ذكر المعترض ـ كما أشرنا إليه ـ طائفة من النصوص، يريد
أن يعتبرها تقريراً لهذا الإجماع. وقد قلنا: إنها مجرد كلمات وآراء
لأشخاص بأعيانهم، وليس فيها دلالة على وجود اتفاق، ولا ادعاء لذلك.
وهذه النصوص على أقسام، وهي التالية:
ما دل على أنه قد ولد للنبي «صلى الله عليه وآله» بنات
بهذه الأسماء. مع السكوت عما آل إليه أمرهن، فلم يذكر فيها إن كن متن
وهن صغار، أو عشن، وأسلمن، وهاجرن، وتزوجن إلخ.. والنصوص التي ذكرها هي
التالية:
1 ـ
قال الشيخ الطوسي في تاج المواليد: الفصل الخامس في عدد أولاده وأزواجه
«صلى الله عليه وآله»: كان لرسول الله عليه التحيّة والسلام ولد له
سبعة أولاد من خديجة: ابنان وأربع بنات: القاسم، وعبد الله، وهو الطاهر
والطيب، وفاطمة صلوات الله عليها، وزينب، وأم كلثوم، ورقية..([1]).
2 ـ
وقال ابن الخشّاب في تاريخ مواليد الأئمة: ولد له من خديجة القاسم،
وعبد الله، والطاهر، والطيب، وزينب، وأُم كلثوم، ورقية، وفاطمة، وولد
له من مارية القبطية.. «إبراهيم»
([2]).
3 ـ
وقال القاضي النعمان «وولدت له أكبر ولده وهو القاسم، وبه كان يكنى
صلوات الله عليه وآله، وهو أكبر الذكور من ولده ثم الطيب، ثم الطاهر،
وأكبر بناته منه رقية، ثم زينب، ثم أُم كلثوم، ثم فاطمة إلخ..»
([3]).
4 ـ
واللافت:
أنه ذكر أيضاً كلام ابن شهرآشوب هنا، فقال:
وقال ابن شهرآشوب:
«ولد من خديجة القاسم وعبد الله، وهما: الطاهر والطيب. وأربع بنات:
زينب، ورقية، وأم كلثوم، وهي آمنة ـ وفاطمة، وهي أم أبيها. ولم يكن له
ولد من غيرها إلا إبراهيم ابن مارية»([4]).
مع أن ابن شهرآشوب قد اتبع ذلك بما نقله عن البلاذري
والكشف واللمع بخلاف ذلك، من دون أن يصرح ابن شهرآشوب بموقفه من قول
هؤلاء. فلماذا ناقش المعترض الطريحي، وكاشف الغطاء، بل وهاجمهما بما لا
يليق بشأنهما، وسكت عن ابن شهرآشوب، مع أن عبارته لا تختلف عن عبارتهما
في هذا المجال؟!.
أقوال بعض المؤرخين الذين عبروا فيها عن البنات بأنهن
بنات رسول الله «صلى الله عليه وآله»، ومنهم بن إسحاق، وصاحب المنتقى،
والمجلسيين، والنمازي، والسمهودي([5]).
ونقول:
أولاً:
إن هؤلاء لا يمثلون إجماعاً.
ثانياً:
إن لنا في مقابل هؤلاء: الكراجكي، والكوفي والمقريزي، والمقدسي،
والأردبيلي، والكاظمي، والجزائري، وكاشف الغطاء، وآل يس، ومغلطاي،
والنويري، وابن عمر، وعروة بن الزبير، والطريحي.. وربما الكركي، ومنصور
الشيرازي، وتاج الدين الأصفهاني، بل والطوسي والسيد المرتضى وغيرهم.
ثالثاً:
إن ابن إسحاق يصرح: بأن زينب وإحدى ابنتيه رقية وأُم
كلثوم قد تزوجتا في الجاهلية. وصرح غيره أيضاً بذلك، ومنهم: المجلسي
«رحمه الله».
وهذا معناه:
أنه قد زوجهن صغاراً قبل بلوغهن، بناءً على القول بأن النبي «صلى الله
عليه وآله» قد تزوج خديجة وعمره ثلاث وثلاثون سنة كما تقدم([6]).
