صفحة :77   

مناقشات المعترض لكلامنا حول الآية:

وقد ذكر المعترض: أننا لم نحمل كلمة «بناتك» على الحقيقة، واعتبرنا الجمع مستعملاً في الواحد على طريقة المجاز.

فاعترض علينا بأن هذا لا يصح بوجوه:

أولاً: لا يصار إلى المجاز إلا بقرينة واضحة، لا تحتمل التأويل، لأنه خلاف الأصل.

ثانياً: لا وجود للصارف عن الحقيقة (وهو القرينة) هنا، والمصير إلى الحقيقة هنا لا محيد عنه، «لورود لفظ الأزواج على الحقيقة، فينبغي ان يماثله ما تلاه رعاية للنظم، وإلا لكان خدشاً في بلاغة القرآن الإعجازية لإيراد لفظين: أحدهما للحقيقة، والثاني للمجاز من دون قرينة صارفة.

ثالثاً: لا يمكن قصر اللفظ على الصديقة بقوله: بناتك، لانها معصومة، وهي غير متخلفة عن أداء هذا الواجب، لتردَّ إليه، وتحمل عليه. فاقتصار القرآن في توجيه الخطاب إليها لكان من تحصيل الحاصل، ولا يصح وروده في كلام الله المعجز.

أما إذا كان معها غيرها من أخواتها، فإن المخاطب الأصلي بالقول هنَّ. ودخول الزهراء «عليها السلام» في اللفظ لكونها بنتاً، لا لكونها معنية بالوجوب.

رابعاً: لو كانت الزهراء «عليها السلام» معنية لقدم ذكرها، لأنها معصومة، ولها الولاية الكبرى، وهي سيدة النساء، ولا يصح أن يقدم عليها بالذكر من هو دونها، لأن ذلك مشعر بتقديمه عليها، والتقديم والتأخير في القرآن ليس محض صدفة».

إلى أن قال: «كما لا يصح تقديم غير النبي عليه في الخطابات القرآنية..

خامساً: كان ثلاث بنات على قيد الحياة، ولم تمت منهمن سوى أم كلثوم، فناسب أن ياتي اللفظ في الآية جمعاً: «وبناتك».

سادساً: الآية الكريمة أثبتت بناتاً للنبي «صلى الله عليه وآله» على الحقيقة، ولو كن متبنّيات لما صح نسبتهن إليه، لأنه يوجب التناقض في كتاب الله، من حيث إنه يأمر الأمة بعدم نسبة الأدعياء إلى غير آبائهم الحقيقيين، ثم يخالف نفسه فينسبهم إلى غير آبائهم.

سابعاً: قد ذكرنا أقوال علماء الشيعة والسنة حول الآية، فلم يبق إلا التفسير بالرأي.

ثم ذكر المعترض: أن الآيات التي استشهدنا بها ليس فيها شاهد واحد، فقال ما ملخصه:

فأما قوله تعالى: ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾([1])، فإن النبي «صلى الله عليه وآله» لا يمكن أن يميل إلى الشرك.. فعقب المعترض على ذلك بقوله: «فهذا صحيح، ولكنه لا يستحيل، وقد عصى الله عدد من الملائكة، ومنهم هاروت وماروت، وقد قال الله تعالى: ﴿لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ﴾([2])، فلذلك حذره الله تعالى من امر غير مستحيل، وان لم يقع منه لوجود ملكة العصمة عنده الخ..

2 ـ وأما آية الولاية، وهي قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾([3])، فإنها نزلت في مورد خاص، ومجيؤها بلغة الجمع تعظيماً لأمير المؤمنين، فعلم أن الذين آمنوا غيرهم، لضرورة التمييز بين المخاطب والمتولي وهو المتصدق بالخاتم. فلا يمكن أن ينصرف ذهن السامع إلى إرادة الجمع مع وجود هذه القرائن.

3 ـ أما آية الحجاب فليس فيها قرينة واحدة من هذا النوع.

4 ـ والكلام في آية المباهلة كالكلام في آية الولاية، فإن اقتران نزولها بصورة الحادثة قرينة على إرادة الواحد من الجمع، وهي قرينة صارفة، وهي من القرائن الحالية.

5 ـ أما آية القربى، فالجمع فيها مستعمل فيما وضع له، وليس فيها مجاز ولا احتماله.

6 ـ وكذلك آية التطهير، إذ كيف ينصرف المسلم بذهنه إلى غير أهل بيت النبي «صلى الله عليه وآله»، مع أن السياق يدل على اختصاصهم بالتطهير، واختصاص الآية بهم.

وعلق المعترض هنا على قولنا: فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر بقوله: «إنه وإن ساقها على روية الأمثال التي تضرب ولا تعارض، فإنها تشعر أيضاً أن من قال ببنوَّة زينب، وأم كلثوم ورقية يكفر، أو يحتمل إثماً وبهتاناً مبيناً على أقل تقدير، وإلا لما استشهد بالآية. ولو علم السيد بأن النافي لنسبهن أجدر بهذا من المثبت لما تمثل بالآية([4]).

 

ونقول:

إننا نترك التعليق على الفقرة الأخيرة للقارئ الكريم.. وهي ككثير غيرها مما لا نأبه له، ونتعامل معه على أساس أنه لا يعنينا..

أما بالنسبة لسائر ما ذكره هذا المعترض فنحن نجمل كلامنا عنه ضمن العناوين والفقرات التالية:


 

([1]) الآية 65 من سورة الزمر.

([2]) الآية 6 من سورة التحريم.

([3]) الآية 55 من سورة المائدة.

([4]) بنات النبي «صلى الله عليه وآله» لا ربائبه ص 36 ـ 42.

 
   
 
 

موقع الميزان