساؤهم شباناً.
خامساً:
حتى لو سلمنا أن الأمر كذلك، فإن ثمة فرقاً ظاهراً بين
أوامر الأنبياء وأوصيائهم، وأوامر الرؤساء والملوك، وسائر الناس لبعضهم
بعضاً، فإن أوامر الأنبياء والأوصياء تنتهي إلى الله سبحانه، وهي تعبر
عن إرادته، وتنتهي بمرضاته، وليست أوامر الرؤساء والملوك والناس مع
بعضهم البعض كذلك.
وقد قال تعالى:
{فَلَا
وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ
بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا
قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً}([34]).
وقال:
{وَمَا
كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَهُ وَرَسُولُهُ
أَمْراً أَنْ يَكُونَ لهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ
اللَهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُبِيناً}([35]).
وقد ذكر النص المتقدم:
أن العرب ارتدت قبل أن يتحرك أسامة من المدينة، وهو
كلام غير دقيق، ولا صحيح، فإنهم يصرحون: أنه بمجرد أن تمت البيعة لأبي
بكر سيّر أبو بكر جيش أسامة.
ويبدو لنا أن العرب لم يرتدوا، وإنما هم قد امتنعوا من
البيعة لأبي بكر، لأنهم كانوا قد حضروا يوم الغدير، وبايعوا علياً
«عليه السلام»، فلا معنى لقبولهم بنكث بيعتهم التي أمرهم بها الرسول
«صلى الله عليه وآله»، وأشرف عليها بنفسه، ليبايعوا أبا بكر الذي أخذ
هذا المقام بالقهر والغلبة وبالتهديد، بالإستناد إلى ألوف المقاتلين من
بني أسلم وغيرهم كما سيأتي.
والذين ارتدوا حقيقة إنما ارتدوا في زمن رسول الله «صلى
الله عليه وآله»، مثل: مسيلمة، وطليحة، وسجاح، والأسود العنسي..
وأما مالك بن نويرة، وأضرابه، فهؤلاء إنما امتنعوا عن
بيعة أبي بكر، ولم يؤدوا الزكاة إليه، وقالوا: إنهم لا يؤدونها إلا إلى
أهل بيت نبيهم، أو يقسمونها على فقرائهم، فاستحل أبو بكر دماءهم
وقتلهم..
ولهذا البحث مجال آخر..
وقد يقال:
إن إشكال التخلف عن جيش أسامة مشترك الورود، وبيان ذلك
كما يلي:
أولاً:
إن أبا بكر وعمر، وغيرهما، وإن كانوا قد تخلفوا عن جيش
أسامة([36])،
وقد شملهم قول رسول الله «صلى الله عليه وآله»:
«لعن الله من تخلف عن جيش أسامة». ولكن علياً «عليه
السلام» قد تخلف أيضاً؛ فلماذا لا يشمله؟!.
ثانياً:
لم يرد لعن المتخلف عن جيش أسامة في حديث أصلاً([37]).
ثالثاً:
إن أبا بكر قد تخلف لما أمره النبي «صلى الله عليه
وآله» بالصلاة بالناس، فليس في تخلفه غضاضة..
ونجيب بما يلي:
إنه لا ريب في أن علياً «عليه السلام» لم يتخلف عن جيش
أسامة، فلا يشمله لعن رسول الله «صلى الله عليه وآله» لمن تخلف، وما
ذكروه لا اعتبار به، وذلك للأمور التالية:
أولاً:
قولهم لم يرد لعن المتخلف عن جيش أسامة في حديث أصلاً،
غير صحيح، فقد أرسل ذلك الشهرستاني في الملل والنحل إرسال المسلمات([38])،
وذكر ذلك غيره أيضاً([39]).
ثانياً:
إنه حتى لو لم يرد لعن صريح لمن تخلف، فإن نفس مخالفة
أمر النبي «صلى الله عليه وآله» أمر قبيح، يستحق فاعله العقوبة، فكيف
إذا كان «صلى الله عليه وآله» قد أصر على الناس في تنفيذ هذا البعث،
وأصروا هم على عصيان أمره، وهو يرى ذلك منهم، ويحاول معالجته مرة بعد
أخرى، فلا يستجيبون له، فإن ذلك سيكون من موجبات تأذِّيه منهم، وغضبه
عليهم، وهذا من موجبات طردهم من ساحة رحمة الله تبارك وتعالى..
ثالثاً:
إن الحديث عن تخلف أبي بكر بأمر من رسول الله «صلى الله
عليه وآله» نفسه، حين أمره بالصلاة بالناس، لا يصح، فقد ذكرنا: أنه
«صلى الله عليه وآله» قد بادر إلى عزله عن نفس تلك الصلاة..
كما أن علياً «عليه السلام» كان
يقول:
إن عائشة هي التي أمرت أباها بأن يصلي بالناس وليس
النبي «عليه السلام»([40]).
وقد ناقشنا هذه القضية في موضع آخر من هذا الجزء فلا
نعيد..
ويدل على ذلك:
أن أسامة حين وفاة رسول الله «صلى الله عليه وآله» قد
ترك المدينة وسكن وادي القرى([41])،
فكتب أبو بكر إليه يستقدمه إلى المدينة، فأجابه أسامة بكتاب جاء فيه:
«انظر مركزك، ولا تخالف فتعصي الله ورسوله، وتعصي من
استخلفه رسول الله «صلى الله عليه وآله» عليك وعلى صاحبك، ولم يعزلني
حتى قبض رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وإنك وصاحبك رجعتما، وعصيتما،
وأقمتما في المدينة بغير إذن»([42]).
وفي نص آخر:
«فإن رسول الله «صلى الله عليه وآله» استخلفني عليكم،
ولم يعزلني.
وقد علمت كراهة رسول الله «صلى الله عليه وآله» لرجوعكم
عني إلى المدينة.
وقال «صلى الله عليه وآله»:
«لا يتخلفن أحد عن جيش أسامة إلا كان عاصياً لله ولرسول الله»([43]).