وهو أمر وإن كان ممكناً في حد نفسه، لكنه بعيد، ومخالف
لقولهم: إن زينب قد ولدت قبل البعثة بعشر سنوات. ورقية ولدت قبلها بسبع
سنوات، فكيف إذا قلنا: إنه «صلى الله عليه وآله» قد تزوج خديجة قبل
البعثة بثلاث أو بخمس سنوات..
وذكر المعترض نصين آخرين يظهران أن لا إجماع على أن
البنات بنات لرسول الله «صلى الله عليه وآله» وسلم على الحقيقة. ثم
حاول أن يخرج من هذا المأزق، الذي أوقع نفسه فيه. فقد قال:
«وقال كاشف الغطاء: له من
الأولاد ثمانية. ولد له من خديجة قبل المبعث القاسم (كذا)، ورقية،
وزينب، وأم كلثوم.
وذكر بعض أصحابنا في رقية وزينب أنهما متبنَّاتين لا
بنتان على الحقيقة وأنهما بنتا هالة أخت خديجة. وقد نقل عن أئمة
الهدى..كذا»([7]).
أقول:
كان على الشيخ أن يصرّح باسم بعض أصحابهم من هو؟!
وما هو الباعث على كتمان اسمه؟
لا شكّ أنّ هذا البعض هو أبو القاسم الكوفي، وأن الشيخ
ما زاد على أن ردد قوله في الإستغاثة. وكان عليه أن يذكر رواية واحدة
عن أئمة الهدى.
وعلى سادتنا النافين لبنات رسول الله أن يتحفونا برواية
واحدة، وإن كانت عن مسيلة الكذّاب، أو النبيّة سجاح، أو الأسود العنسي،
ونحن نصدّقهم،
فما بالهم
يشيرون إلى أئمة الهدى ولا يذكرون أسماءهم،
ويخبرونا (كذا) عن الرواية ولا يذكرونها؟
وأقول لك:
لو كانت لبانت([8]).
وهذا الشيخ
نظير الطريحي
صاحب مجمع البحرين، فقد قال عن زينب «عليها السلام»: وقيل:
إنها ربيبة،
وهو الأصح([9]).
أقول:
كتابه هذا كتاب لغة، فما الذي قلبه إلى كتاب أنساب؟!
ثم بماذا صار هذا القول هو الأصح؟!
وهل شيخنا
الطريحي
يهمه الأصحّ
وغير الأصح،
وقد
شحن كتابه الفخري([10])
بالطامّات، ومنها: عرس القاسم،
وقد كلّف العلماء شططاً في
الإعتذار عنه([11]).
انتهى كلام المعترض.
ونقول:
أولاً:
قول المعترض: «كان على الشيخ أن يصرح باسم بعض الأصحاب، من هو»؟
غير مقبول، فإن الشيخ قد سره لم يكن بصدد المناظرة أو الرد على أحد من
الناس، ليطالب باسم القائل.
بل كان يورد الكلام على رسله، وهو يضمنه من الإشارات
الموجزة ما شاء.
وليس للمعترض أن يفرض أسلوبه وطريقته في التأليف على
غيره.. كما قرره المعترض نفسه.
ثانياً:
إنه حتى لو كان في مقام الرد أو المناظرة، فقد تعوّد العلماء أن يوردوا
الأقوال، وتقبل منهم، ويصدقهم الآخرون ثقة منهم بهم، أو لوقوفهم على
صحة أقوالهم. وعلماؤنا أتقى لله من أن يظن بهم مالا يليق ولا يحسن.
ثالثاً:
من أين عرف أن البعض الذي قصده كاشف الغطاء هو أبو القاسم الكوفي؟!
ولماذا لا يكون المقصود هم من ذكرهم ابن شهرآشوب؟! ولم
لا يكون المراد بهم الخصيبي، والكراجكي، والكركي، ومنصور الشيرازي،
وتاج الدين الاصفهاني والطوسي والمرتضى والطريحي، والمقدس الأردبيلي،
والجزائري بالإضافة إلى ما روي عن النبي «صلى الله عليه وآله» وعن
الزهراء «عليها السلام» في ذلك.
