وقد استدل المعترض على أن البنات بنات رسول الله «صلى
الله عليه وآله» لا ربائبه بقوله تعالى:
﴿يَا
أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ
المُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ
أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَه غَفُوراً
رَحِيماً﴾
([1]).
فقال:
«إن المقصود بالبنات في الآية الصديقة الطاهرة سلام الله عليها وحدها.
وبما أن الكلمة جمع، وقد استعملت في الواحد، فهي من نوع المجاز، فصار
في الآية للسيد قولان: أنها في الزهراء «عليه السلام»، وأنها مجاز.
أمّا الأوّل:
فنطالبه بالدليل من مصدر جدير بالثقة، أو رواية عثر عليها. وهذه تفاسير
الشيعة بأجمعها تدل على أن اللفظ مستعمل في ما وضع له، أعني «الجمع».
وقصره على الصديقة ما هو إلّا من
تفسير القرآن بالرأي، وإليك أقوال مفسّرينا حول الآية، ونبدأ بتفسير
القمي، فقد أشار إلى الآية، وفسّرها على الحقيقة، ولم ينصّ على وجود
قول فيه، يخالف ما ذهب إليه([2])
وفعل الشيخ الطوسي فعله»([3]).
ثم
ذكر كلام الفيض الكاشاني في تفسيريه:
الصافي والأصفى([4])
وكلام الحويزي، والطباطبائي والطبرسي، والبحراني، وتفسير الكازر([5])
وقال:
«هؤلاء جميعاً اتفقوا على أن المراد بالجمع نفس
الحقيقة. ولم يرو مفسر منهم رواية واحدة في قصر الجميع «بناتك» على
الصديقة الطاهرة.
وهذا ما اطلعت عليه من كتب التفسير الخاصة بالطائفة».
ثم ذكر أنه لم يطلع على رأينا. غير أنه قال:
«بإمكاني القول بعد الحصيلة التي نلتها من كتب التفسير
أن السيد العاملي انفرد بهذا القول. وما لم نطلّع على رأيه في المسألة
اطّلاعاً تامّاً ليس من الأدب اتهامه بتفسير القرآن برأيه، وإن كان
المتبادر إلى الذهن هذا.
اللهم إلّا أن يكون السيد علم شيئاً في المسألة جهلناه،
ومن علم حجة على من لم يعلم، فتبقى المسألة معلّقة بيننا حتّى ينكشف
وجه الحقّ لنا عند السيد العاملي.
وأما الثاني:
فإن للمجاز شروطه، وهي غير خافية على السيد الجليل حفظه الله، وينطوي
تعريفه على جانب من هذه الشروط.
يقول صاحب التعريفات:
المجاز اسم لما أريد به غير ما وضع له، لمناسبة بينهما، كتسمية الشجاع
أسداً([6]).
وعرفه غيره، فقال:
لفظ مستعمل لوضع ثاني لعلاقة([7]).
ولا يمتاز المجاز عن الحقيقة بغير القرينة.
وهو ينقسم عند علماء البيان إلى أقسام، ومنه قسم ينقسم
إلى قسمين، وهو المجاز اللغوي، الراجع إلى الكلمة غير المفيد، والراجع
إلى الكلمة المفيد.
وما نحن فيه هو الأول، وهو الذي تكون الكلمة فيه موضوعه
لحقيقة من الحقائق مع قيد، فنستعملها لتلك الحقيقة لا مع القيد بمعونة
القرينة.
ولفظ «بناتك» مستعمل لحقيقة الجمع من الآيات، فاستعماله
في الواحد وقصرها عليه هو استعمال لتلك الحقيقة، ولكن من غير قيد
الجمع، إلا أنه لا محيد عن القرينة الصارفة عن استعمالها الأول.
