صفحة :290  

أين بنو أمية عن هذه المسألة؟!:

وقال المعترض: «فكيف غفل الناس عن هؤلاء السيدات في مجتمع القذف وردّ الأنساب هذه المدة الطويلة؟! أما كان في بني أُمية وغيرهم من أعداء النبي الذين يتربصون به الدوائر، ويتأولون عليه الحركات والسكنات، أن يردوا نسب بناته المدعى، ويتخذوا منهن أداة تشهير سهلة به، من أنه أتخذهن بنات له ولسن كذلك؟! وأسكنهن في بيته، يصبَّحهنّ ويمسِّيهنّ، وهنّ محرمات عليهنَّ»؟!([1]).

وقال: «وحتى الصحابة أتراهم يغضون الطرف عن هذا الأمر».

إلى أن قال: «أتراهم يكفون ألسنتهم عن النبي «صلى الله عليه وآله»، وفي بيته نساء أجنبيات، يغدو عليهنّ ويروح، فلا يتلاعب بهم الشيطان؟! إن هذا مالا يقبله عقل الخ..»([2]).

ونقول:

أولاً: صرح المعترض هنا بأن الحديث عن نسبة البنات إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» بالتبني يعتبر قذفاً، والقذف محرم.. مع أننا قد ذكرنا له في كتابنا القول الصائب. كما صرحنا بذلك في كتابنا هذا مرات كثيرة: أن البحث في هذا الأمر لا يعدو كونه على سبيل التعلم، ورفع الجهل..

وقلنا: ألا يحق لإنسان كان يعيش في منطقة نائية أن يسأل عن اسم هذا النبي الذي بعث في الجزيرة العربية، وعن نسبه؟!

فلو أجيب بكلام موهم. ومبهم، ثم جاء من أزال وهمه، ورده إلى الصواب، هل يكون هذا الذي صحح معلوماته قاذفاً لرسول الله «صلى الله عليه وآله»، أو قادحاً في نسبه؟!..

بل لو أخطأ في تعليمه، فبدَّل الصحيح بالخطأ، عن غير قصد، فهل يكون قاذفاً، وقد فعل حراماً؟!

ثانياً: لو كان ذلك من القذف المحرم، ومن الطعن في الأنساب الثابتة.. فلماذا سكت الناس عن الكوفي، ولم يحاسبوه على فعلته؟! ألم يكن بإمكانهم أن يرفعوا أمره إلى الحكام الذين كانوا يتحينون الفرصة للانقضاض على الشيعة، فكيف بالغلاة؟!..

وهل كان بإمكان أحد من أهل الإسلام ـ حتى جبابرة بني أُمية ـ أن يؤذي رسول الله «صلى الله عليه وآله» في ذريته؟! وأن يطعن في بنوة أبنائه الحقيقيين؟! فلماذا يصفح الناس عن الكوفي وهو يفعل ذلك، ويسطر الكتب في هذا الشأن؟.. وتبقى هذه الكتب، ويتداولها العلماء الأبرار، والأتقياء الأخيار، ويثنون عليها، وكيف لا يقطعونه هو وأتباعه إرباً إرباً، أو لا يصرخ أحد منهم في وجهه، أو في وجه أي من أتباعه ولو مرة واحدة؟!

ولماذا لم يبادر الشيخ المفيد إلى الصراخ العالي في وجه الذين قالوا بمقالة الكوفي في عصره حين سئل عنهم؟! ولماذا اكتفى بوصفهم بالشذوذ، ولم يصفهم بما هم أهله، ولم يحذر الناس منهم، ولا دعاهم إلى الابتعاد عنهم، أو ما هو أكثر من ذلك.

ثالثاً: إن قول ابن عمر، وعروة بن الزبير كان معروفاً، وكذلك الحال في خطبة الزهراء «عليه السلام» في المهاجرين والأنصار.. وقد رواه الثقات عنهم.. فلو كان ذلك يعد جرحاً وطعناً وقذفاً، فلماذا لم يتلقفه الأعداء، ويروجوه، ويطبلوا ويزمروا له؟!

إن أعداء رسول الله «صلى الله عليه وآله» كانوا موجودين في كل زمان فأين كانوا عن هذا الأمر؟! سواء في عهد ابن عمر، وعروة بن الزبير والبلاذرى وغيرهم، ثم في زمن الكوفي، وبعد ذلك في عصر الشيخ المفيد، وفي العصور التي تلته وإلى يومنا هذا. بما في ذلك أهل الكتاب وغيرهم من الملاحدة والزنادقة، الذين كانوا ومازالوا يعلنون بالطعن في رسول المسلمين «صلى الله عليه وآله».. فلماذا لم نجد من أحدٍ منهم أية محاولة للطعن بالنبي عن طريق مقولة: إن البنات ربائب؟!

ألا يدل ذلك كله، بالإضافة إلى سكوت علماء الأمة عن هذا الأمر ـ بل كثير منهم قال بهذا القول.. ألا يدل على عدم كون ذلك من القذف، ولا القدح أصلاً.

رابعاً: قد أشرنا إلى الجواب عن قول المعترض: كيف يبقيهن في بيته «صلى الله عليه وآله» ولسن من محارمه.. فلا حاجة إلى الإعادة.

غير أننا نقول هنا:

إن تربيته لهن إنما كانت قبل بعثته، وقد كبرن وتزوجن قبل أن يبعث «صلى الله عليه وآله».


 

([1]) بنات النبي «صلى الله عليه وآله» لا ربائبه ص100.

([2]) بنات النبي «صلى الله عليه وآله» لا ربائبه ص 101.

 

   
 
 

موقع الميزان