رابعاً:
لا ريب عند أحد من المسلمين في أنه «صلى الله عليه
وآله» لم يجعل علياً «عليه السلام» في ذلك الجيش، فضلاً عن أن يتوهم
أنه قد تخلف عنه، ويكفي أن نشير هنا إلى ما يلي:
ألف:
قال ابن حمزة: «وهل نقل عن أحد من أهل العلم أن علياً
«عليه السلام» كان في جيش إلا وهو أميره»([44]).
وروى الواقدي، قال:
سئل الحسن (البصري) عن علي «عليه السلام» ـ وكان يظن به
الإنحراف عنه، ولم يكن كما يظن ـ فقال: ما أقول فيمن جمع الخصال
الأربع: ائتمانه على براءة، وما قال له الرسول في غزاة تبوك، فلو كان
غير النبوة شيء يفوته لاستثناه، وقول النبي «صلى الله عليه وآله»:
«الثقلان كتاب الله وعترتي»، وإنه لم يؤمَّر عليه أمير قط، وقد أُمِّرت
الأمراء على غيره([45]).
والعبارة الشائعة عن هذا الأمر هي
قولهم:
لم يؤمِّر عليه أحداً قط، ولم يكن في سرية قط إلا كان
أميرها([46]).
وهذا يدل على أنه «عليه السلام» لم يكن في جيش أسامة،
لأنه لو كان فيه لكانت الإمارة له لا لسواه.
ب:
إن جعل النبي «صلى الله عليه وآله» علياً «عليه السلام»
وصياً بأمر من الله تعالى، والبيعة له في يوم الغدير يمنع من جعله إياه
في جيش أسامة، لا سيما وهو «صلى الله عليه وآله» يتوقع أن ينزل به
القضاء لحظة بعد أخرى، فقد أخبرهم «صلى الله عليه وآله» بدنو أجله،
وأنه يوشك أن يدعى فيجيب.
فلم يكن «صلى الله عليه وآله» ليجعله مولى للناس، وأولى
بهم من أنفسهم، ثم يجعل أسامة أميراً عليه، والمتصرف فيه، والآمر
والناهي له.
ج:
ورد في رسالة كتبها أمير المؤمنين «عليه السلام» إلى
شيعته قوله:
«وقد كان نبي الله أمّر أسامة بن زيد على جيش، وجعلهما
(يعني أبا بكر وعمر) في جيشه.
وما زال النبي «صلى الله عليه وآله» إلى أن فاضت نفسه
يقول: «انفذوا جيش أسامة».
فمضى جيشه إلى الشام، حتى انتهوا إلى أذرعات الخ..»([47]).
فلو كانت حاله «عليه السلام» في التخلف عن جيش أسامة
حال غيره لم تصح منه الإشارة إلى تخلفهما، وعصيانهما أمر رسول الله
«صلى الله عليه وآله».
هذا..
ولم يزل الشيعة يستدلون على غيرهم بتخلف أبي بكر وعمر
عن جيش أسامة، وقد اقتصرت إجابات أتباع أبي بكر وعمر على إنكار تخلف
أبي بكر، ولو بالاستناد إلى ما زعموه من أن النبي «صلى الله عليه وآله»
أمره بالصلاة.. ولم نجد أحداً منهم نقض على الشيعة بتخلف علي «عليه
السلام»..
وذلك يدل على أن من المتسالم عليه أن النبي «صلى الله
عليه وآله» لم يكن قد جعل علياً «عليه السلام» في ذلك الجيش.
وحسبنا ما ذكرناه آنفاً عن علي «عليه السلام»، وعن
الحسن البصري، وغير ذلك، مما يدل على هذا الأمر دلالة قاطعة، فليلاحظ
ذلك..
وغني عن البيان:
أن تأمير أسامة وهو شاب في مقتبل العمر لم يخض حرباً،
ولم يتسلم قبل ذلك قيادة على جيش يضم كبار الصحابة، والزعماء، والقادة،
والطامحين لأعظم مقام وأسماه، وهو مقام خلافة النبوة.. سيكون صعباً
وثقيلاً على قلوب هؤلاء الناس، ولا سيما قادة طالما تباهوا بأنفسهم،
وافتخروا على غيرهم من أمثال خالد، وابن العاص، وغيرهما.. وقد كان هذا
الجيش يريد غزو بلاد بعيدة، ترتبط بأعظم أمبراطورية في ذلك الزمان، وهي
أمبراطورية الروم.
فإن ذلك يدل على:
أنه «صلى الله عليه وآله» يرمي إلى تحقيق أهداف عظيمة،
لا بد أن يعيها المسلمون، وأن يتأمل بها المتأملون، وأن يوصلها إلى بر
الأمان، ويحقق لها النصر، المؤمنون المخلصون.
ويمكن أن نشير إلى جملة من هذه الأهداف فيما يلي:
أولاً:
قال الشيخ محمد رضا المظفر «رحمه الله»:
إنه «صلى الله عليه وآله» أراد أن يهيئ المسلمين لقبول
قاعدة «الكفاية» في ولاية أمورهم، من ناحية عملية، فليست الشهرة ولا
تقدم العمر هما الأساس لاستحقاق الإمارة والولاية، فلذا قال عن أسامة،
مؤكداً جدارته بالقسم ولام التأكيد: «وأيم الله، إن كان لخليقاً
للأمارة ـ يعني زيداً ـ وإن ابنه لخليق للأمارة»([48]).
ويأتي هذا بمثابة الرد لمقولة عمر، التي أشرنا إليها
حين الكلام حول حديث الغدير: أن السبب في إبعاد علي «عليه السلام» عن
الخلافة هو: أن قومه استصغروه..
ثانياً:
إن تأمير أسامة كما يقوله العلامة المظفر «يقيم الحجة
لهم وللناس بأن من يكون مأموراً طائعاً لشاب يافع، ولا يصلح لأمارة
غزوة مؤقتة، كيف يصلح لذلك الأمر العظيم، وهو ولاية أمور جميع المسلمين
العامة، وهي في مقام النبوة؟! وصاحبها
{أَوْلَى
بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ}([49])»([50]).
