صفحة : 249-322  

ملحق

الإجابة على السؤال الثامن

 

وإليك أيها الأخ الفاضل ما كنا قد وعدنا به من مطالب تتعلق بابن سبأ، وسننقلها من الجزء السادس والعشرين من كتابنا: الصحيح من سيرة الإمام علي «عليه السلام»، وأرجو أن تنال رضاكم.

حفظك الله ورعاك..

علي يحرق الغلاة:

1 ـ عن أبي عبد الله، وأبي جعفر «عليهما السلام»:

أن أمير المؤمنين «عليه السلام» لما فرغ من أهل البصرة أتاه سبعون رجلاً من الزط، فسلموا عليه وكلموه بلسانهم، فرد عليهم بلسانهم.

ثم قال لهم: إني لست كما قلتم. أنا عبد الله مخلوق.

فأبوا عليه وقالوا: أنت هو.

فقال لهم: لئن لم تنتهوا وترجعوا عما قلتم فيَّ، وتتوبوا إلى الله عز وجل لأقتلنكم.

فأبوا أن يرجعوا ويتوبوا.

فأمر أن تحفر لهم آبار، فحفرت، ثم خرق بعضها إلى بعض، ثم قذفهم، ثم خمر رؤوسها، ثم ألهبت النار في بئر منها ليس فيها أحد منهم، فدخل الدخان عليهم فيها فماتوا([1]).

2 ـ وروى الكشي، عن محمد بن الحسن، وعثمان بن حامد الكشيان، قالا: حدثنا محمد بن يزداد الراز ي، عن محمد بن الحسين أبي الخطاب، عن موسى بن يسار، عن عبد الله بن شريك، عن أبيه قال:

بينا علي «عليه السلام» عند امرأة له من عنزة، وهي أم عمرو إذ أتاه قنبر، فقال له: إن عشرة نفر بالباب يزعمون أنك ربهم.

قال: أدخلهم.

قال: فأدخلوا عليه، فقال لهم: ما تقولون؟!

فقالوا: نقول: إنك ربنا، وأنت الذي خلقتنا، وأنت الذي رزقتنا.

فقال لهم: ويلكم لا تفعلوا، إنما أنا مخلوق مثلكم.

فأبوا أن يفعلوا.

فقال لهم: ويلكم ربي وربكم الله، ويلكم توبوا وارجعوا.

فقالوا: لا نرجع عن مقالتنا، أنت ربنا ترزقنا، وأنت خلقتنا.

فقال: يا قنبر، إيتني بالفعلة.

فخرج قنبر، فأتاه بعشرة رجال مع الزُّبل والمرور، فأمر أن يحفروا لهم في الأرض، فلما حفروا خدَّاً، أمر بالحطب والنار فطرح فيه حتى صار ناراً تتوقد.

قال لهم: توبوا.

قالوا: لا نرجع، فقذف علي بعضهم، ثم قذف بقيتهم في النار،

قال علي عليه السلام:

إني إذا أبـصـرت شـيـئـاً منكـراً         أوقـدت نـاري ودعـوت قـنبرا([2])

3 ـ ورواه ابن أبي الحديد عن أبي العباس أحمد بن عبيد الله بن عمار الثقفي مرفوعاً، ثم قال:

وروى أصحابنا في كتب المقالات: أنه لما حرقهم صاحوا إليه: الآن ظهر لنا ظهوراً بينا أنك أنت الإله، لأن ابن عمك الذي أرسلته قال: «لا يعذب بالنار إلا رب النار»([3]).

قال الحموي في صحراء أثير المنسوبة إلى أثير بن عمرو الطبيب الكوفي: حرق علي «عليه السلام» الطائفة الغلاة فيه([4]).

4 ـ روى الكليني عن الصادق «عليه السلام» قال: أتي أمير المؤمنين «صلوات الله عليه» وهو جالس في المسجد بالكوفة بقوم وجدوهم يأكلون بالنهار في شهر رمضان، فقال لهم أمير المؤمنين «عليه السلام»: أكلتم وأنتم مفطرون؟!

قالوا: نعم.

قال: يهود أنتم؟!

قالوا: لا.

قال: فنصارى؟!

قالوا: لا.

قال: فعلى أي شيء من هذه الأديان مخالفين للإسلام؟!

قالوا: بل مسلمون.

قال: فسفر أنتم؟!

قالوا: لا.

قال: فيكم علة استوجبتم الإفطار لا نشعر بها، فإنكم أبصر بأنفسكم، لأن الله عز وجل يقول:

﴿بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ([5]).

قالوا: بل أصبحنا ما بنا علة.

قال: فضحك أمير المؤمنين «صلوات الله عليه» ثم قال:

تشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله؟!

قالوا: نشهد أن لا إله إلا الله، ولا نعرف محمداً.

قال: فإنه رسول الله.

قالوا: لا نعرفه بذلك، إنما هو أعرابي دعا إلى نفسه.

فقال: إن أقررتم، وإلا لأقتلنكم.

قالوا: وإن فعلت.

فوكل بهم شرطة الخميس، وخرج بهم إلى الظهر ظهر الكوفة، وأمر أن يحفر حفرتين [كذا]، وحفر إحداهما إلى جنب الأخرى، ثم خرق فيما بينهما كوة ضخمة شبه الخوخة، فقال لهم: إني واضعكم في إحدى هذين القليبين، وأوقد في الأخرى النار فأقتلكم بالدخان.

قالوا: وإن فعلت، فإنما تقضي هذه الحياة الدنيا.

فوضعهم في إحدى الجُبَّين وضعاً رفيقاً، ثم أمر بالنار فأوقدت في الجب الآخر، ثم جعل يناديهم مرة بعد مرة: ما تقولون؟!

فيجيبونه: اقض ما أنت قاض، حتى ماتوا.

قال: ثم انصرف، فسار بفعله الركبان، وتحدث به الناس، فبينما هو ذات يوم في المسجد إذ قدم عليه يهودي من أهل يثرب قد أقر له من في يثرب من اليهود: أنه أعلمهم، وكذلك كانت آباؤه من قبل.

قال: وقدم على أمير المؤمنين «صلوات الله عليه» في عدة من أهل بيته، فلما انتهوا إلى المسجد الأعظم بالكوفة أناخوا رواحلهم ثم وقفوا على باب المسجد وأرسلوا إلى أمير المؤمنين «صلوات الله عليه» إنا قوم من اليهود قدمنا من الحجاز، ولنا إليك حاجة، فهل تخرج إلينا أم ندخل إليك؟!

قال: فخرج إليهم وهو يقول: سيدخلون، ويستأنفون باليمين فما حاجتكم؟!

فقال [له] عظيمهم: يا ابن أبي طالب، ما هذه البدعة التي أحدثت في دين محمد «صلى الله عليه وآله»؟!

فقال له: وأية بدعة؟!

فقال له اليهودي: زعم قوم من أهل الحجاز أنك عمدت إلى قوم شهدوا أن لا إله إلا الله، ولم يقروا أن محمداً رسوله، فقتلتهم بالدخان.

فقال له أمير المؤمنين «صلوات الله عليه»: فنشدتك بالتسع الآيات التي أنزلت على موسى «عليه السلام» بطور سيناء، وبحق الكنايس الخمس القدس، وبحق السمت الديان، هل تعلم أن يوشع بن نون أتي بقوم بعد وفاة موسى شهدوا أن لا إله إلا الله ولم يقروا: أن موسى رسول الله فقتلهم بمثل هذه القتلة؟!

فقال له اليهودي: نعم. أشهد أنك ناموس موسى.

قال: ثم أخرج من قبائه كتاباً، فدفعه إلى أمير المؤمنين «عليه السلام»، ففضه ونظر فيه وبكى.

فقال له اليهودي: ما يبكيك يا ابن أبي طالب؟! إنما نظرت في هذا الكتاب وهو كتاب سرياني، وأنت رجل عربي، فهل تدري ما هو؟!

فقال له أمير المؤمنين «صلوات الله عليه»: نعم، هذا اسمي مثبت.

فقال له اليهودي: فأرني اسمك في هذا الكتاب وأخبرني ما اسمك بالسريانية؟!

قال: فأراه أمير المؤمنين «سلام الله عليه» اسمه في الصحيفة، فقال: اسمي إليا.

فقال اليهودي: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمد رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وأشهد أنك وصي محمد، وأشهد أنك أولى الناس بالناس من بعد محمد.

وبايعوا أمير المؤمنين «عليه السلام»، ودخل المسجد.

فقال أمير المؤمنين «عليه السلام»: الحمد لله الذي لم أكن عنده منسياً، الحمد لله الذي أثبتني عنده في صحيفة الأبرار [والحمد لله ذي الجلال والإكرام]([6]).

5 ـ وعن المعتزلي في حديث النوفلي: أنه «عليه السلام» دخن عليهم، وجعل يهتف بهم، ويناشدهم: ارجعوا إلى الاسلام، فأبوا.

فأمر بالحطب والنار، وألقى عليهم، فاحترقوا، فقال الشاعر:

لـتـرم بـي المنـيـة حـيـث شاءت                إذا لـم تـرم بـي فـي الحـفـرتـــين
إذا مـــا حـشـتـا حـطـبـا بـنــار           فـذاك المـوت نـقــدا غـــير  ديـن

قال: فلم يبرح واقفاً عليهم حتى صاروا حمماً.

قال: أول من جهر بالغلو في أيامه عبد الله بن سبأ، قام إليه وهو يخطب، فقال له: أنت أنت، وجعل يكررها.

إلى أن قال: قال أبو العباس: ثم إن جماعة من أصحاب علي، منهم عبد الله بن عباس، شفعوا في عبد الله بن سبأ خاصة، وقالوا: يا أمير المؤمنين، إنه قد تاب فاعف عنه.

فأطلقه بعد أن اشترط عليه ألا يقيم بالكوفة.

فقال: أين أذهب؟!

قال: المدائن.

فنفاه إلى المدائن. فلما قتل أمير المؤمنين «عليه السلام» أظهر مقالته، وصارت له طائفة، وفرقة يصدقونه ويتبعونه.

وقال لما بلغه قتل علي: والله لو جئتمونا بدماغه في سبعين صرة، لعلمنا أنه لم يمت، ولا يموت حتى يسوق العرب بعصاه([7]).

قال التستري:

أقول: يستفاد منه ضمناً عدم جواز دخول أهل الكتاب المساجد مضافاً إلى ما دل علىه من قتل المنكر للنبي «صلى الله عليه وآله»، وإن كان مقراً بالتوحيد([8]).

6 ـ وفي نص آخر: قالوا: أنت أنت! لم يزيدوه على ذلك.

ففهم مرادهم، فنزل عن فرسه، فألصق خده بالتراب، ثم قال: ويلكم إنما أنا عبد من عبيد الله، فاتقوا الله، وارجعوا إلى الاسلام.

فأبوا، فدعاهم مراراً، فأقاموا على أمرهم، فنهض عنهم، ثم قال: شدوهم وثاقاً الخ..([9]).

هل هذه المبررات معقولة؟!:

قال المعتزلي:

قال أصحاب المقالات: واجتمع إلى عبد الله بن سبأ بالمدائن جماعة على هذا القول، منهم: عبد الله بن صبرة الهمداني، وعبد الله بن عمرو بن حرب الكندي، وآخرون غيرهما، وتفاقم أمرهم، وشاع بين الناس قولهم، وصار لهم دعوة يدعون إليها، وشبهة يرجعون إليها، وهي ما ظهر وشاع بين الناس، من إخباره بالمغيبات حالا بعد حال..

قال: وتعلق بعضهم بشبهة ضعيفة، نحو قول عمر فيه: وقد فقأ علي عين إنسان ألحد في الحرم:

ما أقول في يد الله، فقأت عيناً في حرم الله!([10]).

قال التستري:

قلت: الأصل فيما ذكر ما قال في النهاية في حديث عمر: أن رجلاً كان ينظر في الطواف إلى حرم المسلمين، فلطمه علي «عليه السلام»، فاستعدى عليه، فقال: ضربك بحق أصابتك عين من عيون الله([11]).

وتابع المعتزلي تعداده موجبات الغلو في علي «عليه السلام»:

ونحو قول علي: والله ما قلعت باب خيبر بقوة جسدانية، بل بقوة إلهية.

ونحو قول رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده».

والذي هزم الأحزاب هو علي بن أبي طالب، لأنه قتل شجاعهم وفارسهم عمرواً لما اقتحموا الخندق، فأصبحوا صبيحة تلك الليلة هاربين مفلولين، من غير حرب سوى قتل فارسهم([12]).

ونقول:

إن ذلك كله لا يصلح مبرراً، لهذا القول الساقط، للأسباب التالية:

أولاً: لأن الإخبار بالمغيبات لا ينحصر بمقام الألوهية، لأن الأنبياء يخبرون بها عن الله أيضاً. وأول من يخبرونهم بها هم أوصياؤهم، ثم يخبر الأوصياء ومن سمع منهم، ومن الأنبياء الناس بهذه المغيبات.

ثانياً: إن حديث عمر بن الخطاب جار على سبيل المجاز، ولم يكن عمر نفسه ممن يعتقد بالإلوهية لعلي «عليه السلام».

ثالثاً: أما حديث قلع باب خيبر بقوة إلهية، فالمراد به: أن الله سبحانه وتعالى هو الذي أقدره على ذلك. فهذا الحديث على ضد دعواهم أدل.

رابعاً: قوله «صلى الله عليه وآله»: «وهزم الأحزاب وحده» يريد به الإشارة إلى التدبير الإلهي لما جرى، حيث ساق فرسانهم إلى أن يتجاوزوا الخندق حتى قتلهم علي «عليه السلام»، وبذلك ألقى الله في قلوبهم الرعب، فهزموا.

ولا يريد أن علياً «عليه السلام» هو الله سبحانه، وتعالى عما يقوله الجاهلون والمبطلون.

الرفق بالمذنبين:

وفي الروايات: أنه «عليه السلام» وضعهم في البئر التي احتفرها برفق، وأنه كان يراجعهم في أمر توبتهم مرة بعد أخرى، فيأبون ذلك، وذلك ليقيم الحجة عليهم، ويعرف الناس بمدى إصرارهم على باطلهم.

لو جئتمونا بدماغه في صرة:

تقدم: أن الروايات ذكرت: أن ابن سبأ قال: لو جئتمونا بدماغه في سبعين صرة، لعلمنا أنه لم يمت.

غير أن الجاحظ يصرح: بأن القائل هو ابن السوداء، وهو ابن حرب، وليس ابن سبأ، فقد روي بسنده عن جرير (زجر) بن قيس بن مالك الجحفي قال:

قدمت المدائن بعد ما ضرب علي بن أبي طالب «رحمه الله»، فلقيني ابن السوداء، وهو ابن حرب، فقال لي: ما الخبر؟!

قلت: ضرب أمير المؤمنين ضربة يموت الرجل من أيسر منها، ويعيش من أشد منها.

قال: لو جئتمونا بدماغه في مائة صرة لعلمنا أنه لا يموت حتى يذودكم بعصاه([13]).

الحلف بغير الله تعالى:

ذكرت الرواية المتقدمة: أنه بعد أن قتل أمير المؤمنين «عليه السلام» الذين غلوا فيه بالدخان، أنكر عليه أحد عظماء اليهود فقال له أمير المؤمنين «عليه السلام»: نشدتك بالتسع آيات التي أنزلت على موسى «عليه السلام» بطور سيناء، و بحق الكنائس الخمس، وبحق السمط الديان، هل تعلم: أن يوشع بن نون أتي بقوم بعد وفاة موسى «عليه السلام» شهدوا أن لا إله إلا الله، ولم يشهدوا أن موسى رسول الله، فقتلهم بمثل هذه القتلة؟!

فقال اليهودي: نعم([14]).

