سادساً ـ الصيام :
يعرف الصوم بأنه الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس . وتمامه وكماله باجتناب المحظورات وعدم الوقوع فى المحرمات فى حدود شهر رمضان الذى يتحدد دخوله برؤية هلاله ..(1)
وقد أوجبه القرآن من خلال قوله تعالى : (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ، أياماً معدودات فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر ، وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ، فمن تطوع خيراً فهو خير له ، وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون ، شهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان ، فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون) (البقرة /185:184)
ومن خلال هذا النص القرآنى الصريح يتحدد لنا ما يلى :
أن الصيام فريضة واجبة على المسلمين وغير المسلمين من أصحاب الديانات السابقة .
أن الهدف من وراء هذا الصيام هو تحقيق التقوى اللازمة لضبط حركة المجتمع ..
أن هذا الصيام يتم فى حدود أيام معدودات هى شهر رمضان..
أن الذين لا يطيقون الصوم يمكنهم إخراج فديه عن كل يوم من أيام الشهر ..
أن التطوع بزيادة عدد الفدية أو عدد المساكين هو خير لصاحب التطوع ..
أن الصوم خير من الإفطار بعذر فى جميع الأحوال ..
أن التكبير واجب فى آخر شهر رمضان ..
وعن الأحكام المتعلقة بالصيام جاء فى القرآن :
(أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نساءكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن. علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل ولا تباشروهن وأنتم عاكفون فى المساجد . تلك حدود الله فلا تقربوها كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون) (البقرة/187) ..
إن جماع النساء جائز فى ليلة الصيام .
إن الطعام مباح حتى ظهور خيوط الفجر الأبيض أى تفجر النهار ..
أن الصيام مستمر حتى انقطاع خيوط النهار ودخول الليل ..
أن الاعتكاف فى المساجد ـ ويقصد بها هنا مكان السجود المعتكف فيه ـ أمر مرغوب .
أنه لا يجوز الاقتراب من النساء أثناء فترة الاعتكاف ..
ومن الواضح أن هذه النصوص لم تحدد لنا ماهية المرض والسفر للفطر وتركت ذلك للتقدير الذاتى الذى يقوم على أساس الواقع وقدرة النفس على التحمل وهى مسألة تختلف من واقع لواقع
وحددت الآيات من جهة أخرى أن الصيام مرتبط بالفجر والإفطار بالليل ، والفجر هو ظهور خيوط النهار ، والليل هو انقطاع خيوط النهار وغياب الحمرة المشرقية ..
ولم تحدد الآيات الفترة المناسبة للاعتكاف وإنما ترك الأمر على إطلاقه إلا أن الروايات المتعلقة بالصوم جاءت بتحديد الاعتكاف ضمن العشر الأواخر من رمضان..
يروى : كان رسول الله (ص) يعتكف العشر الأواخر من رمضان ..(2)
ويروى : كان النبى إذا دخل العشر شد مئزره ـ إزاره ـ وأحيا ليله وأيقظ أهله ..(3)
وحول تحديد وقت الإمساك والإفطار فى دائرة قوله تعالـى : (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل ..) .
وهذا النص الذى جاء من خلال هذه الرواية على لسان الرسول إنما هو مطابق لنص القرآن ومبين له ، ويبدوا أن هذا هو المعمول به فى زمانه (ص) وربما فى فترات أخرى بعده أن تمسك الأمة عن الطعام مع بياض النهار وتفطر مع سواد الليل، لكن الأمة انحرفت عن هذا الأمر تحت ضغط السياسة وأقر الفقهاء هذا الوضع المخالف بدافع التعصب المذهبى ، أن تمسك الأمة عن الطعام فى سواد الليل وتفطر مع بياض النهار وهو الأمر السائـد حتى اليوم فى بلاد المسلمين ..(5)
وروى عن حذيفة قال : تسحرنا مع رسول الله (ص) هو النهار إلا أن الشمس لم تطلع ..(6)
ولقد لعبت السياسة والمذهبية دوراً كبيراً فى مسألة الرؤية وتحديد موعد ظهور هلال رمضان تلك اللعبة المستمرة حتى اليوم والتى تبدأ بنهاية شهر شعبان وتنتهى بنهاية شهر رمضان ثم ظهرت الجماعات الوهابية فحددت لنفسها مواقيت ورؤية مختلفة عن المذاهب والحكومات ..