وعدا عن المقريزي والبلاذري، وابن عمر وعروة بن الزبير.
رابعاً:
قول المعترض: إن الشيخ كاشف الغطاء ما زاد على أن ردد قوله في
الإستغاثة، غير مقبول أيضاً، لأن ما ذكره الشيخ هو أن رقية وزينب بنتا
هالة أخت خديجة.. مع أن الكوفي ذكر أنهما بنتا زوج أخت خديجة من إمرأة
أخرى كانت له.
خامساً:
قول المعترض: كان على الشيخ أن يذكر رواية واحدة عن ائمة الهدى. قد
عرفت جوابه مما ذكرناه آنفاً تحت عنوان
«أولاً».
سادساً:
عن مطالبة المعترض للنافين برواية، ولو عن مسيلمة الكذاب نقول: قد
أوردنا في كتابنا هذا، وفي كتاب: بنات النبي أم ربائبه، وكتاب: القول
الصائب روايات كثيرة، مثل:
ما ورد عن النبي «صلى الله عليه وآله» لعلي «عليه
السلام»: «أوتيت صهراً مثلي».
وما ورد في خطبة الزهراء «عليها السلام».
وما ورد عن ابن عمر.
وعروة بن الزبير.
وغير ذلك من الأدلة والشواهد..
وليس رواة هذه النصوص مثل مسيلمة، أو سجاح، أو الأسود
العنسى. ولكنه لم يقبل منا. بل واجهنا في كتابه هذا بما نترك الحكم
عليه أو له إلى أهل العلم والفكر.
سابعاً:
وقد شبه المعترض كاشف الغطاء بالطريحي، فقال: «وهذا الشيخ نظير الطريحي
إلخ..»،فهل
أراد هذا المعترض أن يتنقص الشيخ جعفر كاشف الغطاء حين شبهه بالطريحي؟
وما هو العيب الذي وجده في الطريحي حتى يكون الشبه فيه
من موجبات الإنحطاط والمهانة؟!
قال صاحب الروضات في تعريفه:
الشيخ الكامل الأديب، والفاضل العجيب، فخر الدين بن محمد علي بن أحمد
بن طريح الرماحي المسلمي النجفي، المعروف بالطريحي ـ بالطاء المهملة
المضمومة ـ صاحب كتاب مجمع البحرين([12]).
وذكره صاحب «الأمل» بعنوان:
الشيخ فخر الدين بن محمد بن علي بن أحمد بن طريح النجفي، وقال: فاضل
زاهد ورع عابد، فقيه شاعر، جليل القدر، له كتب منها: «مجمع البحرين»، و
«المقتل»، و «الروضة الفخرية»، في الفقه، و «المنتخب في الزيارة
والخطب»، وله شعر ورسائل، وهو من المعاصرين([13]).
وذكره صاحب اللؤلؤة في عداد مشايخ العلامة المجلسي،
فقال:
«ومنهم الشيخ فخر الدين بن طريح النجفي، وكان هذا الشيخ فاضلاً محدثاً
لغوياً عابداً زاهداً ورعاً، ومن مصنفاته كتاب: «مجمع البحرين ومطلع
النيرين» في تفسير غريب القرآن والأحاديث، التي من طرقنا..
وقال عنه صاحب أمل الآمل:
«هو الفاضل العامل، الجليل النبيل،
الكامل المبارك، وكان من المعاصرين لنا.. وكان أعبد أهل زمانه وأورعهم،
ومن تقواه أنه ما كان يلبس الثياب التي خيطت بالإبريسم، وكان يخيط
ثيابه بالقطن، وكان هو وولده الشيخ صفي الدين وأولاد أخيه وأقرباؤه
كلهم علماء أتقياء»([14]).
وفي كتاب تنقيح المقال للحسن بن
عباس البلاغي النجفي:
أنه كان أديباً فقيهاً، محدثاً عظيم الشأن، جليل القدر رفيع المسألة،
أورع أهل زمانه، وأعبدهم وأتقاهم..».