فدلت هذه الرواية على جواز حلف غير المسلم بغير الله تعالى، ويؤيد ذلك:

ألف: ما روي عن الإمام الصادق عن أبيه «عليهما السلام»: أن علياً «عليه السلام» كان يستحلف اليهود والنصارى في بيعهم وكنائسهم، والمجوس في بيوت نيرانهم، ويقول: شددوا عليهم احتياطاً للمسلمين([15]).

ب: عن الإمام الصادق أيضاً عن أبيه «عليهما السلام»: أن علياً «عليه السلام» كان يستحلف اليهود والنصارى في كتابهم، ويستحلف المجوس ببيوت نيرانهم([16]).

ج: روي بسند صحيح عن محمد بن قيس، عن ابي جعفر: قضى علي «عليه السلام» فيمن استحلف أهل الكتاب بيمين صبر، أن يستحلفه بكتابه وملته([17]).

د: عن الإمام الصادق «عليه السلام» بسند معتبر: أن أمير المؤمنين «عليه السلام» استحلف يهودياً بالتوراة التي أنزلت على موسى «عليه السلام»([18]).

غير أننا نقول:

أولاً: إن الرواية المتقدمة برقم (ألف) ليس موردها الحلف بغير الله تعالى، بل هي تأمر بتغليظ اليمين على غير المسلمين احتياطاً للمسلمين.

ثانياً: قالوا: إن هناك روايات تعارض الروايات السابقة، لأنها تقول: إنه لا يجوز الحلف بغير الله تعالى:

1 ـ صحيحة علي بن مهزيار، عن أبي جعفر الثاني: إن لله أن يقسم من خلقه بما شاء، وليس لخلقه أن يقسموا إلا به.

2 ـ ومثلها صحيحة محمد بن مسلم([19]).

3 ـ ومنها: معتبرة سماعة عن الصادق «عليه السلام» قال: سألته هل يصلح لأحد أن يحلِّف أحداً من اليهود والنصارى والمجوس بآلهتهم؟!

قال: لا يصلح لأحد أن يحلف أحداً إلا بالله عز وجل([20]).

4 ـ صحيحة سليمان بن خالد: «لا يحلف اليهودي ولا النصراني ولا المجوسي بغير الله، إن الله عز وجل يقول: ﴿فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ([21])»([22]).

5 ـ صحيحة الحلبي: سألت أبا عبد الله «عليه السلام» عن أهل الملل يستحلفون.

فقال: لا تحلفوهم إلا بالله عز وجل([23]).

ونجيب بما يلي:

ألف: إن ما تريد أن تقوله هذه الروايات: هو أنه لا يجوز أن يحلَّف أهل الملل بآلهتهم، في قبال الله تعالى.. وقد صرحت رواية سماعة بذلك، ولا تأبى سائر الروايات عن أن يكون المراد منها هذا المعنى.

ب: إن الحلف بالتوراة التي أنزلها الله تعالى على موسى «عليه السلام» ليس فيه أي محذور، فهو كالحلف بالقرآن الذي أنزله الله على محمد «صلى الله عليه وآله».. لأن المقصود هو التوراة الواقعية.

ج: بالنسبة لكلمة «السمت الديان» نقول:

لعل الصحيح: «الصمد الديان» أو «السمد الديان». والسمد: هو السرمد. يقال: هو لك سمداً، أي سرمداً.

وكلمة «السمط» يبدو أنها مصحفة أيضاً، والأصل ما قلناه.. حيث صحفت التاء، فصارت طاء.

والديان: هو القهار، وقيل: هو الحاكم الذي يأخذ الناس بذنوبهم، ويحاسب، ويعاقب.. فالإحلاف بالسمط الديان يقصد به: إحلافه بالله تعالى.

د: وأما الكنائس، فهي معابد اليهود والنصارى، فلعله كانت هناك كنائس خمس، كان اليهود يقدسونها.

واحتمل بعض الباحثين في هذا الشأن: أن يكون المقصود هو الهيكل الذي كان قبل سليمان، وكان فيه تابوت السكينة، أو تابوت الله على حد تعبيرهم، ثم هيكل سليمان «عليه السلام»، ثم مرحلة ما بعد انهدامه وبنائه، حيث بني وسمي باسم هيكل زرّبابل. ثم مرحلة تجديده، حيث سمى باسم هيكل هيرودس، ثم الهيكل الذي سيظهر في مستقبل الأيام مرة أخرى، لتكون هي المرة الخامسة..

ولعله «عليه السلام» قد ساق الكلام وفقاً لما كان معلوماً عند احبار اليهود، ولم يكن يمكنهم إنكاره..

القتل بالدخان:

ولم يكن قتل علي «عليه السلام» للغلاة فيه بالدخان أمراً فريداً في بابه، فقد قتل هو نفسه «عليه السلام» بالدخان ذلك المنكر لنبوة رسول الله «صلى الله عليه وآله» أيضاً([24]).

القتل بالنار:

وتقدم: أنه «عليه السلام» قد أحرق بالنار أولئك الذين غلوا فيه، بما فيهم عبد الله بن سبأ.. وقد روي ذلك في مصادر كثيرة([25]).

ولعل هذا هو الصحيح، ولا يصح قولهم: إنه حبس واستتاب عبد الله بن سبأ، ثم أطلقه وأبعده إلى المدائن، ثم عاد وأظهر مقولته وغلوه بعد استشهاد أمير المؤمنين «عليه السلام».

ولعل الهدف هو التسويق للمقولات التي تتهم شيعة أهل البيت بأخذ عقائدهم من ابن سبأ.. وأن ذلك كان بعد استشهاد علي «عليه السلام».

وفي مصادر أخرى: أنه «عليه السلام» قتل ابن سبأ وأصحابه بالدخان، حيث جعلهم في حفائر وأضرم النار في حفائر أخرى متصلة بها بخروق بينها([26]).

وكان أبو بكر قد قتل الفجاءة السلمي. وقد ندم على ذلك وكان هذا هو أحد الأمور الثلاثة التي ندم على فعلها، كما صرح به حين حضرته الوفاة([27]).

فإن كان الحرق بالنار من موجبات التأليه، كما هو ظاهر قولهم: «لا يعذب ابلنار إلا رب النار»، فلماذا لم يؤلهوا أبا بكر لحرقه الفجأة السلمي؟!

إعتراضات على إحراق ابن سبأ:

وقد اعترض بعض العلماء على هذا الإجراء الذي اتخذه علي «عليه السلام» في حق ابن سبأ بأمور عديدة، نذكر منها ما يلي:

لا غلاة ولا إحراق لأحد:

قال العلامة العسكري «رحمه الله»: «لم يكن يوم ذاك غلاة، ولا عباد صنم في الجزيرة العربية، ولم يحرق الإمام أحداً. ويجوز وجود زنادقة، أو من ارتد إلى النصرانية، قتلهم الإمام، ثم أحرق جثثهم، خشية أن يتخذ قبورهم وثناً»([28]).

ونقول:

1 ـ لا نستطيع أن نوافق على هذا الحكم الصارم من هذا الباحث، فقد قلنا في هذا الكتاب: إن علياً «عليه السلام» قد أحرق اثنين كانا يصليان للصنم..([29]).

وروى في الكافي بسند صحيح عن أبي عبد الله «عليه السلام» قال: أتى قوم إلى أمير المؤمنين «عليه السلام»، فقالوا: السلام عليك يا ربنا..

فاستتابهم فلم يتوبوا، فحفر لهم حفيرة، وأوقد فيها ناراً، وحفر حفيرة أخرى إلى جانبها، وأفضى ما بينهما، فلما لم يتوبوا ألقاهم في الحفيرة، وأوقد في الحفيرة الأخرى ناراً حتى ماتوا([30])..

2 ـ تقدم أيضاً: أنه «عليه السلام» قد قتل المنكر لنبوة رسول الله «صلى الله عليه وآله» بالدخان أيضاً([31]). فلماذا لا نصدق روايات إحراق الغلاة مباشرة، أو بالدخان أيضاً؟!

3 ـ وأما نفي وجود الغلاة في ذلك الزمان فهو مجازفة لا مجال للإغضاء عنها.. كيف، وقد روي عنه «عليه السلام»: أنه قال: يهلك في اثنان، محب غال، ومبغض قال..([32]).

إلا أن يقال: إن هذا جاء على نحو القضية الحقيقية التي لا نظر فيها إلى الواقع الخارجي.

وعنه «عليه السلام»: «اللهم إني بريء من الغلاة كبراءة عيسى بن مريم من النصارى، اللهم اخذلهم أبداً، ولا تنصر منهم أحداً»([33]).

وعن رسول الله «صلى الله عليه وآله» أنه قال: لعلي «عليه السلام»: لولا أن يقال فيك ما قالت النصارى في المسيح لقلت اليوم فيك مقالةً لا تمر بملأ من المسلمين إلا أخذوا تراب نعليك، وفضل وضوئك يستشفون به، ولكن حسبك أن تكون مني وأنا منك، ترثني وأرثك([34]).

4 ـ إن الروايات التي رواها الكشي، وروايات أخرى ذكرها المؤرخون تؤكد وجود هؤلاء الغلاة بالفعل.. وإن كان يحتمل: أن يكون أمرهم قد ضخم حتى أظهروهم أنهم على درجة من الكثرة والتأثير للتغطية على النواصب ودورهم.

هذا فضلاً عن الروايات المروية عن النبي «صلى الله عليه وآله» من أنه سيجري على أمته ما جرى على الأمم السابقة، كبني إسرائيل، أو كاليهود والنصارى.. ولا يخفى أن من جملة ما جرى من تلك الأمم ادعاء ألوهية عزير وعيسى.

وما اعتبره العلامة العسكري مانعاً من قبولها لا يصلح للمانعية، كما سنوضحه.

5 ـ كيف جاز للعلامة العسكري: أن ينفي وجود عباد أصنام في الجزيرة العربية في عهد أمير المؤمنين «عليه السلام».. فلعل بعض من تظاهر بالإسلام كان يتكتم على كفره، وعلى عبادته لصنمه؟!

ونحن نعلم: أن المنافقين كانوا كثيرين جداً بين المسلمين. وأن أكثر الذين أظهروا الإسلام كانوا في الأصل عباد أصنام.

مضامين روايات الكشي:

لقد حاول بعض الباحثين أن يقول: إن عبد الله بن سبأ شخصية وهمية. وحين وصل إلى روايات الشيعة ذكر خمس روايات رواها الكشي، حول عبد الله بن سبأ ـ منها روايات ثلاث صحاح السند ـ وقال:

«لم نجد في كتب الشيعة غير رجال الكشي طريقاً لهذه الروايات.

ومن الغريب أن أصحاب المجاميع الحديثة المعتبرة عند الشيعة، لم تخرج الروايات الخمس المذكورة، فلا نجدها في الكافي للكليني المتوفى سنة 329هـ وكتاب من لا يحضره الفقيه للصدوق المتوفى سنة 381هـ والتهذيب والاستبصار للشيخ الطوسي. ويدل هذا على أنهم لم يعتمدوا تلك الروايات، مع شهرة رجال الكشي عندهم.

كانت الروايات الخمس السابقة مصدر تأليه ابن سبأ للإمام علي في كتب رجال الشيعة، وكتب حديثهم. وكان ذلك مبلغ الاعتماد على الخبر مدى القرون لدى العلماء خريتي الفن»([35]).

ونقول:

أولاً: إن الكليني سابق على الكشي، فلا نتوقع أن يأخذ منه أو عنه، وأما الصدوق فلعله لم يحصل على كتاب الكشي، ليأخذ عنه، ولم تصل إليه الروايات من طريق آخر.

ثانياً: إن هذا الباحث نفسه الذي صرح بوفاة الكشي حدود سنة 340هـ. قد ذكر أن مضامين روايات الكشي موجودة في كتب أهل الملل والنحل الذين سبقوا عصر الكشي أو عاصروه، فقد وردت في كتاب المقالات والفرق لسعد بن عبد الله الأشعري المتوفى سنة 310هـ وفرق الشيعة للنوبختي المتوفى سنة310هـ

ومقالات الإسلاميين لعلي بن إسماعيل المتوفى سنة 330هـ

غير أن هؤلاء أوردوها بسياق واحد، وبلا سند والكشي أوردها موزعة على روايات مسندة([36]).

فإذا كان مضمون الرواية موجوداً في مصادر سبقت عصر الكشي أو عاصرته، فذلك يقوي روايات الكشي، ويؤكد صدقها وصحتها.

واعتماد العلماء عليها وأخذها عن الكشي إنما هو لقوة أسانيدها عندهم، ولاعتضادها بهذه المضامين التي سبقت عصر الكشي.

واختيار العلماء للرواية المسندة هو الغاية في الاحتياط، ويعد إسداء خدمة جليلة للعلم وأهله يشكرون عليها.

ثالثاً: إن هذا الباحث نفسه بالرغم من أنه يذكر أن ابن شهرآشوب المتوفى سنة 588هـ عاد فقد نقل إحدى هذه الروايات التي ذكرها الكشي، ولم يشر إلى مصدرها، فقال: «وعلى ما ذكرنا رجع الجميع في نقل هذه الرواية إلى الكشي».

فكيف علم أن ابن شرآشوب أخذ روايته من الكشي لا من غيره؟!

رابعاً: إن عدم إيراد الكافي ومن لا يحضره الفقيه، والتهذيب والاستبصار لهذه الروايات لا يدل على عدم اعتمادهم عليها.. إذ قد يكون السبب: هو أنهم لم يروها داخلة في أغراضهم التي دعتهم إلى تأليف كتبهم تلك.

أو لأنهم لم يعثروا عليها حين تأليفهم لتلك الكتب، وما أكثر الروايات التي لم ترد في تلك الكتب، ولم يسقطها ذلك عن الاعتبار..

خامساً: من أين علم هذا الباحث: أن مصدر تأليه ابن سبأ للإمام علي «عليه السلام» في كتب رجال الشيعة وكتب حديثهم هو الروايات التي ذكرها الكشي فقط؟! ولم لا يكون مصدرهم هو كتب المقالات والفرق التي سبقت الكشي أو عاصرته؟! أو لماذا لا يكون كلاهما مصدر ذلك؟! ولم لا يضاف إليها بعض ما ذكره الطبري عن ابن سبأ، وما جرى له على يد أمير المؤمنين «عليه السلام»؟! ولم؟! ولم؟!

الكشي لا يعتمد عليه:

وبعد أن كرس ذلك الباحث رجال الكشي كمصدر اعتمد عليه العلماء في تأليه ابن سبأ للإمام «عليه السلام»، بادر إلى إثبات عدم صحة الاعتماد على رجال الكشي.

وعمدة ما ذكره سبباً لذلك:

قول النجاشي: «الكشي أبو عمر، وكان ثقة عيناً، روى عن الضعفاء كثيراً وصحب العياشي، وأخذ عنه، وتخرج عليه، له كتاب الرجال، كثير العلم، وفيه أغلاط كثيرة»([37]).

وغاية ما أخذوه على كتابه: أنه خلط رجال العامة برجال الخاصة. وأن فيه تصحيفات كثيرة. وفيه خلط أخبار ترجمة بأخبار ترجمة أخرى، وخلط طبقة بأخرى.

وذكروا: أن السبب في ذلك هو رداءة خطه، وعدم إقبال معاصريه على اقتنائه..([38]).

ونقول:

إن ذلك كله لا يجدي في إسقاط اعتبار الكتاب، خصوصاً بالنسبة للروايات الخمس التي ترتبط بابن سبأ، إذ لم يذكر العلماء أنها وقعت فريسة للتصحيف أو التحريف، الموجب لسقوطها عن الإعتبار، كما أن هناك قرائن تؤيدها وهي وجود مضامينها في كتب أهل المقالات المعاصرين للكشي أو المتقدمين عليه.

كما أن شهادة النجاشي بأن في كتاب الكشي علماً كثيراً تكفي لتأييد اعتبار مضامينه، لا سيما مع تأكيدها بالقرائن المشار إليها.