يروى عن الرسول (ص) قوله : لا تصوموا حتى تروا الهلال ، ولا تفطروا حتى تروه ..(7)
وفى رواية أخرى : صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ..(8)
وروى أن عائشة سئلت عن رجلين أحدهما يعجل الإفطار والصلاة . والآخر يؤخرهما ؟
فقالت : أيهما يعجل الإفطار والصلاة ؟
قلنا : عبد الله :
قالت : كذلك كان يصنع رسول الله (ص) ..(9)
وعبد الله هنا هو عبد الله بن عمر . والسؤال هنا هـو : لمـاذا سألت عائشة عن شخصية الفاعل قبل أن تحسم المسألة وترجح كفة ابن عمر ..؟(10)
فقلت : رأيناه ليلة الجمعة .
قال : أنت رأيته ليلة الجمعة ؟
قلت : نعم . ورآه الناس فصاموا وصام معاوية .
قال : لكن رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين يوماً أو نراه.
فقلت : أولاً تكتفى برؤية معاوية وأصحابه ؟
قال : لا. هكذا أمرنا رسول الله (ص) ..(11)
ويروى أن معاوية قام فى الناس بدير مسحل على باب حمص فقال : يا أيها الناس إنا قد رأينا الهلال يوم كذا وكذا وأنا متقدم بالصيام ، فمن أحب أن يفعله فليفعله ، فقام إليه مالك بن هبيرة السبئ فقال : يا معاوية أشئ سمعته من رسول الله (ص) أم شئ من رأيك ؟
ويروى أن أمير مكة خطب ثم قال : عهد إلينا رسول الله (ص) أن ننسك للرؤية . فإن لم نره وشهد شاهداً عدل نسكنا بشهادتهما .
ثم قال : إن فيكم من هو أعلم بالله ورسوله منى وشهد هذا من رسول الله وأومأ بيده إلى عبد الله بن عمر ..(13)
وهذه الروايات الثلاثة تعطينا دلالة واضحة على دور الحكام فى محيط الصيام على الرغم من أن الصوم عبادة سرية خاصة بين العبد وربه وليس لها انعكاسات أو آثار على المجتمع من الممكن أن تضر بنفوذهم ومصالحهم ، لكن الحكام على الدوام يسعون إلى تخدير الناس باسم الدين فيتحلفون به فى كل مناسبة من أجل كسب تأييدهم وتعاطفهم وإن كان بعض الحكام يلقى معارضة فى هذا الشأن من بعض الصحابة أو التابعين الذين كانوا على قيد الحياة فى زمانهم كما هو واضح من الرواية الثانية إلا أن الحكام المتأخرين لم يجدوا من يعارضهم ووجدوا مناصرة من طبقة الفقهاء التى هى من صناعتهم ..
ومن هنا يمكن القول أن الآثار السياسية على فريضة الصوم تكاد تكون منعدمة وأن الآثار المذهبية هى الظاهرة والغالبة ..
وحول مبطلات الصوم فقد اتضح من خلال النصوص القرآنية التى عرضناها أن المبطلات تنحصر فيما يلى :
ـ الجماع أى مباشرة النساء ..
وكما أن نصوص القرآن لم تحدد عقوبة دنيوية لتارك الصلاة والزكاة لم تحدد أيضاً عقوبة لتارك الصيام كما أن الروايات لم تشر إلى ذلك ..
يروى أن رجلاً أفطر فى رمضان فأمره الرسول (ص) أن يكفر رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكيناً .
فقال الرجل : لا أجد . فأعطاه الرسول تمراً ليتصدق به .
فقال الرجل : ما أجد أحوج إليه منى .
فقال الرسول : كله ..(14)
وفى رواية أخرى ضحك الرسول (ص) منه وقال : أذهب فأطعمه أهلك ..(15)
وقال الفقهاء : إن ما يوجب القضاء هو الأكل لعذر أو الجماع والأكل ناسياً وأما ما يوجب القضاء والكفارة فهو أمران : الأكل بدون عذر والجماع ..(16)
وأجاز الفقهاء مباشرة المرأة فى نهار رمضان من قبل وخلافة عدا الجماع وذلك على أساس روايات منسوبة للرسول ..
تروى عائشة : كان النبى (ص) يقبل ويباشر وهو صائم وكان أملككم لإربه ..(17)
وتروى عائشة وأم سلمة : إن رسول الله (ص) كان يدركه الفجر وهو جنب من أهله ثم يغتسل ويصوم ..
فقال مروان بن الحكم وكان يؤمئذ على المدينة والياً للرواى :
أقسم بالله لتقرعن بها أبا هريرة ..
فقال : كذلك حدثنى الفضل بن عباس ، وهو أعلم ..(18)