آية الله العظمى الشيخ محمد بن الحسن الطوسي ( قدس سره )
( 385 – 460 هـ )

ولادته ونشأته :

ولد الشيخ أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي في طوس خراسان ، في شهر رمضان ( 385 هـ ) .

فرضع من ثدي الإيمان الصادق ، والولاية المخلصة الحقة ، وتربى تربية سالمة من شوائب الأدران ، فجعلت منه أمّةً في وضعه وسيرته ، أمّةً في أخلاقه وأفعاله ، وبالتالي أمّةً عظمى في فكره وقلمه .

دراسته وأساتذته :

درس أولاً في مدارس خراسان ، وقطع بذلك أشواطاً عالية من العلم والمعرفة ، ولمّا لم يجد ما يطفئ غليل ظمأه ، شدَّ الرحال إلى بغداد في عام ( 408 هـ ) ، بعد وفاة السيد الرضي بسنتين ، للاغتراف من نمير علمائها ، والارتشاف من مناهل غدرانها ، وهو ابن ثلاثة وعشرين عاماً ، وذلك أبَّان زعامة ومرجعية الشيخ المفيد .

فلازم الشيخ المفيد ملازمة الظل ، للإستزادة من عبيق يمِّه الصافي ، والغور في بحر علومه .

كما وأدرك شيخه الحسين بن عبيد الله بن الغضائري المتوفى عام ( 411 هـ ) .

وتتلمذ على أبي الحسين علي بن أحمد القمي ، الذي يروي عنه النجاشي ، فتفقه على المذهب الشافعي وبقية المذاهب الأخرى ، وتضلَّع بها ، وكتب عنها ، ولا يفتي ذلك أنه قد انتمى إلى أحدها ، كما لم يتحدثنا التاريخ عن ذلك .

مرجعيته :

ذاع صيت الشيخ الطوسي ، وانثنت له وسادة المرجعية العليا للطائفة ، وتفرَّد بالزعامة الكبرى ، وأصبح وحيد العصر بلا منازع .

فأخذ العلماء يشدون إليه الرحال من كل حدب وصوب ، ليستمتعوا بغزير علومه ، على اختلاف مسالكهم ومذاهبهم ، ويستزيدوا من سعة دائرة استبحاره في شتى العلوم .

حتى بلغ عدد تلاميذه الذين اجتهدوا على يديه ، وتلقّوا منه رموز العلم وكنوز المعرفة ، أكثر من ثلاثمِائة مجتهد من الخاصة .

فضلاً عن العامة الذين لا يمكن حصرهم وعدُّهم ، لما رأوا فيه من شخصية علمية وقادة ونوبغ موصوف ، وعبقرية ظاهرة في العلم والعمل .

حتى أن الخليفة القائم بأمر الله عبد الله بن القادر بالله أحمد ، أسند إليه كرسي الكلام والإفادة ، ولم يكن هذا الكرسي ليُمنح إلا للأوحدي من الناس في ذلك العصر ، والمتفوق على الكل علماً ، وعملاً ، وكمالاً .

فلم يفتأ شيخ الطائفة على هذا المنوال اثنتي عشرة سنة ، مقصوداً لحلِّ المشكلات ، وأداء المهمات ، وقضاء الحاجات .

أيام الفتنة :

شَنَّ ( طغرل بيك ) أول ملوك السلجوقيين حملة شديدة على الشيعة العُزَّل من السلاح ، عند دخوله بغداد عام ( 447 هـ ) ، اذ قام بإحراق مكتبة شيخ الطائفة ، العامرة بأمهات الكتب الخطية الثمينة ، والتي لا تقدر بثمن .

تلك المكتبة التي بذل أبو نصر سابور وزير بهاء الدولة البويهي جهده العميم في إنشائها في الكرخ عام ( 381 هـ ) ، على غرار بيت الحكمة التي بناها هارون العباسي .

يقول ياقوت الحموي في معجم البلدان : إن هذا الوزير قد جمع فيها أنفس الكتب والآثار القيمة ، ونافت كتبها على عشرة آلاف مجلد ، وهي بحق من أعظم المكتبات العالمية ، وكان فيها مِائة مصحف بخط ابن مقلة .

هجرته :

وفي خِضَمِّ الأحداث المؤلمة آثر الشيخ الطوسي الهجرة إلى مدينة النجف الأشرف ، حيث مرقد الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بعد أحداث سنة ( 447 هـ ) ، ليبقى بعيداً عن المعمعات الطائفية ، متفرغا للتأليف والتصنيف .

