صفحة :27   

التأسي بالأعرابي:

وعن سائر ما ورد في تلك الفقرة نقول:

أولاً: لقد اعتبر دفاع مراجع الأمة، وعلمائها الأبرار عن حقائق هذا الدين فتنة. وكان الأحرى برجل يرى نفسه من أهل العلم أن يتحمل مسؤوليته، ويسعى لمعرفة الحقيقة، ويستخرج كنه ما يجري، فإن كان ما يجري يضر بالدين، فعليه أن ينصر دينه، ويواجه المعتدين على حريمه، حتى لو كانوا مراجع الأمة وعلماءها.

وإن كان ما يجري فتنة عمياء لا يعرف حقها من باطلها كان تجنب الدخول فيها هو الأولى والأصوب. وعليه أن يسعى لمنع الناس من الدخول فيها أيضاً. ولكن هذا الرجل ينأى بنفسه عن ذلك كله، ولم يفعل ما يتوقع من مثله.

ثانياً: بالنسبة لتأسيه بذلك الأعرابي نقول:

كان الأحرى به أن يتأسى برسول الله «صلى الله عليه وآله»: وأن يأخذ تكليفه الشرعي منه، فإنه أعرف الناس ـ ومن ذلك الأعرابي الذي تأسى به المعترض ـ بما يفرضه الشرع الشريف.

وقد قرر الشرع الشريف أن على الناس كلهم أن يدافعوا عن دينهم، وأن ينصروا أولياء الله، وأن يتصدوا لأعدائه، وأن لا يكتفوا بموقف المتفرج إلا بعد التأكد من كون ما يجري فتنة لا يصلح الدخول فيها..

ثالثاً: كلام هذا الرجل يستبطن اتهام مراجع الدين، وعلماء الأمة بأنهم قد دخلوا في الفتنة، بل كانوا هم الذين أثاروها، وأضرموا نارها، وأذكوا أوارها..

وهذا أمر عظيم وهائل، ويتوقف إصدار هذا الحكم الخطير على أن يكون المعترض قد عرف كل شيء، وميز حقه من باطله، وعرف المحق، وأصدر حكمه على المبطل، مع أن المعترض يقول: إنه ليس على اطلاع على هذا الأمر بما يكفي للدخول فيه، فضلاً عن أن يصدر أحكاماً بهذه الخطورة.

رابعاً: إن الذين اختلفوا مع ذلك البعض الذي تجرأ على حقائق الدين ورموزه وشعائره، لم يكونوا في أكثرهم من العامليين. بل ولا من اللبنانيين. وإنما هم مراجع وعلماء من إيران والعراق، وسائر بلاد الإسلام، وليس منهم من العامليين إلا النزر اليسير.

خامساً: إن الشرع الشريف يفرض على كل مسلم نصرة الحق، أينما كان، ومع من كان.

ويقول: انظر إلى ما قال، ولا تنظر إلى من قال.

ويقول: إعرف الحق تعرف أهله.

وليس للفارسي أن يمتنع عن نصر الحسين، بحجة أن المتقاتلين هم من العرب، ولا يجب على كل مسلم الدخول في المعمعة التي تجري بين العرب، ولا تمييز المحق من المبطل منهما.

نعم.. ليس له ذلك لأن النزاع بين الحسين «عليه السلام» وبين يزيد نزاع على الدين وحقائقه.. والنزاع بين ذلك البعض وبين مراجع الأمة نزاع على قضايا وحقائق دينية أيضاً، وليس نزاعاً على دار، أو على فرس، أو نحو ذلك، ليقال: ليس فرضاً على كل مسلم تمييز المحق من المبطل..

سادساً: متى كان الإسلام يعترف أو يجيز لأحد أن يتكلم بهذا المنطق العنصري أو الفئوي.. أو أن يتصرف ويتخذ الموقف على أساسه، أو من خلاله؟! فهل إذا كان النزاع بين العامليين، لا يكون هناك تكليف تجاههم على أهل فارس، أو العراق؟!

سابعاً: ما هو ربط قول الحق، أو اتخاذ الموقف من الباطل بالفقر والغنى، أو بالشهرة والمغمورية؟! وهل كان المسلمون (زمن الرسول الذين كلفهم الله باتخاذ المواقف في نصرة الحق، وضد الباطل) هل كانوا من المتمولين، أو من أصحاب الشهرة في الآفاق؟!

 
   
 
 

موقع الميزان