وقال المعترض:
لو اقتصرنا في احتجاجنا على كتاب معصومين، أو علماء حباهم الله
ملكة العصمة كالانبياء، لما عثرنا على أحد بهذه الصفة، اللهم الا
ان يكون ملاكاً بصورة إنسان.. والسيد في كتابه: «القول الصائب» لم
يأت بشيء جديد سوى ما أثبته من أخطاء هذا الحقير، ولست مصراً على
تنزيه نفسي من الأخطاء..
إلى ان قال:
المهم عندي جلاء النسب المضاع، وإثبات الولد المضام الذي رد نسبه
ظلماً، لا لشيء إلا لأن أغراضاً خاصة تعلقت بذلك من الأوائل.
وبراعة فائقة في الجدال والمخاصمة عند الأواخر([1])..
ونقول:
أولاً:
صحيح أن العصمة ليست إلا للأنبياء والأوصياء، ولكن معنى هذا
الكلام: أن من نعلم بالضرورة والبداهة عصمتهم هم هؤلاء، لكن ذلك لا
يمنع من عصمة غيرهم أيضاً بجهد منه، وإن لم نستطع نحن تحديدهم..
فلا داعي لحصر المعصوم بالملاك الذي يكون بصورة إنسان..
ثانياً:
لو سلمنا ذلك لكن يوجد حد ومستوى للاخطاء لا يرضى العقلاء بتجاوزه،
أو بالوقوع فيه.. فلا يرضون مثلاً من أحد أن يتكلم بالمتناقضات، أو
أن ينكر البديهيات والمسلمات. أو أن يشكك بالمحسوس، أو أن يقدم على
ما يعلم أنه يوجب الهلاك، كشرب السم، أو ما يوجب النقص، كقطع اليد،
أو ما يوجب المرض وما إلى ذلك.
ثالثاً:
إن المطلوب في البحث العلمي هو لفت النظر إلى الخطأ، والدلالة عليه
بالبرهان والدليل، وبغير ذلك من الدلالات. وليس في ذلك مؤاخذة، ولا
ملامة، إلا إذا ظهر أن ثمة تعمداً لطمس الحقائق، والتمويه على
الناس.
رابعاً:
إن هذا المعترض قد اتهمنا باننا حين بحثنا عن نسب
البنات، وأثبتنا أنهن ربائب لرسول الله «صلى الله عليه وآله» قد
ظلمناهن..
ونجيب:
ألف ـ
إن الظلم إنما يتحقق في مثل هذا المورد، حين يكون
هذا النفي تعدياً وافتراء، ويوجب هتك حرمتهن، ونسبة ما لا يليق
بشأنهن إليهن.. ونحن لم نفعل ذلك، بل جمعنا الشواهد الدالة على أن
ما ندَّعيه كان واقعاً، قائماً ومعروفاً، ومصرحاً به على لسان
النبي «صلى الله عليه وآله»، والسيدة الزهراء «عليها السلام»،
ومعترفاً به من قبل الصحابة وغيرهم..
وهذا نظير ما لو لم نكن نعرف من هو مؤلف كتاب
الإستغاثة مثلاً، ثم بحثنا ودققنا، وجمعنا القرائن حتى تأكد لدينا
أن مؤلفه هو أبو القاسم الكوفي، فإن جهلنا بمؤلفه قد نشأ عن ظروف
ومؤثرات وتحولات تاريخية، ليس لنا ولا لأبي القاسم الكوفي فيها
يد..
ثم إننا لو لم نعلم من هو والد الكوفي هذا، ولا
اسمه، ولا نسبه ولا بلده. ثم حققنا فظهر لنا أنه ابن فلان من
الناس، وأن نسبته إلى غيره كانت خطأ واشتباهاً، بسبب تربيته له، أو
لأنه زوج أمه.
فإن ذلك لا يعد ظلماً للكوفي في شيء.. بل هي حاجة
لنا في البحث العلمي قضيت، ونتج عن تعرضنا لبحثها وضع الأمور في
نصابها، وهذا أمر مرغوب ومطلوب..
ب ـ
إن المعترض قد ذكر أن السبب في رد نسبة البنات إلى
رسول الله هو أغراض خاصة كانت لدى الأوائل..
ونقول له:
من أين عرف بأن لدى الأوائل أغراضاً خاصة دعتهم إلى
ذلك؟! ولماذا لا تكون تلك الأغراض هي بيان الحق، وإزالة الشبهة؟!
ج ـ
هل البراعة في الجدل لدينا تصلح لان تكون سبباً في ردنا لنسب
السيدات الكريمات؟! وهل هذه البراعة تدخل في عداد الأغراض، أو
الدواعي والمحفزات لأمر من هذا القبيل؟! وما هو الربط بين هذه
البراعة وبين ذلك النسب؟!
د ـ
إن موضع البحث هو هل كان أولئك البنات بنات للرسول
«صلى الله عليه وآله» على الحقيقة، ام انهن قد تربين عنده، ونسبن
إليه، فأصل بنوتهن لرسول الله «صلى الله عليه وآله» لم تثبت حتى
يصح أن توصف بأنها نسب مضاع، وأنه قد لحق بهن ظلم وحيف، فلا بد من
إثبات العرش ثم النقش..
([1])
بنات النبي «صلى الله عليه وآله»
لا ربائبه ص 31.