يضاف إلى ذلك: أن العلماء ـ كالمحقق التستري وغيره ـ قد بينوا مواضع التصحيف والتحريف وخلط التراجم ببعضها. ولم تكن هذه الروايات الخمس من بين ما ناله من ذلك ما يضر بحجيته.

روايتان تناقضان روايات التأليه:

وقد اعتبر ذلك الباحث: أن هناك رواية تناقض الروايات الصحيحة التي ذكرها الكشي عن تأليه ابن سبأ علياً «صلوات الله وسلامه عليه»، فعن أبي عبد الله «عليه السلام»: أن أمير المؤمنين «عليه السلام» قال:

إذا فرغ أحدكم من الصلاة، فليرفع يديه إلى السماء، ولينصب في الدعاء.

فقال ابن سبأ: يا أمير المؤمنين، أليس الله في كل مكان؟!

قال: بلى.

قال: فلم يرفع يديه إلى السماء؟!

قال: أما تقرأ في القرآن ﴿وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ﴾؟!([39]). فمن أين طلب الرزق إلا من موضعه؟! وموضع الرزق وما وعد الله السماء([40]).

وعن المسيب بن نجبة: أنه جاء إلى أمير المؤمنين «عليه السلام» متلبباً بعبد الله بن سبأ. فقال: ما شأنك؟!

فقال: يكذب على الله، وعلى رسوله.

قال: فما يقول؟!

قال الراوي: فلم أسمع مقالة المسيب، وسمعت أمير المؤمنين يقول: «هيهات، هيهات، العصب [لعل الصحيح: الغضب] ولكن يأتيكم راكب الذعلبة، يشد حقوها بوضينها، لم يقض تفثاً من حج ولا عمرة، فيقتلونه، يريد بذلك الحسين بن علي([41]).

فقد دلت هذه الرواية: على أن ابن سبأ ينزه الله تعالى عن المكان، وروايات التأليه لعلي مفادها: أن لله تعالى مكاناً يمشي ويجلس فيه.

وعند النعماني: عن المسيب بن نجبة قال: قد جاء رجل إلى أمير المؤمنين «عليه السلام»، ومعه رجل، يقال له «ابن السوداء»، فقال: «إن هذا يكذب على الله وعلى رسوله ويستشهدك.

فقال «عليه السلام»: لقد أعرض وأطول، يقول ماذا؟!

فقال: يذكر جيش الغضب.

فقال: خل سبيل الرجل، أولئك قوم يأتون في آخر الزمان إلخ..([42])

فإن الإمام «عليه السلام» قد برَّأ ابن سبأ من الكذب الذي نسب إليه، وأمر بإخلاء سبيله، وليس إنسان كهذا من قبيل من يؤله بشراً، ويكابر عليه حتى يحرق عليه([43]).

ونقول:

أولاً: إن هاتين الروايتين غير قادرتين من حيث السند على معارضة تلك الروايات الخمس الصحاح سنداً. لا سيما مع وجود شواهد تؤيد مضمون الروايات الخمس، حسبما تقدمت الإشارة إليه..

ثانياً: مع غض النظر عن ذلك. لا مانع من أن يكون ابن سبأ غير ظاهر الانحراف في تلك الفترة، أو كان على خط الاستقامة بالفعل، ثم ظهر نفاقه، أو أنه ارتد لاحقاً..

ثالثاً: إن صدق الرجل في بعض ما ينقله لا يعني سلامة اعتقاده، بل صدقه يعني سلامة نقله..

ونحن نرى الناس ينقلون عن أعدائهم، وعن الذين يخالفوهم في الاعتقاد، حين يثقون بصدقهم، فكيف إذا صدق نقله نفس المنقول عنه. وهو علي «عليه السلام»؟!

رابعاً: إن رواية رفع اليدين بالدعاء قد صرحت: بأن الله تعالى في كل مكان، وهذا إثبات للمكان، وليس تنزيهاً له تعالى عنه. إلا أن يكون المراد أنه في كل مكان بقدرته وعلمه وتدبيره. فكان ينبغي لفت النظر إلى ذلك..

روايات القتل تعارض روايات الإحراق:

وقد أورد ذلك الباحث طائفة من الروايات التي ذكرت حرق أمير المؤمنين للغلاة، ولعباد الصنم، وغير ذلك. ثم قال:

«الغريب أن أحداً من فقهاء المسلمين لم يعتمد هذه الروايات، ويفتي بأن حكم المرتد الحرق. بل افتوا جميعاً بأن حكم المرتد القتل، استناداً إلى الروايات المعارضة لها. والمروية عن رسول الله «صلى الله عليه وآله» والأئمة من أهل بيته «عليهم السلام».

ثم ذكر: أن السنة أيضاً اتفقوا على أن المرتد يقتل»([44]).

ثم ذكر روايات الشيعة التي تقول: إن المرتد يستتاب ثلاثة أيام، ثم يقتل في اليوم الرابع.

وقد روي ذلك عن أمير المؤمنين([45])، وأبي جعفر، وأبي عبد الله([46])، وأبي الحسن الرضا([47]). و.. و..

وقال: إن هذه الروايات تعارض الروايات التي تقول: إن علياً «عليه السلام» حرق ناساً من المرتدين. لأنها تنص على أن حد المرتد القتل. والقتل إماتة بآلة، كالسيف، أو الرمح، أو الصخر أو الخشب، أو بالسم. في مقابل الحرق الذي هو إماتة بالنار، والصلب الذي هو إهلاك الشخص برفعه على خشبة الصليب([48]).

ونقول:

أولاً: إن الروايات غير متعارضة، لاختلاف موردها، لأن للارتداد مصاديق كثيرة، ومراتب متعددة، فالارتداد عن ملة أهون من الارتداد عن فطرة، كما أن الارتداد إلى الشرك أعظم من الارتداد إلى بعض الأديان السماوية كاليهودية والنصرانية. والحكم بكفر منكر الضروري ليس على حد كفر الشرك، أو الكفر بإنكار النبوة، والارتداد عن الإسلام إلى دين آخر.. وهكذا..

فلعل حكم من يؤله البشر من الغلاة هو الحرق، وكذا حكم من يعبد الصنم، أما حكم من يرتد إلى النصرانية، أو اليهودية فهو القتل بما هو أدنى من ذلك، كالقتل بالسيف مثلاً..

ثانياً: إن التفريق بين الحرق والقتل غير ظاهر الوجه، فإن القتل كما يكون بالحديد، والخشب والحجر، يكون بالخنق، والإغراق والإحرق بالنار. فلماذا فصل هذا الباحث بين موجبات إزهاق الروح بهذه الطريقة؟! ولماذا لا يكون الحكم هو مطلق القتل، ثم للإمام أن يختار كيفيته، بحسب ما يراه رادعاً للغير، ومناسباً لطبيعة الجرم، ومرتبته في القبح، أو في الفساد، أو الإفساد؟! تماماً كالذي يعمل عمل قوم لوط الحكم فيه هو التخيير بين الضرب بالسيف، والإلقاء من شاهق، والحرق بالنار..

والخلاصة:

إذا كان القتل هو الإماتة بآلة كما قال، فالآلة قد تكون خشباً، أو حديداً، أو سماً وقد تكون ناراً أيضاً. وما الدليل على استثناء هذه الآلة دون تلك.. مع احتمال أن يكون إجراء عقوبة الإحراق على مدعي ألوهية البشر، أو ألوهيته «عليه السلام» حقاً خاصاً بالإمام، ولا يحق لغير المعصوم إجراء عقوبة الإحراق بالنار في مثل هذا الذنب على أحد.

ثالثاً: إن الارتداد إلى اليهودية أو النصرانية، أو إلى الشرك وعبادة الأصنام كان متوقعاً، ولعله كان يحدث بين الحين والآخر، وإن كان قليلاً..

أما الارتداد بالغلو في أمير المؤمنين «عليه السلام» فكان قليلاً ونادراً، ولعله لم يحصل إلا بعد أن استخلف أمير المؤمنين «عليه السلام»، وظهرت عجائب أفعاله، وغرائب أقواله، وهو يصنع للناس الكرامات، والمعجزات، ويخبرهم بالمغيبات، ليثبت لهم إمامته الإلهية، فغلا بعضهم فيه.

وأما الغلو فيه «عليه السلام» في زمان الخلفاء، فإن كان قد حدث منه شيء، فإن علياً «عليه السلام» لم يكن هو المسؤول عن معاقبة فاعليه، بل كان مناوئوه هم المسؤولون عنه، المطالبون بمعالجته. ولعلهم كانوا لا يهتمون له. أو أنه لم يظهر لهم في عهدهم إلى حد يدعوهم إلى التصدي والمواجهة..

الكذب على أمير المؤمنين عليه السلام:

وروى الكشي عن ابن سنان، عن الإمام الصادق «عليه السلام» أنه قال: إنَّا أهل بيت صادقون، لا نخلو من كذاب يكذب علينا، فيسقط صدقنا بكذبه علينا عند الناس. كان رسول الله «صلى الله عليه وآله» أصدق البرية لهجة. وكان مسيلمة يكذب عليه..

وكان أمير المؤمنين «عليه السلام» أصدق من برأ الله بعد رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وكان الذي يكذب عليه، ويعمل في تكذيب صدقه بما يفتري عليه من الكذب عبد الله بن سبأ لعنه الله، وكان أبو عبد الله الحسين بن علي «عليه السلام» قد ابتلي بالمختار إلخ..([49]).

وقد ناقش أحد الباحثين هذه الرواية بما حاصله: أن الإمام الحسين «عليه السلام» قد استشهد قبل أن يظهر المختار. فمتى ابتلي الحسين بالمختار؟!

وكيف يكون قتل المختار لقتلة الحسين «عليه السلام» ابتلاء للحسين؟!

وكيف يكون ذلك من المختار عملاً منه في تكذيب الحسين «عليه السلام»؟!

وهل وضع هذا الحديث انتصاراً لقتلة الحسين «عليه السلام»؟!

ثم كيف تكون عقيدة ابن سبأ في علي «عليه السلام» عملاً في تكذيب علي «عليه السلام»؟!

وهل روى أحد عن ابن سبأ: أن علياً «عليه السلام» أمر أحداً بأن يعبده؟! ليكون ذلك افتراء منه على علي «عليه السلام»([50]).

غير أننا نقول في جوابه:

أولاً: إن الكذب على النبي «صلى الله عليه وآله»، أو على الإمام لا يختص بمن يعاصر النبي «صلى الله عليه وآله» والإمام «عليه السلام»، فقد يكذب عليه في حال حياته، وبعد موته أو استشهاده «عليه السلام».

ثانياً: إن المختار كان معاصراً للإمام الحسين «عليه السلام»، فلا مانع من أن يبتلى به، قبل استشهاده، وبعده.. وربما يبتلى به قبل استشهاده، ثم يتوب بعد الاستشهاد، ولعل قضية المختار من هذا القبيل.

ثالثاً: ليس في الرواية أن ابتلاء الإمام الحسين بالمختار كان بنفس قتل المختار لقتلة الإمام الحسين «عليه السلام»، ولا دلالة فيها على أن أخذه بثاره من مفردات الكذب عليه..

رابعاً: إن الرواية لم تذكر أن عقيدة ابن سبأ من مفردات تكذيب أقوال علي «عليه السلام».. بل قالت: إنه كان يكذب على أمير المؤمنين «عليه السلام»، فلعله كان يكذب عليه في أمور أخرى غير غلوه فيه، وإن كانت أكاذيبه لم تصل إلينا..

وكذلك الحال بالنسبة للمختار، فلعله كان في حال حياة الإمام الحسين يكذب عليه ـ ولم تنقل تلك الأكاذيب إلينا ـ ولعله تاب عن ذلك بعد استشهاده «عليه السلام» كما قلنا.

خامساً: إن ما عاناه الرسول «صلى الله عليه وآله» والإمام علي والإمام الحسين «عليهم السلام» من الكذب عليهما في حياتهما من أناس آخرين يهون عنده ما ظهر من مسيلمة ومن عبد الله بن سبأ، ومن المختار، إن لم نقل: إن المختار قد أقحم لغاية في أنفسهم.

هذا إن لم نقل: إن الرواية يشتم منها رائحة الصناعة والوضع. وفي أحسن الأحوال: يحتمل صدور بعضها تقية. فضلاً عن أنه لا مصلحة لأعداء الإمام علي والإمام الحسين «عليهما السلام» في إخفاء ما كُذب به عليهما، بل الدواعي إلى نقله أكثر.

من هي العنزية؟!:

وهناك الرواية التي تقول: «بينا أمير المؤمنين عند امرأة له من عنزة، وهي أم عمرو، إذا أتاة قنبر فقال: إن عشرة بالباب يزعمون أنك ربهم..

ثم تذكر الرواية: أنه «عليه السلام» أحرقهم بالنار»، فيقول أحد الباحثين:

«من هي أم عمرو العنزية زوجة الإمام؟! وكيف لم يعرفها أحد غير هذا الراوي»؟!

ونقول:

يذكر المؤرخون: أن علياً «عليه السلام» قد تزوج بالعديد من النساء.. وقد ذكر المؤرخون أسماء تسعة منهم، وهذه العنزية، التي ذكرت بكنيتها «أم عمرو» تكون هي العاشرة كما أنه «عليه السلام» قد ترك «عليه السلام» تسع عشرة أو سبع عشرة سُرِّية([51])، بعضهن أمهات ولد..

والسُرِّية هي: الأمة التي بوأتها بيتاً([52]).

ونحن لا نعرف أسماء أكثرهن، فضلاً عن أن نعرف شيئاً عن حياتهن. فلم لا تكون هذه العنزية ـ أم عمرو ـ كانت إحدى زوجاته، أو إحدى سرِّياته.. فإن التاريخ قد جمع من روايات آحاد وغير آحاد.

روايات إحراق الغلاة والمرتدين:

وقد حاول بعض الباحثين التشكيك بروايات إحراق علي «عليه السلام» للغلاة القائلين بألوهيته، بطرح سلسلة من التساؤلات التي استوحاها من مجموع الروايات، فقال ما مضمونه: «هل قتلهم موتاً بالدخان، بإلقائهم في آبار خرق بعضها إلى بعض، ثم طم رؤوسها، وألقى النار في واحدة ليسوا فيها، فماتوا جميعاً بالدخان؟!

أم ضرب أعناقهم، ثم أحرق أجسادهم بالنار؟!

أم خدَّ في الأرض خداً ألقى فيها حطباً وناراً، حتى صار ناراً تتوقد، ثم أمر قنبراً فحملهم، رجلاً رجلاً، وألقاهم في النار، حتى أحرق جميعهم بالنار؟!

وهل ألهه ابن سبأ وحده، فأحرقه، وحده؟!

أم كانوا عشرة، فأحرقهم جميعاً؟!

أم كانوا سبعين فأحرق السبعين؟!

أم أنه أحرق مرة شخصاً واحداً، وهو ابن سبأ وحده؟! وأخرى عشرة؟! وأخرى سبعين؟! وأخرى اثنين؟!

وهل أحرق من قال بألوهيته؟! أم أحرق اثنين سجدا لصنم؟!

وهل حرق من حرق عندما كان في البصرة، وبعد فراغه من القتال؟! أم عندما كان في الكوفة، عندما أخبر وهو في دار زوجته العنزية؟!

إلى أن قال: كيف أحرق الإمام المرتدين مع تصريحه بأن حد المرتد القتل، وتنفيذه ذلك»([53]).

ونقول:

أولاً: إن الروايات التي يتحدث عنها لا تأبى عن أن تكون قد تحدثت عن وقائع متعددة، فإن حديث السبعين من الزط، غير حديث العشرة، وحديث العشرة غير حديث الرجلين الذين كانا يصليان إلى الصنم.. وحديث ابن سبأ ومن معه يمكن أن يكون واقعة أخرى أيضاً.

وما وجه الهجنة والغرابة في ذلك؟! فإنها ليست كواقعة الإفك التي تناقضت رواياتها، مع أن ما حدث واحدة منها..

ويؤكد ذلك: اختلاف كيفيات القتل فيها، في بعضها، عنها في البعض الآخر..

