صفحة : 443  

الدعاء دليل آخر:

قال المعترض:

«جاء في مصباح المتجهّد لشيخ الطائفة: ويستحب أن يدعو الإنسان بعد الفراغ من صلاته:

«اللهمّ صلّ على محمّد المصطفى خاتم النبيّين. اللهمَ صلّ على أمير المؤمنين، وعاد من عاداه، والعن من ظلمه، ووثب عليه، وصلّ على فاطمة بنت رسولك، والعن من آذى نبيّك فيها، وصلّ على رقيّة وزينب، والعن من آذى نبيّك فيهما الخ..»([1]).

ولا شكّ سوف يسارع السيّد فيقول: إنّهما ذكرا من دون نسبتهما إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله»، بعكس اعلام الدعاء الآخرين فقد نصّ على بنوّتهما.

ولكن هذا الإشكال ليس هو إشكالاً بالمعنى المعروف يدفعه التالي، وهو دعاء أوّل يوم من شهر رمضان:

«..اللهمّ صلّ على القاسم ابن نبيّك. اللهمّ صلّى على رقيّة بنت نبيّك، والعن من آذى نبيّك فيها. اللهمّ صلّ على أُمّ كلثوم بنت نبيّك، والعن من آذى نبيّك فيها.. إلى آخر الدعاء» ([2]).

وجاء في تهذيب الأحكام:

«اللهمّ صلّ على رقيّة بنت نبيّك، والعن من آذى نبيّك فيها، اللهمّ صلّ على أُمّ كلثوم بنت نبيّك، والعن من آذى نبيّك فيها.. ».

وفي المقنعة للشيخ المفيد (ص332):

«اللهمّ صلّ على رقيّة بنت نبيّك، والعن من آذى نبيّك فيها».

وجاء ذلك في إقبال للسيّد ابن طاووس (ج1 ص215)([3]).

هذا ما عثرت عليه في الدعاء، وهو مأثور عن أهل البيت «عليهم السلام»، يتقرّب فيه إلى الله في أفضل الشهور. ولا أظنّ السيّد يشكّك فيه. وقد رواه شيخ الطائفة في واحد من خيرة كتبه، وهو مصباح المتهجّد، ومثله فعل الكفعميّ، ثمّ رواه الطوسي في تهذيب الأحكام، وهو أحد الكتب الأربعة التي عليها معوّلنا في الأحكام.

ولا أظنّ السيّد حفظه الله يستبدّ فيه التعصّب للرأي، فيتخلّص من هذه المضايقات بإحالتنا على المجاز، فقد كثر هذا القول من السيّد، ولكن ستأتينا روايات إن شاء الله لا تحتمل هذا التوجيه، فماذا يقول مولانا فيها؟

بل ماذا يقول في هذه الكتب التي أخرجت الدعاء؟

أينكرها؟! أم يكذّبها، ويتّهم أصحابها؟! أم تقفز به الظنون والشكوك والإحتمالات واللعلاّت مرّة أُخرى إلى الشكّ الكبير، الذي أفضى به البحث إليه؟!

وحينئذٍ نستحيل إلى مهزلة عند خصوم أهل البيت حين نخرج السيّدات من يقين نسبهم إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» إلى الشكّ الكبير فيه، لا لغاية سامية أو هدف معقول، بل لأنّ الكوفيّ المغالي الذي تستنجس الطائفة فضلته، وتعامله معاملة المشرك، أو لأنّ عثمان صار ذا نورين عند أوليائه، فينبغي على الشيعة محق نوريه بنفي السيّدات من أبيهم رسول الله «صلى الله عليه وآله»([4]).

ونقول:

أولاً: ليس في هذه الأدعية: أن رقية وأم كلثوم وزينب قد كبرتا وتزوجتا، واسلمتا، وهاجرتا.. فلا شيء يمنع من أن يكون الدعاء قد قصد بنات قد ولدن وعشن يسيراً، ثم متن، ولعل قريشاً قد حاولت أن تؤذي النبي بواسطة أذى هؤلاء البنات الصغيرات. قولاً، أو فعلاً، أو كليهما..

