وقد ذكرنا في كتابنا:
«القول الصائب في إثبات الربائب»: أن من مبررات الخوض في الأنساب
التأكد من ثبوت فضيلة لفلان، أو عدم ثبوتها له، إذا كان ثبوتها أو
نفيها يُسْتَدَل به على أمر مرتبط بالعقيدة، كالإمامة مثلاً([1]).
فقال المعترض:
إننا نقصد «بفلان هذا عثمان بن عفان. والذي تبادر إلى فهمي من قوله هذا
وقد ذكره مرات: أن زواج عثمان من ابنتي رسول الله «صلى الله عليه
وآله»، قد اتخذ ذريعة لنيل الخلافة، فلا بد من نفيهن لتسقط هذه الذرايع.
وأجيب مولاي على ما قدر لي فهمه من
أقواله:
لم أعثر على قول لشيعة عثمان يتناول هذا المعنى، إنما يدلون بتقديم
رجال الشورى له على أمير المؤمنين ليس إلا. والقول الأول لا يدعيه إلا
القائل بالوراثة، وهم نفاتها بالحديث الذي تبوأ أبو بكر مقعده به: نحن
معاشر الأنبياء لا نورث([2])».
وقال عن مذهب الوراثة:
«نعم هو مذهب ابتدعه بنو العباس، لأن خلافتهم ليست متقدمة بالشورى، ولا
هي بالنص، فلو كان الأول لحرم عليهم الخروج على خلافة الأمويين لصحتها
بالشورى، وشرعية خليفتهم باختيار المسلمين.
ثم لا يمكن أن يدعوا النص عليهم لتقويم خلافتهم به، لأن
المنصوص عليهم غيرهم، ومازالوا يحيون بين ظهرانيهم.
فابتدعوا مذهباً ثالثاً صححه لهم خدامهم، من المتعالمين
والشعراء، ليشدوا به سلطانهم»([3]).
ونقول:
أولاً:
لم نقل: لا بد من نفي زواج عثمان بالبنات لتسقط الذرائع، بل قلنا: إن
علينا أن نبحث في صحة وفساد هذا الأمر، لنعرف كيف نتعامل معه: ولنفهمه
على حقيقته.
كما أننا لم نقل:
إن الزواج قد اتخذ ذريعة لنيل الخلافة. بل قلنا: إن أنصار الخلفاء
وأتباعهم يحاولون تبرير توثب أسلافهم على الخلافة، بإدعاء أنهم أهل
لهذا الأمر، وأن رسول الله «صلى الله عليه وآله» كان يثني عليهم، ويظهر
حبه لهم، وثقته بهم.. وذلك بعد إنكارهم للنص على علي «عليه السلام»، أو
تشكيكهم بدلالته، أو إثارة الشبهات حوله.
فإذا قال أتباعهم للناس:
إن النبي «صلى الله عليه وآله» زوج عثمان ابنتيه، واسمعوهم تلك
الروايات التي ينسبونها إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» في تعظيم
عثمان في هذه المناسبة، فلا بد أن يؤثر ذلك على الناس العاديين الذين
لا خبرة لهم.
ثانياً:
قوله: إنه لم يعثر على قول لشيعة عثمان يتناول هذا المعنى.. غير مقبول،
فإنه هو نفسه قد أشار إلى ما نقلناه عن البياضي، وقد نص في نفس الجزء
والصفحة على أن شيعة عثمان استدلوا على خصومهم، فقالوا: زوَّجه النبي
بنتيه رقية وزينب([4])..
ولا نرى حاجة إلى تتبع المصادر التي ذكرت هذا المعنى.
بل قد يقال:
إن مما يدل على أن لدى أهل السنة حساسية من القول بأن البنات ربائب قول
الآلوسي: في تفسير قوله تعالى:
﴿يَا
أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ
المُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ﴾([5]):
وفي الآية رد على من زعم من الشيعة أنه عليه الصلاة والسلام لم يكن له
من البنات إلا فاطمة على أبيها وعليها وسلم.
وأما رقية، وأما أم كلثوم، فربيبتاه عليه الصلاة
والسلام» ([6]).
وقد قلنا:
إن الآية لا تدل على ذلك، ولا تتضمن رداً على أحد.
ثالثاً:
قول المعترض: إن شيعة عثمان إنما يدلون بتقديم رجال الشورى له على أمير
المؤمنين ليس إلا.. غير دقيق، فإن شيعة عثمان يُدِلُّون أيضاً بتجهيز
جيش العسرة، وبموضوع بئر رومة، وبيعة الرضوان. وبأن النبي «صلى الله
عليه وآله» ضرب له بسهمه وأجره في بدر، رغم أنه لم يحضرها، وبغير ذلك..