وقال «رحمه الله»:
«فهذا البعث الذي كان تدبيراً لإخلاء المدينة لعلي
«عليه السلام» وحزبه، كان حجة على المستصغرين لسنه، ودليلاً على عدم
صلاح غيره لهذا المنصب العظيم..
فإذا كان الإخلاء، لم يتم لتمانع القوم وعرقلتهم للبعث،
فإن الحجة ثابتة مع الدهر..
ولا يصح للباحث أن يدّعي:
أن السبب الحقيقي لتخلف القوم هو ما تظاهروا به من عدم
الرضى بإمارة قائدهم الصغير، وإن تذرعوا به عذراً لاحقاً، تلك الشنشنة
التي عرفها النبي «صلى الله عليه وآله» من أخزم.
لأنّا نرى:
أن لو كان هذا السبب الحقيقي لما تنفذ البعث، بعد أن تم
أمر الخلافة الذي به زال المانع الحقيقي. والمسلمون إلى النبي «صلى
الله عليه وآله» أطوع منهم إلى أبي بكر، لو كان يمنعهم صغر القائد. ولم
يتأبّ عمر نفسه بعد ذلك أن يخاطب أسامة بالأمير طيلة حياته، اعترافاً
بأمارته»([51])
بل عرفاناً منه بالجميل له.
وقال «رحمه الله»:
«أما الشفقة على النبي «صلى الله عليه وآله» إن لم تكن
عذراً آخر تذرعوا به ـ فلا يصح أن تكون سبباً حقيقياً، إذ ينبغي أن
يكونوا عليه أشفق بالتحاقهم بالبعث، وقد غضب أشد الغضب من تأخرهم، على
ما فيه من حال ومرض.
ولئن ذهبوا يسألون عنه الركبان، كان أكثر براً بنبيهم
«صلى الله عليه وآله» من أن يعصوا أمره، ويغضبوه ذلك الغضب المؤلم له»([52]).
ثالثاً:
إنه لا ريب في أنه لو تم غزو تلك البلاد في هذا الظرف
بالذات، وانتظام أمر الخلافة وفق ما رسمه النبي «صلى الله عليه وآله»،
فإنه سيكون تأكيداً لهيبة الإسلام، وتحصيناً للدولة الإسلامية من مطامع
أهل الزيغ والنفاق في الداخل، والأعداء المتربصين بها شراً في الخارج..
وسيعطي الإنطباع بأن مفاهيم وقيماً جديدة قد وجدت لها
مكاناً في ذهنية المجتمع الإسلامي، وفرضت نفسها في مجال العمل
والممارسة، وأن نفوس الناس قد روضت لتقبل ما كان يكاد يدخل في عداد
المستحيلات في السابق، وهو أن ينقاد شيوخ وزعماء القبائل لشاب هو
بمثابة ولد وحفيد، وليس هو من القبائل التي تمسك بأسباب القوة والنفوذ،
والتي يُعْتَرَفُ لها بالزعامة والرياسة على نطاق واسع في ذلك المحيط
الذي كانت مفاهيم الزعامة بهذا المعنى هي المهيمنة عليه بجميع فئاته
وطبقاته..
وهذا سوف يجعل الكثيرين يفكرون ملياً بما أحدثه هذا
الدين من انقلاب عميق، في كل الواقع الإنساني القائم آنذاك..
ولا شك في أن بعث أسامة يبقى أهم إجراء مثير للدهشة لدى
أي باحث منصف، ولا سيما بملاحظة ما يلي:
1 ـ
أن هذا النبي الذي جاء بدين ولقي كل هذه التحديات،
وتعرض لمختلف أنواع التآمر والكيد، يواجه حالة نفاق مستشرية في داخل
مجتمعه الناشئ. وهي حالة تحدث عنها القرآن بإسهاب، وبأسلوب حازم وقوي،
ينبئ عن عظيم خطرها، وبالغ أثرها.. حتى لقد قال سبحانه لنبيه:
{وَمِمَّنْ
حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ المَدِينَةِ
مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ}([53]).
وأكد له على أنهم يتربصون الدوائر بالإسلام وبالمسلمين.
2 ـ
إن هذا النبي «صلى الله عليه وآله» يعلم أن هذا أوان
فراقه لهذه الدنيا. وقد أخبر الناس بذلك في حجة الوداع..
3 ـ
إنه يعلم أيضاً: أن الفتن قد أقبلت على قومه كقطع الليل
المظلم..
4 ـ
إنه يعلم أن هناك من لا يهتم بالإسلام، بل هو يريد أن
يتخذ منه وسيلة لأغراضه، وذريعة لتحقيق مآربه في الحكم والحاكمية،
والحصول على المناصب، والأموال، والنفوذ، والجاه العريض.
5 ـ
إنه يعلم كذلك: أن الرؤساء والزعماء هم الذين يهيمنون
على الواقع العام، لو حدث بالنبي «صلى الله عليه وآله» حدث، وهم من
يفترض فيهم أن يتدبروا الأمور بحكمة وروية، وأناة، فالإحتفاظ بهم في
مواقع الخطر، وحين يحدث الفراغ الكبير، باستشهاد رسول الله «صلى الله
عليه وآله»، يصبح ضرورة لا بد منها، ولا غنى عنها.
6 ـ
إنه يعلم: أن وجود قوة الردع من شأنه أن يحمي الواقع
الداخلي من أطماع الأعداء، ويجعلهم غير ميالين إلى المغامرة، ولا
راغبين بالمخاطرة، التي تكلفهم أثماناً ليسوا على استعداد لبذلها.
7 ـ
إننا مع ذلك كله نرى: أن النبي «صلى الله عليه وآله»
يرسل جيشاً للإغارة على موقع تحميه أعظم وأقوى أمبرطورية في الدنيا.
وقد استثنى علياً «عليه السلام» من هذا الجيش، ليكون معه، كما أننا لم
نسمع أنه ذكر اسم أي من مناصري علي «عليه السلام» في جملة جيش أسامة..
