آية الله العظمى الشيخ محمد حسن النجفي ـ صاحب الجواهر- قدس سره
 (1192 ـ1266 هـ )

هو شيخ الفقهاء العلامة الشيخ  محمد حسن ابن الشيخ باقر ابن الشيخ عبد الرحيم ابن الأغا محمد الصغير ابن الاغا عبد الرحيم الشريف الكبير. صاحب الموسوعة الفقهية الاسلامية الكاملة ( جواهر الكلام ) ، من أعلام الطائفة الامامية وفقهاء الاثني عشرية. نبغ في النجف الاشرف، وانتهت اليه مرجعية الشيعة ورئاسة الطائفة الامامية في كافة الاقطار.


ولادته:

ولد شيخنا ( صاحب الجواهر ) حدود سنة (1192 هـ ) في دار والده المجاورة للصحن الحيدري الشريف في النجف الاشرف ، ومات فيها. وقد سمعنا من شيوخنا وآباءنا أنه كان في البيت سرداب فيه محراب يتعبّـد فيه شيخنا أناء الليل وأطراف النهار بعيداً عن الدنيا منقطعاً الى الله سبحانه وتعالى؛ الا ان هذه الدار الاثرية التراثية قد شملها التهديم أثناء تأسيس دورة الصحن الحيدري الشريف في العصر الحديث .

 

يقول العلامة الحجة آية الله الشيخ المظفر في مقدمة كتاب الجواهر 1/2 ط طهران : « وإذا كان قصير النسب فهو المطوّل لمجد أسرته ، والمجدّد لها الذكر الذائع وبعد الصيت ، وطيب الاحدوثة والفخر الخالد ، والمؤسس لمجدها والباني لصرح عزها .

 

أما من جهة الامهات ، فهو ينتهي من قبل أم أبيه الى الشيخ أبي الحسن الفتوني العاملي ، ومن قبل أمه الى السادة العذاريين المعروفين بآل حجاب ، فهي علوية منهم. ولذا كان يقضي شيخنا الجواهري شطراً من أوقاته في أيام نشأته الاولى في العذارات ـ ( وهي من قرى الحلّة الفيحاء) ـ عند أخواله ؛ وكان هذا سبب تأليفه كتابه (الجواهر ) ليكون له مذكرة فقهيّة يرجع اليها حيث لا تتهيأ له هناك الكتب للمراجعة عند الحاجة » .

الحركة العلمية في عصره:

ابتدأت الحركة العلميّـة في الفقه والاصول في كربلاء على يد مؤسسها العظيم الاغا محمد باقر الوحيد البهبهاني ( ت / 1205 هـ ) .

 

ونازعت النجف كربلاء وشاطرتها الحركة العلمية بفضل تلميذي البهبهاني السيد مهدي بحر العلوم ( ت / 1212 هـ ) والشيخ جعفر كاشف الغطاء ( ت / 1228 هـ )، إلا أن كربلاء بقت محافظة على مركزها حتى وفاة المُرَبّي العظيم شريف العلماء الشيخ محمد شريف المازندراني ( ت / 1245 هـ )، وبفقده ، فقدت كربلاء تلك المركزيّـة واتجهت الانظار صوب النجف لوجود الشيخ صاحب الجواهر الذي اجتذب اليه طلاب العلم بفضل براعته البيانية وحسن تدريسه وغزارة علمه وثاقب فكره الجوّال وبحثه الدؤوب وانكبابه على التدريس والتاليف ، وكان مجلس بحثه يضم اكثر من ستين مجتهداً من المعترف لهم بالفضيلة. وقد تخرّج على يديه من اعلام الدِين ما يفوت الحصر، واستمرّ هذا التفوق في الارقام العلميّة للمؤلفات والعلماء حتى القرن الرابع عشر .

 

أخلاقه وسيرته:

من الاشياء المعروفة عن شيخنا مغالاته في التأنق والظهور بمظهر الأبـّهة والجَلال في ملبسه ومنزله ، وإغداقه على طلاب العلم والشعراء. ولاشك أن عامل الزمن كان له الأثر الكبير في اختيار هذه الطريقة لرفع شأن رجال الدين أمام الحكومة العثمانية التي بدأت في عصره تتدخل في شؤون الناس وتختلط بالعراقيين وتفرض سيطرتها وتستعمل عتوّها.

 

وإلى جانب ذلك كان على جانب عظيم من التواضع وكسر النفس، فكان مع تلاميذه كأحدهم ، ومع الناس كالأب الرؤوف .

 

وهو الذي سَـنَّ الخروج الى مسجد الكوفة والسهلة ليلة الاربعاء ، ولم يكن ذلك قبله معروفاً ، فكان يخرج ومعه تلامذته وحاشيته على الخيول المسرّجة وتنقل معهم مستلزماتهم وما يحتاجونه.

