صفحة :81   

لم ندع المجازية في آية الحجاب:

لقد قرر المعترض أننا ادعينا أن آية الحجاب استعملت لفظ الجمع في المفرد على سبيل المجاز.

ونجيب:

أنه بغض النظر عن أن قوله أولاً، مقدمة لقوله ثانياً، ومتمم له، فهما إيراد واحد، فلا داعي لفصله عنه، نشير إلى ما يلي:

أولاً: ليس في كلامنا أية إشارة إلى المجاز في الآية، بل قلنا: ان الله حين يخاطب نبيه، فإنما يخاطبه على طريقة «إياك أعني واسمعي يا جارة». وعلى طريقة إعطاء القاعدة العامة([1]). فلماذا يقوِّلنا ما لم نقله، فإن طريقة «إياك أعني واسمعي يا جارة» لا تعني استعمال الألفاظ في غير ما وضعت له لتكون من المجاز.. كما أن طريقة إعطاء القاعدة العامة لا تعني ذلك أيضاً.

ثانياً: قد أوضحنا فيما سبق أكثر من مرة: أن الآية إنما جاءت على نحو القضية الحقيقية، الصادقة على حال النبي «صلى الله عليه وآله» في كل حين، أي سواء أكانت له بنت واحدة أو اثنتان، أو أكثر، وسواء أكان البنات مولودات ومكلفات حين الخطاب، أم لم يكن كذلك، بل ولدن، أو ولد بعضهن، أو وصلن إلى سن التكليف قبل أو بعد ذلك..

وليس المراد بها القضية الخارجية، وهي التي تأخذ تكون الحصة الخارجية الموجودة فعلاً هي موضوع الحكم..

ثالثاً: إن قوله تعالى: ﴿قُلْ لِأَزْوَاجِكَ﴾، أيضاً من هذا القبيل. وليس المراد بالأزواج القضية الخارجية. ولذلك، يدخل في الخطاب الزوجات اللاتي دخلن بيت الزوجية بعد نزول هذه الآية.

ولو كانت الآية قد جاءت على سبيل القضية الخارجية لم يكن هؤلاء الزوجات مشمولات لها..

وقد ذكر هذا المعترض نفسه: أن هذه الآية قد نزلت في سنة زواج النبي «صلى الله عليه وآله» بزينب. وعن ابن سعد أن ذلك كان في ذي القعدة.

وقد سبق الحجاب حادثة الإفك، التي كانت سنة ست للهجرة..([2]).

وذكر أيضاً: أن آية الحجاب إن كانت قد نزلت بعد وفاة البنات فالمراد بالآية خصوص الزهراء «عليها السلام»، وإن كانت قد نزلت قبل وفاتهن كان الحق معه. فجعل الواقع الخارجي قرينة على المراد وعلى الإستعمال في الآية.

رابعاً: قول المعترض: إنه لا وجود للقرينة الصارفة غير مقبول. فإن القرينة قد تكون حالية، وقد تكون مقالية، فنفس معرفة الناس بأن البنات الأخريات ربائب، لا بنات على الحقيقة يكفي في القرينية. وقد ذكر هو نفسه في كلامه هذا: أن عصمة الزهراء «عليها السلام» تمنع من كونها مرادة بالخطاب، وهذه قرينة خارجية، وليست لفظية مصرحاً بها في الخطاب.

خامساً: ما ذكره من أن إرادة المفرد في فقرة من الآية، وإرادة الجمع في فقرة أخرى منها، ينافي بلاغة القرآن غير دقيق، فإن آية المباهلة قد أريد من فقراتها المفرد والمثنى، والتعبير في الفقرات كلها جاء بصيغة الجمع فهي تقول: ﴿فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ﴾. والمقصود بالأبناء الحسنان. وبالأنفس علي «عليه السلام» فقط، إذ لا يعقل أن يدعو النبي نفسه، وبالنساء خصوص الزهراء «عليها السلام».

وكما أنه أريد بالجمع المفرد والمثنى هنا، فقد أريد بالأزواج في آية الحجاب ما يعم من تزوجهن فعلاً وغيرهن، فإن اعتبر أن الكلام يصير مجازاً بذلك، فليكن قوله: «وبناتك» مجازاً أيضاً، لكي يتَّسق الكلام في دلالاته، ويجري على طريقة واحدة.

غير أننا قد قلنا أكثر من مرة: إن الكلام جار على نحو القضية الحقيقية لا الخارجية.. فلا مجاز في البين كما هو ظاهر..

يضاف إلى هذا كله: أن اعتبار علي «عليه السلام» نفس رسول الله «صلى الله عليه وآله» إنما هو على سبيل التنزيل والتوسع، وهو من المجاز أيضاً.


 

([1]) القول الصائب ص7.

([2]) بنات النبي «صلى الله عليه وآله» لا ربائبه ص 33 و34.

 
   
 
 

موقع الميزان