علماً بأن هؤلاء لم يكونوا نكرات، ولا مجاهيل في محيطهم
ومجتمعهم، بل كانوا من البارزين والمرموقين، فهم لم يذكروا سلمان
الفارسي، ولا المقداد، ولا أبا ذر، ولا أحداً من بني هاشم، ولا أبا
الهيثم بن التيهان، ولا..ولا.. في جملة من فرض عليهم النبي «صلى الله
عليه وآله» الخروج في ذلك الجيش، فهل اكتفى «صلى الله عليه وآله»
بأوامره العامة الشاملة لهم ولغيرهم؟!
أم أنه استثناهم كما استثنى علياً «عليه السلام»؟!
إن ذلك لم نتمكن من استيضاحه من النصوص المتوفرة
لدينا..
8 ـ
ونحن نعلم أن النبي «صلى الله عليه وآله» أعقل الخلق،
وأحكمهم حكمة، وأفضلهم رأياً، وأحسنهم تدبيراً، وهو مسدد بالوحي، مرعي
بالألطاف الإلهية. وهذا يجعلنا ندرك أن هناك أهدافاً كبيرة وخطيرة كان
يريد «صلى الله عليه وآله» تحقيقها..
وأنها كانت أهدافاً تستحق اقتحام الأخطار، ومواجهة
الصعوبات..
ولا نتعقل هذه الأهمية لأي شيء، إلا إذا كان أمراً
يتوقف عليه حفظ هذا الدين، وبقاؤه، وصيانته في حقائقه وشرائعه..
9 ـ
إننا نتوقع أن يكون الباحث الأريب، والمراقب اللبيب قد
حدد من خلال كل هذا الذي أشرنا إليه آفاق المرامي والأهداف، وأصبحت
معالم الصورة لديه أكثر وضوحاً، وأوفر استجماعاً لملامح الواقع، حيث
سيصبح على قناعة تامة: بأن علياً «عليه السلام» ومناصريه، ومحبيه،
والميّالين إليه كانوا في توجهاتهم وممارساتهم، ومواقفهم، وطبيعة
تفكيرهم وغير ذلك في جانب.. وأن الذين يسعون لاستلاب ما جعله الله
تعالى لعلي «عليه السلام» في يوم الغدير وفي غيره من المواقف، ومحبيهم
ومناصريهم، والميالين إليهم في الجانب الآخر المقابل..
وأن سياسة رسول الله «صلى الله عليه وآله» كانت تقضي
بإظهار هذا التمايز، فقد آن الآوان لوضع النقاط على الحروف، ليتحمل كل
إنسان مسؤولية أعماله، فلا مجال بعد لغض النظر، ولا يجوز إفساح المجال
لهم للتستر تحت أي شعار، ولا التخفي وراء أي دثار..
10 ـ
وقد اضطرتهم سياسة النبي «صلى الله عليه وآله» هذه لفضح أنفسهم، وإسقاط
أقنتعهم بأيديهم، ومن خلال ما ظهر من أفعالهم وتصرفاتهم..
فكان من مظاهر هذا التعري، تباطؤهم عن الخروج في ذلك
البعث، وكان إصرار النبي «صلى الله عليه وآله» على شخوص أسامة بجيشه،
وتتابع أمره له بالمسير، واضطرارهم إلى رفض ذلك، والتثاقل فيه، والنزول
بالجيش في الجرف، والتعلل بالمعاذير الباطلة، مثل صغر سن قائدهم. ومثل
إظهار الحرص على الإطمئنان على صحة رسول الله «صلى الله عليه وآله»،
وغير ذلك كان يزيد في وضوح أمرهم، وكشف ما كانوا يبيتونه من نوايا
وأهداف..
11 ـ
ولا شك في أن فضيحة هؤلاء الناس، قد فتحت نافذة كبيرة
أمام الأجيال الآتية لتعرف الحقيقة، ولا تأخذ بالمظاهر الخادعة،
والشعارات اللامعة.. وشكل ذلك امتداداً لما جرى في حجة الوداع،
وتأكيداً على أنهم لا يزالون يسيرون في نفس الإتجاه، وأن لديهم نفس
النوايا.
12 ـ
لقد أوضح ما جرى في حجة الوداع، في منى وعرفات، وما جرى
في تجهيز جيش أسامة، حيث لم ينفع مع هؤلاء القوم كل هذا التدبير الحازم
والقوي والصارم، وكل هذا الإصرار النبوي، الذي بلغ حد المبادرة إلى لعن
من يتخلف ـ قد أوضح ـ: أن هؤلاء يصرون على نيل مراداتهم، وأن سكوتهم في
يوم الغدير ما كان إلا انحناء أمام العاصفة..
وأن أقوال الرسول «صلى الله عليه وآله»، وحتى أفعاله
التي بلغت حد أخذ البيعة منهم ومن غيرهم لعلي «عليه السلام» بالخلافة
من بعده، ثم تجهيزه جيشاً يرغمهم على الكون فيه، هم وأشياعهم، مع
استثنائه علياً «عليه السلام» وربما بعض محبيه ومناصريه منه.. قد أوضح:
أن ذلك كله لم يفد في إقناعهم بالتراجع عما عقدوا العزم عليه، بل هو قد
دفعهم للتمرد والعصيان، وانتهى الأمر بهم إلى اتهام النبي «صلى الله
عليه وآله» في عقله، ثم مواجهة علي والزهراء «عليهما السلام» بالعدوان،
بما يصل إلى حد ارتكاب جريمة القتل، بإحراق بيت الزهراء «عليها السلام»
بالنيران..
13 ـ
إن ذلك كله يشير إلى أن مبادرة النبي «صلى الله عليه
وآله» إلى فضح نواياهم، ونزع كل قناع عن وجوههم كان ضرورياً إلى أقصى
حد، لأن ذلك أمانة في عنقه، لا بد أن يؤديها للأمة على أتم وجه، مع
يقيننا بأنه «صلى الله عليه وآله» كان عارفاً بأصحابه، مقتنعاً بأنهم
لن يطيعوا أمره، ولن يخرجوا في جيش أسامة ولن.. ولن..