وبعد استقراره في مدينة النجف قصده الفضلاء ، للاغتراف من معينه الذي لا ينضب ، والتطلُّع على درايته الصائبة ، وقريحته الثاقبة ، وهمته العالية .

فوضع بذلك اللبنة الأولى لأكبر جامعة علمية إسلامية للشيعة في مدينة النجف الأشرف ( الحوزة العلمية ) ، وشيَّد أركانها ، فأصبحت ربوع وادي الغري تشع بمظاهر الجلال والكمال ، صانها الله وحرسها من كل سوء .

مكانته العلمية :

إن اليراع لعاجز عن وصفه ، والإطراء عليه ، ومهما أراد الإنسان الغور والغوص في عظمة هذه الشخصية الفذة ، كلما ازداد تعجباً من مواطن عبقريته ، ونبوغه الفكري الخلاق ، وكفاه مدحاً أن يلقب بـ( شيخ الطائفة ) .

يقول آغا بزرك الطهراني : مضت على علماء الشيعة سنون متطاولة ، وأجيال متعاقبة ، ولم يكن من الهَيِّن على أحد منهم أن يعدو نظريات شيخ الطائفة في الفتاوى .

وكانوا يعدون أحاديثه أصلاً مسلَّماً ، ويكتفون بها ، ويعدون التأليف في قبالها ، وإصدار الفتوى مع وجودها ، تجاسراً على الشيخ وإهانة له .

وقال فيه العلامة الحلي : شيخ الإمامية ووجههم ، ورئيس الطائفة ، جليل القدر ، عظيم المنزلة ، ثقة عين صدوق ، عارف بالأخبار والرجال ، والفقه والأصول ، والكلام والأدب ، وجميع الفضائل تُنسب إليه ، صنَّف في كل فنون الإسلام .

ونعته السيد بحر العلوم بقوله : شيخ الطائفة المحقة ، ورافع أعلام الشريعة الحقة ، إمام الفرقة بعد الأئمة المعصومين ( عليهم السلام ) ، وعماد الشيعة الإمامية في كل ما يتعلَّق بالمذهب والدين .

مؤلفاته :

امتاز الشيخ الطوسي بكثرة التآليف القَيِّمة ، والتصانيف الجيدة ، الغنية عن كل إطراء وثناء ، ولم يتوخَّ من كل ذلك إلا الخدمة الصادقة لآلِ بيت أذهَبَ الله عنهم الرجس وطهَّرهم تطهيراً ، مبتعداً عن الشهوات واللذائذ الدنيوية ، وأهم تلك الآثار هي :
1 - الغيبة .
2 - الاقتصاد الهادي إلى طريق الرشاد .
3 - الرسائل العشر .
4 - النهاية .
5 - الفهرست .
6 - الآمالي .
7 - الاستبصار ( الجزء الأول ) .
8 - الاستبصار ( الجزء الثاني ) .
9 - الاستبصار ( الجزء الثالث ) .
10 - الاستبصار ( الجزء الرابع ) .
11 - تهذيب الأحكام ( الجزء الأول ) .
12 - تهذيب الأحكام ( الجزء الثاني ) .
13 -تهذيب الأحكام ( الجزء الثالث ) .
14 - تهذيب الأحكام ( الجزء الرابع ) .
15 - تهذيب الأحكام ( الجزء الخامس ) .
16 - تهذيب الأحكام ( الجزء السادس ) .
17 - تهذيب الأحكام ( الجزء السابع ) .
18 - تهذيب الأحكام ( الجزء الثامن ) .
19 - تهذيب الأحكام ( الجزء التاسع ) .
20 - تهذيب الأحكام ( الجزء العاشر ) .
21 - اختيار معرفة الناقلين .
22 - تلخيص كتاب الكافي في الإمامة .
23 - العدة في الأصول .
24 - المبسوط في الفقه .
25 - شرح الشرح في الأصول .
26 - الخلاف في الحكام .
27 - التبيان في تفسير القرآن .
28 - مصباح المجتهد .
 

وفاته :

واستمرت السنون المتطاولة ، والشيخ الطوسي منهمك بالتأليف والتصنيف ، مُكبّ على البحث والتدريس ، منشغل بالقضاء والإفتاء .

حتى وافاه ( قدس سره ) الأجل المحتوم في ليلة الاثنين الثاني والعشرين من محرم الحرام ، سنة ( 460 هـ ) ، عن عمر يناهز الخمسة والسبعين عاماً .

ودفن ( قدس سره ) في داره التي كان يقطنها بوصيةٍ منه ، وهي الآن من أشهر مساجد النجف الأشرف .

مراجع وعلماء منتديات موقع الميزان العودة إلى الصفحة الرئيسية سجل الزوار