صفحة :299   

تكرار في تكرار:

وعاد المعترض لتكرار كلامه الذي أجبنا عنه مرات كثيرة.. فقال عن الكوفي:

«إن المسألة لم يحررها أحد قبله، لا من الأئمة ولا من أصحابهم. بل كانوا لا يرون لها إلا وجهاً واحداً، وهو كونهن بنات النبي «صلى الله عليه وآله».. ».

إلى أن قال: «حتى جاء الكوفي، وأخرج للناس شذوذه. وللناس ولع غريب في الشذوذ، فطبلوا لها وزمروا، وكثرت الأقوال من بعده. ونسبت إلى آخرين منهم البلاذري.

ونقلت حكاية قوله، ولم ينقل القول نفسه. ولا بد أنه اتبع غيره فأخذه منه. فمن يا ترى صاحب هذا القول؟ فكل هذا مجهول لنا، فكيف نبني حكماً على مجهول»([1]).

ونقول:

أولاً: قد أشرنا أكثر من مرة إلى أن الكوفي لم يكن أول القائلين بكون البنات الكريمات ربائب. وقلنا.. إن ذلك مروي عن رسول الله «صلى الله عليه وآله»، والسيدة الزهراء «عليها السلام»، واستدل به ابن عمر، واعترف به عروة بن الزبير. ونقله ابن شهرآشوب عن البلاذري وغيره، ونقله الخصيبي أيضاً عن البعض، ونسبه الكوفي إلى الروايات الصحيحة.

ثانياً: قلنا: إن أمر البنات لم يكن مطروحاً ولا متداولاً، فلم تظهر حاجة لتعرض الأئمة وأصحابهم لهذه المسالة.

ثالثاً: قول المعترض: إن الأئمة وأصحابهم كانوا لا يرون لهذه المسألة إلا وجهاً واحداً وهو كونهن بنات النبي «صلى الله عليه وآله».. صحيح ولكن من الذي قال: إن هذا الوجه هو كون البنات بنات على الحقيقة، فإنه لا توجد صراحة في كلامهم بالبنوة الحقيقية.

ولا نريد أن نقول: إن الصراحة موجودة في أنهن ربائب، كما أشارت إليه الزهراء «عليها السلام» في خطبتها، والنبي «صلى الله عليه وآله» في بعض توجيهاته وغير ذلك.

بل نريد أن نقول: إنه لا بد للمعترض من أن يجيب على سؤال: أي معنى من معاني البنوة أرادوا؟! فإن كان معنى أنهن بنات للنبي «صلى الله عليه وآله» على الحقيقة. فهو أول الكلام، وإن كان معنى الربائب، فهو المطلوب.. فتبقى كلمة بنات مجملة لا يصح له الإستدلال بها إلى أن يتمحص لنا المراد منها. بدليل صريح..

والمعترض لا يملك دليلاً صريحاً في البنوة الحقيقة. بل هو يستدل بالإطلاقات.

ونحن نقول له:

إن هذا الإطلاق لا ينفع مع وجود القرينة، وهي الروايات والشواهد التي استدللنا بها.

رابعاً: تقدم: أن القضية مطروحة قبل الكوفي، وأن الروايات والشواهد تدل على ما نقول.

وأما التطبيل والتزمير لهذه الشذوذ المدعى من قبل الكوفي.. فلا دليل على وجوده، ولا شاهد له.. كما أننا لم نجد أية أقوال كثرت بعده.. بل بقيت الأمور على حالها.

خامساً: بالنسبة لحكاية ابن شهرآشوب لقول البلاذري، وعدم نقله للقول نفسه نقول: ما الفرق بين نقل القول، ونقل الحكاية إذا كان الناقل صادقاً، ومن أهل الوثاقة؟!.

على أن ابن شهرآشوب لم يقل: حكي عن البلاذري، ليكون نقلاً للحكاية، بل قال: « وروى أحمد البلاذري، وأبو القاسم الكوفي في كتابيهما، والمرتضى في الشافي، وأبو جعفر في التلخيص: أن النبي «صلى الله عليه وآله» تزوج بها وكانت عذراء، يؤكد ذلك ما ذكر في كتابي الأنوار والبدع: أن رقية وزينب كانتا ابنتي هالة أخت خديجة»([2]). وقد تحدثنا عن هذا الأمر أكثر من مرة في هذا الكتاب..

سادساً: قول المعترض عن ابن شهرآشوب الناقل عن البلاذري: «ولا بد أنه اتبع غيره فأخذ منه.. فمن يا ترى صاحب هذا القول..» غير سديد أيضاً، إذ لا شيء يدل على أن ابن شهرآشوب قد اتبع غيره فأخذ منه قول البلاذري، فإن كتب البلاذري كانت متداولة في أيدي العلماء، فلم لا يكون ابن شهرآشوب قد نقل من كتاب البلاذري رأساً. لا سيما وأنه نسب الرواية للبلاذري مباشرة، ولم يقل: «نقل أو حكى عن البلاذري» مثلاً.

وبعد ما تقدم نقول:

لو أردنا أن نأخذ بهذه الطريقة، فسينتهي الأمر بنا إلى سد باب المعرفة، وإسقاط كم هائل من تراثنا عن الاعتبار، واستبعاده من دائرة التداول إلى غير ذلك من محاذير كثيرة، وكبيرة، وخطيرة.


 

([1]) بنات النبي «صلى الله عليه وآله» لا ربائبه ص104.

([2]) راجع: مناقب آل أبي طالب (ط المكتبة الحيدرية ـ النجف الأشرف) ج1 ص138 والبحار ج22 ص191.

 
   
 
 

موقع الميزان