صفحة : 195  

ما نسب إلى البلاذري والمقريزي:

وقال المعترض: «أما ما نسب إلى غير الكوفي، كالبلاذري، وكتاب اللمع، وغيرهما، فإنه قول ابن شهرآشوب ـ كما تقدم ـ ولم نعثر على نفس القول لنعرف مبلغه من الاعتبار، بل عثرنا على قول للبلاذري يناقضه تماما.

وقول السيد الجليل عن المقريزي لا يحتاج إلى ردٍّ مسهب، اللهم إلا في الإحتمالات التي ساقها سماحته»([1]).

وقال عن المقريزي أيضاً: «وليس من المعقول أن يسهب في نعت ربائب رسول الله «صلى الله عليه وآله» وبيان حالهن، ثم يعرض عن ذكر ثلاث منهن، فلا يذكر إلا واحدة. وقد نص قبل ذلك على أنها بنت لا ربيبة، بجملة خاطفة مدخولة، لا يكاد المرء يتميز معناها».

وأما حمل البنت على الربيبة، لاحتمال تعارض الظاهر مع النص، فأقول له: وهذا لا يجوز».

ثم استند إلى وجهين نلخصهما على النحو التالي:

الأول: أن إطلاق البنت على الربيبة مجاز، فلا يصار إليه إلا بقرينة، وهي مفقودة هنا.

واعتبار الأدلة التي سقناها في كتبنا قرينة لهذا المجاز، لا يصح، إذ لم نسمع عن مجاز يذكر في كتاب، ثم نبحث عن قرينته في كتاب آخر، وهذا الأمر إن لم يكن متعذراً، فهو متعسر.

الثاني: انه لا يجوز هنا استعمال لفظ البنت مجازا، لأن الله منع من ذلك، فلو أنك قلت: بنت رسول الله لتبادر إلى الذهن البنت الحقيقية. وهذا ممنوع بنص الآية الشريفة([2]).

وقال المعترض أيضاً:

«وأعجب من قوله: قد يكون المقريزي عدل عن رأيه.. أقول له: هذه التخرصات والظنون لا تقوم مقام الحق والحجة، فتركها خير لك من ذكرها.

ومطالبته بالدليل على أن المقريزي أراد زينب بنت أبي سلمة، وبالشاهد على ذلك، نقول له: ذكر أولا زينب في بنات رسول الله، تمشيا مع الثابت الأكيد المقطوع به، ثم عدوله عن ذلك وتسميتها ربيبة، جنوحا مع الشبهة، ولا بد من تبرئة عالم من هذا التهافت، وما قلناه تبرئة له. وإلا فهو متهافت في قوليه.

ثم احتجاجه عليَّ في قولي عن المقريزي: إنه نسب الربيبة إلى البنت، مع أني أنكر هذه التسمية، أي تسمية الربيبة بالبنت، فأقول له: لست أنا الذي أنكر ذلك، بل الله حرَّمه في قوله تعالى: ﴿ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ، وإن كان المقريزي قد قصد ذلك، فقد فعل حراماً طبعاً»([3]).

ونقول:

أولاً: بالنسبة لما ذكره المعترض عن البلاذري، واللمع نشير إلى ما يلي:

إننا أجبنا عنه في ما سبق مراراً وتكراراً، ونزيد هنا:

إن المعترض ذكر أنه لم يعثر على قول البلاذري واللمع، ليعرف مبلغه من الإعتبار.

ونقول له: فكيف بادرت إذن إلى نفيه بهذه الشدة والحدة، وعلى سبيل الجزم واليقين؟!.

ثانياً: بالنسبة لما ذكره عن المقريزي، وأنه تحدث عن بنت واحدة قائلاً: إنها ربيبة. وأهمل ذكر ثلاث بنات نقول:

لعل حال هذه البنت هو الذي أحب بيانه، ربما ليحسم النزاع فيها. وربما يكون السبب غير ذلك.

ثالثاً: ان نفس هذا المعترض قد رفض أن يفرض أحد خطة معينة عليه في آرائه، وإلزامه باعتمادها. والسير بأفكاره طبق منهجيتها([4]). فلماذا يريد أن يفرض على المقريزي خطته ورأيه؟!

