كان المعترض قد ادعى الإجماع على أن البنات هن بنات
الرسول على الحقيقة، قائلا
«لم
يشذ أحد»
عن ذلك.
فقلنا له:
قد نقضت قولك هذا حين ذكرت أن الكوفي قد خالف في هذا الأمر. ونقضته مرة
أخرى حين قلت: إن المخالف ثلاثة: أول مبتدع، وثان متبع، وثالث ناقل.
بالإضافة إلى أنك قد أشرت في موضع آخر من كتابك إلى الناس المختلفين في
هذه المسألة، وهم الذين سئل عنهم الشيخ المفيد. وأنت نقلت لنا في كتابك
هذا كلام الخصيبي عن وجود مخالف في هذا الموضوع، وأشرت إلى القزويني،
وصاحب البدء والتاريخ. وإلى الجزائري والطريحي وغيرهم..
فعاد المعترض فأجاب:
بأن الكوفي ليس من أهل مذهبنا، والمتبع قول الكوفي يكون وإياه واحدا في
العد، والناقل لا يعتد بقوله. والذي سئل الشيخ المفيد عنه لا ينقض قوله
الإجماع، لأنه سأله عن هذا الكوفي بالذات
«باعتباره
صاحب القول الشاذ، ولذلك استصغر المفيد قدره، وهون أمره، ونسبه إلى
الشذوذ، فلا يقدح قوله هذا بالإجماع»([1]).
ونقول:
أولاً:
إن الكوفي إنما غلا في آخر، وكان قبل ذلك إماميا مستقيم الطريقة، وله
كتب كثيرة سديدة، كما يقول الشيخ الطوسي.. فلا مانع من الأخذ بما يرويه
حين استقامته، وقد صرحوا بأنه ألف كتابه الإستغاثة في أيام استقامته.
فلا ضير في اعتبار قوله في جملة أقوال الإمامية.
أما ما يقوله في أيام فساده، فله حكم آخر، حيث يعد قوله
في الحقيقة في جملة أقوال أهل تلك النحلة التي انتقل إليها. فإن كانت
نحلة لا تخرجه عن الإسلام عدَّ قوله في جملة أقوال المسلمين
المخالفين.. وإن كانت توجب خروجه منه عدُّ قوله في جملة أقوال أهل
الضلال والكافرين.
ثانياً:
بالنسبة لقول المعترض: إن المتبع إذا وافق قوله قول الكوفي يكون هو
وإياه واحدا في العد.. نقول:
ألف:
إنما يكون هو وإياه واحدا في العد، لو كان التابع يستند إلى قول
المتبوع، بحيث لم يكن له حجة سواه، أما إذا لم يعلم ذلك، أو علم أنه قد
استند إلى حجة أخرى، فلا يكون هو وإياه واحداً في العد.
ب:
لو صح ذلك للزم عد المعترض من النواصب وغير الإمامية، لأنه وافقهم في
هذه المسألة. وقد اعترف هو نفسه بذلك فيما سبق.
ج:
لا بد من تطبيق هذا الكلام على القول الذي ذهب إليه
المعترض، فنقول:
جميع الإمامية وغيرهم قد تابعوا غير الإمامية في القول
بأن البنات للنبي «صلى الله عليه وآله» على الحقيقة، فلا بد من
اعتبارهم، واحداً في العد، فلا يحسن ادعاء الإجماع، ولا الشهرة، ولا
مجال بعد للاعتداد بكثرة القائلين. ولا.. ولا..
ثالثاً:
بالنسبة
لقول المعترض: والغافل لا يعتد بقوله، نقول:
لا بد أن يجري هذه القاعدة على القائلين بالنبوة
الحقيقية أيضاً، ويخرج الغافلين منهم، والإلتزام بهذه القاعدة معناه
أنه لا يحسن الاعتداد بقول أي قائل، إلا إذا أحرزنا التفاته وعدم
غفلته، ولو بأن يكون قد أشار إلى ما يعتمد عليه في جنوحه إلى هذا القول
أو ذاك.
فإذا أخذنا بهذه القاعدة، فسيرى
المعترض:
أن القائلين بكون البنات ربائب أكثر من غيرهم. لأنهم قد أوردوا في
كلامهم ما يشير إلى عدم غفلتهم..
رابعاً:
جزم المعترض: بأن الشيخ المفيد قد قصد الكوفي حين وصف
القول بأن البنات ربائب بالشذوذ في جوابه عن السؤال الذي وجه إليه..
غير مقبول، وذلك لما يلي:
ألف:
لا ندري من أين علم بما يقصده الشيخ المفيد، ومن الذي أخبره به، إذ لا
يعلم الغيب إلا الله.
ب:
من أين علم أن القائل بذلك رجل واحد، فلعله أكثر من رجل ولو كان رجلاً
واحداً لم يصح قول السائل: اختلف الناس..
جيم:
من
أين ظهر له: أن المفيد قد استصغر قدر من قال بهذا القول، وهون أمره،
فإن عبارة المفيد صرحت بأن المخالف شاذ بخلافه، وهي عبارة توصيفية تشير
إلى الكثرة، وإلى أن القول الآخر هو الذي عليه أكثر العلماء.. وليس
فيها تهوين لأمر شخص، ولا تصغير لقدر أحد..
د:
سيأتي قول
المعترض: إن السؤال الموجه للمفيد: لا يدل على كثرة النافين، والإختلاف
قد يكون بين الواحد والألف».
قال:
«وللكوفي
إخوان وأعوان، تابعوه على رؤيته، وأعانوه عليها، ومن ثم حصلت مجادلات
بين هذا وذاك، سماها السائل من المفيد
«الناس»([2]).
([1])
راجع: بنات النبي «صلى الله عليه
وآله»
لا ربائبه ص 69 و70.
([2])
بنات النبي «صلى الله عليه وآله» لا ربائبه ص72.
|