صفحة : 186  

من هم الذين أشار إليهم المفيد؟!:

قال المعترض: قول السائل للمفيد: «إن الناس يختلفون» لا يدل على كثرة النافين، لأن الاختلاف قد يكون بين الواحد والألف، فيقال فيهم: الناس مختلفون، وبما أن النفي غريب ومخالف للمألوف، فربما أحدث زوبعة من النقاش في الوسط المسلم.

«ولا أنكر أن للكوفي إخواناً وأعواناً، تابعوه على فريته، وأعانوه عليها، ثم حدثت مجادلات بين هذا وذاك، سماها السائل من المفيد «الناس».

والدليل على ذلك: لو نسب السيدات إلى غير رسول الله «صلى الله عليه وآله» لعرفه الصدر الأول من الإسلام، وكان المثبتون والنافون سواء، أو يترجح طرف على طرف، مع كثرة الطرف المرجوح، وحينئذ لا ينسب إلى الشذوذ، وإن قلت أعداده.

أما مع نبز المفيد له بالشذوذ، فهو دليل على قلة القائلين به، وضآلة شأنهم، فإنه مع كثرة القائل في مسألة لا ينبز قوله بالشذوذ([1]).

ونقول:

أولاً: قد سبق أن قال هذا المعترض: إن المقصود بالذين سئل المفيد عنهم هو الكوفي بالذات([2]).

وقد أقر هنا: أنه لا ينكر أن للكوفي إخواناً وأعواناً، فربما حدثت زوبعة من النقاش.

ثانياً: ان الزوبعة من النقاش، لا تقضي عليها إجابة مختصرة من الشيخ المفيد، لم تتضمن دليلاً ولا شاهداً.

ثالثاً: قلنا: إن ابن شهرآشوب قد نقل هذا القول عن البلاذري، وهو أسبق من الكوفي، وعن كتب أخرى، تحدثت هي الأخرى عن هذا الأمر. ونقلناه نحن عن عروة، وعن ابن عمر.

بل قد وردت الأحاديث به عن النبي «صلى الله عليه وآله»، وصرحت به الزهراء «عليها السلام» في خطبتها، ولم يعترض عليها أحد..

رابعاً: قول المعترض لو نسبنا السيدات إلى غير النبي لعرفه الصدر الأول، وكان المثبتون والنافون سواء، أو يترجح طرف على طرف، مع كثرة الطرف المرجوح الخ. يرد عليه:

ألف: ما ذكرناه آنفاً من أن الرواية عن النبي تؤكد صحة هذا القول، وكذلك ما روي عن الزهراء «عليها السلام»، وما قاله ابن عمر، وعروة بن الزبير، و.. و..

ب: حديث المعترض عن تساوي الأقوال، وترجيحها، ليس في محله، فإن المسائل تختلف وتتفاوت، وقد ذكرنا في ما سبق: أن البنات قد متن في عهد رسول الله «صلى الله عليه وآله»، ولم يكن لهن دور يذكر في قضايا الإسلام، ولا أثر ظاهر فيه.

ولم يعد هناك ما يقتضي تداول أسمائهن، ويدعو للبحث عن أحوالهن، إلا في ما شذ وندر، ولم يبق إلا الإستفادة من زواج عثمان باثنتين منهن.. وهذا إنما احتاجته بعض الفئات في وقت تأخر عشرات أو مئات السنين، لأجل تأكيد خصوصيتها الإعتقادية، أو تبرير ولائها لعثمان، والتزامها بنهجه.

خامساً: إن المعيار ليس هو كثرة القائلين وقلتهم، بل المعيار هو الدليل والشاهد، وربما يظهر للمتأخر ما لا يظهر لمن تقدمه، ولا سيما مع توفر المصادر، وسهولة الحصول على ما فيها من مطالب.


 

([1]) راجع: بنات النبي «صلى الله عليه وآله» لا ربائبه ص 72.

([2]) راجع: بنات النبي «صلى الله عليه وآله» لا ربائبه ص 70.

 
   
 
 

موقع الميزان