وقد أخبر علياً «عليه السلام» بحقيقة ما يضمره هؤلاء
لعلي «عليه السلام» بعد وفاته كما ألمحت إليه النصوص التي ذكرنا شطراً
وافراً منها حين الكلام عما جرى في حجة الوداع، ثم ما جرى يوم الغدير..
وأخبر أيضاً عن أن أصحابه لا يزالون مرتدين على أعقابهم
القهقرى منذ فارقهم([54]).
([1])
أبنى: ناحية بالبلقاء بين عسقلان والرملة، وهي قرب مؤتة.
([2])
راجع: سبل الهدى والرشاد ج6 ص248 وراجع: المغازي للواقدي ج3
ص1117 والسيرة الحلبية (ط مصطفى محمد) ج3 ص234 والسيرة النبوية
لدحلان (بهامش الحلبيـة) ج2 ص339 والطبقـات الكـبرى لابن سعد
ج2 = = ص190 وراجع: سنن ابن ماجة ج2 ص412 والمبسوط للسرخسي ج10
ص31 وسنن أبي داود ج3 ص38 وأحكام القرآن للجصاص ج3 ص429 ومسند
أحمد ج5 ص205 و 209 ونهج السعادة للمحمودي ج5 ص263 وتاريخ
مدينة دمشق ج2 ص54 وج22 ص4 وإمتاع الأسماع ج2 ص123 وج14 ص519.
([3])
سبل الهدى والرشاد ج6 ص248 والبحار ج21 ص410 وج30 ص428 وعمدة
القاري ج18 ص76 وعيون الأثر لابن سيد الناس ج2 ص352.
([4])
راجع: الطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص190 و (ط دار صادر) ج2 ص249
وسبل الهدى والرشاد ج6 ص248 و 249 ومنتخب كنز العمال (بهامش
مسند أحمد) ج4 ص182 وكنز العمال ج10 ص572 و 573 والمغـازي
للواقـدي = = ج3 ص119 وشرح النهج للمعتزلي ج1 ص159 والسيرة
الحلبية (ط مصطفى محمد) ج3 ص234 والسيرة النبوية لدحلان (بهامش
الحلبية) ج2 ص339 وتاريخ مدينة دمشق ج2 ص55 وعيون الأثر لابن
سيد الناس ج2 ص352 وإمتاع الأسماع ج14 ص520.
([5])
راجع: كنز العمال ج10 ص573 ومنتخب كنز العمال (بهامش مسند
أحمد) ج4 ص182.
([6])
راجع: سبل الهدى والرشاد ج6 ص249 والمغازي للواقدي ج3 ص1120
والطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص191 وكنز العمال ج10 ص574 و (ط
مؤسسة الرسالة) ج10 ص573 وتاريخ مدينة دمشق ج2 ص56 وإمتاع
الأسماع ج2 ص125 وج14 ص520 وشرح النهج للمعتزلي ج1 ص160
والسيرة الحلبية ج3 ص235 والسيرة النبوية لدحلان (بهامش
الحلبية) ج2 ص340 والمسترشد للطبري (الشيعي) ص112.
([7])
شرح النهج للمعتزلي ج6 ص52 عن كتاب السقيفة لأبي بكر أحمد بن
عبد العزيز الجوهري وراجع: المراجعات ص374 وكنز العمال ج10
ص571 و 574 والبحار ج30 ص430 والنص والإجتهاد للسيد شرف الدين
ص42 وكتاب الأربعين للشيرازي ص527 ونهج السعادة للمحمودي ج5
ص259 والسقيفة وفدك للجوهري ص77 وقاموس الرجال ج12 ص21.
([8])
سبل الهدى والرشاد ج6 ص249 وكنز العمال ج10 ص575 ومنتخب كنز
العمال (بهامش مسند أحمد) ج4 ص183 والكامل في التاريخ ج2 ص334
و 335 والسيرة الحلبية ج3 ص236 والطبقات الكبرى لابن سعد ج2
ص191 وعيون الأثر لابن سيد الناس ج2 ص353 وإمتاع الأسماع ج2
ص126 وتاريخ مدينة دمشق ج2 ص57.
([9])
سبل الهدى والرشاد ج6 ص250 وراجع: عمدة القاري ج18 ص77
والطبقات = = الكبرى لابن سعد ج2 ص189 ـ 192 وعيون الأثر لابن
سيد الناس ج2 ص352 ـ 354.
([10])
راجع: سبل الهدى والرشاد ج6 ص248 و 249.
([11])
راجع: البحار ج21 ص410 وج30 ص429 وعمدة القاري ج18 ص76 وكنز
العمال ج10 ص572 وتاريخ الإسلام للذهبي ج2 ص714 وتاريخ مدينة
دمشق ج2 ص55 والطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص190 وشرح النهج
للمعتزلي ج1 ص159 وج10 ص184 وج17 ص182 و 194 وفتح الباري
(المقدمة) ص298 وج7 ص69 وج8 ص115 والعثمانية للجاحظ ص146
وإمتاع الأسماع ج2 ص124 وج14 ص520 وعيون الأثر لابن سيد الناس
ج2 ص352 السيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج3 ص227 وسبل الهدى
والرشاد ج6 ص248 وسبل الهدى والرشاد ج6 ص144.
([12])
راجع: الملل والنحل (ط دار المعرفة) ج1 ص23 و (بهامش الفصل
لابن حزم) ج1 ص20 وشرح النهج للمعتزلي ج6 ص52 عن كتاب السقيفة
لأحمد بن عبد العزيز الجوهري وراجع: المسترشد للطبري ص112
والبحار ج30 ص431 و 432 ونفحات اللاهوت ص113 وتشييد المطاعن ج1
ص47 ومعالم المدرستين ج2 ص77 ووصول الأخيار إلى أصول الأخبار
لوالد البهائي العاملي ص68 وكتاب الأربعين للشيرازي ص141 و 527
وقاموس الرجال ج12 ص21 والسقيفة وفدك للجوهري ص77 ونهج السعادة
للمحمودي ج5 ص259 ومستدرك سفينة البحار ج5 ص209 والنص
والإجتهاد ص42 والمراجعات للسيد شرف الدين ص374 وإحقاق الحق
(الأصل) ص218.