ففي بعضها: قتلهم بالدخان.

وفي أخرى: أحرقهم بالنار.

وفي ثالثة: قطع رؤوسهم، ثم أحرق أجسادهم..

كما أن بعض الوقائع لعله كان في البصرة، وبعضها حدث بالكوفة..

ويبدو: أن المقصود: هو أن إحراق الغلاة كان بعد الفراغ من حرب الجمل، مع عدم بيان مكان وقوع هذا الحرق، فربما كان بالبصرة وربما كان في الكوفة..

ثانياً: إن حديث إحراق الرجلين إنما هو لأنهما ارتدا إلى عبادة الأصنام، لا لأجل غلوهما في أمير المؤمنين «عليه السلام».

ثالثاً: إنه لا منافاة بين تصريحه «عليه السلام» بأن حكم المرتد القتل، وبين إحراقه المرتدين، فإنه إنما أحرق خصوص الغلاة منهم، ومن عبد الصنم، وقد قلنا: إنه يمكن أن يكون حكم هذا النوع من الارتداد هو القتل بهذه الطريقة، كما أن حكم اللائط هو القتل بطريقة معينة أيضاً، ومنها الحرق بالنار..

حديث ابن عباس:

عن عكرمة: أن علياً حرق ناساً ارتدوا عن الإسلام، فبلغ ذلك ابن عباس، فقال: لم أكن لأحرقهم بالنار، وإن رسول الله «صلى الله عليه وآله» قال: لا تعذبوا بعذاب الله، وكنت قاتلهم لقول رسول الله «صلى الله عليه وآله»: من بدل دينه فاقتلوه.

فبلغ ذلك علياً «عليه السلام»، فقال: ويح ابن أم ابن عباس([54]). إنه لغواص على الهنات([55]).

وفي رواية: أنه «عليه السلام» قال: صدق ابن عباس([56]).

ونقول:

إننا نوافق ذلك الباحث حين قال عن حديث ابن عباس المذكور أعلاه:

«وهل صح أن ابن عباس لما بلغه ذلك [يعني إحراقهم] قال: لم أكن أحرقهم بالنار لقول رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «لا تعذبوا بعذاب الله»، وكنت قتلتهم لقوله «صلى الله عليه وآله»: «من بدل دينه فاقتلوه».

فبلغ قوله علياً، فقال: ويح ابن أم الفضل، إنه لغواص على الهنات».

أكان الإمام غافلاً عن هذه الهنات حتى عرفه ابن أم الفضل؟! أم أن هذه الروايات وضعت لتري فعل الإمام في هذه الهنات نظير فعل أبي بكر حين حرق الفجاءة السلمي وغيره، وانتُقِدَ عليه، وكي لا يكون أبو بكر وحيداً فيما انتقد عليه من إحراق الناس، بل يكون علي شريكه في ذلك؟!

ويكون نظيراً لفعل خالد حين حرق جمعاً من مانعي الزكاة»([57]).

نعم، إننا نوافق هذا الباحث على رفضه لهذه الإضافة، لأنها لا يمكن أن تصح، وهي إنما وردت في رواية عكرمة الخارجي، المبغض لعلي «عليه السلام»، كما قاله هذا الباحث نفسه. وأين وأنى يكون عكرمة صادقاً أو مأموناً فيما يخبر به عن سيد الوصيين «عليه السلام»؟!

أوقدت ناري، ودعوت قنبراً:

ومما أخذه ذلك الباحث على روايات إحراق الغلاة: أن الشعر المنسوب للإمام «عليه السلام» في هذه المناسبة، وهو قوله:

لمـا رأيـت الأمـر أمـراً مـنـكــراً         أوقـدت نــاري، ودعــوت قـنبرا

إنما قاله «عليه السلام» في صفين، وهو هكذا:

يـا عـجـبـاً لقـد سمعت منكــراً           كــذبــاً عـــلى الله يشيب  الشعرا

إلى أربعة أبيات، ثم قال بعدها:

إنـي إذا الـمـوت دنـا وحــضـرا          شـمـرت ثـوبـي، ودعـوت قنـبرا
قــدم لــوائــي لا تـؤخـر حذرا            لـن يـنـفـع الحـذار مـا قـد قــدرا
لمــا رأيــت المـوت مـوتـاً أحمـرا               عبأت همدان، وعبوا حمـيرا
([58])»([59])

غير أننا نقول:

إن التمثل بالشعر أو ببعض الأبيات في موردين بسبب حضور خصوصية أشار ذلك الشعر إليها، ويراد التأكيد عليها أمر شائع، ومتداول. فلا مانع من أن يكون «عليه السلام» قد استشهد ببيتين أو بأكثر من شعر كان قد قاله في صفين. وقد ظهر في الروايات: أنه «عليه السلام» قد طور الشعر، وبدل فيه ليظهر الخصوصية التي امتاز بها هذا المورد الجديد عن المورد الآخر، حيث لم يقل هنا:

إنـي إذا الـمـوت دنــا وحضرا           شـمـرت ثـوبي..             

بل قال:

إنـي إذا أبـصرت شـيـئاً منكـرا          أوقـدت نـاري ودعـوت قـنـــبرا
ثـم احـتـفـرت حـفــرا فحفرا             وقـنـــبر يحـطـم حـطـماً منكرا
([60])

بماذا يغالي ابن سبأ؟!:

وذكر ذلك الباحث أسئلة حول ماهية غلو ابن سبأ، وأنه هل يغالي في تنزيه الباري، فلا يرفع يديه إلى السماء في الدعاء، لأنه يرى أن الله في كل مكان؟! أم كان مغالياً في علي ومؤلهاً له؟!

ونجيب:

بما تقدم، وهو: أن من الجائز أن يكون ابن سبأ في بداية أمره في اتجاه، ثم بدل اتجاهه في آخر أمره.. كما تدل عليه عبارات أهل الملل والنحل، وتشير إليه بعض الروايات أيضاً([61]).

مع ملاحظة: أنه لا بد من رفض قوله: إن الله تعالى في كل مكان، فإن الله تعالى كان ولا مكان. إلا إذا أراد آثار قدرته، وتدبيره، وبديع صنعه حاضرة في كل مكان.

أسئلة لا مورد لها:

ثم إن ذلك الباحث قد ساق أسئلة كثيرة، أخذها من الروايات العديدة التي ذكرت: أنه «عليه السلام» قد أحرق ابن سبأ، وأحرق اثنين من عباد الأصنام، أو قتل بالدخان، أو أحرق سبعين رجلاً من الزط. أو عشرة من الذين قالوا له: أنت ربنا..

وقد قلنا:

إن تعدد هذه الوقائع أمر معقول، ومقبول، وتؤيده رواياتها، واختلاف خصوصياتها.. فلا معنى لاعتبارها حدثاً واحداً، وتكثير الأسئلة الاستهجانية لها.

بل إن هذا الباحث قد تجاوز ذلك إلى حد أنه اعتبر رواية السبعين الذين كانوا من الزط، وقتلهم علي «عليه السلام» ـ اعتبر ـ أنها هي نفس رواية قتله «عليه السلام» لابن سبأ، فصار يناقش في أن يكون ابن سبأ زطياً أو غير زطي.

وبلغ به الأمر إلى حد النقاش في ألفاظ اسم ابن سبأ وأنها عربية، ولم يكن الزط من العرب، ليسموا بمثل هذه الأسماء والألفاظ. وقد قلنا: إنها أحداث متعددة ومنفصلة، فلا معنى للخلط بينها.

العرب لا يؤلهون بشراً:

وقال ذلك الباحث عن ابن سبأ: «..وإن كان من العرب، فهل سمع من العرب منذ الجاهلية البعيدة في القدم، حتى عصر الإمام [أن] عربياً يؤله بشراً معاصراً له؟! بل إن عادة تأليه البشر المعاصر تنتشر في الأمم العريقة في التمدن، كالروم والفرس، والصين واليابان، أما العربي الذي لم يألف الخضوع والخنوع في شبه الجزيرة العربية، فإنه كان يسجد للصنم، ويؤله الجن والملائكة، لكنه يتمرد على الركوع والسجود أمام بشر مثله.

ثم إن هذا المؤله للبشر، إما أنه يريد من وراء قوله غاية دنيوية، فكيف يثبت على قوله حين يرى زوال نفسه من الدنيا لهذا القول»؟!

وقال: «وإذا كان قوله عقيدة بشخص معبوده البشري، فكيف يبقى متمسكاً بعقيدته بعد قوله لإلهه: أنت ربي، وأنت خلقتني، وأنت ترزقني؟! ومجابهة الإله له بالتكذيب والبراءة من قوله؟!

كيف يصدق عاقل بهذا؟!

ومرده: أن هذا المؤله يقول لإلهه: إنك يا إلهي مخطئ في إنكارك الألوهية لنفسك!! فأنت إله ولست تدري! إنك إله رغم أنفك»!!

إلى أن قال: «بلى، قد يؤله الناس إنساناً لا يرضى بنسبة الألوهية لنفسه، غير أن ذلك يكون بعد عصره كما هو الشأن في عيسى بن مريم، وعلي بن أبي طالب.

أما أن يؤله إنسان، ويعبد في عصره وبمحضر منه مع عدم رضاه، فلم يكن ذلك ولن يكون».

ثم إنه «رحمه الله» تعجب من خفاء تلك الحوادث الخطيرة على المؤرخين؟! أمثال: ابن الخياط، واليعقوبي، والطبري، والمسعودي، وابن الأثير، وابن كثير، وابن خلدون. حيث لم يوردوا شيئاً منها في تواريخهم، مع ذكرهم إحراق أبي بكر الفجاءة السلمي، بكل تفاصيله، بلا خلاف من أحد منهم فيه!!([62]).

ونقول:

إن لنا على ما ذكره ملاحظات عديدة نذكر منها ما يلي:

أولاً: إن ما كان عليه العرب من الشرك وعبادة الأصنام أشر وأضر من تأليههم أحداً من البشر.. فهل يمكن تنزيه الذين يعبدون الحجر عن عبادة بعض البشر، الذين يرون لهم امتيازاً عليهم، في تدبيرهم، أو في علومهم، أو في بعض الألاعيب السحرية التي يخدعونهم بها، ومسليمة الكذاب، وكذلك سجاح قد خدعا الألوف من الناس ببعض الألاعيب، حتى اعتقدوا بنبوتهما، وقاتلوا وقتلوا تحت رايتهما.. بل لعلهم اعتبروا مسيلمة إلهاً، كما ربما يوحي به تسميتهم له بـ «رحمان اليمامة».

ثانياً: إن تأليه من يرفض التأليه حين يكون ذلك في حال حياته قد حصل في العرب أيضاً، فإن المؤلفين في الفرق يذكرون: أن الخطابية كانوا يؤلهون الإمام الصادق «عليه السلام» ويعبدونه، وسموه رباً([63]).

كما أن في العرب نصارى من بني تغلب وغيرهم، والنصارى يؤلهون عيسى، وهو بشر، فكيف عبدوا البشر؟!

ثالثاً: إن عدم سماعنا بتأليه العرب بشراً حياً لا يدل على عدم حصول ذلك، إذ لم ينقل لنا التاريخ كل ما فعله العرب عبر الأزمان، والأحقاب.

رابعاً: لنفترض: أن ذلك لم يحصل في السابق، فمن الذي قال: إنه سوف لا يحصل في اللاحق؟! ولا سيما بعد أن رأوا تلك المعجزات الباهرة، والدلائل القاهرة، لأمير المؤمنين «عليه السلام»، فهل مرَّ عليهم مثله؟! أو رأوا له شبيهاً في شيء من صفاته وحالاته، ثم لم يؤلهوه، ولم يعبدوه؟! أم أنهم لم يمر عليهم في تاريخهم إلا الجهلة المدعون لما ليس لهم، أو فيهم.

خامساً: إن عدم إلف العربي للخضوع والخنوع لا يمنعه من تأليه من يرى منه المعجزات، وأعظم الكرامات. فإن التأليه يتصل بقلبه وبضميره ووجدانه، ولا ربط بالخضوع والخنوع، ولا سيما إذا كان يرى أمامه رجلاً مثل علي «عليه السلام» في عدله، وسماحته، وسائر صفاته، ويجترح أمام عينيه المعجزات، وتظهر له الكرامات.

سادساً: إن اللجاج والعناد، والعنجهية، والإستكبار قد يقود طالب الدنيا إلى أسوأ العواقب.. وقد تحدثنا في كتابنا: علي والخوارج عن أن الخوارج كانوا طلاب دنيا، ولكن لجاجهم قد قادهم إلى مصارع السوء..

وهل يرى هذا الباحث: أن عمرو بن عبد ود العامري، ومرحباً، وسواهما كانا يطلبان الآخرة في حربهم لرسول الله «صلى الله عليه وآله»؟! ألم يكن الذي دعا عمرواً إلى منازلة علي «عليه السلام» هو أن لا تتحدث نساء العرب عنه بذلك؟!

هذا فضلاً عن قادة الألوية في أحد، وسواهم من قادة الضلال على مر الأجيال.

وبماذا يجيب هذا الباحث على السؤال عن إصرار ذلك الذي نزل فيه قوله تعالى: ﴿سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ مِنَ اللهِ ذِي الْمَعَارِجِ﴾؟!([64]). على معاندة القرار الإلهي، حتى دعا الله بنزول العذاب عليه، إن كان نَصْبُ رسول الله «صلى الله عليه وآله» علياً «عليه السلام» إماماً هو الحق من عنده تعالى([65]).

والأمثلة على ذلك كثيرة..

سابعاً: بالنسبة لسؤال هذا الباحث عن سبب إصرار هذا الغالي على نسبة الألوهية لمن ينكرها، ويكذبه، ويبرأ من قوله نقول:

إن الشيطان قد يوسوس له: أن هذا المعبود يريد بتكذيبه له أن يختبر صبره، وصدقه في اعتقاده، أو يزين له الشيطان أن عقوبته بالإحراق دليل ألوهيته، فإنه لا يعذب بالنار إلا رب النار.

أو يزين له العناد واللجاج ضروري له لكي لا يقال: إنه خاف من الموت. أو لا يقال: إنه أخطأ، او ليخلد اسمه في التاريخ إلى غير ذلك من أباطيل وترهات، وتزيينات، وخدع شيطانية.

ثامناً: إن هذا الباحث قال: إن تأليه إنسان لإنسان يمكن أن يحصل بعد عصر ذلك الإنسان الذي يغلو الناس فيه. كما هو الشأن في عيسى وعلي «عليهما السلام». أما في حياته فلا..

وهذا تحكم باطل، فإن الناس إذا ألهوا شخصاً فإنما يؤلهونه لميزات يرونها فيه، فإذا رأوها فيه في حال حياته، فذلك أدعى للإنبهار بها، وأوقع في النفوس، إذ ليس الخبر كالعيان.

وأما عدم رضا ذلك الشخص بمقالات الناس فيه، فقد يؤوله الغلاة: بأنه تواضع منه، أو امتحان واختبار منه لهم، أو أن ثمة مصالح أخرى لا يدركونها، ويريد أن يتوصل إليها..

تاسعاً: بالنسبة لعدم ذكر بعض المؤرخين لأمثال هذه الأحداث، نقول:

إن هذا لا يصلح شاهداً على عدم وقوعها، لأن إهمالها قد يكون لأغراض مختلفة قد نعرفها أو نحتملها. وقد لا نعرفها، أو لا تخطر على بال.

يضاف إلى ذلك: أن هناك الكثير من الأحداث الكبيرة والهامة لم يذكرها المؤرخون، أو حاولوا التخفيف من وهجها. ولا سيما ما يكون منها مرتبطاً بأمير المؤمنين «عليه السلام»، فإن الدواعي كانت متوفرة لطمس كثير من الحقائق التي ترتبط به، إذا توهموا أنها قد تفيد في إظهار مزاياه «عليه السلام»..

