1 ـ قلنا في كتابنا:
«القول الصائب»: إننا لم نجد ما يدل على وجود طعن في نسب الكوفي.
فأجاب المعترض بقوله:
«ما هو الطعن إذن، إن لم يكن رميه بالدعوة وتسميته بالدعي؟ والحمد لله
الذي هيأ له من نفى نسبه، سيئة بمثلها، والبادي أظلم».
2 ـ وقلنا أيضاً:
لم نجد ما يدل على أنه قد بلغه ذلك الطعن.
فأجابنا المعترض بقوله:
«عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود».
3 ـ وقلنا:
ولو بلغه ذلك، فلا دليل على أنه أصيب بعقدة نفسية.
فقال المعترض:
«عن علماء النفس، أنهم يقولون: كل وصمة تضع من قدر المرء تسبب له عقدة
تختبئ بالعقل اللاواعي، أو اللاشعور منه، ثم كلما اتسعت وضاق عنها
مجالها، فإنها تتفجر في نفس صاحبها، وتسبب له انحرافات الخ..».
4ـ وقلنا:
لو سلمنا أنه ابتلي بالعقدة، فمن الذي قال: إنه إنما اختلق قصة الربائب
للتنفيس عن عقدته.
فقال المعترض:
«نحن متشبثون بهذا القول حتى يثبت لنا خلافه».
5 ـ
وقلنا:
لم يثبت أن حديث الربائب مختلق، بل الثابت بالأدلة خلافه.
فقال المعترض:
«هذه الأدلة التي تحدث عنها سمعناها ورأيناها، ووعيناها. وهي أشبه
بالشكوك والظنون. والأدلة عندنا كتاب الله وسنة المعصوم. وذلك معدوم
كلياً في هذه المسألة.
6 ـ وقلنا:
لو كان مختلقاً فلا دليل على أن الذي اختلقه هو الكوفي، لاسيما مع
رواية غيره له، قبله وبعده، ومع وجود الاختلاف في المسألة.
فقال المعترض:
«على السيد أن يفحص القرون الثلاثة الأولى للإسلام، فهل يجد قولاً
واحداً في هذه المسألة، يعزى لأحد من الأئمة أو أتباعهم من العلماء،
إلا لهذا الكوفي؟.
ولو كان قول فإنما حكاه من نقل عنهم في زمن متأخر جداً،
لا يعول عليه الخ..».
7 ـ وقلنا:
لا مناسبة بين عقدته تلك وبين موضوع الربائب. فلماذا ينفس عن عقدته
بأمر لا ربط له بها.
فقال المعترض:
«المعقد لا يطلب المناسبات، فليس هو الفيلسوف زينون، ولا كانت، أو
هيجل، وإنما هو ناقم على الناس جميعاً، بوده لو نفى أبناء آدم جميعاً
من آبائهم الخ..»
([1]).
ونقول:
إن كلام المعترض غير مقبول في جميع تلك الموارد، وإليك
التفصيل.
أولاً:
بالنسبة للطعن في نسب الكوفي، نقول:
ألف:
إن أحداً لم يطلق على الكوفي كلمة
«دعي»،
حسبما توفر لدينا من نصوص.
ب:
إن عبارة النجاشي هي: أن الكوفي قد ادعى أنه من آل أبي طالب ـ فجعل
الأمر يعود إليه، ولم يذكر لنا النجاشي إن كان يصدقه في دعواه هذه أو
يكذبه، أو أنه متوقف في ذلك.
ج:
كلمات ابن الغضائري أيضاً لا تدل على أن الرجل دعي، وقد ذكرنا ذلك فيما
سبق.
د:
ما معنى هذه الشماتة التي أظهرها المعترض، والتي بلغت حد أنه يحمد الله
على أمر يتضمن معصية لله تبارك و تعالى، فإن رمي الناس في أنسابهم،
وإيذائهم فيها غير جائز، بل هو مما حكم الشارع بالتعزير، والعقوبة
عليه..
