وقال المعترض:
«لم
تكن القضية يوم ذاك بالشدة التي هي عليها اليوم، ليسهب المفيد «رحمه
الله» بذكرها، ويكتب فيها الكتب، ويحرر المقالات. وإنما هو قول نشاز،
قفز من هذا أو ذاك، اقتفاءً لأثر أبي القاسم الكوفي.
وهذه هي طبائع الناس تثيرهم مخالفة العرف السائد، ولو
كان من شخص واحد، ويكثر فيه لغطهم، ولا يدل هذا على قبولهم به، ورضاهم
عنه، وتصحيحهم له، ولا سيما إذا كان من رجل متعالم كالكوفي، وقد أحصي
عليه شذوذ كثير في الإعتقاد، وشذوذه هذا يضاف إلى سائر شذوذاته»([1]).
وقال:
«وأما
«لعلَّات»
سيدي الجليل عن الشيخ المفيد، وعن كتاب الكوفي، أَوَصَلَ إلى المفيد أو
لم يصل، قرأه أو لم يقرأه، فهذه اللعلَّات لا جواب لها عندي»([2]).
ونقول:
أولاً:
ما ذكره المعترض من أن القضية لم تكن في زمن المفيد بالشدة التي هي
عليها اليوم.. غير ظاهر الوجه، فإن القضية على عكس ذلك تماماً، فقد صرح
سائل الشيخ المفيد بوجود الاختلاف في ذلك العهد بين الناس.. وهذا يعني
وجود فريقين بلغ الخلاف بينهما حداً جعل الناس يسألون المرجعية العليا
عن المخرج.. وقد أقر نفس المعترض بكثرة اللغط..
وأما في هذا الزمان فلا يوجد اختلاف بين فريقين، فإن
المعترض يصرح في كثير من المواضع أننا نحن فقط من أثار هذه المسألة.
وقد انفردنا بذلك في عصرنا الحاضر. ولا يعرف إنسان في العصر الحاضر
قبلنا فعل ذلك([3]).
ومن
الواضح:
أننا لم نر أحداً اهتز لهذا الأمر، وكتب البحوث للرد علينا سوى رجلين،
أحدهما: سني المذهب، وقد رددنا عليه في كتاب مستقل بعنوان: ربائب
الرسول شبهات وردود.. والآخر: هو هذا المعترض نفسه.
وبذلك يعلم:
أن قول المعترض: إن هذه القضية لم تكن في زمن المفيد بالشدة التي هي
عليها اليوم، لا واقع له. إذ لا توجد ضجة في هذه الأيام سوى من هذين
الرجلين بالتحديد.
ثانياً:
ما ذكره المعترض من أن الناس اقتفوا في خلافهم أثر أبي القاسم غير
مقبول، لأنه محض رجم بالغيب، وقد أشار الخصيبي إلى هذا القول، وهو
معاصر للكوفي، أو توفي قبله بحوالي عشرين سنة، كما ذكره المعترض نفسه
كما قدمنا..
وذكرنا أن ابن عمر وعروة بن الزبير، قد أثارا هذا
الأمر، وقرراه، وكان النبي
«صلى الله
عليه وآله» قد أقره في بعض ما خاطب به علياً
«عليه السلام».
وكذلك الصديقة الطاهرة «عليها السلام»،
بالإضافة إلى
شواهد وقرائن أخرى أشرنا إليها فيما تقدم أكثر من مرة، وذكرناها في
كتابينا: القول الصائب، وبنات النبي
«صلى الله عليه وآله» أم ربائبه.
هذا مع غض النظر عما ذكره ابن شهرآشوب عن البلاذري،
وغيره..
ثالثاً:
وصف المعترض لأبي القاسم الكوفي بأنه متعالم لا ينسجم مع ما يذكره
علماؤنا الآخرون في حق هذا الرجل، ولا مع وصف الشيخ الطوسي لأكثر كتبه
بأنها سديدة. وقد ذكرنا بعضاً من ذلك في موضع آخر من هذا الكتاب، سيأتي
إن شاء الله تعالى.
رابعاً:
وقد أشار المعترض إلى شذوذ كثير للكوفي في مجال الاعتقاد، مع أن هذا
الرجل وقع في التخليط، وصار من الخمسة في أواخر عمره.
خامساً:
ذكروا: أن كتاب الإستغاثة قد ألفه الكوفي في أيام استقامته.. وأن مطالب
هذا الكتاب منسجمة مع المذهب الحق([4])..
سادساً:
بالنسبة إلى اللعلات التي لا جواب لها عند المعترض نقول: ان هذه
اللعلات لا بد منها إذا كانت من الناحية العلمية قادرة على أن تسقط حجة
الطرف الآخر، وتظهر بوارها، أو إذا احتجنا إليها لرفع التناقض بين
كلامين نحتاج إلى اخراجهما عن دائرة التهافت.. أو احتجنا إليها لفهم
كلام من نثق بصحة نقله، أو لغير ذلك من أمور.
سابعاً:
إن هذه اللعلات تُظْهِر: أن ما جاء به الطرف الآخر هو مجرد احتمال،
يقابله احتمال آخر نعبر عنه بكلمة «لعل»، فإذا رفعنا اليد عن لعل هذه،
كان معنى ذلك هو القبول بالإحتمال الذي جاء به الطرف الآخر، ويريد
التسويق له باعتباره حقيقة لا تقبل الشك..
ثامناً:
وأخيراً.. قول المعترض: إننا أول من أثار هذه المسألة في العصر الحاضر
غير دقيق، فقد أثارها الكاظمي، والجزائري، والشيخ محمد حسن آل يس،
والخاقاني، والشيخ جعفر كاشف الغطاء، والطريحي، والدلفي و.. و.. الخ..
([1])
بنات النبي «صلى الله عليه وآله»
لا ربائبه ص76.
([2])
بنات النبي «صلى الله عليه وآله»
لا ربائبه ص76.
([3])
راجع على سبيل المثال: بنات النبي
«صلى الله عليه وآله»
لا ربائبه ص80.
([4])
راجع: ذكرنا مصادر ذلك في هذا الكتاب حين الحديث عن كتاب
الإستغاثة.
|