دعوى الدس في كتاب الكشي:

وقد حاول بعض الباحثين أن يتخلص من روايات الكشي بطريقة أخرى. نلخصها فيما يلي:

إن أصحاب الأئمة كتبوا آلاف الكتب الجامعة للروايات عن الأئمة «عليهم السلام». ومنها ما عرف بالأصول الأربع مئة التي جمع منها الكليني والشيخ كتب: الكافي، وتهذيب الأحكام، والإستبصار، وجمع الصدوق وأبوه كتبهما.

وقد بقيت من ذلك العصر أيضاً الكتب الرجالية الأربعة المعروفة، وهي: اختيار معرفة الرجال للكشي، ورجال الشيخ، وفهرسته، ورجال النجاشي.

وقد ذهبت كتب أصحاب الأئمة «عليهم السلام» مع الأيام، بسبب إرهاب الحكام، وحرق المكتبات في الكرخ ببغداد، وبسبب انصراف علماء الشيعة إلى تحصيل العلوم الممهدة لاستنباط الأحكام، وأهملوا تدراس كتب التفسير، والسيرة، والأدب وغيرها وتسامحوا في فهم روايات التاريخ، وصاروا يأخذونها من أمثال الطبري، وكذلك الحال بالنسبة لروايات الملل والنحل، حيث صاروا يأخذونها من كعب الأحبار، ووهب بن منبه ونظائرهما.

فتسربت أخبار الزنادقة من مثل تاريخ الطبري إلى كتب تاريخهم، والإسرائيليات، عن كعب الأحبار وغيره إلى كتب تفسيرهم، ودخلت أساطير الخرافة من كتب الملل والنحل في تآليفهم في الملل والنحل، وانتشرت روايات غير صحيحة في بعض كتب التراجم، كرجال الكشي، والمقالات للأشعري.

ثم ذكر عن الكشي رواية عن الإمام الصادق «عليه السلام» فيها: أن المغيرة كان يتعمد الكذب على الإمام الباقر، وكان أصحابه يأخذون كتب أصحاب الإمام الباقر «عليه السلام»، فيدفعونها إلى المغيرة، فكان يدس فيها الكفر والزندقة، ويسندها إلى الإمام، ثم يدفعها إلى أصحابه، فيأمرهم بأن يبثوها في الشيعة.

ثم ذكر عن الكشي أيضاً رواية عن يونس: أنه أخذ كتب أصحاب الإمام الباقر والصادق «عليهما السلام»، وعرضها على الإمام الرضا «عليه السلام»، «فأنكر منها أحاديث كثيرة وقال: لعن الله أبا الخطاب، وكذلك أصحاب أبي الخطاب، يدسون هذه الأحاديث إلى يومنا هذا في كتب أصحاب أبي عبد الله»([66]).

ثم قال: «أمثال هذه الروايات سواء صحت، وثبت أن الزنادقة دسوا في أمثال كتب الكشي، أو أن الكشي وهم في إيراد أمثال هذه الروايات الكاذبة في كتابه، على كلا التقديرين تثبت انتشار روايات غير صحيحة في أمثال كتاب رجال الكشي». ولم تدرس أخبار غير الأحكام، ومنها أخبار الغلاة. وهي معارضة بالأخبار التي تصرح بأنهم كانوا زنادقة لا غلاة.

ففي رواية عن الإمام الصادق «عليه السلام»: «أنه أتى بالزنادقة من البصرة، فعرض عليهم الإسلام، فأبوا»([67]).

وفي البخاري: أتي علي بزنادقة فأحرقهم([68]).

وفي فتح الباري: أن علياً أحرق المرتدين، يعني الزنادقة([69]).

وعن أحمد: أن علياً «عليه السلام» أتى بقوم من هؤلاء الزنادقة ومعهم كتب، فأمر بنار فأججت، ثم أحرقهم وكتبهم([70]).

ثم ذكر: أن أخبار الحرق جانبت الصواب، وأن الصواب: هو أنه أحرقهم بعد قتلهم، بعد أن طلبوا منه أن يبيعهم الجثة بمائة دينار، وقال: لا أكون عوناً للشيطان عليكم([71]).

زاد في رواية أخرى قوله: «ولا ممن يبيع جثة كافر»([72]).. انتهى كلامه ملخصاً.

ونقول:

إن ما قدمناه يكفي في بيان عدم صحة كلام هذا الباحث، ونعود فنذكر القارئ الكريم بما يلي:

أولاً: لا ربط لهذه الروايات المرتبطة بابن سبأ، بالطبري، ولا بكتب الملل والنحل، ليقال: إنها تسربت منه ومنها([73])، فإنها كما قال هذا الباحث نفسه: من مرويات الكشي، التي أخذها غيره عنه، وهي روايات لا ربط لها بكعب الأحبار، ولا بوهب بن منبه، بل هي مروية عن الأئمة «عليهم السلام»، وأسانيد ثلاث روايات منها صحيحة..

ثانياً: لا ربط للكشي ولا لهذه الروايات بالمغيرة بن سعيد، وأبي الخطاب، وأصحابهما، فإنهم كانوا قد انتهى أمرهم قبل عصر الكشي، فلم يقع كتابه في أيديهم ليدسوا فيه..

ثالثاً: لا ريب في أن الدس المذكور ـ إن صح أنه قد حصل ـ فإن حصوله كان في عهد الأئمة «عليهم السلام».. كما دلت عليه رواية الإمام الرضا «عليه السلام»، الذي ألمح إلى أن ذلك استمر إلى زمنه «عليه السلام».. وقد أنكر «عليه السلام» أحاديث كثيرة في الكتب التي عرضها عليه يونس([74])، وما أنكره لم يكن ينحصر بأحاديث الفقه والأخلاق، والأحكام مثلاً، بل كان يشمل جميع المعارف التي دونت في تلك الكتب.

وقد ذكرت الروايات: أن معظم ما كانوا يدسونه كان من أخبار الكفر والزندقة، وهي التي أنكرها «عليه السلام».. إذ لا يعقل أن يتركها، ويلاحق خصوص أخبار الأحكام!!

كما أن من الطبيعي: أن يولي الأئمة «عليه السلام» هذا الأمر بالغ الاهتمام، وأن يواصلوا جهودهم في تنقية كتب أصحابهم منها، وأن يلاحقوها في كل اتجاه. فهل يعقل أن يلاحقوها طيلة قرن ونصف، وتبقى متداولة ومثبتة في كتب أصحابهم، ثم تسربت إلى رجال الكشي أو غيره. بسبب وهم وقع فيه، أو دسٍ مارسه ذاك، وكأن كتب أصحابنا كانت مستباحة طيلة تلك القرون؟!

رابعاً: كيف يمكن لنا أن نطمئن على أن الدس لم يحصل حتى في كتب الصدوق والمفيد، والطوسي، ولو في غير الأحكام، ما دام أن العلماء كانوا مهتمين بالأحكام وغافلين عن غيرها؟!

فإذا أجاز أن تتسرب هذه المكذوبات إلى كتاب الكشي، أو أن يتعرض للدس فيه، فلماذا لا يجوز ذلك في غيره؟! مع العلم بأن الكافي قد اشتمل على غير أحاديث الأحكام، ولعلها تزيد على ثلثه.. كما أن كتب الصدوق وأبيه لم تقتصر على الأحكام، بل إن أحاديث السيرة والتاريخ هي الأكثر، والأوفر فيها.. فلماذا اعتبرها هذا الباحث مما تعرض للتصفية والتنقية، مع أن الصدوق متأخر عن الكشي أيضاً. ولم يظهر أنه يمتاز عنه في التحقيق والتدقيق.

فإن قيل إن العلماء قد نقوا كتب الفقه من تلك المدسوسات، فنقول:

من الذي قال: إنهم لم ينقوا كتب الرجال منها أيضاً؟!

ولماذا انحصر الدس بكتاب الكشي، ولم يتجاوزه إلى فهرست الشيخ، ورجال النجاشي وغيرهما.. وكيف يقول النجاشي عن كتاب الكشي: فيه علم كثير؟! ولماذا لم يشر هو ولا غيره من العلماء إلى هذا الدس، واكتفوا بالإشارة إلى اختلاط بعض التراجم وبعض الأحاديث ببعضها؟! وإلى وقوع التصحيف والغلط الكثير من النساخ فيه؟!

خامساً: إن ذلك الباحث قال: إن المطلوب هو التدقيق فيما يرويه الكشي لتمييز المكذوب من غيره..

ونقول له:

ألف: إن هذا مطلوب للجميع، وهو يحصل باستمرار في جميع كتب الحديث والتراجم والرجال، بما فيها الكتب الأربعة أيضاً..

ب: قد تصدى هذا الباحث «رحمه الله» للتحقيق في مورد ابن سبأ، ولكن ما قدمه لنا من نتائج، لم يأت وفق المراد، بل التحقيق الدقيق يوصل إلى خلاف ما أراد.

سادساً: لنفرض: أن الدس في الكتب قد استمر إلى زمن الكشي، فإن ما ساقه لا يؤدي إلى هذه النتيجة، فلاحظ الأسئلة التالية:

من قال: إن كتاب الكشي قد تعرض لهذا الدس؟!

ومن قال: إن الكشي قد وهم حين أورد تلك الروايات؟!

ومن قال: إن هذه الروايات مكذوبة؟!

ومن قال: إن كتب الصدوق، والكافي، والشيخ، والنجاشي وغيرهم لم تتعرض لهذا الأمر بالذات؟!

ولو سلمنا: أن الدس قد نال كتاب الكشي، فمن الذي قال: إنه قد نال هذا المورد، فلعله حصل في مواضع أخرى؟!

ولماذا يريد أن يسقط كتب شيعة أهل البيت «عليهم السلام» عن الاعتبار بهذه الطريقة؟!

ويبدو: أن هذا الباحث قد أحس أن مقدماته لا تؤدي إلى النتيجة التي توخاها منها، بدليل قوله عن حديث المغيرة وأبي الخطاب في كتب أصحاب الأئمة «عليهم السلام»: «سواء صحت وثبت أن الزنادقة دسوا في أمثال كتب الكشي» وأن الكشي وهم في إيراد أمثال هذه الروايات الكاذبة.

سابعاً: تقدم: أن ما ادعاه هذا الباحث من تعارض أخبار الغلاة مع أخبار الزنادقة، لا يصح لا مكان صدق جميع الروايات، إذ لا دليل على أن جميع الروايات تتحدث عن واقعة واحدة، بل الروايات ظاهرة بل صريحة في تعدد الوقائع..

ثامناً: قد حكم هذا الباحث بصحة رواية حرق الزنادقة بعد قتلهم، ولم يقدم دليلاً على دعواه.

وقد كان الأولى والأجدر به أن يحكم بصحة روايات الكشي، فإنها أصح سنداً وأكثر عدداً، وهي معتضدة بروايات عديدة أخرى، مروية في مصادر من كتب التاريخ والرواية والملل والنحل قبل عصر الكشي.

تاسعاً: إنه قد رجح روايات قتلهم، ثم حرقهم على روايات قتلهم بالدخان أو إحراقهم بالنار، مع أن القتل مفهوم عام يشمل القتل بالسيف، والقتل بالدخان، فلعل قول الرواية: قتلهم: أنه قتلهم بالدخان، ثم لما طلبوا منه «عليه السلام» أن يبيعهم جثثهم رفض ذلك، وأحرق تلك الجثث، معللاً ذلك: بأنه لا يريد أن يكون عوناً للشيطان عليهم، ولا ممن يبيع جثة كافر. فقد علم أنهم سوف يستفيدون من تلك الجثث في تأكيد ارتباطهم بهم، ومن وسائل نشر دعوتهم..

عاشراً: إنه لا مصلحة للمغيرة ولا لأبي الخطاب، وأصحابهما في دس أخبار حرق أمير المؤمنين «عليه السلام» للزنادقة في كتب أصحاب الأئمة «عليهم السلام». لأنهم كانوا هم أنفسهم من الغلاة أيضاً..

يضاف إلى ذلك: تصريح الروايات: بأنهم كانوا يدسون الكفر والزندقة([75])، وليست هذه الأخبار منها. بل هي من العلم الكثير الذي حفل به كتاب الكشي، كما تقدم عن النجاشي «رحمه الله»..

حادي عشر: ليت هذا الباحث يدلنا على هذه الإسرائيليات، وأساطير الخرافة، وأخبار الزنادقة التي تسربت إلى كتب أصحابنا، ولا سيما رجال الكشي، والمقالات للأشعري، والطبري وغيره، فمن ذكرهم لنا في كلامه المسهب الذي قدمنا تلخيصاً عنه..

 نفي ابن سبأ:

وقد ذكرت بعض الروايات: أن علياً «عليه السلام» قد نفى ابن سبأ إلى المدائن([76]).

وإن السبب: هو إظهاره الطعن على الخلفاء الثلاثة، والصحابة، وبراءته منهم، وادعى: أن علياً أمره بذلك، وأن التقية لا تجوز.

فأخذه علي، فسأله، فأقر بذلك، فأمر بقتله، فاعترض الناس على قتل من يدعو إلى حب أهل البيت، وإلى ولايتهم، والبراءة من أعدائهم، فسيره إلى المدائن([77]).

وقال البغدادي: «إن علياً «عليه السلام» أمر بإحراق قوم من الغلاة في حفرتين، حتى قال بعض الشعراء في ذلك:

لترم بي الحـوادث حيث شـاءت         إذا لـم تـرم بـي فـي  الحـفـرتــين

ثم إن علياً «عليه السلام» خاف من إحراق الباقين منهم، إختلاف أصحابه، فنفى ابن سبأ إلى ساباط المدائن.

فلما قتل علي «عليه السلام» زعم ابن سبأ: أن المقتول لم يكن علياً، بل كان شيطاناً تصور للناس في صورة علي، وأن علياً «عليه السلام» صعد إلى السماء كما صعد إليها عيسى بن مريم «عليه السلام» إلخ..»([78]).

وذكر البغدادي: أن ابن عباس نهى علياً عن قتل ابن السوداء، حتى لا يختلف عليه أصحابه، والحال: أنه عازم على قتال أهل الشام. فنفاه هو وعبد الله بن سبأ إلى المدائن. فافتتن بهما رعاع الناس بعد مقتل علي إلخ..([79]).

وزعموا: أنه لما بلغ نعي علي ابن سبأ وأصحابه ـ وهو بالمدائن ـ قالوا لمن نعاه: كذبت يا عدو الله، لو جئتنا ـ والله ـ بدماغه في صرة، فأقمت على قتله سبعين عدلاً. ما صدقناك، لعلمنا أنه لم يمت ولم يقتل، وأنه لا يموت حتى يسوق العرب بعصاه إلخ..([80]).

زاد الملطي قوله: فبلغ ذلك الحسن بن علي «رضي الله عنه»، فقال: فلم ورثنا ماله، وتزوج نساؤه؟!([81]).

وعند نشوان الحميري: أن ابن عباس هو الذي قال ذلك([82]).

ونقول:

أولاً: قد عرفنا: أن ابن سبأ قتل في حياة علي «عليه السلام»، وأن الأرجح: هو أن بعض أتباعه الذين كانوا متسترين في عهد أمير المؤمنين «عليه السلام» قد كشفوا أمرهم بعد استشهاده، وقالوا لمن نعاه هذا القول..

ولعل المقصود بالذي بقي إلى ما بعد استشهاد علي «عليه السلام»: شخص آخر اسمه عبد الله، كان سبائياً في الإعتقاد، ولكنه كان من يهود الحيرة، وليس يمنياً كابن سبأ..

ثانياً: لعل المراد بتزويج نساء أمير المؤمنين، هو تزويج الإماء اللواتي كان يملكهن، ولعله «عليه السلام» كان بصدد تزويجهن، فاستشهد على يد أشقى الأولين والآخرين. وإلا فإن ما يقال من إنكار هؤلاء لموته «عليه السلام» لا بد أن يكون فور استشهاده، وقبل أن تمضي أربعة أشهر وعشرة أيام، ولم تمض بعد أربعة أشهر وعشرة، عدة الوفاة التي تحتاج المرأة لتمضيتها قبل أن تتزوج.

