ويواصل المعترض التهوين من حجم مخالفات ذلك البعض
لحقائق الدين فيدَّعي: أنه إنما تشكك في مسلمة تاريخية، لا يعتبرها أحد
من ضرورات المذهب، مع علمنا برفع الحجر عن العقول.. وأن ثمة حرية
فكرية، تعطي الحق لكل أحد، بأن يفكر كيف يشاء، فإن أصاب فبها.. وإن
أخطأ فإنه من يقف له بالمرصاد كثير..
ونقول:
أولاً:
إن ما دعانا إلى الرد على ذلك البعض ليس هو مجرد
مخالفته لمسلمة تاريخية، بل هو سيل جارف من المخالفات لحقائق الدين،
ومسلمات المذهب..
وقد ذكرنا في كتابنا: «خلفيات
كتاب مأساة الزهراء»
عشرات، بل مئات منها، واكتفينا به عما عداه وهو كثير أيضاً. وهو محرر
في كتبه ورسائله، ونشراته.
أما ما ذكره في محاضراته أو مقابلاته، مع وسائل الإعلام
المرئية والمسموعة، أو في دروسه المسجلة، فلم نتعرض له.. ولو أردنا أن
نستخرج ما فيها أيضاً من هنات ومخالفات، لبلغت الألوف..
فلماذا حصر المعترض مخالفات ذلك البعض بهذه المسلَّمة
التاريخية؟!
ثانياً:
ما الداعي إلى تهوين أمر هذه المخالفة.. التي تستبطن السعي إلى تبرئة
أناس كانوا هم السبب في كل هذا التمزق والتفرق والضياع الحاصل في
الأمة؟! فإن هذه التبرئة ستؤدي إلى تحسين صورتهم. كما أنها ستمهد
الطريق إلى تصحيح دعوى ذلك البعض بأنهم قد أخطأوا في فهم كلام النبي
«صلى الله عليه وآله» في أمر الخلافة. فأبعد علي «عليه السلام» عنها
نتيجة لهذا الخطأ في الفهم، ثم تصحيح ادعائه بان قلوبهم كانت مملوءة
بحب الزهراء، فكيف نتصور ان يهجموا عليها..
هذا عدا عن تصحيح ادعائه بان سند حديث الغدير موضع
نقاش.. لينتج عن ذلك أن هؤلاء الناس قد اجتهدوا فأخطأوا في أمر
الخلافة، فهم مثابون على اغتصابهم لها من علي ثواباً واحداً.. إلى غير
ذلك مما يدعيه هذا البعض، وقد أعلنا مؤاخذتنا له فيه..
ثالثاً:
ان الحرية الفكرية التي يدعيها المعترض لذلك البعض، ويريد أن يبيح له
من خلالها ان يقول ما يشاء.. حتى لو خالف فيه حقائق الدين عشرات، بل
مئات المرات.. لا بد أن يمنحنا أيضاً قسطاً منها، يمكِّننا من التصدي
لهذه المخالفات، وتحذير الناس من الوقوع فيها، وإرشادهم إلى مواضع
الخلل بالحكمة والموعظة الحسنة، أو بالجدال بالتي هي أحسن..
وهذا هو ما فعلناه، ولم نزد عليه، فلماذا يلومنا
ويؤنبنا على أمر يوجبه علينا العقل والشرع، ويمنعنا من أمر، تمنحنا
إياه الحرية الفكرية، والتي منحها ورضيها لذلك البعض ولم يرضها لنا..
فإن رفع الحجر عن العقول، وحرية الإنسان في أن يوجه عقله حيث يشاء لا
يختص بذلك البعض..
رابعاً:
إن هذا المعترض قد أجاز لنفسه ان يعترض علينا بما شاء،
وأجاز لغيرنا أن يعترضوا على ذلك البعض، وأن يقفوا له بالمرصاد. قد حظر
علينا شخصياً الإعتراض والتصدي له.
فهو يقول:
إن لذلك البعض، ولكل احد سواه ان يوجه عقله حيث شاء،
وقد رفع الحجر عن العقول..
ويقول:
إن من يقف لذلك البعض بالمرصاد. كثير، ولكنه يديننا،
ويلومنا نحن شخصياً على تصدينا له.. فهو قد منعنا حقاً كان منحه لذلك
البعض. فكيف نفسر ذلك؟!
خامساً:
لماذا أوجب علينا التريث في القبول والرفض.. مع أن المخالفة أصبحت
ظاهرة؟! ولماذا لم يتريث نفس هذا المعترض، حين اطلع على ما قلناه حول
البنات والربائب. فبادر إلى الرد علينا في كتابه: فاطمة الزهراء «عليها
السلام»، دراسة في محاضرات؟! أليست هذه أيضاً قضية تاريخية، وليست من
ضرورات المذهب؟!
سادساً:
قد تحدث عن ضرورة التعويل على الحق وحده، ومن غير لواعج
ولا أحقاد، إلا إذا كان في النفس ما فيها من رواسب الماضي..
وهذا وإن كان في نفسه صحيحاً، لكن إذا أريد به الإيحاء
أو التعريض باتهامنا بأن لدينا أحقاداً على ذلك البعض، وبأن رواسب
الماضي هي التي تحركنا، فنحن نطالب هذا المعترض بالدليل والشاهد، مع
علمنا بأن المعترض لا يعلم الغيب، ولم يطلعه الله تعالى على ما في
القلوب والنفوس.. وليس لدينا أي شاهد يثبت أنه كان على صلة بنا، أو على
اطلاع على حياتنا وسلوكنا الظاهر، فضلاً عن أن يعرف حقيقة نوايانا
ودوافعنا..
على أن رواسب الماضي التي أشار إليها لا بد أن يكون لها
ماض أوجب نشوءها وتكوُّنها.. مع أن ماضينا مع ذلك البعض كان مفعماً
بالمحبة والإخلاص، والإحترام، وكان هناك حرص على هذه العلاقة.
والناس يعرفون أنه كان إذا قدم إلى قم يترك بيوت أصهاره
وسائر أقاربه، ويختار النزول ضيفاً علينا في بيتنا، وكنا نحاول أن نقوم
بما نراه واجباً أخلاقياً وإيمانياً..
فالماضي الذي كان لنا مع ذلك البعض لا يسمح بتكون
احقاد، ورواسب ذات طابع سلبي، إلا إذا كان هذا المعترض يعرف من هذا
الماضي ما لا نعرف، وقد لمس من هذه الأحقاد ما لم نحس به، لا في
الماضي، ولا حتى في الحاضر، ونسأل الله ان يعافينا منها في المستقبل
أيضاً..
|