([13])
راجع: صحيح مسلم ج8 ص24 و 25 و 26 و 27 وسنن الدارمي ج2 ص315
ومسند أحمد ج2 ص317 و 390 و 449 و 488 و 493 و 496 وج3 ص33 و
391 و 400 وج5 ص437 و 439 وج6 ص45 والبداية والنهاية ج8 ص119عن
صحيح البخاري (كتاب الدعوات) ج4 ص7 إضافة إلى مصادر أخرى
تقدمت.
([14])
راجع: تاريخ الأمم والملوك ج3 ص226 و (ط دار صادر) ج2 ص462
والكامل في التاريخ ج2 ص335 والسيرة الحلبية (ط مصطفى محمد) ج3
ص236 و (ط دار المعرفة) ج3 ص230 وعن السيرة النبوية لدحلان
(بهامش الحلبية) ج2 ص340
وراجع: التمهيد للباقلاني ص193 وتاريخ مدينة دمشق ج2 ص50
ومختصر تاريخ دمشق ج1 ص171 وتاريخ أبي الفداء ج1 ص156 وعن
الروض الأنف ج2 ص375 وجواهر الكلام ج30 ص142 والبحار ج30 ص502
وج34 ص383 والنص والإجتهاد للسيد شرف الدين ص35 والغدير ج7
ص224= = وشرح النهج للمعتزلي ج17 ص183 وكنز العمال ج10 ص579
والفصول المهمة في تأليف الأمة للسيد شرف الدين ص103.
([15])
راجع: الغدير ج7 ص224 و 225.
([16])
راجع: الغدير ج7 ص224 و 225 ومكاتيب الرسول ج1 ص14 وفي هامشه
عن: الإصابة ج2 ص222 (4234) في ترجمة طاهر بن أبي هالة و ص539
(5846) في ترجمة عمرو وج1 ص407 (2167) في ترجمة خالد،
والإستيعاب ج3 ص357 في ترجمة معـاذ وج1 ص400 في ترجمـة خالـد،
واليعقوبي ج2 = = ص65 و 112 وفتوح البلاذري ص142 والبداية
والنهاية ج6 ص307 وابن خلدون ج2 ق2 ص59 وابن أبي الحديد ج6 ص31
و 41 وج2 ص58 والبحار ج21 ص407 والتراتيب الإدارية ج1 ص245 و
397 وصحبة النبي «عليه السلام» ص120 والطبري ج3 ص136 و 185 و
228 و 318. والإرشاد للمفيد ص80 و 81 (وفي أسد الغابة ج2 ص83
أرسل علياً «عليه السلام» وخالد بن سعيد إلى اليمن، وقال: إذا
اجتمعتما فعلي الأمير.
([17])
راجع: الغدير ج7 ص224 و 225. وراجع: مكاتيب الرسول ج1 ص47 وفي
هامشه عن: البحار ج21 ص407 والطبري ج3 ص228 و 318 وابن خلدون
ج2 ق2 ص59 والبداية والنهاية ج6 ص307 واليعقوبي ج2 ص113.
وراجع: أسد الغابة ج5 ص128 وقاموس الرجال ج11 ص143.
([18])
راجع: سبل السلام للكحلاني ج1 ص127 والبحار ج22 ص249 والغدير
ج7 ص225 ومكاتيب الرسول ج1 ص116 وفي هامشه عن: الكامل لابن
الأثير ج2 ص87 وأسد الغابة، والسيرة النبوية لزيني دحلان
(بهامش الحلبية) ج3 ص75 والطبقات الكبرى ج1 ص262 والإصابة،
وابن أبي الحديد ج2 ص112. وراجع: الإستيعاب لابن عبد البر ج3
ص1187.
([19])
راجع: الغدير ج7 ص225 والطبقات الكبرى لابن سعد ج7 ص404
ومكاتيب الرسول ج1 ص31 وفي هامشه عن: الإصابة ج2 ص496 (5638)
والتراتيب الإدارية ج1 ص397 وأسد الغابة ج4 ص5 والإستيعاب ج3
ص149.
([20])
راجع: الغدير ج7 ص225.
([21])
راجع: سبل الهدى والرشاد ج6 ص250 و 251.
([22])
راجع: تاريخ اليعقوبي ج2 ص74 وأنساب الأشراف ج1 ص474 وتهذيب
تاريخ ابن عساكر ج2 ص391 وج3 ص215 وأسد الغابة ج1 ص68 وتاريخ
الخميس ج2 ص172 وتاريخ أبي الفداء ج1 ص156 والطبقات الكبرى ج2
ص190 وج4 ص66 وسبل الهدى والرشاد ج6 ص248 وسمط النجوم العوالي
للعاصمي ج2 ص224 وشرح النهج للمعتزلي ج1 ص159 وج6 ص52 والكامل
ج2 ص317 عن السيرة الحلبية ج3 ص234 وعن السيرة النبوية لدحلان
ج2 ص339 وكنز العمال ج10 ص570 ومنتخب كنز العمال ج4 ص180 وحياة
محمد ص467.
([23])
راجع: مسند أحمد ج5 ص276 ومجمع الزوائد ج5 ص317 وج14 ص261 وكنز
العمال ج15 ص35 وسبل الهدى والرشاد ج9 ص118 وعمدة القاري ج14
ص261 وكنز العمال ج15 ص35.
([24])
راجع: المهذب لابن البراج (مطبوع ضمن الينابيع الفقهية) كتاب
الجهاد ص88 مقيداً للأشجار بـ «المثمرة» وفي منتهى المطلب ج2
ص909 عن أحمد، وقد حكي القول بعدم الجواز عن الليث بن سعد،
وأبي ثور، والأوزاعي فراجع: فتح الباري ج5 ص7 والجامع الصحيح
ج4 ص122 وفقه السيرة ص280 وشرح مسلم للنووي ج5 ص7 وج12 ص50
وعمدة القاري ج4 ص179 ورياض المسائل للطباطبائي ج7 ص502
والبحار ج73 ص319.
