صفحة : 71  

قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ:

وقد استدل المعترض بقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ﴾([1]) على أن البنات هن بنات رسول اله «صلى الله عليه وآله» على الحقيقة..

فقال: «أما هذه الآية فقد رجعنا إليها في تفاسير السنة والشيعة، فلم نجدها وحدت البنات، أو قصرتها على الصديقة الطاهرة «عليها السلام».. ولو كانت مجازاً لرفع العلماء التبادر منها إلى الجمع بحملها على المفرد، ولا سيما واللفظ قبلها يدل على الجمع.. ولوجب عليهم ـ ولا مناص من ذلك ـ الإشارة إلى نفي السيدات عن بنوته، لئلا يذهب ذاهب إلى كونهن بناته، بصريح لفظ الجمع في الآية..

فلما اتفقوا على ترك ذلك علمنا منه أحد أمرين: إما بقاء الجمع على الحقيقة، ولم يصرف عن معناه اللغوي، أو أن العلماء كتموا ما أنزل الله، وهذا الأخير اتهام ظالم لعلماء الإسلام من دون استثناء، لأجل غرض لا طائل تحته».

ثم ذكر المعترض طائفة من كتب التفسير التي لم يذكر مؤلفوها شيئاً عن توحيد البنات، واللفظ جمع، وقال: «فهل كتم الحق كلهم، وعرفه السيد وحده، وحينئذ الا يكون هذا من باب تفسير القرآن بالرأي، وهو محرم حتى عند السيد نفسه»؟!.

ثم ذكر ان آية الحجاب إن كانت قد أنزلت قبل وفاة البنات، فلا يمكن قصر الجمع على الصديقة، وإن كن قد فارقن الدنيا، وبقيت الصديقة وحدها حين نزول الآية، فإن ذلك قرينة لا محالة على إرادتها وحدها، إذ لا معنى لأمر الميت بالحجاب.

ثم ذكر أن زينب، وأم كلثوم، والصديقة «عليها السلام» كن على قيد الحياة حين نزول الآية، فيكون البنات جميعاً بنات رسول الله «صلى الله عليه وآله»([2]).

ونقول:

أولاً: إن مفسري أهل السنة والشيعة قد جروا في تفسيرهم للآية وفق ما هو مستقر في أذهانهم من أن البنات هن بنات رسول الله «صلى الله عليه وآله».. ولو أنهم كانوا يرون خلاف ذلك لالتمسوا مبررات التعبير بصيغة الجمع، حين يكون منطبق الآية هو المفرد.. ولعلهم لم يحققوا في صحة هذا الذي استقر في أذهانهم وعدم صحته..

ثانياً: إن القرآن يعطي الضابطة، ويضرب القاعدة، ويتحدث عن الأمور بنحو القضية الحقيقية لا الخارجية، أي أنه يصدر الحكم على الموضوع بحسب ما يمكن وجوده، لا بحسب ما هو موجود بالفعل.

فلو كان للنبي «صلى الله عليه وآله» بنت واحدة، فذلك لا يمنع من أن يصدر الله حكمه بلزوم الحجاب على ما يمكن أن يكون عليه الحال، ليشمل الحكم ما هو موجود من البنات، وما يمكن ان يتصور وجوده.

والقضية الحقيقية تشمل الحاضر والغائب، ومن ولد، ومن سيولد إلى يوم القيامة، فقوله تعالى: ﴿أَقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾ لا يختص بمن حضر زمان الخطاب، وليس في هذا أي نوع من أنواع المجاز، كما هو ظاهر..

ثالثاً: يشهد لما قلناه من أن لفظ الجمع «بناتك» في الآية، لا يوجب الحكم بكون البنات جمعاً أيضاً، ما جاء في آية المباهلة حيث عبرت بكلمة أنفسنا، ولا شك في أن المراد به خصوص علي «عليه السلام»، إذ لا معنى لأن يدعو الرسول «صلى الله عليه وآله» نفسه، ويقول: يا محمد، اخرج للمباهلة، كما أنها قالت: ﴿وَنِسَاءنَا﴾ ولم يدع إلا الصديقة الطاهرة «عليها السلام».. وقالت: ﴿أَبْنَاءنَا﴾ ولم يدع سوى الحسنين «عليهما السلام»..

رابعاً: إن عدم تنبيه العلماء على كون البنات ربائب لا يلزم منه كتمانهم لما أنزل الله تعالى، إذا فرض أنهم كانوا غافلين عن هذا الأمر، أو معتقدين بخلافه، أو أنهم قد اتكلوا على القرينة الحاضرة، حيث كان مفروغاً عنه بين الناس، أنهن قد تربين في بيت النبي «صلى الله عليه وآله»، وكان الناس يطلقون كلمة البنات عليهن، ويقصدون معنى البنوة بالتربية، فلا مجال إلى اتهام العلماء بشيء.

خامساً: قد تقدم: أنه لا وقع لقول هذا المعترض: إن الهدف من نفي بنوة البنات لا طائل تحته، أو أنه هدف تافه، أو نحو ذلك..

على أن ضآلة الهدف أو تفاهته لا تجعل البنات بنات لرسول الله «صلى الله عليه وآله»، ولا تنفي كونهن ربائب.. كما أنها لا تنتقص من قيمة البحث العلمي الموضوعي الرصين..

سادساً: عن قوله: إن قولنا: بأن البنات ربائب لرسول الله «صلى الله عليه وآله» ليس من تفسير القرآن بالرأي، وذلك لما قلناه، من أن القرآن في هذه الآية لم يتحدث عن هذا الأمر بنحو القضية الخارجية، بل تحدث عنها على نحو القضية الحقيقية.. فتفسيرنا لا يخالف ظاهر القرآن، ليكون تفسيراً له بالرأي.

كما أنه لا يوجد نص صريح عن المعصوم بتفسير هذه الآية الشريفة على أساس نفي كون البنات ربائب، بل لدينا نصوص عن النبي «صلى الله عليه وآله»، وشواهد من كلام بعض الصحابة وغيرهم تدل على نفي بنوة البنات للنبي «صلى الله عليه وآله»..

سابعاً: بالنسبة لنزول آية الحجاب بعد وفاة البنات، أو في حال حياتهن، نقول:

إن ذلك لا أثر له في دلالة الآية، حسبما أوضحناه انفاً.

ثامناً: يضاف إلى ذلك: أنه إذا كانت القرينة الخارجية، وهي موت البنات، أو حياتهن هي التي تحدد مفاد الآية، فلم لا يكون ما روي عن رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وخطبة الزهراء «عليها السلام»، وكذلك الشواهد التي وردت على لسان بعض الصحابة وغير ذلك ـ مما دل على كون البنات ربائب لم لا يكون ذلك ـ شاهداً وقرينة على أن الآية قد جاءت على سبيل القضية الحقيقية، لا الخارجية؟!!


 

([1]) الاية 59 من سورة الاحزاب.

([2]) بنات النبي «صلى الله عليه وآله» لا ربائبه ص 32 و 33 و 34.

 
   
 
 

موقع الميزان