بل إننا نستبعد أن يكون أحد من نسائه «عليه السلام» قد تزوجت بعده..

ثالثاً: إن هذه الأقوال، تسقط أمام الروايات الصحيحة السند والمتعددة، التي ذكرها الكشي، فلا بد أن تحمل على تقدير صحتها على أن يكون قد نفي إلى المدائن قبل ظهور غلوه، فلما ظهر غلوه استدعاه علي إليه، وقرره، فلما أقر بما يوجب القتل حرقاً، قتله..

رابعاً: لعل سبب إبعاده إلى المدائن أمران:

أولهما: إظهاره الطعن على الخلفاء، وعدم ارتداعه عن ذلك، الأمر الذي قد يوجب الفتنة والإفساد.. كما يشير إليه قوله بعدم التقية. إلا أن يكون نفس قوله بإمامة أمير المؤمنين «عليه السلام»، وجهره بغاصبيتهم حقه هو المقصود بنسبة الطعن على الخلفاء إليه.

الثاني: كذبه على علي «عليه السلام» وزعمه أنه «عليه السلام» هو الذي أمره بذلك. وهذه جرأة عظيمة، لا مجال للتساهل معه فيها، لما تسببه من تصدعات، ومن سلبيات لها آثارها السيئة على الناس في مجالات عديدة..

خامساً: لقد لفت نظرنا قول البغدادي: إن علياً أحرق قوماً من الغلاة، ولكنه نفى ابن سبأ إلى المدائن. فإنه إذا كان ابن سبأ هو الرأس، فلماذا ترك «عليه السلام» الرأس، وقتل الأذناب؟!

إلا أن يقال: إن أولئك قد جهروا بالغلو، فعاقبهم بالقتل، أما ابن سبأ فاكتفى بالكذب عليه، وبالطعن على من يوجب الطعن عليهم، طلباً منه للفتنة. فنفاه إلى المدائن، ثم لما ظهر غلوه بعد ذلك عاقبه بالحرق..

سادساً: إذا كان علي «عليه السلام» قد أحرق ابن سبأ، كما دلت عليه الروايات الصحيحة، فهو لم يعش إلى ما بعد استشهاده «عليه السلام»، فإن كان أحد قد أنكر موته «عليه السلام»، فلا بد أن يكون غير ابن سبأ. ولعله أحد أتباعه الذين تستروا على غلوهم إلى ما بعد وفاة علي «عليه السلام».

وربما يكون هو عبد الله، وهو ابن السوداء الذي ذكر البغدادي: أن علياً «عليه السلام» نفاه هو وابن سبأ إلى المدائن، فلاحظ النص الأخير الذي ذكرناه آنفاً. ويكون البغدادي قد غلط في زعمه: أن الناس قد افتتنوا بابن سبأ، وابن السوداء، بعد استشهاد علي «عليه السلام»، لأن ابن سبأ قتل على يد علي «عليه السلام» وافتتانهم لعله كان بسبب ابن السوداء فقط. وسنوضح ذلك في الفقرة التالية:

ابن السوداء، وابن سبأ:

قال البغدادي: «إن عبد الله بن السوداء كان يعين السبأية على قولها. وكان أصله من يهود الحيرة، فأظهر الإسلام. وأراد أن يكون له عند أهل الكوفة سوق ورياسة، فذكر لهم: «أنه وجد في التوراة: أن لكل نبي وصياً، وأن علياً وصي محمد..».

فقال شيعة علي لعلي «عليه السلام»: إنه من محبيك، فرفع قدره، وأجلسه تحت درجة منبره. ثم بلغه عنه غلوه، فهم بقتله إلخ..»([83]).

قال بعض الباحثين: «هذا مفاد رواية سيف عن عبد الله بن سبأ، أورده البغدادي محرفاً مشوشاً. وزعم: أن ابن سبأ غير ابن السوداء. وأنهما اثنان. وابن السوداء كان من يهود الحيرة، بينما ذكر سيف: أن ابن سبأ كان من صنعاء اليمن، ونعته بابن السوداء»([84]).

ونقول:

1 ـ إن النص الذي ذكره البغدادي ليس مأخوذاً من رواية سيف التي ذكرها الطبري، فقد صرح الطبري: بأن ابن سبأ يهودي من صنعاء([85])، والبغدادي يصرح: بأن ابن السوداء من يهود الحيرة..

ويصرح البغدادي أيضاً: بأن ابن سبأ أخبرهم بأنه وجد في التوراة: أن لكل نبي وصياً. ولم يذكر الطبري التوراة بشيء.

وليس في الطبري: أن علياً «عليه السلام» رفع قدر ابن السوداء، وأجلسه تحت درج منبره. وقد ذكر ذلك البغدادي..

وهذا يدل: على أن الطبري ليس هو المصدر الذي أخذ منه البغدادي..

2 ـ إن ما نقله الطبري عن ابن سبأ في هذا المورد([86]) ليس فيه إشكال ذو بال من الناحية العقائدية، فإن عقيدة الرجعة، وأن علياً وصي الرسول، وأنه خاتم الأوصياء، وأنه كان ألف نبي لهم أوصياء. وعدم الرضا بالوثوب على وصي الرسول، والقول بأن عثمان أخذ الخلافة بغير حق([87]) ليس فيه إشكال. إن ذلك كله من العقائد الثابتة بالآيات والروايات وغيرها من الشواهد والدلائل.

علي في السحاب:

وزعموا: أن فرقة من السبئية يقولون: إن علياً «عليه السلام» لم يمت، وإنه في السحاب، وإذا نشأت سحابة بيضاء صافية مضيئة، مبرقة مرعدة، قاموا إليها يبتهلون، ويتضرعون ويقولون: قد مر بنا في السحاب([88]).

قال البغدادي: «..وزعم بعض السبأية: أن علياً في السحاب، وأن الرعد صوته، والبرق سوطه»([89]).

قال إسحاق بن سويد:

بـرئـت مـن الخوارج لست منهم                مـن الـغـزال مـنـهـم و ابـن باب
ومـن قـوم إذا ذكـــروا عـلـيــاً           يـردون السـلام عـلى  السحاب
([90])

ونلاحظ هنا ما يلي:

أولاً: روي: أن النبي «صلى الله عليه وآله» عمم علياً «عليه السلام» يوم الخندق عمامته السحاب على رأسه تسعة أكوار([91]).

وفي نص آخر: كانت له عمامة يعتم «صلى الله عليه وآله» بها يقال لها: السحاب. فكساها علياً، فكان ربما طلع علي «عليه السلام» فيها، فيقول: أتاكم علي في السحاب، يعني: عمامته التي وهب له([92]).

ثانياً: قال العلامة العسكري: «السحابة البيضاء الصافية المنيرة لا تكون مبرقة مرعدة، وإنما السحابة السوداء هي التي تبرق وترعد»([93]).

جمجمة كسرى:

جاء في بعض الروايات ما خلاصته: أن علياً «عليه السلام» نزل إيوان كسرى، ومعه دلف بن مجير (منجم كسرى)، فصار يطوف منازل كسرى ويقول: كان لكسرى في هذا المكان كذا وكذا.. ويقول دلف: هو والله كذلك.

فما زال كذلك حتى طاف المواضع بجميع من كان عنده، ودلف يقول: يا سيدي ومولاي كأنك وضعت هذه الأشياء في هذه المساكن.

فنظر «عليه السلام» إلى جمجمة نخرة، مطروحة، فدعا بطست، وأمر أن يصبوا فيه الماء، ووضع الجمجمة فيه، ثم قال: أقسمت عليك يا جمجمة أخبريني من أنا؟! ومن أنت؟!

فنطقت الجمجمة بلسان بيِّن، فقالت: أما أنت فأمير المؤمنين، وسيد الوصيين، وأما أنا فعبد الله، وابن أمة الله كسرى أنوشيروان..

ثم ذكرت الرواية: أن كسرى أخبره: أنه نادم على عدم إيمانه برسول الله.. وأنه في النار، ولكنه لا يعذب بها بسبب عدله ورفقه.

فانصرف الذين كانوا معه من أهل ساباط إلى أهاليهم، وأخبروهم بما كانوا قد سمعوه من الجمجمة. فاضطربوا واختلفوا في معنى أمير المؤمنين. فقال بعضهم: هو وصي الرسول.

وقال بعضهم: بل هو النبي.

وقال بعضهم: بل هو الرب ـ وهو عبد الله بن سبأ وأصحابه ـ وقالوا: لولا أنه الرب كيف يحيي الموتى؟!

فسمع «عليه السلام» بذلك، فحاول إقناعهم بالرجوع عن مقالتهم، فرجع بعضهم، وأصر بعضهم، فأحرقهم بالنار.

وتفرق منهم قوم في البلاد وقالوا: لولا أن فيه الربوبية ما كان أحرقنا في النار.

وفي نص آخر: فقال له أصحابه: إن تركتهم على مثل هذا كفر الناس.

فلما سمع ذلك منهم قال لهم: ما تحبون أن أصنع بهم؟!

قالوا: تحرقهم بالنار كما أحرقت عبد الله بن سبأ وأصحابه.

فأحضرهم، وقال: ما حملكم على ما قلتم؟!

قالوا: سمعنا كلام الجمجمة النخرة، ومخاطبتها إياك. ولا يجوز ذلك إلا لله تعالى، فمن ذلك قلنا ما قلنا.

فقال: ارجعوا إلى كلامكم، وتوبوا إلى الله.

فقالوا: ما كنا نرجع عن قولنا، فاصنع ما أنت صانع.

فأمر أن تضرم لهم النار وحرقهم.

فلما احترقوا قال: اسحقوهم، واذروهم في الريح.

فسحقوهم، وذروهم في الريح.

فلما كان اليوم الثالث من إحراقهم دخل إليه أهل ساباط، وقالوا: الله، الله في دين محمد «صلى الله عليه وآله»، إن الذين أحرقتهم بالنار قد رجعوا إلى منازلهم أحسن ما كانوا.

فقال «عليه السلام»: «أليس قد أحرقتموهم بالنار، وسحقتموهم، وذريتموهم في الريح؟!

قالوا: بلى.

قال: أحرقتهم أنا والله أحياهم.

فانصرف أهل ساباط متحيرين([94]).

ونقول:

نلاحظ ما يلي:

1 ـ اضطراب نص الرواية في مصادره المختلفة فيما يرتبط بعبد الله بن سبأ فواحدة تقول: إن الناس قالوا له «عليه السلام»: تحرقهم بالنار، كما أحرقت عبد الله بن سبأ، ومقتضى ذلك أن ابن سبأ ميت.

وأخرى تقول: وقال بعضهم: هو الرب، وهو عبد الله بن سبأ وأصحابه..

2 ـ لماذا تكون جمجمة كسرى مطروحة على الأرض، ألم يكن أصحاب كسرى قد دفنوه، في موضع حصين وأمين؟! وقد علمنا: أن مدافن الملوك، تكون في مواضع مميزة، وغير عادية!!

3 ـ لم نعرف حكمة جعل الجمجمة في الماء؟! ألم يكن يمكنها أن تتكلم إلا إذا وضعت في الماء؟! إن كان الأمر كذلك، فلماذا تكلمت معه الجمجمة بعد رجوعه من حروب النهروان، بدون أن يضعها في طشت فيه ماء؟!([95]).

4 ـ يفهم من الرواية: أن الذين اختلفوا بسبب كلام جمجمة كسرى كانوا من أهل ساباط المدائن دون غيرهم من الأقوام الذين حضروا ما جرى، فما السبب يا ترى؟!

5 ـ ما الحكمة في إحياء الله الذين أحرقهم علي «عليه السلام» وسحقهم وذراهم في الريح؟! أليس إحياؤهم من موجبات تكريس ضلال الضالين،وترسيخ غلو الغالين؟!

ولو أن الذين رجعوا أخبروا الناس بما عاينوه من عذاب الله بسبب مقالتهم الباطلة، وأزالوا الشبهة عنهم، لكان رجوعهم ضرورياً ومبرراً، ولكن رجوعهم زاد الناس حيرة، حتى سأل الناس علياً «عليه السلام» عن حالهم، فجاءت إجابته غير مجدية في إخراجهم من حيرتهم، حيث أحال الأمر على الله سبحانه.

إلا إن كان أراد أن يزيل شبهتهم ببيان: أن الأمر لا يعود إليه، وذلك يكذب دعواهم الألوهية له..

6 ـ وبعد..فإن كان هؤلاء الذين أحياهم الله قد بقوا أحياء، فينبغي أن يعرفهم الناس، وأن يقصدهم الزائرون والسائلون، والمتعجبون، والمتبركون من جميع البلاد، وأن يدوِّن الناس ما جرى لهم، وأن يتناقلوه ويتداولوه بكرة وعشياً، وأن تعرف أسماؤهم، وأحوالهم، وعشائرهم، ومدافنهم و.. و.. الخ..

وإن كانوا قد عادوا إلى الموت فأين هي قبورهم؟! ولماذا لم تذكر أسماؤهم، ولا عرفت أحوالهم، ولا ذكر شيء مما جرى لهم وعليهم في كتب المسلمين وغيرهم؟!

لا يوجد من اسمه ابن سبأ:

وقد حاول أحد الباحثين: أن ينكر وجود عبد الله بن سبأ من الأساس، إذ لا يوجد رجل بهذا الاسم، بل الموجود في زمن علي «عليه السلام» هو عبد الله بن وهب بن راسب بن مالك بن ميدعان، بن مالك بن نصر، ابن الأزد بن الغوث، بن نبت بن مالك، بن زيد، بن كهلان، بن سبأ، فهو سبأي راسبي. وقد أصبح زعيم الخوارج، وقتل في النهروان.

ولم يوجد غيره بهذا الاسم، ولم يعرف التاريخ الصحيح أحداً آخر بهذا الاسم، فضلاً عن أن يؤله علياً، أو يؤسس فكرة الوصاية له، أو غير ذلك([96]).

ونقول:

لاحظ الأمور التالية:

1 ـ قال البلاذري المتوفى سنة279هـ: «وأما حجر بن عدي الكندي، وعمرو بن الحمق الخزاعي، وحبة بن جوين البجلي، ثم العرني، وعبد بن وهب الهمداني ـ وهو ابن سبأ ـ فإنهم أتوا علياً، فسألوه عن أبي بكر وعمر إلخ..

فقال: أوقد فزعتم لهذا؟! وهذه مصر قد افتتحت إلخ..»([97]).

وذكر الثقفي هذا النص نفسه لكنه قال: «وعبد الله بن سبأ»([98]).

وسبأ هو أحد أجداد عبد الله، أما اسم أبيه فهو وهب.

وقد ذكر البلاذري كلامه الآنف الذكر بعد أن ذكر إرادة أمير المؤمنين «عليه السلام» الرجوع إلى صفين بعد النهروان..

فابن سبأ على حسب نقل البلاذري: همداني، وهمدان من خيار بن مالك بن زيد بن كهلان. أما عبد الله بن وهب الراسبي، فهو من راسب، وهم بطن من الأزد من نبت بن مالك بن زيد بن كهلان. فأين هذا من ذاك؟! وزعيم الخوارج لم يعبر عنه إلا بالاسم والنسب. وهذا معروف بابن سبأ([99]).

2 ـ إن لابن سبأ ذرية تنسب إليه، فكيف يكون شخصية وهمية؟!

فقد روي: أن زرارة قال للإمام الصادق «عليه السلام»: إن رجلاً من ولد عبد الله بن سبأ يقول بالتفويض، الذي معناه: أن الله خلق محمداً وعلياً «صلوات الله وسلامه عليهما»، ففوض إليهما، فخلقا ورزقا، وأماتا وأحييا».

فقال «عليه السلام»: كذب عدو الله، إذا انصرفت إليه فاتل عليه هذه الآية التي في سورة الرعد: ﴿أَمْ جَعَلُوا لِلهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ([100]).