([25])
تذكرة الفقهاء ج1 ص412 و413 وراجع: السرائر ص157 وتحرير
الأحكام ج1 ص135 وشرائع الإسلام ج1 ص312 والقواعد (المطبوع مع
الإيضاح) ج1 ص357 والجامع لأحكام الشرائع ص236 ومنتهى المطلب
ج2 ص909 والوسيلة (المطبوع
ضمن الجوامع الفقهية) ص696 والخراج لأبي يوسف ص210 والمبسوط
للسرخسي ج10 ص31 عن الأوزاعي، والمبسوط للشيخ الطوسي «رحمه
الله» ج2 ص11 وعون المعبود ج7 ص275 ومجمع الأنهر ج1 ص590
وإيضاح الفوائد لابن العلامة ج1 ص357 ومسـالـك الأفهـام ج3 ص25
وجـامـع = = المقاصد للمحقق الكركي ج3 ص385 وكشف الغطاء (ط.ق)
ج2 ص406 وجواهر الكلام ج21 ص66.
([26])
راجع: صحيح البخاري كتاب الجهاد، باب لا يعذب بعذاب الله ج3
ص1098 ح (2853) ومسند أحمد ج3 ص494 وج2 ص307 وعن سنن أبي داود
ج2 ص219 و (ط دار الفكر) ج1 ص603 وج2 ص532 والجامع الصحيح
للترمذي ج4 ص117 والسنن الكبرى للبيهقي ج9 ص71 و 72 ومصابيح
السنة ج2 ص528 و 530 وفتح الباري ج6 ص105 وج12 ص239 وشرح النهج
للمعتزلي ج5 ص6 وج14 ص194 والإستيعاب (ط دار الجيل) ج4 ص1536
والمعجم الكبير ج3 ص161 ومسند أبي يعلى ج3 ص106 والآحاد
والمثاني ج4 ص340 والمصنف للصنعاني ج5 ص215 وتحفة الأحوذي ج6
ص173 وعمـدة القـاري ج14 ص220 وتيسـير الوصـول ج1 ص279 و = =
مجمع الزوائد ج6 ص251 وحاشية رد المحتار لابن عابدين ج4 ص317
والشرح الكبير لابن قدامه ج9 ص405 وج10 ص396 والمحلى لابن حزم
ج10 ص376 وج11 ص383 ونيل الأوطار ج8 ص4 وج9 ص95 والبحار ج19
ص352 والغدير ج7 ص155 وبداية المجتهد ونهاية المقتصد لابن رشد
الحفيد ج1 ص309 وكشاف القناع للبهوتي ج3 ص55 والمغني لابن
قدامه ج9 ص391 و 502.
([27])
راجع: السنن الكبرى للبيهقي ج9 ص71 والغدير ج7 ص156وفتح الباري
ج6 ص106 وٍشرح النهج للمعتزلي ج5 ص5 وج8 ص119 وأحكام القرآن
لابن العربي ج3 ص515 وعمدة القاري ج14 ص264 وشرح إحقاق الحق ج8
ص645.
([28])
راجع: تاريخ الأمم والملوك ج3 ص264 والبدابة والنهاية ج6 ص319
والإصابة ج5 ص223 وتاريخ اليعقوبي ج2 ص137 وكتاب الفتوح لابن
أعثم ج1 ص10 والخصال ص171 والبحار ج30 ص123 و خلاصة عبقات
الأنوار ج3 ص322 و 324 والغدير ج7 ص170 وتاريخ مدينة دمشق ج30
ص418 و 420 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص619.
([29])
راجع: الرياض النضرة ج1 ص129 والمحلى لابن حزم ج11 ص380 وتذكرة
الفقهاء (ط.ج) ج9 ص69 و (ط.ق) ج1 ص412 و.
([30])
راجع: الإستيعاب (مطبوع مع الإصابة) ج1 ص34 والإصابة ج1 ص46
والوافي بالوفيات ج9 ص263 وتاريخ اليعقوبي ج2 ص113 والمراجعات
للسيد شرف الدين ص369 ومستدرك سفينة البحار ج5 ص37 والنص
والإجتهاد ص36 وأسد الغابة ج1 ص64 والفصول المهمة في تأليف
الأمة ص104 وعن السيرة الحلبية ج3 ص234 و (ط دار المعرفة) ج3
ص227 وقيل: كان عمره 18 سنة، وقيل: 20 سنة.
([31])
النص والإجتهاد ص36 و 37. وراجع: مكاتيب الرسول ج3 ص681 وفي
هامشه عن: أسد الغابة ج1 ص64 والإصابة ج1 ص31 والإستيعاب
(بهامش الإصابة) ج1 ص57 وقاموس الرجال ج1 ص468 وتنقيح المقال
ج1 ص108 والكشي ص39 / 80 و 81 والطبقات الكبرى ج4 ق1 ص42.
([32])
المراجعات للسيد شرف الدين ص370 والنص والإجتهاد ص37 ـ 39
وراجع المصادر المتقدمة في الهوامش السابقة.
([33])
الآية 65 من سورة النساء.
([34])
الآية 65 من سورة النساء.
([35])
الآية 36 من سورة الأحزاب.
([36])
الإستغاثة (ط دار الجيل) ج1 ص21 ومنهاج الكرامة للعلامة الحلي
ص100 ونهج الحـق للعـلامـة الحـلي ص263 عن: الملـل والنحـل
للشهرستـاني ج1 = = ص23، والسيرة الحلبية ج3 ص207، وشرح النهج
للمعتزلي ج1 ص53 والكامل في التاريخ ج2 ص215 إضافة على مصادر
أخرى تقدمت.
([37])
السيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج3 ص228.
([38])
راجع: الملل والنحل (ط دار المعرفة) ج1 ص23 و (بهامش الفصل
لابن حزم) ج1 ص20.
