صفحة : 440   

ادْعُوهُمْ لِآَبَائِهِمْ تنفي كون البنات ربائب:

وقد استدل المعترض على أن للنبي «صلى الله عليه وآله» عدة بنات بقوله تعالى: ﴿مَا جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ادْعُوهُمْ لِآَبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آَبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً﴾([1]).

فقال: «معنى الآية واضح، ولقد أشبعه المفسرون إيضاحاً، وقالوا استمداداً من الآية، وتوضيحاً لمعناها بالإجماع: إن الدعي لا يجوز تسميته ابناً، سواء أُلحق بالتبني، أو التربية، أو غيرهما.

وإذا ما نظرنا في قول السيد العاملي: أن المربي يجوز تسميته أباً مجازاً، فإن ذلك ينسحب على ذات الباري أيضاً، بل هو بهذه التسمية أولى، فيجوز لنا التشبّه بالنصارى فنقول: نحن أبناء الله، بدل قولنا: عباده أو عبيده.

وأسألكم معاشر القراء هل عثرتم على صيغة إسلامية تسمي الله سبحانه أباً في الذكر الحكيم، أو السنّة المعصومة، أو سائر الأخبار من أول الإسلام إلى يوم الناس هذا؟ لست أدري. ولعلّ السيد العاملي يدري».

ثم ذكر مجموعة من التفاسير التي تعرضت لتفسير الآيتين الشريفتين، وتعرضت لموضوع التبني، وذكر أن الآية ردّ لما زعمت العرب أن دعي الرجل ابنه ﴿ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ لا حقيقة له. وأن الله تعالى لم يجعل الدعي ابناً لمن تبناه. ثم قال:

«وبهذا نقطع بحرمة نسبة المتبني إلى متبنيه بمفهوم الخطاب. وهذا عدد من التفاسير الشيعية ذكرنا أقوال أصحابها عن معنى الآية، ومثلها ما لم نذكرها. وبمقدورنا أن نسمّي اتفاقهم إجماعاً، فمن قال بغير الذي قالوه فقد خرج الإجماع، وانفرد برأي لا حجّة عليه، إنّما هو مجرّد الاتّباع والتقليد لغاية في النفس، لا نعلمها. والله سبحانه وحده يعلمها»([2]).

ونقول:

أولاً: إن الآية ناظرة إلى من يراد نسبته إلى غير أبيه الشرعي، وترتيب الآثار الشرعية على هذه النسبة، على حد ما جرى لرسول الله «صلى الله عليه وآله» حين أخذوا عليه أنه تزوج بزوجة ابنه زيد بن حارثة، الذي كان النبي «صلى الله عليه وآله» قد تبناه، فكانوا يعتبرون هذا التبني منشأ لآثار يرتبونها عليه، من دون أي مبرر لذلك. فهم يورثون الابن بالتبني، ويحرمون زواج المتبني بزوجة الذي تبناه، ويعتبرون الولد المتبنّي من جملة المحارم.. وما إلى ذلك..

وهذا هو الذي حرمه الله من التبني، وأوجب أن تكون الدعوة فيه للأب الحقيقي دون سواه. وهو ما ذكره المفسرون للآية الشريفة.

ثانياً: بالنسبة لحديث المعترض عن تسمية ذات الباري أباً على سبيل المجاز، وصحة قولنا: نحن أبناء الله وأحباؤه، مع أنه لم يرد في القرآن ولا في السنة النبوية، ولا عن الأئمة ـ لم ترد صيغة إسلامية تسمي الله سبحانه أباً.. نقول:

إنه لا داعي لهذه المبالغة في التشنيع، فإن التربية التي تسوِّغ إطلاق كلمة الأب والابن على المربي والمربى، إنما هي التربية المعهودة بين بني الإنسان.. وأما التربية الخفية التي تحتاج إلى سبك مجاز في مجاز، فلا يستسيغها البشر في استعمالاتهم وإطلاقاتهم، ولا تسوِّغ لهم إطلاق الأب والابن على المربي والمربى.

فلا يصح القول: نحن أبناء الله، بل يجب القول: نحن عباد الله، أو عبيده.. كما هو ظاهر لا يخفى.

فاتضح أن الآية الكريمة لا ربط لها بموضوع البنات الكريمات، وليس هذا المورد من منطبقاتها.


 

([1]) الآيتان 4 و 5 من سورة الأحزاب.

([2]) بنات النبي «صلى الله عليه وآله» لا ربائبه ص 153  ـ 157.

 
   
 
 

موقع الميزان