صفحة :183   

ابن شهرآشوب لم ير الكتب التي نقل عنها:

وذكر المعترض: أن زمن البلاذري متقدم على زمن الكوفي. وابن شهرآشوب إنما يحكي عن كتاب لم يره ولم يشاهده بعينه، وإنما هو قول قاله منسوب إلى كتاب مجهول. ورأي صاحب الكتاب في كتابه الآخر ـ أنساب الأشراف ـ على خلافه تماماً.

ومثله يقال في الأنوار، والكشف، واللمع، فإنها كتب مجهولة، لم تقع بأيدينا لنحكم عليها حكماً صحيحاً قطعياً. ولم ينقل أقوال أصحابها شاهد عيان لننظر في حاله.

وهذا الإدعاء أوهن من بيت العنكبوت.. وقد أشار المجلسي إلى ذلك إشارة عابرة، ولم يوله الإهتمام اللازم، ولو كان له شأن لناقشه مناقشة جدية، وأثبت صوابه أو خطله([1]).

ونقول:

أولاً: من الذي قال: إن ابن شهرآشوب لم ير كتاب البلاذري، ولا شاهده بعينه؟!

ثانياً: إن هذا المعترض يعترف هنا بأن مقصود ابن شهرآشوب بكتاب البلاذري كتاباً آخر غير أنساب الأشراف قال عنه: إنه كتاب مجهول..

ولكنه في موضع آخر تقدم.. أحال على كتاب أنساب الأشراف بالذات([2]).. فبأي كلاميه نأخذ، وبأي منهما ننظر؟!

ثالثاً: بالنسبة لقول المعترض: إن كتب الأنوار والكشف واللمع مجهولة، لم تقع بأيدينا لنحكم عليها الخ.. ولم ينقل أقوال أصحابها شاهد عيان.. نشير إلى ما يلي:

ألف: من الذي قال: إن ابن شهرآشوب لم ير تلك الكتب، وأنه ليس شاهد عيان؟!

ب: هل يريد المعترض أن يقول: إن النقل بالواسطة لا حجية له؟!

وهل يمكن القول بأن جميع الروايات التي بأيدينا ساقطة عن الحجية، لأنها كلها منقولة بالوسائط؟

وهل يمكن اعتبار القرآن ـ والعياذ بالله ـ ساقطاً عن الحجية أيضاً، لأنه منقول لنا بواسائط؟

وهل يمكن التخلي عن الصلاة والصيام وسائر العبادات، لأنها وصلت إلينا عبر وسائط؟!.

ج: إن كتب المتقدمين إنما وصلت إلينا عبر وسائط أيضاً.. وحتى ما يدعى أنه مكتوب بيد المؤلف ـ إن وجد ـ فهو لا يعدو أن يكون مجرد ادعاء، لا يمكن إثباته إلا من خلال نقل الثقات بالوسائط الموثوقة المتوالية، وبذلك ينسد باب العلم بالمنقول عن المتقدمين بالكلية تقريباً، وينحصر المقبول بالمنقول مباشرة، بواسطة شاهد عيان.

د: قد ظهر أنه حتى لو نقل لنا شاهد عيان قول الكوفي، فإنه يبقى شاهد عيان بالنسبة لنفسه، ومن عاش في زمنه، أما بالنسبة لنا، فيبقى نقلا بالواسطة من قبل عدد كبير من الناس لم نرهم، ولم نعرفهم معرفة مباشرة أو كافية.

رابعاً: قد طعن المعترض في النقل عن البلاذري بأنه نقل عن كتاب مجهول، وهو كلام غير مقبول، فإن الثقة هو الذي نسب هذا الرأي لذلك الرجل، ولا يجب أن نعرف الكتاب الذي أودع ذلك الرجل رأيه فيه.. بل يكفي أن يصلنا رأيه، ولو لم يودعه في كتاب أصلاً، وإنما أفضى به إلى الثقات من تلامذته أو أقرانه.

خامساً: إن اختلاف الرأي في أمر لدى رجل واحد، لا يخرج ذلك الرأي عن الصلاحية مطلقاً. إلا إذا علم أنه رأي كان يراه سابقاً، ثم عدل عنه لتوفر الأدلة على خلافه ـ وأما إذا كان العكس، أو ظهر من القرائن ما دل على أنه قد سجل الرأي الآخر لمراعاة بعض الظروف.. فإن ذلك لا يجدي في إسقاط الرأي الأول عن الحجية.

سادساً: قول المعترض: إن هذا الإدعاء أوهى من بيت العنكبوت يبقى هو الآخر مجرد ادعاء أوهى من بيت العنكبوت، إذا لم يقدم على صحته دليلاً مقبولاً ومعقولاً.

سابعاً: إن ما نسبه إلى المجلسي من أنه ترك مناقشة هذا القول استهانة به، يبقى مجرد توهمٍ لا أهمية له، إذا لم يقدم دليلاً على هذه الاستهانة، بل يمكن أن يقال بأن عدم مناقشته تشير إلى قبوله، أو إلى عدم تصديه لبحث المسألة من أساسها، فليس له رأي فيها، فاكتفى بذكر الرأي المشهور فيها.

ولعل المجلسي لو اطلع على الأحاديث والشواهد التي ذكرناها، لبادر إلى تأييد هذا القول وتشييده..

ثامناً: لو سلمنا أن المجلسي استهان بهذا القول، فلا إشكال في ذلك أيضاً، لأنه لا يعدو كونه مجرد رأي، فإذا ظهر لغيره خلافه، ودل الدليل عليه عنده، فلا محذور في الأخذ به، ولا يكون من خالف المجلسي مخطئاً، ومستحقاً للمؤاخذة عند الله.


 

([1]) بنات النبي «صلى الله عليه وآله» لا ربائبه ص 71 و72.

([2]) بنات النبي «صلى الله عليه وآله» لا ربائبه ص 31.

 
   
 
 

موقع الميزان