رغم أن جميع ذلك غير صحيح حسبما ذكرناه في كتابنا الصحيح من سيرة النبي
«صلى الله عليه وآله». فظهر أن حصر المعترض إدلال شيعة عثمان بتقديمه
في الشورى غير صحيح.
رابعاً:
قوله: إن القائل بأن الخلافة تكون بالوراثة هو الذي يستدل بزواج عثمان
بالبنات على الخلافة.. غير دقيق كما يظهر بالمراجعة، وملاحظة ما يلي:
ألف:
إننا لم نقل: إنهم يستدلون به على الخلافة، بل قلنا:
إنهم يجعلون ذلك من دلائل حب النبي «صلى الله عليه وآله»، له وثقته به،
وكرامته عنده. فيدفعون بذلك عنه الإشكالات والاعتراضات، ويحببون الناس
به.
ب:
إن الذين يستدلون بالوراثة هم أبو بكر، وعمر، وبنو أمية، وعثمان منهم.
ثم جاء العباسيون فاستدلوا بالوراثة أيضاً. وقد ذكرنا
النصوص الدالة على ذلك في كتابنا «الصحيح من سيرة النبي «صلى الله عليه
وآله»، و في كتابنا: الحياة السياسية للإمام الرضا «عليه السلام»
(الفصل الأول).
فلا يصح قول المعترض:
إن شيعة عثمان نفاة الإستدلال بالوراثة.
وأبو بكر الذي نفى الوراثة بحديث نحن معاشر الأنبياء لا
نورث هوالذي استدل على اولويته بالخلافة بقوله: نحن أولياؤه وعشيرته.
وقد بدا الاستدلال بالوراثة من يوم السقيفة، وقد قال
علي «عليه السلام» حينئذٍ استدلوا بالشجرة، وأضاعوا الثمرة([7]).
وقال «عليه السلام»:
فإن كنت بالشورى حججت خصيمهم
فكيـف بهـذا والمشيرون غيب
وإن كنت
بالقربـى ملكت أمورهم فغيرك أولـى بالنبـي وأقـرب([8])
فظهر أن دليل الوراثة قد ابتدع منذئذ، ولم يكن
العباسيون هم الذين ابتدعوه، بل هم قد استفادوا منه.
خامساً:
قول المعترض: إن خلافة الأمويين كانت بالشورى.. غير دقيق أيضاً، فإن
حكومة معاوية كانت حكومة متغلب، ثم كانت خلافة كل واحد من الأمويين
بعده، إما بالتغلب أو بالوصية. لا بالشورى..
ونفس أتباع الأمويين والعباسيين في
المذهب قد رووا:
أن النبي «صلى الله عليه وآله»
قال: الخلافة بعدي ثلاثون عاماً، ثم تكون ملكاً عضوضاً([9]).
([2])
بنات النبي
«صلى الله عليه
وآله»
لا ربائبه ص101.
([3])
بنات النبي
«صلى الله عليه
وآله»
لا ربائبه ص 102.
([4])
الصراط المستقيم ج3 ص 83.
([5])
الآية 59 من سورة الأحزاب.
([6])
تفسير الالوسي ج22 ص90.
([7])
راجع: نهاية الإرب ج8 ص168 وعيون الأخبار لابن قتيبة ج2 ص233
والعقد الفريد ج4 ص258 والأدب في ظل التشيع ص24 عن البيان
والتبيين للجاحظ، وتاريخ الأمم والملوك ج3 ص220 والإمامة
والسياسة ص14 و 15 وشرح النهج للمعتزلي ج6 ص7 و 8 و 9 و 11
والإمام الحسين للعلايلي ص186 و 190 والعثمانية للجاحظ ص200.
([8])
راجع: نهج البلاغة (بشرح عبده) (ط سنة 1412 هـ ـ مطبعة النهضة
ـ قم) ج4 ص43.
([9])
بنات النبي
«صلى الله عليه
وآله»
لا ربائبه ص104. وراجع: البداية والنهاية ج3 ص266 وج6 ص280 وج8
ص144 وعجائب الآثار للجبرتي ج1 ص25 والعبر وديوان المبتدأ
والخبر ج1 ص368 وفتح الباري ج8 ص61 والمواقف للإيجي ج3 ص409 و
605 وتفسير البحر المحيط ج6 ص54 وتفسير القرآن العظيم ج3 ص312
والمحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز ج3 ص468 والصراط
المستقيم ج2 ص101 وج3 ص146 وعوالي اللآلي ج1 ص125 وكتاب
الأربعين ص269 وخلاصة عبقات الأنوار ج3 ص53.
|