 

وكان سمحاً في مجاملاته ; عكس الشيخ مرتضى الانصاري الذي كان غاية في التزهّـد، ويقال أن الشيخ مرتضى سُـئل عن ذلك فقال: الشيخ محمد حسن أراد أن يظهر عِزّ الشريعة ، وأنا أردت إظهار زهـدها .

 

وسُـئل ـ الشيخ (صاحب الجواهر) ـ في مرض موته أنه إن حدث أمرٌ فمن المرجع في التقليد ؟ فأمر بجمع أهل الحلّ والعقد من العلماء ، فاجتمعوا عنده ، وكلّ يرى أنـّه هو المشار اليه ، وكان بعضهم يرى أنه سيرشـِّح أحد أولاده لأنه كان فيهم من يليق لذلك، ولكنه لمّا غَصّ المجلس بالعلماء، سأل عن الشيخ مرتضى الانصاري فلم يكن حاضراً معهم فبعث خلفه ، فلما جاء ، قال له : أفي مثل هذا الوقت تتركني؟ فأجابه : كنت أدعوا لك في مسجد السهلة بالشفاء، فقال له : ما كان يعود إليّ من أمر الشريعة المقدّسة فهو وديعة الله عندك ، ثم أشار إليه بالتقليد بعد أن أمره بتقليل الاحتياط .

اولاده:

أنجب الشيخ صاحب الجواهر ( رحمه الله ) ثمانية أولاد ذكور، أعقب كلهم إلا الشيخ حسين الذي توفي في شبابه قبل أن يتزوّج ، ذكرهم الشيخ بأسمائهم مجردة وهم :

 

1 ـ اكبرهم : محمد ( المعروف بالشيخ حُمَـيّـد ـ بالتصغير ـ ) توفي في حياة والده .

 

2 ـ عبد علي 3 ـ عبد الحسين 4 ـ باقر 5 ـ موسى 6 ـ حسين 7 ـ حسن 8 ـ ابراهيم .

 

وهم ليسوا لأم واحدة ، فإن الشيخ تزوّج أربع نساء كلهن أعقبن وقد توارث أولاده كابراً عن كابر العلم والفضيلة وزعامة النجف فاصبحت أسرته من الاسر العلمية التي لها مكانها المرموق وزعامتها المعترف لها . ــ راجع المقدمة في كتاب الجواهر23:1 .

أساتذته:

أخذ عن الشيخ جعفر صاحب ( كاشف الغطاء) وولده الشيخ موسى ، وعن صاحب(مفتاح الكرامة) ، وعن السيد أبي الحسن الحسينى العاملي ، وعن الشيخ قاسم محي الدين ، وغير هؤلاء من تلامذة الوحيد البهبهاني وبحر العلوم.

اعلام تامذته:

نشطت الحركة العلمية في النجف الاشرف في عهد شيخنا(صاحب الجواهر) وأقبل طلاب العلم على الهجرة اليها ، وكان درس الشيخ بالخصوص ملتقى النوابغ والمجتهدين من الطلاب ، فتخرج على يديه جماعة كبيرة من أعلام الفقه إنتشر أكثرهم في البلاد ، وفيما يلي بعضهم :

 

1ـ ميرزا ابراهيم شريعتمداري

2ــ السيد ابراهيم اللواساني

3ـ السيد أسد الله اللواساني

4ـ الشيخ محمد باقرالاصفهاني

5ـ الشيخ محمد حسن آل ياسين

6ـ الشيخ حسن ابن الشيخ اسد الله الكاظمي ( صاحب المقابس )

7ـ الشيخ محمد حسن الشرقي

8ـ الميرز حسين الخليلي

9ـ السيد حسين الترك( الكوهكمري)

10ـ الشيخ راضي النجفي جد الاسرة العلمية المعروفة باسمه في النجف 

11ـ الشيخ عبد الحسين الطهراني

12ـ الشيخ نعمة الطريحي

13ـ الشيخ محمد حسين الكاظمي

14ـ الشيخ جعفر الاعسم ، وغيرهم .

آثاره و مآثره:

1 ـ ( جواهر الكلام ) : الموسوعة الفقهية التي فاقت جميع ما سبقها من الموسوعات سعة وجمعاً وإحاطة بأقوال العلماء وأدلتهم، مضافاً إلى أنه كتاب كامل في أبواب الفقه كلها جامع لجميع كتبه. وميزة ثالثة تفرَّد بها أنه على نسق وأسلوب واحد وبنفس السعة التي ابتدأ بها إنتهى إليها. وميزة رابعة ، فالمجتهد يستطيع أن يطمئن الى استنباط الحكم الشرعي بالرجوع إليه فقط; وليس له أن يطمئن الى ذلك عند الرجوع الى ما سواه في أكثر المسائل الفقهية حتى في هذه العصور الاخيرة ، وخاصة إنه احتوى على كثير من التفرعات الفقهية النادرة بما قد لا تجده في غيره من الموسوعات الاخرى، فهو جامع لامّهات المسائل وفروعها .