فانصرفت إلى الرجل فأخبرته، فكأني ألقمته حجراً، أو قال: فكأنما خرس([101]).

وقد أوضح الشيخ المفيد: أن هؤلاء المفوضة كانوا يقولون: بأنه تعالى تفرد بخلق الأئمة خاصة. وفوض إليهم خلق العالم بما فيه، وجميع الأفعال([102]).

                        إلفات نظر لا بد منه:

1 ـ إن هذا الحوار الذي قرأناه في هذا الكتاب، قد جرى بالمراسلة عبر الإنترنت، وقد أوردنا فيه رسائل محاورنا الشيخ الفاضل كما وردتنا منه.. باستثناء بعض الأسطر التي أراد محاورنا حذفها من رسائله، وبعض الإصلاحات اللفظية التي أراد «حفظه الله» إجراءها.

2 ـ إن محاورنا الكريم الفاضل ارتأى أن تكون وسيلته لإثارة الحوار معنا أموراً معينة.. فآثرنا مجاراته في أجوبتنا عليها أيضاً، مع مراعاة خصوصتي الإختصار والإقتصار على النظر في المضمون الذي وصلنا، لأننا نرى: أن هذا هو ما يفرضه الوفاء لحق محاورنا الفاضل.. أخلاقياً وإنسانياً، وإيمانياً أيضاً..

3 ـ إن الإلتزام الدقيق بحرفية النص، وبأمانة نقل الحوار فرض علينا إيراد المقالة المرفقة، والمذيلة باسم عبد الرحمان دمشقية، وإيراد إجابتنا عليها، من دون أي تصرف أو إخلال بأي حرف في المقالة المرفقة، وفي الجواب عنها.

4 ـ إن المضمون العلمي لهذا الحوار هو الذي هيأ له الفرصة للنشر في كتاب.. وما عدا المضمون، فهو بنظرنا يدخل في دائرة الترف الذي يمكن الإستغناء عنه، واستبداله بما هو أكثر فائدة، وأكبر نفعاً..

ولأجل ذلك، لم نلتفت، ولم نهتم لغير المضمون العلمي، لأن الإنسان العاقل والحكيم لا يعتمد غير الخيار الصحيح والسليم..

والحمد لله، والصلاة والسلام على عباده الذي اصطفى محمد وآله..

جعفر مرتضى العاملي..

حرر بتاريخ 5 ربيع الأول 1431هـ الموافق 3/2/2010م


([1]) قضاء أمير المؤمنين «عليه السلام» للتستري (ط مؤسسة الأعلمي) ص230 والكافي ج7 ص259 ومن لا يحضره الفقيه ج3 ص150 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج28 ص335 و (ط دار الإسلامية) ج18 ص553 وبحار الأنوار ج40 ص301 وجامع أحاديث الشيعة ج26 ص64 ورجال الكشي ص72 والمجالس والأخبار ص59.

([2]) قضاء أمير المؤمنين «عليه السلام» للتستري (ط دار الأعلمي) ص230 و231 عن الكشي، وبحار الأنوار ج25 ص300 وإختيار معرفة الرجال للطوسي ج1 ص288 وج2 ص596 وموسوعة أحاديث أهل البيت «عليهم السلام» للنجفي ج8 ص164 عن رجال الكشي ص307 ح556.

([3]) قضاء أمير المؤمنين «عليه السلام» للتستري (ط مؤسسة الأعلمي) ص231 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج5 ص6.

([4]) معجم البلدان للحموي ج1 ص93 وقضاء أمير المؤمنين «عليه السلام» للتستري (ط مؤسسة الأعلمي) ص231 عنه.

([5]) الآية 14 من سورة القيامة.

([6]) الكافي ج4 ص181 ـ 183 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج10 ص249 و 250 و (ط دار الإسلامية) ج7 ص179 و 181 وبحار الأنوار ج38 ص60 و 61 وج40 ص288 و 289 وجامع أحاديث الشيعة ج26 ص16 و 17 وموسوعة أحاديث أهل البيت «عليهم السلام» للنجفي ج4 ص289 وتفسير نور الثقلين ج5 ص462 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج5 ص6 وقضاء أمير المؤمنين «عليه السلام» للتستري (ط مؤسسة الأعلمي) ص231 و 232.

([7]) شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج5 ص6 و 7 وفرق الشيعة للنوبختي ص22 وأعيان الشيعة ج1 ص530.

([8]) قضاء أمير المؤمنين «عليه السلام» للتستري (ط الأعلمي) ص203.

([9]) شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج5 ص6 وقاموس الرجال للتستري ج9 ص296 عنه.

([10]) شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج5 ص7 وراجع: ذخائر العقبى ص82 والملل والنحل للشهرستاني، وعن العقد الفريد (ط لجنة التأليف والترجمة والنشر) ج2 ص326.

([11]) قضاء أمير المؤمنين «عليه السلام» للتستري (ط الأعلمي) ص232 وراجع: ذخائر العقبى ص82.

([12]) شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج5 ص7.

([13]) البيان والتبيين ج3 ص81 و (ط الشيخ حسن بمصر) ج3 ص83 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج8 ص331.

([14]) وسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج10 ص250 وج23 ص169 و (ط دار الإسلامية) ج7 ص180 و 181 وج16 ص166 والكافي (الفروع) ج4 ص182 و 183 ومناقب آل أبي طالب ج2 ص93 وبحار الأنوار ج40 ص289 وموسوعة أحاديث أهل البيت للنجفي ج4 ص289.

([15]) قرب الإسناد ص42 و (ط مؤسسة آل البيت) ص86 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج23 ص268 وج27 ص298 و (ط دار الإسلامية) ج16 ص166 وج18 ص219 وبحار الأنوار ج101 ص287 وجامع أحاديث الشيعة ج19 ص470 وج25 ص68.

([16]) قرب الإسناد ص71 و (ط مؤسسة آل البيت) ص152 ووسائل الشيعـة (ط = = مؤسسة آل البيت) ج23 ص268 و (ط دار الإسلامية) ج16 ص166 وجامع أحاديث الشيعة ج19 ص469 وج25 ص68 وبحار الأنوار ج101 ص287.

([17]) النوادر لأحمد بن محمد بن عيسى الأشعري ص60 و (ط سنة 1408هـ) ص54 ومن لا يحضره الفقيه ج3 ص375 والإستبصار ج4 ص40 وتهذيب الأحكام ج8 ص279 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج23 ص267 و 268 و (ط دار الإسلامية) ج16 ص166 ومستدرك الوسائل ج16 ص69 وبحار الأنوار ج101 ص289 وجامع أحاديث الشيعة ج19 ص469 ومسند محمد بن قيس البجلي (تحقيق بشير المازندراني) ص90.

([18]) الكافي ج7 ص451 والإستبصار ج4 ص40 وتهذيب الأحكام ج8 ص279 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج23 ص266 و (ط دار الإسلامية) ج16 ص165 وجامع أحاديث الشيعة ج19 ص469.

([19]) راجع حول الروايتين: النوادر لأحمد بن محمد بن عيسى الأشعري ص52 والكافي ج7 ص449 ومن لا يحضره الفقيه ج3 ص376 وتهذيب الأحكام ج8 ص277 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج22 ص343 وج23 ص259 و 260 وج27 ص303 و (ط دار الإسلامية) ج15 ص537 وج16 ص159 و 160 وج18 ص223 ومستدرك الوسائل ج16 ص65 والفصول المهمة للحر العاملي ج2 ص411 وبحار الأنوار ج101 ص286 وجامع أحاديث الشيعة ج19 ص462 و 463 وتفسير نور الثقلين ج5 ص146 و 499 وج5 ص588 وتفسير الميزان ج19 ص33 و 194 و 307.

([20]) الكافي ج7 ص451 والإستبصار ج4 ص39 وتهذيب الأحكام ج8 ص279 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج23 ص267 و (ط دار الإسلامية) ج16 ص165 والنوادر لأحمد بن محمد بن عيسى ص60.

([21]) الآية 48 من سورة المائدة.

([22]) الكافي ج7 ص451 والإستبصار ج4 ص39 وتهذيب الأحكام ج8 ص278 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج23 ص266 و (ط دار الإسلامية) ج16 ص164 وبحار الأنوار ج101 ص288 وجامع أحاديث الشيعة ج19 ص468.

([23]) الكافي ج7 ص451 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج23 ص266 و (ط دار الإسلامية) ج16 ص164 و 165 وجامع أحاديث الشيعة ج19 ص468 والنوادر لأحمد بن محمد بن عيسى ص30.

([24]) قضاء أمير المؤمنين «عليه السلام» للتستري (ط مؤسسة الأعلمي) ص231 و 232 وراجع: الكافي ج4 ص181 ـ 183 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج10 ص249 و 250 و (ط دار الإسلامية) ج7 ص179 و 180 وبحار الأنوار ج38 ص60 و 61 وج40 ص288 و 289 وجامع أحاديث الشيعة ج26 ص16 و 17 وموسوعة أحاديث أهل البيت «عليهم السلام» للنجفي ج4 ص289 وتفسير نور الثقلين ج5 ص462.

([25]) رجال الكشي (ط كربلاء) ص99 و 100 وخلاصة الرجال للعلامة، وقاموس الرجال ج5 ص461 ووسائل الشيعة (ط دار الإسلامية) ج18 ص554 ومستدرك الوسائل ج18 ص169 والهداية الكبرى ص151 ونوادر المعجزات ص21 ومناقب آل أبي طالب ج1 ص227 ومدينة المعاجز ج1 ص226 وجامع أحاديث الشيعة ج26 ص67 والغدير ج3 ص94 وتأويل مختلف الحديث ص70 واختيار معرفة الرجـال ج1 ص323 وخـلاصـة الأقـوال ص371 = = والتحرير الطاووسي ص345 ونقد الرجال ج3 ص109 وجامع الرواة ج1 ص485 وطرائف المقال ج2 ص96 ومستدركات علم رجال الحديث ج5 ص21 ومعجم رجال الحديث ج11 ص205 وميزان الإعتدال ج2 ص426 ولسان الميزان ج3 ص289 و 290 وأعيان الشيعة ج1 ص31 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج8 ص646.

([26]) راجع: السنن الكبرى للبيهقي ج9 ص71 والغدير ج7 ص156 وفتح الباري ج6 ص106 وشرح نهج البلاعة للمعتزلي ج5 ص5 وج8 ص119 وأحكام القرآن لابن العربي ج3 ص515 وعمدة القاري ج14 ص264 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج8 ص645.

([27]) راجع: تاريخ الأمم والملوك ج3 ص264 وج2 ص619 والبدابة والنهاية ج6 ص319 وتاريخ اليعقوبي ج2 ص137 وكتاب الفتوح لابن أعثم ج1 ص10 والخصال ص171 و 173 وبحار الأنوار ج30 ص123 وراجع ص136 و 138 و 141 و 352 وخلاصة عبقات الأنوار ج3 ص322 و 324 والغدير ج7 ص170 وتاريخ مدينة دمشق ج30 ص418 و 420.

وراجع: تاريخ الإسلام للذهبي ج1 ص117 و 118 وإثبات الهداة ج2 ص359 و 367 و 368 والعقد الفريد ج4 ص268 والايضاح لابن شاذان ص161 والإمامة والسياسة ج1 ص18 وسير أعلام النبلاء، (سير الخلفاء الراشدين) ص17 ومجموع الغرائب للكفعمي ص288 ومروج الذهب ج1 ص414 وج2 ص301 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج1 ص130 وج17 ص168 و 164 وج6 ص51 وج2 ص47 و 46 وج20 ص24 و 17 وميزان الإعتدال ج3 ص109 وج2 ص215 ولسان الميزان ج4 ص189 وكنز العمال ج3 ص125 وج5 ص631 و 632 والرسائل الإعتقادية (رسالة طريق الإرشاد) ص470 و 471 ومنتخب كنز العمال (مطبوع بهامش مسند أحمد) ج2 ص171 والمعجم الكبير للطبراني ج1 ص62 وضياء العالمين (مخطوط) ج2 ق3 ص90 و 108 عن العديد من المصادر. والنص والإجتهاد ص91 والسبعة من السلف ص16 و 17 ومعالم المدرستين ج2 ص79 ومرآة الزمان. وراجع: زهر الربيع ج2 ص124 وأنوار الملكوت ص227 ونفحات اللاهوت ص79 وحديقة الشيعة ج2 ص252 وتشييد المطاعن ج1 ص340 ودلائل الصدق ج3 ق1 ص32 = = وحياة الصحابة ج2 ص24 والشافي للمرتضى ج4 ص137 و 138. والمغني لعبد الجبار ج20 ق1 ص340 و 341. ونهج الحق ص265، والأموال لأبي عبيد ص194 (وإن لم يصرح بها). ومجمع الزوائد ج5 ص203 وتلخيص الشافي ج3 ص170 وتجريد الإعتقاد لنصير الدين الطوسي ص402 وكشف المراد ص403 ومفتاح الباب (أي الباب الحادي عشر) للعربشاهي (تحقيق مهدي محقق) ص199 وتقريب المعارف ص366 و 367 واللوامع الإلهية في المباحث الكلامية للمقداد ص302 ومختصر تاريخ دمشق ج13 ص122 ومنال الطالب ص280 وراجع: الكامل لابن الأثير (حوادث سنة 11 هـ) ج2 ص146 والإصابة ج2 ص223 وراجع المواقف للإيجي ص403.

([28]) عبد الله بن سبأ (ط دار الزهراء سنة 1427هـ) ج2 ص172.

([29]) من لا يحضره الفقيه ج3 ص91 و (ط جماعة المدرسين) ص151 وتهذيب الأحكام ج10 ص138 و 140 والأمالي للطوسي ج2 ص275 وبحار الأنوار ج76 ص226 و 227 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج28 ص339 و (ط دار الإسلامية) ج18 ص556 وجامع أحاديث الشيعة ج26 ص75.

([30]) الكافي ج7 ص257 و 259 والإستبصار ج4 ص254 وتهذيب الأحكام ج10 ص138 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج28 ص334 و(ط دار الإسلامية) ج18 ص552 والأمالي للشيخ الطوسي ص662 وبحار الأنوار ج40 ص300 وج42 ص161 وج76 ص227 وجامع أحاديث الشيعة ج26 ص64 و 65.

([31]) الكافي ج4 ص181 ـ 183 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج10 ص249 و 250 و (ط دار الإسلامية) ج7 ص179 و 181 وبحار الأنوار ج38 ص60 و 61 وج40 ص288 و 289 وجامع أحاديث الشيعة ج26 ص16 و 17 وموسوعة أحاديث أهل البيت «عليهم السلام» للنجفي ج4 ص289 وتفسير نور الثقلين ج5 ص462 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج5 ص6 وقضاء أمير المؤمنين «عليه السلام» للتستري (ط مؤسسة الأعلمي) ص231 و 232.

([32]) راجع: نهج البلاغة (بشرح عبده) ج4 ص28 و 108 وبحار الأنوار ج25 ص285 وج34 ص307 و 336 وج39 ص295 وج47 ص167 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج4 ص105 وج5 ص4 وج18 ص282 وخصائص الأئمة ص124 وشرح الأخبار ج1 ص160 ومعدن الجواهر للكراجكي ص26 ومناقب آل أبي طالب ج1 ص227 والعمدة لابن البطريق ص212 وعيون الحكم والمواعظ ص511 وغوالي اللآلي ج4 ص87 وكتاب الأربعين للشيرازي ص159 وكنز العمال (ط مؤسسة الرسالة) ج11 ص324 وتاريخ مدينة دمشق ج42 ص297 ونهج الإيمان ص490 وينابيع المودة ج1 ص328.

([33]) راجع: الأمالي للطوسي ج2 ص264 و (ط دار الثقافة ـ قم) ص650 وبحار الأنوار ج25 ص266 و 284 وج76 ص226 ومناقب آل أبي طالب ج1 ص226 وموسوعة أحاديث أهل البيت للنجفي ج8 ص165.