([39])
شرح النهج للمعتزلي ج6 ص52 عن كتاب السقيفة لأحمد بن عبد
العزيز الجوهري وراجع: المسترشد للطبري ص112 والبحار ج30 ص431
و 432 ونفحات اللاهوت ص113 وتشييد المطاعن ج1 ص47 ومعالم
المدرستين ج2 ص77 ووصول الأخيـار إلى أصول الأخبـار لوالـد
البهـائي العامـلي ص68 = = وكتاب الأربعين للشيرازي ص141 و 527
وقاموس الرجال ج12 ص21 والسقيفة وفدك للجوهري ص77 ونهج السعادة
للمحمودي ج5 ص259 ومستدرك سفينة البحار ج5 ص209 والنص
والإجتهاد ص42 والمراجعات للسيد شرف الدين ص374 وإحقاق الحق
(الأصل) ص218.
([40])
شرح نهج للمعتزلي ج9 ص197 والبحار ج28 ص159 والهـدايـة الكـبرى
للخصيبي ص411 وكتاب الأربعين للشيرازي ص620 والإستغاثة للكوفي
ج2 ص19 ومناقب أهل البيت «عليه السلام» للشيرواني ص399 وتثبيت
الإمامة للهادي يحيى بن الحسين ص23 ونهج السعادة ج5 ص268
وراجع: الإرشاد ج1 ص182 والإفصاح للمفيد ص206 والمسترشد للطبري
(الشيعي) ص132 والإيضـاح لابن شـاذان ص346 وشـرح الأخبـار ج2 =
= ص241 والفصول المختارة للشريف المرتضى ص124 والجمل لضامن بن
شدقم المدني ص40 وكتاب الأربعين ص278 والصراط المستقيم ج3 ص135
و 133 عن الغزالي في الإحياء، وراجع: كتاب الأربعين للشيرازي
ص279 وخصائص الأئمة للشريف الرضي ص73 وفيه: أنها أمرت عمر.
([41])
الطبقات الكبرى لابن سعد ج4 ص72 وتاريخ مدينة دمشق ج8 ص48 وج10
ص140 وج13 ص26 وج70 ص8 و الإصابة (ط دار الكتب العلمية) ج1
ص202 وراجع: الأعلام للزركلي ج1 ص291 والمنتخب من ذيل المذيل
للطبري ص33 و 50.
([42])
الإحتجاج للطبرسي ج1 ص114 والبحار ج29 ص92.
([43])
كتاب الأربعين للماحوزي ص256 وتثبيت الإمامة للهادي يحيى بن
الحسين ص20.
([44])
الشافي لابن حمزة ج4 ص164.
([45])
شرح النهج للمعتزلي ج4 ص95 ـ 96 عن الواقدي، والملل والنحل
للشهرستاني ج1 ص144 و أبو هريرة للسيد شرف الدين ص123 و 135.
([46])
راجع: الثقات ج 1 ص 242 والطبقات الكبرى ج 2 ص 58 والوفاء ص
689 = = وتاريخ الخميس ج 1 ص 461 وكتاب سليم بن قيس (بتحقيق
الأنصاري) ص418 ودلائل الامامة للطبري (الشيعي) ص261 وشرح
الأخبار ج1 ص320 ونوادر المعجزات للطبري (الشيعي) ص144
والمناقب لابن شهرآشوب ج3 ص351 والطرائف ص277 والبحار ج 20 ص
165 عن الكازروني وغيره وج37 ص335 وج47 ص127 وج49 ص209 وخلاصة
عبقات الأنوار ج7 ص121 والنص والإجتهاد للسيد شرف الدين ص237 و
338 والغدير ج1 ص212 وأبو هريرة للسيد شرف الدين ص123 و 135
وقاموس الرجال ج12 ص151 ونهج الإيمان لابن جبر ص467 وراجع:
الكامل في التاريخ ج2 ص74 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص555 وزاد
المعاد ج1 ص71 وحبيب السير ج1 ص355 والسيرة الحلبية ج2 ص264 ـ
265 والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص261.
([47])
الخطبة في البحار ج30 ص7 ـ 12 وكشف المحجة ص176، ومصباح
البلاغة (مستدرك نهج البلاغة) للميرجهاني ج4 ص74، ونهج السعادة
ج5 ص205، والإمامة وأهل البيت لمحمد بيومي مهران ج1 ص79.
([48])
السقيفة للشيخ المظفر «رحمه الله» (ط مكتبة الزهراء، قم،
إيران) ص77.
([49])
الآية 6 من سورة الأحزاب.
([50])
السقيفة للشيخ المظفر «رحمه الله» (ط مكتبة الزهراء، قم،
إيران) ص78.
([51])
نفس المصدر ص78 و 80.
([53])
الآية 101 من سورة التوبة.
([54])
صحيح البخاري ج8 ص150 و 151 (ط دار المعرفة) ج5 ص192 و 240 وج7
ص195 و 206 و 207 و 208 وج8 ص87 و صحيح مسلم (ط دار المعرفة)
ج1 ص150 وج7 ص67 و 68 و 71 وج8 ص157 وسنن ابن ماجة ج2 ص1016
وسنن الترمذي ج4 ص38 وج5 ص4 وسنن النسائي ج4 ص117 والمستدرك
للحاكم ج3 ص501 ومجمع الزوائد ج3 ص85 وج9 ص367 وج10 ص365
والمصنف لعبد الرزاق ج11 ص406 وعن الجمع بين الصحيحين الحديث
(267) والسنن الكبرى للنسائي ج6 ص409 ومسند أحمد ج1 ص235 وج3
ص281 وج5 ص48 و 50 و 339 و 338 و 393 و 400 و 412 وراجع:
الإيضاح لابن شاذان ص233 والأمالي للمفيد ص38 = = والبحار ج28
ص22 و 27 وتفسير مجمع البيان ج2 ص360 وتفسير العياشي ج2 ص298
والنص والإجتهاد للسيد شرف الدين ص525 والأحاديث المصرحة بذلك
صحيحة ومتواترة. ومصادر كثيرة أخرى، فراجع شطراً منها من
كتابنا: «دراسات وبحوث في التاريخ والإسلام» البحث الذي بعنوان
«عدالة الصحابة في الكتاب والسنة» ج2 ص253 و 273.
|