 

وحدَّث الشيخ عبد الحسين الطهراني ـ أغا بزرك ـ عن بعض العلماء أنه قال: لو أراد مؤرّخ زمانه أن يُـثبـت الحوادث العجيبة في أيامه ، ما يجد حادثة بأعجب من تصنيف هذا الكتاب في عصره .

 

وجاء في التكملة : ان الشيخ قال في جملة كلام له مع تلميذه فقيه عصره الشيخ محمد حسن آل ياسين عن كتاب ( الجواهر) في قصة طويلة : «… والله يا ولدي أنا ما كتبته على أن يكون كتاباً يرجع اليه الناس ، وإنما كتبته لنفسي حيث كنت أخرج الى (العذارات) وهناك كنت أسأل عن المسائل وليس عندي كتب أحملها لأني فقير فعزمت على أن يكون لي مرجعاً عند الحاجة . ولو أردت أن أكتب كتاباً مصنفاً في الفقه لكنت أحب أن يكون على نحو رياض السيد علي (رحمه الله) فيه عنوان الكتابية في التصنيف » .

 

وعلق على هذا الخبر السيد صاحب التكملة (رحمه الله) بقوله : هذا يدل على أن صاحب الجواهر لمّا كتبه لم يكن في خاطره شيء من لوازم حب الجاه والسمعة والتعريف وإنما كتبه لنفسه وقضاء حاجته لا غير ».

 

وقد هنأه باتمام كتابه (جواهر الكلام ) كثير من شعراء عصره كالشيخ موسى شريف والشيخ عبد الحسين ابن الشيخ قاسم محي الدين والشيخ ابراهيم قفطان وصهره على ابنته السيد صالح القزويني وتلميذه العلامة السيد حسين بحر العلوم (رحمه الله) بقوله من قصيدته:

لـله علمـك كـم وكـم وضحـــت بـه****سنن الهدى حتى اهتدى حيرانها

كـم من يد مشكـورة لك في الورى****ضـافٍ نـداهـا سـابـغ إحـسـانهـا

 لـو لـم تكـن إلا جــــواهــرك الـتي****أحـى شـريعـة أحـمـدٍ بـرهـانهـا

لكـفــتـك بين ذوي العـلوم فـضيـلـة****شـهـدت بأنـك فـيهـم ســلطـانهـا

 

2 ـ ( نجاة العباد في يوم المعاد ) : رسالة عملية فتوائية لعمل مقلديه، وقد اعتمد عليها الشيخ الانصاري فوقـّعها لعمل مقلديه ، وعلّق على موارد اختلاف نظره في الحاشية ، فحذا حذوه العلماء بعده ، فكثرت الحواش على ( نجاة العباد ) .

 

3 ـ ( هداية الناسكين من الحجاج والمعتمرين ) : ترجمه ملا علي بن ميرزا خليل الطهراني للفارسية ، وشرحه الملا محمد حسين القمشهي  .

 

وقد عثر الدكتور عبد الهادي الفضلي على نسخة من ( هداية الناسكين ) في بعض مكتبات المملكة العربية السعودية تـَمّتْ مطابقتها وتحقيقها من قبله على كتاب الجواهر ، ومن ثمّ تمّ طبعها ، وقد ذكر قصّـة عثوره على النسخة في المقدمة .

 

4 ـ ( كتاب الاصول ) : تلفت نسخته الوحيدة التي هي بخطه الشريف ; حين تناولها وليده الصغير أثناء لعبه وألقاها في البئر ، وبعد إخراجها وجدوا أنها قد انمحت كلماتها كلها ، ولم يكن وقت للشيخ يسمح له يومئذ ـ وهو المرجع للتقليد ـ أن يعيد تأليفه .

 

5 ـ ( كري الشيخ ) : من الامور الجليلة التي استغلّ فيها نفوذه للصالح العام فتح النهر المعروف بأسمه ( كري الشيخ  ) لإرواء النجف التي كانت تعاني من العطش ما تعاني من قرون طويلة، وقد تمّ حفر هذا النهر الذي لا تزال آثاره باقية على يسار الذاهب من النجف الى الكوفة، ومنبعه يتصل بأراضي بني حَسنْ العشيرة العربية المعروفة .

