صفحة : 131  

ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ:

ثم إن المعترض بعد أن ذكر قول ابن عمر: ما كنا ندعو زيد بن حارثة إلا زيداً بن محمد حتى نزل القرآن: ﴿ادْعُوهُمْ لِآَبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آَبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً﴾([1]).

ثم قال: «فلم يأذن الله تعالى في نسبة الأدعياء إلى من تبناهم، فلماذا لا يجوز أن يدعى زيد ابن محمد على نحو المجاز، كما جاز هناك؟! وسوف نحاسب السيد حساباً عسيراً في مستقبل البحث»([2]).

ونقول:

أولاً: ان آية ﴿ادْعُوهُمْ لِآَبَائِهِمْ﴾، قد نزلت في حق الذين يتبناهم الناس، ويرتبون عليهم أحكام الأبناء الحقيقين، فيورثونهم، ويعاملونهم معاملة الأقرباء المحارم، فلا يستتر النساء منهم، وما إلى ذلك، فنزلت الآية لتحرم عليهم ذلك، وتضع حداً فاصلاً بين الابن الحقيقي، وبين غيره، فحرمت نسبتهن إلى غير آبائهن الحقيقيين.

فبادرنا إلى التحقيق لمعرفة الأب الحقيقي لهن، فظهر لنا أن نسبتهن إلى الرسول «صلى الله عليه وآله» إنما كانت لأجل تربيته لهن، ونشأتهن في كنفه.. وبذلك علمنا: أن نسبتهن إليه على نحو الحقيقة موضع إشكال من الناحية الشرعية.

ثانياً: قد صرحت الآية الكريمة المذكورة أعلاه: بأن عدم معرفتنا بالأب الحقيقي لا يوجب حرجاً لنا، فإذا أخطأنا في تحديده وقلنا: بأن فلاناً هو الأب، ولم يكن في الواقع كذلك، فنحن معذورون في هذا الخطأ، ولا يؤاخذنا الله تعالى عليه، وكان الله غفوراً رحيماً..

ولكن بعد أن ظهرت الدلالات والقرائن الموجبة للشك في انتسابه إلى من ننسبه إليه على نحو الحقيقة، فليس لنا أن نصر على نسبته لمن نشك في انتسابه إليه..

ثالثاً: إنما لم يجز أن يدعى زيد ابن محمد على نحو الحقيقة، لكي لا يكون وارثاً، ويدخله على نسائه، وعلى ابنته دون أن يحتجبن منه.. وأما نسبته إليه مجازاً لأجل تربيته له كما يربي الأخ أخاه، والعم ابن أخيه فلا مانع منها..

وأما بالنسبة للحساب العسير الذي توعدنا به المعترض، فلا نريد أن نبدي رأينا فيه، غير أننا نقول:

إن كان حسابه على غرار ما مر معنا، فالأمر سهل، ولسنا بحاجة إلى التذكير بقول الشاعر:

زعم الفرزدق أن سيقتل مربعاً       أبشـر بطـول سلامة يـا مربـع
 


([1]) الآية 5 من سورة الأحزاب، والحديث في البحار ج22 ص172.

([2]) بنات النبي «صلى الله عليه وآله» لا ربائبه ص 50 و51.

 
   
 
 

موقع الميزان