صفحة : 190  

الكوفي هو المتهم:

وقال المعترض: «إننا لم نعثر عليه في كتاب من كتبنا، مروياً بالتفصيل، مستدلاً عليه (بفتح الدال)؛ كما عثرنا عليه في كتاب الكوفي «الإستغاثة». ولو كان الأمر كما يدعي لكان من الوضوح بمكان، ولكان شائعاً في حياة رسول الله «صلى الله عليه وآله» وفي الصدر الأول، ولكثر القائلون به، إذ ليس من المعقول أن يخفى أمر كهذا على أهل البيت «عليهم السلام»، حتى يظهر للكوفي وحده.

ولو ظهر لأهل البيت «عليهم السلام» لكشفوه لشيعتهم، ولم يتركوه طي الكتمان، لما يترتب على كتمانه من آثار تضر بالمذهب، منها دخول قوم في النسب الشريف، وليسوا منه. أمثال أمامة بنت زينب، ونسلها.

وما قيل من كونها لا عقب لها، فذلك من أمير المؤمنين، وقد أعقبت من غيره.

ومنها استحقاق مال الخمس، فلو أكل أبناؤهن منه لكان أكل مال بالباطل.

ومنها حرمة الصدقة عليهن، وعلى أبنائهن.

وما كان الأئمة «عليهم السلام» ليقروا الوضع على ما هو عليه من دون كشف أو بيان، إذن لكان كتماناً للحق، وهذا ممنوع في حق المعصومين»([1]).

ونقول:

أولاً: تقدم: أن البنات قد متن في عهد رسول الله «صلى الله عليه وآله»، ولم يكن لهن دور لافت يقتضي تكرار ذكرهن، ويثير الإهتمام بتسجيل تاريخهن، وذكر تفاصيل عن حياتهن.

ولكن بعد أن مضت عشرات، أو مئات السنين احتاج المؤيـدون لعثمان إلى هذا الأمر لتقوية موقفهم وموقعهم، فأطلقوا هذه الدعوى، فكان أن أظهر بعض من الفريق الآخر ما عنده، فخفتت الأصوات، وعادت الأمور إلى نصابها، ولم يكن الأمر يحتاج إلى أكثر من ذلك، لأنـه كان من الوضوح بمكان.

ولعلهم ذكروا لهم الرواية التي تحدثت عن تراجع عروة بن الزبير أمام اعتراض الإمام السجاد «عليه السلام».. ورواية ابن عمر عن أن أمير المؤمنين وحده كان ختن رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وما روي عن رسول الله «صلى الله عليه وآله» في ذلك، وما ورد على لسان الزهراء «عليها السلام» في خطبتها، أمام المهاجرين والأنصار، وغير ذلك من أدلة وشواهد، أو لعل ذلك كان نصب أعينهم، فأسكتهم عن الإفاضة في الحديث عن هذا الأمر..

ولعل المفيد لم يرد إثارة هذا الموضوع، لسبب أو لآخر، أو لعله لم يطلع على تفاصيل هذه المسألة، ولذلك اكتفى بما هو شائع ومعروف، ولم يدخل في نطاق الإستدلال على الرأي الآخر، ولا تعرض له إثباتاً ولا نفياً.

ثانياً: ليس هناك ما يدل على خفاء هذا الأمر عن أهل البيت «عليهم السلام»، كيف وقد ذكرته الزهراء في خطبتها المعروفة كما أنهم «عليهم السلام» قد كشفوه لشيعتهم، كما يدل على ذلك حديث عروة بن الزبير، الذي زعم أن النبي «صلى الله عليه وآله» قال عن زينب: «هي أفضل بناتي أصيبت فيّ»، فاعترض عليه الإمام السجاد «عليه السلام» بأنه بذلك ينتقص من فاطمة «عليها السلام». فأنكر عروة أن يكون قاصداً ذلك، ثم اعتذر بأن ما قاله عن زينب قد كان قبل نزول قوله تعالى: ﴿ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ﴾ ([2]).

وهذا يدل على أن البنات لسن بنات لرسول الله «صلى الله عليه وآله»، حيث إنه بعد نزول الآية لم يعد مجال لنسبتهن إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله».

ثالثاً: من الذي قال: إن الأمر كان مخفياً عن الشيعة حتى نطالب أهل البيت «عليهم السلام» بكشفه لهم؟!

رابعاً: بالنسبة للسلبيات التي ذكرها، إذا لم يظهر الأئمة «عليهم السلام» نسب البنات نقول:

إنها غير لازمة، إذ لم يثبت أن أحداً من ذريتهن أخذ من الخمس شيئاً، والمعيار في أخذ الخمس هو أن ينتسب الآخذ إلى هاشم من جهة الأب.. لا من جهة الأم، فلا أثر لنسب البنات من هذه الجهة.. وإذا كانت أمامة هي المعنية بهذا الكلام، فمن الذي قال :إنها احتاجت إلى الخمس. أو الصدقة، فقد كانت غنية بزوجها علي «عليه السلام» وبغيره من بعده، كما أن أبناءها يتبعون آباءهم في الخمس وغيره، فإن كان من بني هاشم أخذ منه وإلا فلا.

خامساً: إن هذا الأمر متوقف على إثبات وجود ذرية للبنات، فيحتاج إلى التحذير من الوقوع في الشبهات، مع أن أصل وجود الذرية مشكوك فيه، ولو وجدت ذرية فلا بد من إثبات أنها كانت تجهل بحقيقة نسبها. ولو ثبت أنها جهلته، فلا بد من إثبات جواز أخذ المنتسب إلى النبي «صلى الله عليه وآله» من جهة الأم للحقوق الشرعية.. ولو ثبت ذلك، فلا بد من إثبات حاجة هذه الذرية إلى هذا الخمس.

سادسا: ذكر المعترض: أن عدم بيان الأئمة لأمر البنات تترتب عليه آثار تضر بالمذهب.

ونقول:

ألف: إن المعترض كان قد ذكر أن الأثر المترتب على هذا الأمر تافه فما معنى عودته هنا ليقول: إن عدم بيان هذا الأمر يضر بالمذهب؟!

ب: حبذا لو بين لنا طبيعة هذا الضرر الذي يلحق بالمذهب ومداه وآفاقه، وموارده.

ج: إن الغافل عن الحقيقة، أو الجاهل القاصر إذا أخذ الخمس يكون معذوراً، إذا كان معتقداً بانتسابه إلى هاشم، خصوصاً إذا كان هناك مانع من البيان، لا سيما مع انقراض النسل، أو مع كون النسل منحصراً بالبنات، أو لغير ذلك من أسباب.

د: تقدم: أنه لا شيء يثبت لنا أن الناس كانوا يجهلون هذا الأمر، ليحتاجوا إلى بيانه من قبل الأئمة «عليهم السلام».


 

([1]) بنات النبي «صلى الله عليه وآله» لا ربائبه ص 73.

([2]) ذكرنا مصادر هذا النص في موضع آخر من هذا الكتاب.

 
   
 
 

موقع الميزان