هـ:
ما معنى أن يكون الله تعالى هو الذي هيأ من يفعل هذه السيئة، على حد
تعبير المعترض.. حيث قال: سيئة بمثلها، والبادي أظلم.
على أن هذا التعبير إنما هو بالنسبة لمشروعية انتصار
المظلوم من ظالمه، بمثل ما ظلمه به..
وتشهد لذلك
عبارة:
والبادي أظلم.
ثانياً:
بالنسبة لقول المعترض في الفقرة المتقدمة رقم (2): إن عدم الوجدان لا
يدل على عدم الوجود نقول:
ألف:
إنه لا مورد لهذه القاعدة في هذا المقام، فإن المهم هنا هو أن نجد ما
يدل على أن الكوفي كان على علم بأن هناك من يطعن في نسبه، ليمكن لنا أن
نحتمل أن يكون علمه هذا قد تسبب في نشوء عقدة لديه، كما يدعيه المعترض.
ب:
لماذا لا يجري المعترض هذه القاعدة في أمر البنات أيضاً، فإنه إنما
ينكر ما ذكره الكوفي من روايات صحت عنده، وما نقله ابن شهرآشوب عن
البلاذري، وكتاب الأنوار وغيره، لمجرد عدم وجدانه لذلك.
ثالثاً:
ما ذكره هذا المعترض تحت رقم (3) عن علماء النفس لا يمكن القبول به في
أي حال، لأن ذلك لو صح لأدى إلى الطعن في أكثر الناس، إذ قل من لم
يتعرض لقول باطل، يرى أنه توهين له، وحط من مكانته، بل هو يوجب الطعن
في الأنبياء، الذين كان قومهم يتهمونهم بالكهانة، والسحر، والجنون،
والغواية، والضلال، وغير ذلك. فهل أدى ذلك إلى عقد لدى هؤلاء، وأولئك
اختبأت في العقل اللا واعي؟.. ثم اتسعت حتى انفجرت في نفس صاحبها،
وأوقعتهم في الانحرافات.
وماذا يقولون في الأوصياء صلوات الله عليهم، وفي
الأصفياء رضوان الله تعالى عليهم كـ: سلمان، وعمار، والمقداد، وأبي ذر،
وكل مؤمن يواجه الاتهامات الباطلة في عقله وفي وعيه، حيث لا زالوا حيث
يوصمون بالتخلف، والرجعية، والخفة، وقلة العقل، والتحجر الفكري و..
الخ..
رابعاً:
لنفترض صحة هذا الزعم، ولكن من الذي قال: إن هذه الوصمة للكوفي قد
اتسعت وضاق عنها مجالها حتى انفجرت، وسببت له انحرافات. فلعلها لم تصل
إلى حد الإنفجار!! ولعلها انفجرت، ولم تسبب له شيئاً!!
خامساً:
من الذي قال: إن الإنحرافات التي نشأت قد اقتضت أن يبادر الكوفي إلى
الكذب في نفس هذه القضية دون سواها.
سادساً:
بالنسبة لما ذكره المعترض وتقدم تحت رقم (4) نقول: إن تشبث المعترض
بقوله ذاك بلا وجه، لأن المطلوب في مثل هذا المورد هو إثبات أن ثمة صلة
بين العقدة النفسية لدى الكوفي وبين اختلاق هذه القضية دون سواها..
وهذا إنما يطالب به من يدعي وجود عقدة، ثم يدعي أن
صاحبها قد نفس عن عقدته بخصوص طريقة اختلاق قضية الربائب دون سائر
القضايا.
فنحن الذين يحق لنا أن نقول:
«إننا متشبثون في مطالبتنا بالصلة بين العقدة، وبين قصة الربائب».