([34]) راجع: بحار الأنوار ج25 ص284 ومناقب آل أبي طالب ج1 ص227 ونهج الإيمان ص479 و 487 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج7 ص295 وج22 ص358 عن أرجح المطالب (ط لاهور) ص448 وعن الوسيلة لعمر بن الخضر الموصلي (ط حيدر آباد الدكن) ص172.

([35]) عبد الله بن سبأ (ط سنة 1427هـ) ج2 ص178 ـ 180.

([36]) عبد الله بن سبأ (ط سنة 1427هـ) ج2 ص176.

([37]) رجال النجاشي ص288 و (ط مؤسسة النشر الإسلامي) ص372 وراجع: خاتمة المستدرك ج3 ص286 وعبد الله بن سبأ ج2 ص178 و 413 وخلاصة الأقوال ص247.

([38]) لخصنا ذلك من كتاب: عبد الله بن سبأ (ط سنة 1427هـ) ج2 ص180 ـ 183.

([39]) الآية 22 من سورة الذاريات.

([40]) من لا يحضره الفقيه ج1 ص213 و (ط مركز النشر الإسلامي) ج1 ص325 والخصال (حديث الأربع مئة) ج2 ص628 وتحف العقول ص118 وتهذيب الأحكام ج2 ص322 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج6 ص487 و (ط دار الإسلامية) ج4 ص1057 ومستدرك الوسائل ج5 ص184 و 185 وبحار الأنوار ج10 ص106 و 107 وج82 ص318 وج90 ص308 والوافي ج5 ص118 والحدائق ج8 ص511 وجامع أحاديث الشيعة ج5 ص363 وج17 ص45.

([41]) راجع: عبد الله بن سبأ (ط سنة 1427هـ) ج2 ص184 و 185 عن بحار الأنوار (ط كمپاني) ج9 ص635 ولسان الميزان ترجمة عبد الله بن سبأ. والأمالي للشيخ الطوسي ص230 ومدينة المعاجز ج2 ص180 وبحار الأنوار ج42 ص146.

([42]) الغيبة للنعماني 167 و 168 و (ط أنوار الهدى سنة 1422هـ) ص325 وبحار الأنوار ج52 ص247 وقاموس الرجال للتستري ج11 ص615.

([43]) عبد الله بن سبأ (ط سنة 1427هـ) ج2 ص186.

([44]) راجع: عبد الله بن سبأ (ط سنة 1427 هـ) ص2 ص194 ـ 196.

([45]) راجع: الكافي ج7 ص258 و 257 وتهذيب الأحكام ج10 ص138 و 139 والاستبصار ج4 ص254 و 255 والوافي ج9 ص70 ومن لا يحضره الفقيه ج3 ص91 و 548 والغارات ج1 ص230 و 231 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت)ج28 ص325 و (ط دار الإسلامية) ج18 ص545 وغوالي اللآلي ج3 ص495 والفصول المهمة للحر العاملي ج2 ص520 وصفين (ط مصر) ص43 وجامع أحاديث الشيعة ج26 ص15 .

([46]) الكافي ج7 ص256 وتهذيب الأحكام ج10 ص137 و 138 والإستبصار ج4 ص253 و 254 والوافي ج9 ص70 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج28 ص331 ووسائل الشيعة (ط دار الإسلامية) ج18 ص550.

([47]) الكافي ج7 ص256 وتهذيب الأحكام ج10 ص139 والإستبصار ج4 ص254 والوافي ج9 ص70 وجامع أحاديث الشيعة ج26 ص20.

([48]) عبد الله بن سبأ (ط سنة 1427هـ) ج2 ص198.

([49]) رجال الكشي ص305 وراجع ص108 ومستدرك الوسائل ج9 ص90 وبحار الأنوار ج2 ص217 وج25 ص263 وجامع أحاديث الشيعة ج13 ص580 وإختيار معرفة الرجال ج2 ص593 والرسائل الرجالية للكلباسي ج3 ص289 وقاموس الرجال للتستري ج9 ص600.

([50]) راجع: عبد الله بن سبأ (ط سنة 1427 هـ) ج2 ص198 و 199.

([51]) دعائم الإسلام ج2 ص192 وجامع أحاديث الشيعة ج20 ص208 ومستدرك الوسائل ج14 ص294 وراجع: تاريخ الإسلام للذهبي ج3 ص652 والبداية والنهاية ج7 ص333 و (ط دار إحياء التراث العربي ـ بيروت) ج7 ص368 وتفسير الثوري ص29 وفيض القدير ج5 ص538 وتفسير السمعاني ج6 ص49 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج32 ص677.

([52]) تاج العروس ج6 ص514.

([53]) راجع: عبد الله بن سبأ (ط سنة 1427هـ) ص199 ـ 201.

([54]) راجع: مسند أحمد ج1 ص217 و 282 و 283 وسنن الدارقطني ج3 ص85 وتفسير القرآن العظيم ج2 ص609 والبداية والنهاية (ط دار إحياء التراث العربي) ج8 ص330 وسنن أبي داود ج2 ص327 والتمهيد لابن عبد البر ج5 ص305 والمستدرك للحاكم ج3 ص538 والسنن الكبرى للبيهقي ج8 ص195.

([55]) راجع: سير أعلام النبلاء ترجمة ابن عباس ج3 ص232 و (ط مؤسسة الرسالة) ج3 ص346 والبداية والنهاية (ط دار إحياء التراث العربي) ج8 ص330 والسنن الكبرى للبيهقي ج8 ص202 ووفيات الأعيان لابن خلكان ج3 ص62 وتاريخ الإسلام للذهبي ج5 ص155.

([56]) راجع: سنن الترمذي ج6 ص242 و (ط دار الفكر) ج3 ص10 وتحفة الأحوذي ج5 ص20 وعون المعبود ج12 ص3 و 4.

([57]) راجع: عبد الله بن سبأ (ط سنة 1427هـ) ج2 ص200 و 201.

([58]) راجع: عبد الله بن سبأ (ط سنة 1427هـ) ج2 ص201 و 202.

([59]) راجع: كتاب صفين للمنقري ص42 ـ 44 وراجع: بحار الأنوار ج34 ص417 وج38 ص24 والغدير ج2 ص150 وكتاب الفتوح لابن أعثم ج3 ص135 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج2 ص69 و 70 .

([60]) مناقب آل أبي طالب ج1 ص265 و (ط المكتبة الحيدرية) ج1 ص227 وبحار الأنوار ج25 ص285 و (ط كمپاني) ج7 ص249 ومستدرك الوسائل ج3 ص244 و (ط مؤسسة آل البيت) ج18 ص170 وجامع أحاديث الشيعة ج26 ص66.

([61]) راجع على سبيل المثال رواية هشام بن سالم في رجال الكشي.

([62]) راجع: عبد الله بن سبأ (ط سنة 1427هـ) ج2 ص202 ـ 204.

([63]) راجع: الفَرق بين الفِرق للبغدادي ص247 ـ 249.

([64]) الآيات 1 ـ 3 من سورة المعارج.

([65]) شواهد التنزيل للحسكاني ج2 ص381 والأربعون حديثاً لمنتجب الدين بن بابويه ص83 وتفسير فرات ص504 ومجمع البيان ج10 ص119 وتفسير نور الثقلين ج2 ص151 وج5 ص411 والغدير ج1 ص241 وخلاصة عبقات الأنوار ج8 ص368 و 382 وشجرة طوبى ج2 ص223 وبحار الأنوار ج37 ص167 و 173 ومستدرك سفينة البحار ج4 ص409 والتفسير المنسوب للإمام العسكري ص634 والتفسير الصافي ج2 ص299 وعيون المعجزات لحسين بن عبد الوهاب ص13 ومدينة المعاجز ج1 ص407 وغاية المرام ج4 ص192.

([66]) بحار الأنوار ج2 ص250 و 251 وإختيار معرفة الرجال ص224 و 225 و (ط مؤسسة آل البيت) ج2 ص489 و 490 وجامع أحاديث الشيعة ج1 ص262 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج27 ص99 و (ط دار الإسلامية) ج18 ص71 وقاموس الرجال للتستري ج10 ص188 وج11 ص181.

([67]) مستدرك الوسائل ج18 ص167 ودعائم الإسلام ج2 ص481 وجامع أحاديث الشيعة ج26 ص61 وراجع: مجمع الزوائد ج6 ص262 والمعجم الأوسط للطبراني ج7 ص140.

([68]) صحيح البخاري ج4 ص130 و (ط دار الفكر) ج8 ص50 باب حكم المرتد ـ كتاب استتابة المرتدين، وفتح الباري المقدمة ص338 وج6 ص106 والتمهيد لابن عبد البر ج5 ص305 وكنز العمال (ط مؤسسة الرسالة) ج11 ص303 وتاريخ مدينة دمشق ج49 ص248 والمحلى لابن حزم ج11 ص189 ونيل الأوطار ج8 ص2 وعمدة القاري ج24 ص79 ونصب الراية ج4 ص263 و 345.

([69]) فتح الباري ج6 ص106 وعمدة القاري ج14 ص264 ومسند الحميدي ج1 ص244 والتمهيد لابن عبد البر ج5 ص316.

([70]) فتح الباري ج6 ص106 وصحيح ابن حبان ج12 ص421 والحديث في مسند أحمد ج1 ص282 برقم 2551 وفي مسند أحمد ج1 ص322: أتى بأناس من الزط يعبدون وثناً، فأحرقهم.

([71]) دعائم الإسلام ج2 ص481 و 482 ومستدرك الوسائل ج18 ص167 و 168 وجامع أحاديث الشيعة ج26 ص61.

([72]) عبد الله بن سبأ ج2 ص206 ودعائم الإسلام ج2 ص481 و 482 ومستدرك الوسائل ج18 ص167 و 168 وجامع أحاديث الشيعة ج26 ص61.

([73]) عبد الله بن سبأ ( ط سنة 1427هـ) ج2 ص204 ـ 211.

([74]) بحار الأنوار ج2 ص250 و 251 وإختيار معرفة الرجال ص224 و 225 و (ط مؤسسة آل البيت لإحياء التراث) ج2 ص489 و 490 وجامع أحاديث الشيعة ج1 ص262 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج27 ص99 و (ط دار الإسلامية) ج18 ص71 وقاموس الرجال للتستري ج10 ص188 وج11 ص181.

([75]) إختيار معرفة الرجال ص225 و (ط مؤسسة آل البيت) ج2 ص490.

([76]) المقالات والفرق ص20 و 21 والملل والنحل للشهرستاني ج1 ص174 وتاريخ مدينة دمشق ج29 ص9 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج5 ص6 وفرق الشيعة للنوبختي ص22 والصوارم المهرقة ص292 والمواقف للإيجي ج3 ص678 وطرائف المقال ج2 ص231 والأنساب للسمعاني ج3 ص209 واللباب في تهذيب الأنساب ج2 ص98 والوافي بالوفيات ج17 ص100 والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج1 ص409.

([77]) المقالات والفرق ص20 و 21 ولسان الميزان ج3 ص290 وينابيع المودة لذوي القربى ج3 ص229.

([78]) الفرق بين الفرق ص143 وعبد الله بن سبأ ج2 ص225 وراجع: الغدير ج7 ص156 والسنن الكبرى للبيهقي ج9 ص71 وفتح الباري ج6 ص106 ومسند الحميدي ج1 ص245 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج5 ص6 وأحكام القرآن لابن العربي ج3 ص515.

([79]) عن الفرق بين الفرق ص 18 و 39 و 123 و 138 واختصار الفرق لعبد الرزاق ص22 و 45 و 57 و 133 و 142 و 144.

([80]) المقالات والفرق ص20 و 21 والتنبيه والرد ص25 و 26 و 148 والحور العين ص154.

([81]) التنبيه والرد ص25 و 26 و 148 والحور العين ص154.

([82]) الحور العين ص154.

([83]) الفرق بين الفرق ص143.

([84]) عبد الله بن سبأ (ط سنة 1427هـ ق) ج2 هامش ص231 و 232.

([85]) راجع: تاريخ الأمم والملوك ج4 ص340 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج3 ص378 والكامل في التاريخ ج3 ص154 والغدير ج9 ص218 والفتنة ووقعة الجمل ص17 و 48 وتاريخ مدينة دمشق ج29 ص3 والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج1 ص409.

([86]) تاريخ الأمم والملوك ج4 ص340 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج3 ص378

([87]) المصدر السابق.

([88]) التنبيه والرد ص25 و 26 وراجـع: الخطط للمقريـزي ج4 ص182 و 175 = = و 172 وصحيح مسلم ج1 ص16 وراجع: المقالات والفرق ص27 ومقالات الإسلاميين ج1 ص85 والفصل لابن حزم ج4 ص87 والبدء والتاريخ ج5 ص129 والفرق بين الفرق للبغدادي ص143 وراجع: الحور العين ص154 والملل والنحل للشهرستاني ج1 ص174 والتبصير في الدين ص108 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي الخطبة رقم 23 والمقدمة لابن خلدون (ط الأدبية) ص198.

([89]) راجع: عبد الله بن سبأ للسيد مرتضى العسكري ج2 ص226 و 328 وراجع ص312 و 330 و 331 و 361 وراجع: الأنساب للسمعاني ج3 ص209 والوافي بالوفيات ج17 ص100.

([90]) الفرق بين الفرق ص143 وتاريخ ابن معين الدوري ج2 ص141 وتاريخ مدينة دمشق ج39 ص504 وإكمال تهذيب الكمال في أسماء الرجال ج2 ص93.

([91]) بحار الأنوار ج20 ص203 ج41 ص88 ومستـدرك سفيـنـة الـبـحـار ج4 = = ص499 ومجمع البيان ج7 ص343 ومستدرك الوسائل ج1 ص213 ومناقب آل أبي طالب ج2 ص324 .

([92]) بحار الأنوار ج16 ص250 ومكارم الأخلاق ص21 وراجع: كنز العمال ج8 ص60 وزاد المعاد ج1 ص50 والرياض النضرة (ط سنة 1372هـ) ج2 ص289 ومستدرك سفينة البحار ج4 ص499 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج6 ص563 ووسائل الوصول إلى شمائل الرسول ص70 والسيرة الحلبية (ط القاهرة) ج3 ص379.

([93]) عبد الله بن سبأ (ط سنة 1427 هـ) ج2 هامش ص228.

([94]) مستدرك الوسائل ج3 ص248 وج18 ص164 و 165 والفضائل لشاذان ص74 و 75 وبحار الأنوار ج41 ص213 ـ 215 وعيون المعجزات ص16.

([95]) بحار الأنوار ج41 ص215 ـ 217 والفضائل لشاذان بن جبرئيل القمي ص72 ومدينة المعاجز ج1 ص229 ونوادر المعجزات ص23 وإلزام الناصب ج1 ص281.

([96]) عبد الله بن سبأ (ط سنة 1427 هـ) ج2 ص323 ـ 325.

([97]) أنساب الأشراف (ط بيروت سنة1394هـ) ج2 ص382 و 383 وبحار الأنوار ج33 ص566.

([98]) الغارات للثقفي ج1 ص302.

([99]) راجع: قاموس الرجال (ط جماعة المدرسين) ج6 ص375 وعبد الله بن سبأ ج2 ص313.

([100]) الآية16 من سورة الرعد.

([101]) بحار الأنوار ج25 ص343 والإعتقادات للصدوق ص110 ـ 111 و (ط دار المفيد) ص100 وشرح أصول الكافي ج6 ص54 وتفسير نور الثقلين ج2 ص492.

([102]) بحار الأنوار ج25 ص345 وتصحيح إعتقاد الإمامية ص63ـ 66 و (ط دار المفيد) ص133 وأوائل المقالات ص173 وخاتمة المستدرك ج5 ص234.

 
   
 
 

موقع الميزان