إلى أن قال:
«وكان يوم وفاته يوماً لم ير أعظم منه من كثرة الناس للصلاة عليه،
وكثرة البكاء من المخالف والمؤالف. وكان ذلك في سنة خمس و ثمانين بعد
الألف»([15]).
ثامناً:
هل لا يحق لمن يكتب في اللغة أن يستطرد لبيان خصوصية تاريخية، أو
عقائدية، أو أنسابية، أو أدبية، أو جغرافية، أو طبية، أو..؟!
وهذه كتب اللغة بين أيدينا، فإنها مشحونة بمختلف
المعارف، التي تدخل في علوم متنوعة، ومنها علم الأنساب، فراجع تاج
العروس، ولسان العرب، وغيرهما.
تاسعاً:
بالنسبة لسؤال المعترض: بماذا صار هذا القول ـ أعني كون البنات بنات
بالتربية ـ هو الأصح، نقول:
لعله صار هو الأصح عنده، لأنه استند إلى بعض أو كل ما
ذكرناه في كتبنا حول هذا الموضوع، مثل كتاب: بنات النبي «صلى الله عليه
وآله» وسلم أم ربائبه، وكتاب: ربائب الرسول شبهات وردود، وكتاب: القول
الصائب، وهذا الكتاب.
عاشراً:
لا ندري ما المبرر الذي دعا المعترض لطرح سؤال:
«وهل
شيخنا الطريحي يهمه الأصح وغير الأصح؟ الخ..»
فإن لكل عالم الحق في أن يصوب ما يشاء، وفقاً لما يتوفر لديه من أدلة
وشواهد.
وليس لأحد أن يتهم الآخرين بعدم الاهتمام بالأصح، وغير
الأصح. بل عليه أن يعطيه الحق بإبداء رأيه، وأن يحمله على محمل الجد.
وأما أن الطريحي قد شحن كتاب «المنتخب» بالطامات. ومنها
عرس القاسم.
فجوابه:
ألف:
إن الطريحي لم يتعهد بأن يذكر في كتابه خصوص ما صح
عنده، بل هو بصدد نقل ما يجده، ليضعه بين يدي من يريد أن يتصدى للتحقيق
إن كان من أهل التحقيق.
فهو كغيره من الكتب التي تهتم بجمع النصوص.. وما أكثر
هذه الكتب، وكتبنا الحديثية منها.
ب:
إن عرس القاسم قد يكون له أصل، فإن الإقتران بمن سيكون شهيداً في معركة
الدفاع عن الإمام الحسين «عليه السلام» لهو غرض عقلائي، يسعى له أهل
الدين والإيمان.. فلعل الإمام الحسين «عليه السلام» قد أجرى العقد لهما
من هذا المنطلق الإيماني المبارك.
([3])
راجع: شرح الأخبار ج1 ص186 وبنات النبي «صلى الله عليه وآله»
لا ربائبه ص176 و 177.
([5])
راجع: بحار الأنوار ج19 ص348 وج22 ص 166 وج21 ص 368 وج18 ص 413
و ج 48 ص 297 ومستدرك سفينة البحار ج ص 208.
([6])
بنات النبي «صلى الله عليه وآله» لا ربائبه ص 171.
([7])
بنات النبي «صلى الله عليه وآله» لا ربائبه ص 174 وكشف الغطاء
ج1 ص57.
([8])
بنات النبي «صلى الله عليه وآله» لا ربائبه ص 175.
([9])
بنات النبي «صلى الله عليه وآله» لا ربائبه ص 175 عن مجمع
البحرين ج2 ص 214.
([10])
الفخري والمنتخب، اسمان لكتاب واحد.
([11])
بنات النبي «صلى الله عليه وآله» ص 174 و 175 عن شرح الأخبار
ج1 ص186.
([12])
روضات الجنات ج5 ص349 وجواهر المطالب في فضائل علي بن أبي طالب
ص11 و 12.
([13])
أمل الآمل ج2 ص214 وجواهر المطالب في فضائل علي بن أبي طالب
ص11 و 12.
([14])
رياض العلماء ج4 ص232.
([15])
راجع: تنقيح المقال ج2 ص3.
|