رابعاً: قوله: إن المقريزي قد نص قبل ذلك على أن زينب بنت لا ربيبة، ليس دقيقاً، بل هو قد أطلق عليها كلمة بنت، ثم جاء قوله الثاني ليشير إلى أنه أراد بالبنت الربيبة، فلا تناقض في كلامه ولا اختلاف، بل بعضه يفسر البعض الآخر.

خامساً: ما ذكره المعترض من أن كلامنا عن المقريزي لا يحتاج إلى رد مسهب، لم نفهم سببه.. ولم يبينه لنا، ونحن نعترف بأننا لا نعلم الغيب..

سادساً: ما ذكره المعترض من أن إطلاق البنت على الربيبة يحتاج إلى قرينة هي في هذا المورد مفقودة، لا يصح، بل القرينة موجودة، وهي حالية، إذ هي معرفة الناس بهذا الأمر، حين إطلاق هذا التعبير.. ولكننا نحن الذين جهلنا القرينة، لأن المؤرخين والرواة لم يحسنوا نقل الواقعة لنا، أو لأنهم اعتبروها من الواضحات، أو لغير ذلك من أسباب..

سابعاً: قول المعترض: انه لا يصح أن يذكر المجاز في كتاب، وتذكر قرينته في كتاب آخر، غير مقبول، فإن القرينة ليست لنا، بل هي للذين يكون الخطاب معهم، في عصر الخطاب، فإذا كانت حالية وموجودة بالنسبة إليهم انتهى الأمر. فقد تنقل القرينة لنا، وقد تهمل لأكثر من سبب، كما تقدم في الفقرة السابقة، والخطاب لم يكن موجهاً إلينا، والقرائن تنصب لمن يوجه الخطاب إليه.. وما أكثر القرائن الحالية في الخطابات عند الناس، من سبق منهم ومن لحق.

ثامناً: قلنا أكثر من مرة: إننا إنما نجمع معلوماتنا من النصوص التاريخية المتوفرة لدينا، وربما نغفل عن قرينة دهراً ولا نلتفت إليها.. وربما يضيع النص من بين أيدينا، أو يكتمه أو يحرفه ذووا الأهواء، ونكون نحن معذورين فيه، خصوصاً إذا لم يكن يترتب عليه أثر اعتقادي، أو كان أثره تافهاً، كما زعم المعترض نفسه في ما سبق.

تاسعاً: حديث المعترض عن عدم جواز استعمال المجاز في هذا المورد لا يصح، وقد تقدم ذلك أكثر من مرة، لأن الكلام إنما هو في النسبة الحقيقية المستتبعة لترتيب الآثار الشرعية بالنسبة لمن يقع عليه التبني، لا بالنسبة لمن يتربى في كنف عمه أو أخيه، أو أي إنسان آخر. ولا بالنسبة للرجل المسن إذا قال للغلام: يا بني، وليس ابنه على الحقيقة.

عاشراً: إن الإحتمالات إذا كانت موجبة لاسقاط الظهور عن الإعتبار، وإظهار بوار الحجة المدعاة، فلا مجال لإغماض النظر عنها، وليس المقصود بها إثبات ما ليس بثابت.

حادي عشر: بالنسبة لقول المعترض: إن المقريزي أراد بزينب التي تحدث عن أنها ربيبة زينب بنت أم سلمة، بدليل وصفه لزينب أولاً بأنها بنت النبي «صلى الله عليه وآله»، ثم تحدث عن كونها ربيبة نقول:

إن هذا ليس بأولى مما ذكرناه عن قريب من أنه أطلق عليها أنها بنت على سبيل التوسع، مريداً بها الربيبة بقرينة كلامه اللاحق. ولو كان أراد بزينب شخصاً آخر لكان عليه أن ينصب قرينة على ذلك.

وبما ذكرناه يظهر: أنه لا تهافت في كلام المقريزي. بل لو أراد ما ذكره المعترض لاختل كلامه، من دون أن يكون هناك وجه لتصحيحه.


 

([1]) بنات النبي «صلى الله عليه وآله» لا ربائبه ص 73.

([2]) راجع: بنات النبي «صلى الله عليه وآله» لا ربائبه ص 74.

([3]) بنات النبي «صلى الله عليه وآله» لا ربائبه ص75.

([4]) بنات النبي «صلى الله عليه وآله» لا ربائبه ص26.

 
   
 
 

موقع الميزان