ثانياً: لا ندري السبب في أن هذه الأدعية تارة تذكر زينب ورقية، وتهمل أم كلثوم، وتارة تذكر رقية وأم كلثوم فقط وتهمل زينب، وتارة تذكر رقية فقط!!

ثالثاً: ماذا عن صحة أو عدم صحة سند هذه الأدعية الذي ينتهي بها إلى الأئمة من أهل البيت «عليهم السلام».. وأين نسبها مدونوها إلى الأئمة صلوات الله وسلامه عليهم. فإذا لم يمكن تأكيد ذلك، فإن احتمال أن تكون هذه الصلوات من إنشاء بعض العلماء، كالشيخ المفيد «رحمه الله» يصبح غير بعيد.

رابعاً: إن هذه الصلوات قد جاءت موافقة لما ثبت خلافه، حيث ذكرت الصلاة على بعض الأئمة «عليهم السلام» بصيغة: «والعن من شرك في دمه» أو نحو ذلك.

ولكنها قالت عن باقي الأئمة «عليهم السلام»: «وضاعف العذاب على من ظلمه»، في إشارة منها إلى عدم ثبوت استشهادهم صلوات الله وسلامه عليهم.

مع أن الروايات المعتبرة تصرح بأنه ما من نبي أو وصي إلا شهيد، أو ما منا إلا مقتول أو مسموم، أو نحو ذلك([5]).

يضاف إلى ذلك: أن الروايات التي وصلتنا تؤكد على أن كل واحد منهم «عليهم السلام» قد مات شهيداً. فراجع في ذلك كتب السنة والشيعة على حد سواء.

خامساً: قد أشرنا أكثر من مرة إلى أنه إذا ثبت أن البنات ربائب، فالتعبير عنهن ببنات النبي لا يقدح في هذه النتيجة، لإطلاق هذا التعبير على الابن بالتربية كما يطلق على الابن بالولادة.

سادساً: إن رواية الشيخ الطوسي، والمفيد، والكفعمي «رحمهم الله» للصلوات لا تعني صدورها عن الإمام، فقد روى علماؤنا روايات عديدة في أوثق المصادر المعتمدة، فجاءت إما ضعيفة السند، أو ثبت عدم إمكان الإلتزام بمضمونها.

ولا حاجة إلى إنكار الكتب التي أخرجت الدعاء، أو تكذيبها، أو اتهام أصحابها.

سابعاً: بالنسبة للشك الكبير الذي ينتابنا تجاه نسبة البنات إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» نقول: قد بينا أنه كاف للحكم بعدم جواز نسبة البنات إلى النبي «صلى الله عليه وآله» بصورة قاطعة.

وهذا الشك إذا كان ناشئاً عن مبررات صحيحة وعلمية، فهو محمود جداً عند أهل العلم. وهم يلتزمون بما يوجبه من آثار، ولا يوجب أن نصبح مهزلة عند خصوم أهل البيت.

ثامناً: من أين للمعترض أن يعرف أن هدفنا وغايتنا من البحث حول نسب السيدات هو متابعة الكوفي؟! وما هي الحلاوة التي نتذوقها في هذه المتابعة؟! ولماذا لا نتابع الشيخ المفيد؟! أليست الحلاوة في متابعته أكثر وأظهر؟!

تاسعاً: هل الدفاع عن حريم ولاية أمير المؤمنين، والسعي لإظهار عدا الحقائق من أجلها ليس غاية سامية، ولا هدفاً معقولاً؟!

عاشراً: هل عدم وجود هدف سام وغاية معقولة يجعل نتيجة البحث خاطئة؟! أو يجعل الولوج في البحث حراماً؟! أو يسمح للناس بأن يقعوا في من يبحث، ويجيز لهم شتمه وتحقيره؟!.
 


([1]) مصباح المتهجد ص80.

([2]) انظر: مصباح المتهجّد: 622، وانظر مصباح الكفعمي: 37 و630.

([3]) انظر بحار الأنوار 95: 110: 83: 42، وروضة الواعظين: 324.

([4]) بنات النبي «صلى الله عليه وآله» لا ربانية ص 157 ـ 159.

([5]) الصحيح من سيرة النبي الأعظم «صلى الله عليه وآله» ج33 ص181 ومختصر مفيد ج4 ص174 السؤال رقم (217).

 
   
 
 

موقع الميزان