قال المعترض:
«وأما
عن إبراهيم، وأبيه تارخ، وعمه آذر (آزر)، فهذا قياس مع الفارق كما
يقولون، نحن لم ننكر جواز استعمال الأب في العم أو الخال، والمربي
مجازاً. وإنما أنكرنا جوازه بعد أن نزل الوحي بحرمته، والنهي عنه،
فانتساب إبراهيم «عليه السلام» إلى عمه لم ينه عنه، وإلا لما انتسب.
أما انتساب السيدات لو كنّ من الأدعياء فمنهي عنه، فلا يجوز بحال من
الأحوال، ولكن نجد الأمر خلافاً لذلك».
ومثله يقال في أبوة إسماعيل لأبناء إسحاق، مع أن أبوته
على الحقيقة، لوجود أبنائه مع عمه، فكأنه قال: آبائنا.
ثم إن كان على المجاز فهناك علاقة صححته، وهي الرحم
القائمة بين إسماعيل والداعي، فما هي الرحم بين النبي والسيدات إن كن
ربائب»؟!([1]).
ونقول:
أولاً:
قلنا
سابقاً: إن الآية الكريمة
﴿ادْعُوهُمْ
لآبَائِهِمْ﴾
نزلت في حق من برئ من ولده، ثم يتبناه آخر معلناً بذلك، ويكون ذلك منشأ
لآثار عملية، واعتبارات لا يقرها الشرع، حيث يصير الناس يتعاملون مع
هذا «المتبنى»،
كما يتعاملون مع الولد الحقيقي. فيورثونه ويعاملون معاملة المحارم. وقد
جاءت قصة زيد بن حارثة لتكون المدخل لإلغاء هذه الظاهرة، وإدانة هذا
النهج، واقتلاع هذه المفاهيم من الذهنية الإجتماعية، مع العلم بأن
النبي
«صلى الله عليه وآله» لم يكن يؤمن بها، ولم يتعامل على
أساسها أبداً..
ثانياً:
إن إبطال هذه الظاهرة لا يحتاج إلى تحريم استعمال كلمة ابن وبنت في
الذي يتربى عند آخر، ولو مجازا، بل يكفي أن يقال: إن هذا التبني باطل،
لا يترتب عليه أي أثر، ولا يكون للأب المتبني أحكام الأب الحقيقي..
وكذلك الحال بالنسبة للابن بالتبني..
ثالثاً:
قد نسب
الله تعالى إبراهيم «عليه السلام» إلى عمه بعد نزول آية:
﴿ادْعُوهُمْ
لآبَائِهِمْ﴾
التي في سورة الأحزاب، لأن الله تعالى قد ذكر هذه النسبة إلى العم في
سورة التوبة، وهي من أواخر ما نزل من القرآن، فقال تعالى:
﴿وَمَا
كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ
وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلهَِ
تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ﴾([2])،
فكيف ينهى الناس عن نسبة الناس إلى غير آبائهم، ثم هو ينسب إبراهيم إلى
عمه؟! ثم هو يريد منهم أن يتلوا هذه الآية في صلاتهم وفي غيرها،
ويثيبهم على ذلك إلى يوم القيامة؟!.
رابعاً:
إن
مسألة بنات النبي أو ربيباته
من موارد
الآية، ولكن بعكس ما يريده المعترض، فإن الآية تحرم نسبة إنسان إلى غير
أبيه، وقد ثبت لدينا أن البنات لسن بنات الرسول على الحقيقة، فلا بد من
القول بعدم جواز نسبتهن إلى النبي
«صلى الله
عليه وآله»، وفقاً لمفاد الآية،
حسب تقرير المعترض نفسه.
فإن قلنا بجواز نسبتهن إلى النبي «صلى الله عليه وآله»
على سبيل المجاز اقتصرنا عليه، وإن تأكدنا من حرمة ذلك مطلقاً، فعلينا
أن نلتزم به. ولا ضير في ذلك، فإن الأمر تابع لدليله.
خامساً:
بالنسبة لقول المعترض: ان الرحم هي العلاقة المصححة
للمجاز، كأبوة إسماعيل لبني إسحاق.. ولا توجد رحم بناء
على كون البنات ربيبات، نقول:
إن العلاقة المصححة قد تكون هي الرحم، وقد تكون غيرها،
وهي هنا نفس التربية والرعاية المتوفرة عادة للبنت الحقيقية، فإنها قد
تكون للبنات اللواتي يحظين بهذه التربية على سبيل الإحسان والتفضل..
سادساً:
قول المعترض: إن أبناء إسماعيل كانوا مع الداعي، الذي كان من أبناء
إسحاق يحتاج إلى إثبات.
سابعاً:
قال تعالى: ﴿وَأُمَّهَاتُكُمُ
اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ﴾،
فأطلق الأم على المرضعة، والأخت على التي ترتضع مع أخرى، مع أن هذا
تضمن نسبة البنت إلى غير الأم الحقيقية، واعتبار غير الأخت الحقيقية
أختاً.. وهذا لا ينسجم مع آية ﴿ادْعُوهُمْ
لآبَائِهِمْ﴾
أيضاً وفق تفسير المعترض.
([1])
بنات النبي «صلى الله عليه وآله»
لا ربائبه ص 62.
([2])
الآية 114 من سورة التوبة.
|