ويقول المعترض:
«.. ولا أعرف الحجة التي حملته على هذا الشك، أما التي
ساقها فهي مجرد فروض، واحتمالات، وشكوك. ومنها ما هو اختلاق محض، كوجود
هالة أخرى هي أم أبي العاص، زوج زينب، إلى جانب هالة أمها، لكي يصح
بذلك زواج الأخ من أخته لأمه.
هذا، ولم يشر إلى المصدر الذي وردت فيه هالة الوهمية
هذه.
أجل.. هو استخراج من قول الكوفي عن
خديجة:
«أختها من أمها»، فاستوحى من هذه الجملة الواردة في
كتاب «الإستغاثة» شخصية امرأة لها مقوماتها الأنثوية، وتاريخها المختصر
جداً، لأنه ليس إلا عبارة عن وضع ولد اسمه أبي العاص (كذا) ثم اختفاؤها
في دائرة العدم، من يوم تخلقت في رحم كتاب «الإستغاثة» وإلى هذا اليوم.
أبهذا وأضرابه من البراهين نرد نسب
بنات رسول الله «صلى الله عليه وآله»، لغاية جدُّ تافهة الخ..»([1]).
ونقول:
في كلامه مواقع للنظر، نجملها على النحو التالي:
أولاً:
إن الأدلة التي سقناها كان من ضمنها روايات رواها السنة والشيعة، عن
رسول الله «صلى الله عليه وآله»، ومنها خطبة الصديقة الشهيدة فاطمة
الزهراء «عليها السلام» في المهاجرين والأنصار، وسكوتهم عن التعليق عما
ورد فيها، وفيها الإشارة إلى ما ورد في سورة الكوثر، وكان فيها أيضاً
عرض لبعض الأقوال في تاريخ زواج النبي «صلى الله عليه وآله» بخديجة،
وعرض للتواريخ التي ذكروها لولادة البنات اللواتي هن موضع البحث..
وكان من بينها كلام لمحدثين ومؤرخين، وعلماء، وفيها
أيضاً كلام لبعض الصحابة المعروفين والتابعين.. وغير ذلك..
فما معنى اعتباره ذلك مجرد فروض، واحتمالات، وشكوك؟!..
ثانياً:
بالنسبة لما نقلناه عن أبي القاسم الكوفي في كتابه الإستغاثة نقول:
إن اعتباره اختلاقاً محضاً مجازفة كبيرة، ودعوى أنه
تخلَّق في رحم كتاب الإستغاثة ليس لها ما يبررها.. وقد كان عليه أن
يقدم ولو دليلاً واحداً يثبت صحة دعواه هذه!
ثالثاً:
إنه لا مانع من استخراج الحلول لبعض الإشكالات، وما يزيل بعض التوهمات
من نفس النص الذي يراد تقديمه كدليل أو كشاهد على الدعوى.. وهذه
الطريقة اولى من الخضوع للإشكال، أو الإنسياق وراء الوهم، وهي أيسر من
التماس الشواهد والحلول، فيما عداه من نصوص..
رابعاً:
إن عجز التاريخ عن الافصاح عن تفاصيل مختلفة وكثيرة في
حياة الأشخاص هو الأمر الشائع بالنسبة لأغلب الناس الذين غبروا،
واندثروا، ولاسيما بالنسبة للذين عاشوا في زمن الجاهلية الجهلاء، حيث
كان الناس يعيشون في أطباق من الجهل، لم يستضيئوا بنور العلم. ولم
يكونوا يهتمون لتسجيل شيء مما يجري لهم وحولهم، بل إن ما كان يحصل من
الأحداث الهائلة والعامة، كالحروب الطاحنة، والزلازل المدمرة، لم
يذكروا عن أكثره حتى الاسم.. أو أنهم ذكروا اليسير منه، الذي لا يسمن
ولا يغني من جوع.
خامساً:
قد حكم على الغاية من إثبات أن هؤلاء البنات ربائب بأنها تافهة جداً..
وقال:
في موضع آخر([2]):
«فردّ على من أنكرها لغرض صغير تافه، وهو الخشية من تشبث عثمان
بالخلافة، أو كونه ذا نورين، وينال مكسباً، فيستحيل إلى كائن مقدس من
هذا الزواج».
ونقول:
ألف:
ليس في البحث العلمي ما هو تافه، إذا كان هذا البحث ملتزماً بالضوابط
الصحيحة، التي تنتهي باكتشاف الحقيقة، التي تعرضت للتزوير، أو للتحوير
بهدف التضليل في أمور لها مساس بقضايا الدين، ولو من بعيد..
ب :
إذا كانت هذه الغاية التي يعتبرها المعترض تافهة، تؤدي إلى قطع الطريق
على اصحاب الاغراض، وتمنعهم من إضلال الناس، أو من التأثير عليهم،
وتأكيد الشبهة في نفوسهم.. فانها تصبح مقدسة، وجليلة كقداسة الهدى،
وجلال الحق. وسيأتي المزيد مما له ارتباط بهذا الموضوع تحت عنوان:
عثمان ذو النورين.
سادساً:
إن المعترض يقول: «ما أسهل دحض هذه الطحالب، وقلعها باقل كلفة ومؤونة
عمن يتشبث بها..».
ونقول:
ألف:
حبذا لو شمر هذا المعترض عن ساعد الجد، وبادر إلى دحض هذه الطحالب،
مادام ان الأمر عنده بهذه السهولة..
ب:
إن بيان الحق وابطال الباطل انما يكون بالوسائل الصحيحة، والمعتمدة لدى
عقلاء البشر. ولا يوجد تعبد شرعي باعتماد طريقة بعينها، والمنع من
غيرها.
غاية ما هناك أنهم يُلْزِمون باعتماد ما هو حق وواقع
لكشف الحق به، وبيان زيف ما هو باطل.. ونحن لم نخرج عن هذه الطريقة،
فلماذا يريد ان يضع حدوداً، ويقيم سدوداً.
سابعاً:
إن الحجة التي سقناها ليست مجرد فروض واحتمالات، بل هي نصوص وروايات
وردت عن النبي «صلى الله عليه وآله» وعن الزهراء «عليها السلام»، وهي
آيات سورة الكوثر، وهي كلمات صدرت عن بعض الصحابة والتابعين تدل على أن
كون البنات ربائب كان أمراً مفروغاً عنه في تلك الحقبة..
ثامناً:
بالنسبة لاختلاق هالة أخرى نقول:
سيأتي الكلام عن هذا الأمر في أكثر من موضع. وسنرى أن
هناك من يصرح بأن زينب هي بنت هالة بنت النباش بن زرارة. كما ذكره
النويري، ومغلطاي وسواهما.
([1])
بنات النبي «صلى الله عليه وآله»
لا ربائبه ص7 و 8.
([2])
بنات النبي «صلى الله عليه وآله»
لا ربائبه ص 28.
|