واستدل المعترض برواية لا ترتبط بالموضوع أيضاً، لا من
قريب ولا من بعيد، فقال:
«الثامنة:
عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله «عليه السلام»: أيفلت من ضغطة
القبر أحد؟
قال:
فقال: نعوذ بالله منها، ما أقلّ من يفلت من ضغطة القبر، إنّ رقية لمّا
قتلها عثمان وقف رسول الله «صلى الله عليه وآله» وسلم على قبرها، فرفع
رأسه إلى السماء، فدمعت عيناه، وقال للناس: إني ذكرت هذه فرققت لها،
واستوهبتها من ضمّة القبر، قال: فقال: اللهم هب لي رقية من ضمّة القبر،
فوهبها الله تعالى له»([1]).
«أقول: هذا هو الحنان الأبوي الكريم، وما كان ليحدث في
نفس النبي لو كانت رقيّة ابنة نبّاش أو حفّاراً أو غيرهما. ولقد حضر
النبي دفن كثيرات من أهل بيته وغيرهم فلم يفعل مع واحدة فعله مع رقيّة،
اللهمّ إلّا مع سيدتنا فاطمة بنت أسد «عليها السلام» لأنها بمنزلة
أُمّه، فقد أنزلته من نفسها منزلة الولد وزيادة، وكان يدعوها بـ
«يا
أُمّي»..»([2]).
ونقول:
أولاً:
إن الرواية المذكورة أعلاه لم تصرح بأن رقيّة هي بنت النبي «صلى الله
عليه وآله»، على نحو الحقيقة، أو على نحو المجاز.. ولذلك احتاج المعترض
إلى إضافة أمور تبرر استدلاله بهذه الرواية.. فذكر
أن رقية لو كانت ابن نباش أو حفار أو غيرهما،لم يحدث في
نفس النبي «صلى الله عليه وآله» هذا الحنان الأبوي الكريم.
ونقول له:
إن ذلك غير صحيح، فقد وصف القرآن حنان النبي «صلى الله
عليه وآله» على المؤمنين، بقوله:
﴿عَزِيزٌ
عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ
رَحِيمٌ﴾([3]).
بل إنه تعالى ذكر موقفه «صلى الله عليه وآله» وسلم من
المشركين والكافرين. فقال:
﴿فَلَعَلَّكَ
بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آَثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا
الحَدِيثِ أَسَفاً﴾([4]).
وقال:
﴿فَلَا
تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ﴾([5]).
فلم يكن تألم النبي للمظلوم ليختص بالمظلومين من أهل
بيته، حاشاه..
ثانياً:
قول المعترض: لقد حضر النبي «صلى الله عليه وآله» دفن كثيرات من أهل
بيته وغيرهم، فلم يفعل مع واحدة فعله مع رقية الخ.. غير مقبول أيضاً..
فإن التاريخ لم يحدثنا عن أنه «صلى الله عليه وآله» حضر جنازة امرأة
جرى عليها ما جرى على رقية، فإنها ماتت مظلومة شهيدة، على يد رجل لا
سبيل إلى الإقتصاص منه، وهو يعلن أنه على دين الإسلام، وأنه ملتزم
بأحكامه.. ويريد أن يشارك في تشييع جنازة ضحيته.
ثالثاً:
من الذي قال: إنه «صلى الله عليه وآله» لم يفعل مع إحدى
النساء نفس ما ينقل أنه فعله مع رقية، فلعله فعل ذلك، ولم ينقل لنا
لأكثر من سبب؟!
رابعاً:
هذا المعترض يقول: لا يجوز نسبة البنات إلى غير أبيهن الحقيقي، فكيف
جاز للنبي «صلى الله عليه وآله» وسلم أن ينسب نفسه إلى غير أمه
الحقيقية، فقد اعترف المعترض أنه «صلى الله عليه وآله» كان يدعو فاطمة
بنت أسد بـ
«يا
أُمي»،
مع أنها ليست أمه على الحقيقة، وإنما أُمه آمنة بنت وهب..
([1])
بنات النبي
«صلى الله عليه
وآله»
لا ربائبه ص 164 و165 عن الكافي ج3 ص 231 والبحار ج22 ص 163.
([2])
بنات النبي
«صلى الله عليه
وآله»
لا ربائبه ص 165.
([3])
الآية 128 من سورة التوبة.
([4])
الآية 6 من سورة الكهف.
([5])
الآية 8 من سورة فاطر.
|