 

6 ـ ومن آثار الشيخ ( رحمه الله ) بناء مئذنة مسجد الكوفة، وروضة مسلم بن عقيل وصحنها وسورها الذي لا يزال ماثلا وقد أرخ الشيخ ابراهيم صادق ذلك في قصيدة مؤرخاً فيها المئذنة بقوله :

واستنار الافق في مأذنة***أذن الله بــــأن ترقى زحل

لهج الذاكر في تأريخــها***علنا حيّ على خير العمل

(1260 هـ)

 

7 ـ وبناء البناية الملاصقة لمسجد السهلة من حيث الدخول من بابه للمحافظة على قدسيّـة المسجد ولتكون مسكناً لخدّامه، وموضعاً لقضاء حاجات المصلين والمترددين إليه .

 

وفاته و مرقده:

توفي شيخنا صاحب الجواهر في غرّة شعبان يوم الاربعاء عند زوال الشمس سنة (1266 هـ ) في النجف الاشرف ، ودفن في مقبرته المعروفة والمجاورة لمسجده المشهور، وعلى مرقده قبّة من الكاشي الأزرق ، وهي اليوم مزار بارز يقصدها الزائرون ويتبركون بها ، وقد أرّخ عام وفاته حفيده العلامة الشيخ عبد الحسين بن الشيخ عبد علي ببيتين كتبا بالحجر الكاشي على مرقده :

 

ذا مرقـد الحـسن الزاكـي الذي انـدرجـت***أســــــرار أحـمـد فـيـــــه بـل ســــرائـره

 

أودَى وَمُـــذ أيـْـتـَـمَ الاسْـــلام أرّخـَــــــــهُ***(بَــيْـنَ الأنـام يَــتِــيـمــــات جَــــواهِــرهُ)

 

                                                                                   (1266 هـ )

 

ورثاه كثير من الشعراء كالسـيد حيـدر الحـلي ، والشيخ الكـوّاز ،  كما رثاه الشاعر الكبير الشيخ ابراهيم صادق العاملي بقصيدة ، مطلعها :

لـلـــــهِ أيّ مُـلــــِـمٍ هـــــائـلٍ وقـــــعـــــــــا*** وأيّ خَـــــطْـبٍ لاعـــــلامِ الهُـــدى صَـدُعـا

وأيّ نازلــــةٍ ضـــــاقَ الزمـــــانُ بهـــــــا***ذرعـــــاً ومـن قـبـــــلهـا قـدْ كـانَ مُـتـّسعـا

وأيّ داهـيــــةٍ دَهْـــــماءَ قـــــدْ خَـــــلعـــتْ***عـــــلى الهُدى مـــِنْ دَياجيـر الدُجَى قطعـا

وأيّ مُـعْــضِـلـــــةٍ جَـــــلاّء فـــــَاقِــمــــــةٍ***سَقتْ ذوي الدِيـــــنِِ مـــِنْ كـاساتِها جُرعا

رُزْء عَـظــــيـم كسا الاســــلامَ حــــادثـــهُ***حُـــــزناً فأصْـبَحَ مَذعُـــــورَ الحَـشا جَـزعا

وفادح طـــــرقَ المعـــــروفَ فـــــادحـــــه***فـانحـــــطّ مـــــن قـدْرهِ ما كـانَ مُـرتـفِـعـا

غداة مَادَ عـــمادَ الدِيــــــنِ قـُطـــب مـــدارَ***الشـرْع، أعظــــم مــــولى بالهـدى صدعا

غَـوثُ الانـامِ، مَـلاذ الخلـقِ ، مَرجـعُ أهـلُ***الحـــــقِ ، أكــــرمُ من للفـــضلِ قــدْ جمعا

مُحـــَمّدُ الحَسَنِ السّـــامي مَقـــامُ عـــــــُلا***مِـنْ دُونِــــهِ كـــــل نِـسْــــرٍ طائــــرٍ وقـَعَـا

ورثاه تلميذه السيد حسين ابن السيد رضا ابن السيد مهدي بحر العلوم بقصيدة أرّخ فيها عام وفاته، مطلعها :

عـين البَريّـة باديـها وحاضرهــــا***تذري الدمـوع لنـــاهـيها وآمـرهـا

زان الشـرائـع مُـذ حـلّى مقـالدها***جواهراً ما الدراري من نظائرهـا

 

الى أن يقول :

فاليوم تسكب من وجدٍ ومن أسفٍ***عَـلـيْـهِ تـلـكَ الـلآلِـي مِـنْ نـواظِـرها

تـُبـكِـيـهِ شـجـواً وتـنعـاهُ مُـؤرِّخـَة***( أبْـكى الجـَواهِـرَ هـماً فقـْـد ناثِرها )

 

  (1266 هـ )

مراجع وعلماء منتديات موقع الميزان العودة إلى الصفحة الرئيسية سجل الزوار