صفحة :32   

نظرة المعترض إلى الصراع مع البعض:

وقد ظهر في سياق حديث المعترض أنه يقسو ويشتد علينا، وعلى كل من واجه ذلك البعض بالحق دفاعاً عن دينه، ويلين ويتواضع ويحتاط، ويتظاهر بالاعتدال وبالانصاف، وبعدم الإهتمام حين لا بد له من الحديث عن ذلك البعض.. فهو يقول:

«.. والحق بأني لم أوله اهتماماً، لا فيما أقول، ولا فيما أكتب، لعلمي بأن ثلاثة أرباع الصراع ـ أبيت اللعن ـ على حيس جندب. وكان شيخنا العظيم العالم الرباني الشيخ محمد طه الكرمي رحمة الله عليه يسمى ذلك «داء العمائم».

فمن أدراني أن يكون من بين هذه العمائم ما يكون بين أصحاب المهنة الواحدة.. وما كل رأي يأباه زيد هو كفر عند الله، ولا كل قول يقوله هو ايمان مطلق عند الله سبحانه.

وقد وقعنا قبل هذه الآونة بمصيبة لعل السيد أدرك بعض ذيولها، حين عارض العالم العامل العابد سيدنا المحسن الأمين بعض متنطعي عصره، وأغرى به الجهال والحشوية، وألب عليه العامة، فتصدى له شاعر صغير حقير بقوله:

يـا راكبـاً إما مـررت بجلق     فـابصق بوجـه أمينها المتزندق

وإني خشيت أن يكون هذا العثير من تلك العجاجة، لذلك همشت نفسي، كما همشتني أقداري. فما شاركت إيجاباً ولا سلباً في هذه الزوبعة»([1]).

ويقول:

«ومما يزيدني ثقة بأن الصراع بين السيد الجليل، وبعضهم، تجاوز الحد حتى انقلب إلى صراع على المصالح. هو ان غضب سيدنا العارم على هذا البعض تجاوز حجمه الطبيعي، وتحول إلى عداء شخصي، فاصبح لهذا اتباع، ولهذا اتباع. وكل واحد منهما يفتي بتجريح خصمه، وبما يناقض مذهبه في القضايا المتنازع عليها، ويستعين عليه بجهات علمية لها شأنها في دنيا الشيعة.

والقضية في جوهرها لا تستحق هذا التهويل، بل لا تستلزم نبش الماضي، واستخراج الدفائن، ونشر الذنوب بما لا يتسق مع أصل المطلب»([2]).

وبعد أن ذكر أن الغيرة على الدين لا تتبعض، قال: «ما باله أقام الدنيا ولم يقعدها على من تشكك في مسلمة تاريخية، لا يعتبرها أحد من ضرورات المذهب، مع علمه برفع الحجر عن العقول، فلكل أحد أن يوجه عقله حيث شاء، فإن أصاب فبها ونعمت، وإلا.. فإن من يقف له بالمرصاد كثير والحمد لله.

وعلينا التريث في القبول والرفض. ومعولنا على الحق وحده في ذلك، من غير لواعج ولا احقاد، اللهم إذا كان في النفس ما فيها من رواسب الماضي.

أقول: مالنا سمعنا زئيره وزمجرته هنا، على حين تسري على مقربة من مجال تفكيره «الآكلة» التي اكلت عقولاً كثيرة، وما تزال تسري في العقول كالنار في الهشيم. الا وهي وحدة الوجود، فلم نسمع له في معارضتها صوتاً واحداً، لا فيما قال، ولا فيما كتب الخ..»([3]).

وبعد أن ذكر أنه لا يستطيع نفي ذلك مطلقاً، فلعلنا قد كتبنا في بعض مؤلفاتنا شيئاً عن هذه القضية.. قال:

«.. ولكنني أسأل عن هذه الضجة هنا، والهدوء هناك، هل يا ترى إنكارمسلمة تاريخية أعظم، أو الشرك بالواحد الأحد؟!

ووحدة الوجود هذه تؤله الإنسان، وتسلك معه سلوك النصارى مع المسيح. فكيف تغاضى عنها، وهو يعلم منا قضتها لمذهب أهل البيت؟! وكان علماؤنا يسمون محيي الدين «ماحي الدين».

فكيف لم يشر ولو بكلمة نصح إلى أتباعه، ومعتنقي مذهبه؟!

هذا كله دار بخلدي واعطف الزوبعة التي خرجت من قلم السيدين، وترسَّم خطاهما الأتباع، فزادوا في الطنبور نغمة عليه، أوقفني على مثل العلم بأن وراء الأكمة ما وراءها. وأن كلاً منهما يغني على ليلاه. من ثم لم أر الأمر يعنيني بكثير أو قليل، ولم أشأ أن أكون إمعة في كتابي عن سيدة النساء»([4]).


 

([1]) بنات النبي «صلى الله عليه وآله» لا ربائبه ص 20.

([2]) بنات النبي «صلى الله عليه وآله» لا ربائبه ص 23.

([3]) بنات النبي «صلى الله عليه وآله» لا ربائبه ص22 و 23.

([4]) راجع: بنات النبي «صلى الله عليه وآله» لا ربائبه ص 24.

 
   
 
 

موقع الميزان