سابعاً:
بالنسبة لما تقدم تحت رقم (5) رداً على قولنا: لم يثبت أن حديث الربائب
مختلق، حيث قال المعترض: إن الأدلة عندنا كتاب الله وسنة رسوله، نقول:
ألف:
إن هذا في الأحكام الشرعية والمعارف الدينية صحيح،
مضافاً إلى الإجماع والعقل، أما في المسائل التاريخية. وغيرها فلا
ينحصر الأمر بالكتاب والسنة، بل يكون نقل العارفين حجة ودليلاً أيضاً،
بالإضافة إلى وسائل إثبات أخرى، تختلف باختلاف الموارد.
ب:
قد ذكرنا: أن ثمة أدلة عن المعصوم أيضاً، ولكن المعترض
لم يكترث بها، ومنها ما روي من أن النبي «صلى الله عليه وآله» قال
لعلي: أوتيت صهراً مثلي، الخ.. ومنها خطبة الزهراء «عليها السلام» في
المهاجرين والأنصار، وكذلك الحال بالنسبة لسورة الكوثر..
وقلنا:
إن الكوفي حين أخبر عن وجود روايات صحيحة عن الأئمة الطاهرين، تثبت هذا
القول، لم يعترض عليه أحد في ذلك، لا في عصره، ولا بعد عصره.
ج:
لو قبلنا قول المعترض: إن أدلتنا أشبه بالشكوك والظنون.. فنقول:
إذا كانت صالحة لإسقاط حجة الطرف الآخر عن الاعتبار،
فلا معنى لإصرار ذلك الطرف على موقفه، وإدعائه اليقين المستند إلى
الدليل ببنوتهن الحقيقية لرسول الله «صلى الله عليه وآله».
ثامناً:
ما ذكره المعترض ـ وتقدم تحت رقم (6) من أن الكوفي هو أول من قال بأن
البنات ربائب.. أجبنا عنه مرات ومرات.. وذكرنا:
ألف:
أن الخصيبي وفق أحد القولين اللذين ذكرهما المعترض توفي قبل وفاة
الكوفي بحوالي عشرين سنة، قد أشار إلى وجود قائلين بهذا القول. هذا
بالإضافة إلى البلاذري وغيره ممن ذكرهم ابن شهرآشوب، وكذلك الحال
بالنسبة لابن عمر وعروة بن الزبير.
ب:
إنه لا يجب في هذه المسألة الاستدلال برواية عن الأئمة وأتباعهم، بل
يكفي نقل الناس الآخرين لها.. لأنها مسألة تاريخية، وليست مسألة شرعية
ولا دينية، ولا مذهبية، تخص مذهباً بعينه.
ج:
وأما تأخر زمان النقل عن زمان المنقول عنه، فلا يضر بحجية قول الناقل
إذا كان ثقة مثل ابن شهرآشوب، مع قيام احتمال قوي بوجود كتب للمتقدمين
في حوزة هذا العالم الجليل. أو أن القول بلغه بالرواية المسندة عن
مشايخه، إذ ليس هو ممن يفتئت على الآخرين..
تاسعاً:
ما ذكره المعترض وتقدم برقم (7) من أن المعقد لا يطلب المناسبات، وليس
هو بفيلسوف الخ.. يرد عليه:
ألف:
إذا كانت العقدة هي السبب في حصول شيء بعينه، فلا بد من وجود صلة بين
تلك العقدة، وبين ذلك الشيء. فلكي يُقْبَلَ كلام المعترض في دعواه لا
بد له من بيان هذه الصلة. إذ لو كانت الأمور مبنية على العشوائية،
وإبطال علاقة السببية، لم يعد بالإمكان استنتاج شيء، ولا نسبة شيء إلى
شيء.
ب:
لماذا اختار الكوفي خصوص هؤلاء البنات، ولم يتحدث عن فاطمة مثلاً. أو
لماذا لم يتحدث عن نسب خديجة، أو عن نسب رسول الله «صلى الله عليه
وآله» والعياذ بالله.
([1])
راجع في جميع ما تقدم: بنات النبي
«صلى الله عليه
وآله»
لا ربائبه ص 105و 106.
|