فأين هي ليت شعري!! لأنها إمّا أن تكون واردة مع
الاستعمال المجازي في الآية، وها هي الآية تخلو منها، وإمّا أن ترد
رواية صحيحة عن أهل البيت تدل على المجاز، فلم نعثر عليها لحد الآن،
ولا أطلعنا عليها صاحب المذهب هذا في كتابه، ولا هي في متناول اليد
لننظر في معناها، ونحكم عليها حكماً يقينياً، ليس حدساً، ولا تخميناً
ولا ظناً، فإذا سقط شرط المجاز سقط ادعاؤه، ويبقى اللفظ على حقيقته»([8]).
ونقول:
أولاً:
إن المفسرين الذين ذكرهم لم يذكروا لنا ما يشير إلى كيفية تفسيرهم
لكلمة «بناتك» الواردة في الآية، بل لم يتعرضوا لها بشيء. فراجع تفسير
الصافي والاصفى، والميزان، ونور الثقلين، والتبيان، والقمي، ومجمع
البيان، والبرهان، وكنز الدقائق، وشبر، والكشاف. و.. و.. الخ..
ثانياً:
إن الكلمة، وإن وردت بصيغة الجمع، ولكن إرادة المفرد منها لا يجب أن
تكون على نحو المجاز، فإن الآية واردة نحو القضية الحقيقة، أي أن على
كل من يصدق عليهن عنوان الزوجية للنبي «صلى الله عليه وآله» وسلم
وعنوان البنت، وكل من يصدق عليهن أنهن من نساء المؤمنين، فعليهن أن
يفعلن كذا، سواء أكن موجودات بالفعل، أو يحتمل، أو يتوقع وجودهن..
وليست القضية واردة على سبيل القضية الخارجية، أي ليشار
بها إلى من هو موجود خارجاً بالفعل.
والدليل على ذلك:
أنها تشمل أزواجه الموجودات حين نزول الآية، واللواتي سيصبحن من
أزواجه.. وتشمل نساء المؤمنين الموجودات حين نزول الآية، واللواتي سوف
يبلغن مبلغ النساء أو سيدخلن في الإسلام، أو سيولدن ويكبرن إلى يوم
القيامة.. وكذلك الحال بالنسبة للبنات..
فلا مجاز في البين.. ولم تستعمل كلمة «بنات» بصيغة
الجمع في خصوص الزهراء «عليها السلام»، وإن كانت لا تنطبق إلا عليها،
لانحصار مصداق البنت بها خارجاً.
بل هي مستعملة في معناها الحقيقي. ولا حاجة إلى مراجعة
تفاسير الشيعة في ذلك.
ثالثاً:
إن القرينة الدالة على أن القضية واردة على نحو القضية الحقيقية لا
الخارجية.. هو أن هذه الطريقة هي المناسبة للبيانات التشريعية، وفي
القرآن قوله تعالى: أقيموا الصلاة، وآتو الزكاة، مع أن ذلك مشروط بكون
المكلف بالغاً عاقلاً.. وإيتاء الزكاة مشروط أيضاً بملكية الأنواع
الزكوية، وبلوغها النصاب، ومرور الحول وبغير ذلك من شروط.. وكذلك الحال
بالنسبة لمن حضر الخطاب، ومن لم يحضره فإن الخطاب يشملهما معاً، بل هو
يشمل من لم يولد، حتى إذ ولد وكبر وبلغ توجه الخطاب إليه..
([1])
سورة الأحزاب، الآية 59.
([2])
تفسير القمي ج2 ص 196.
([4])
الصافي ج4 ص 302 والأصفى ج2 ص1002.
([5])
نور الثقلين ج4 ص 307 وتفسير الميزان ج16 ص 339 و344 والبرهان
ج3 ص 339 ومجمع البيان ج5 ص 370. وتفسير الكازر ج5 ص 25
بالفارسية.
([7])
الحدود الأنيقة 1: 78.
([8])
بنات النبي «صلى الله عليه وآله» لا ربائبه ص 149 ـ 152.
|