صفحة : 183-186  

جواب الرسالة السابعة

[أنت حر في الدنيا وسعيد في الآخرة:]

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين، ولا سيما علي أمير المؤمنين والأئمة من أبنائه الميامين..

وبعد..

إلى الأخ الكريم العالم الفاضل والمؤيد الكامل الشيخ (ص..) دمت مؤيداً ومسدداً..

الحمد لله الذي جمعنا وإياكم على الخير والهدى، ومحبة محمد وأهل بيته الطاهرين، ونسأله أن يجعلنا وإياكم من بغاة الحق، والواصلين إليه، والعاملين به، والمدافعين عنه، إنه سميع قريب مجيب الدعاء..

[تخيير النفس بين الجنة والنار:]

أخي العزيز..

لقد ذكرني ما ذكرته عن أنّك خيرت نفسك بين الجنة والنار بالحُرّ بن يزيد الرياحي حين كان في كربلاء في جيش يزيد وقد أخذه مثل الأفكل «الرعدة»...

فقال له صاحبة: إن أمرك لمريب! وما رأيت منك في موقف قط مثل الذي أراه الآن؟! ولو قيل لي: من أشجع أهل الكوفة ما عدوتك، فما هذا الذي أرى منك؟!

فقال الحر: إنّي والله أخيّر نفسي بين الجنّة والنار، ووالله لا أختار على الجنّة شيئاً ولو قطّعت وحرّقت، ثم ضرب فرسه قاصداً إلى الحسين «عليه السلام» ويده على رأسه وهو يقول: «أللهم إليك أنيب فتب عليّ فقد أرعبت قلوب أوليائك و أولاد بنت نبيّك».

فلما دنا منهم قلب ترسه، فقالوا: مستأمن، حتى إذا عرفوه سلّم على الحسين وقال:

«جعلني الله فداك يا ابن رسول الله! أنا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع، وسايرتك في الطريق، وجعجعت بك في هذا المكان! والله الذي لا إله إلا هو ما ظننت أن القوم يردّون عليك ما عرضته عليهم أبداً، ووالله لو ظننتهم لا يقبلونها منك ما ركبتها منك. وإني قد جئتك تائباً مما كان منّي إلى الله، ومواسياً لك بنفسي حتى أموت بين يديك. فهل ترى لي من توبة»؟!

[أنت حر كما سمتك أمك:]

قال «عليه السلام»: «نعم! يتوب الله عليك ويغفر لك، فانزل».

وروي أن الحُرّ قال للحسين «عليه السلام»: يا بن رسول الله، كنتُ أول خارج عليك، فأذن لي لأكون أول قتيل بين يديك، وأول من يصافح جدك غداً.

واستأذن الحرّ الحسين «عليه السلام» للقتال، فأذن له الحسين «عليه السلام»، فقاتل قتالاً شديداً، وكان يحمل هو وزهير بن القين، فإذا حمل أحدهما وغاص فيهم حمل الآخر حتى يخلصه، ففعلا ذلك ساعة حتى عرقب فرس الحرّ وبقي يقاتلهم راجلاً، فحملت عليه الرجالة وتكاثروا عليه حتى قتلوه، فحمله أصحاب الحسين «عليه السلام» حتى وضعوه بين يدي الحسين «عليه السلام» وبه رمق ودمه يشخب، فجعل الحسين يمسح التراب عن وجهه ويقول: «بخٍ بخٍ لك يا حرّ، أنت حرٌّ كما سمتك أمك، حرٌّ في الدنيا وسعيد في الآخرة».

أخي أيها العالم الجليل سدد الله خطاك، وحفظك ورعاك، وحشرك مع الذين أحببتهم وواليتهم.

إنني أهنؤك من كل قلبي على هذا العقل الراجح والقلب المستنير بنور الهدى، وأقدّر فيك هذا الجهاد الأكبر الذي خضته مع نفسك ضد كل الموانع والمثبطات والمغريات أيضاً.

فاخترت لها طريق ذات الشوكة، فكنت ممن استجاب لدعوة رسول الله «صلى الله عليه وآله»، التي أطلقها للناس، حيث إنه بعث سرية فلما رجعوا قال:

«مرحباً بقوم قضوا الجهاد الأصغر وبقى عليهم الجهاد الأكبر.

قيل: يا رسول الله، وما الجهاد الأكبر؟!

قال: جهاد النفس»([1]).

فهنيئاً ثم هنيئاً لك هذا المقام العظيم الذي نلته عند الله ورسوله، وهو مقام المجاهدين لأنفسهم والمنتصرين في جهادهم هذا..

ولا أملك لك ولنفسي إلا الدعاء بأن يثبتك الله وإيانا بالقول الثابت في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد.

سماحة العالم العلامة لا أريد أن أطيل عليك.. فإن القلب مفعم بالسرور، جياش بالحنين إليك، معتزّ بك كأخ لي في الله، وكحبيب صفي، وصديق وفي، وعالم عامل، وشريف مسدد كامل، ومجاهد باسل، غير أنني أحب أن أنهي رسالتي هذه إليك بمزيد من الحث والتأكيد على ضرورة مواصلة أسئلتك، فإنّ ذلك يزيد في سروري بك، ومحبتي لك..

والسلام عليك وعلى جميع من تحب ورحمة الله وبركاته.

والحمد لله و صلاته وسلامه على عباده الذين اصطفى، محمد وآله الطاهرين.

أخوك جعفر مرتضى الحسيني العاملي

حرر يوم الاثنين الموافق 25/1/2010 م

الموافق لـ 9/2/1431 هـ.


([1]) معاني الأخبار ص 160.

 
   
 
 

موقع الميزان