وقال المعترض:
«أما توصيفنا القول بأنه «فتنة»، فأي فتنة أكبر وأضر من نفي فلذات كبد
الرسالة من نسبهن، الذي عليه من شمس الضحى نور، ومن فلق الصباح عمود،
وعزوهن إلى جاهلي مشرك، والضرب على شطر كبير من تاريخنا، ورواياتنا
بالمداد الأحمر، ورده وإنكاره. وتأييد دعوى باطلة شاذة، بتأليف الكتب،
ونشر المقالات؟
إنها والله لفتنة ما وراءها فتنة، وإن ستر قبح وجهها
الخ..» ([1]).
ونقول:
أولاً:
إن هذه القضية تاريخية، فإذا تعلق غرض ببحثها، والإطلاع على الواقع
فيها، فما المانع من ذلك؟! ولماذا يكون ذلك فتنة؟!
ثانياً:
إننا لم ننفِ نسباً ثابتاً. وإنما أردنا أن نتعرف نحن على النسب
الثابت، الذي كان الناس يعرفونه في ذلك الزمن بالذات، لكننا جهلناه.
ثالثاً:
إن عزو الإنسان إلى أبيه الحقيقي هو الذي أوجبه الله علينا في كتابه
الكريم، فقال: ﴿ادْعُوهُمْ
لِآَبَائِهِمْ﴾.
فإذا ثبت لدينا أن فلاناً هو ابن فلان، فلا يجوز لنا نسبته إلى غيره.
رابعاً:
إن من الصحابة من هو أفضل من هؤلاء البنات، ومنهم سلمان، وأبو ذر، وقد
كان أبواهما مشركين وجاهليين، ولم يلزم من ذلك أي وهن في أمرهما.
خامساً:
هناك مسائل كثيرة حققها العلماء، فنتج عن تحقيقاتهم سقوط الروايات التي
تثبت ما أظهر البحث خلافه..
ولو أردنا أن نتوقف عن البحث خشية أن يؤدي ذلك إلى طرح
بعض الروايات، فلا حاجة بعد إلى العلماء، ولا إلى المحققين والباحثين.
بل ولا إلى الاجتهاد في الحوزات العلمية، لأن الاجتهاد يؤدي إلى طرح
كثير من الروايات، وفقاً لقواعد التعارض، ولغيرها من ضوابط البحث
والتحقيق.
سادساً:
إذا كان البحث في هذه المسألة فتنة.. فماذا يقول المعترض في الذي أنكر
ما جرى على الزهراء، وطعن في عصمة الأنبياء، وخالف في عشرات المسائل
التي تقول بها الشيعة، والذي دافع هو عنه في نفس كتابه هذا
«بنات
النبي «صلى الله عليه وآله» لا ربائبه»؟!.
ولماذا لم يتصدَ للرد عليه في أي من تلك المسائل الكثيرة والخطيرة؟.
سابعاً:
قد سبقنا عدد من العلماء إلى تأليف الكتب في مسألة كون البنات ربيبات
ومنهم:
ويبدو أن للمحقق الكركي رسالة في تزويج رقية وأُم
كلثوم، وأنهما كانتا بناته لصلبه، أو بنات خديجة([2]).
وهناك رسالة حول كون البنات ربيبات مطبوعة مع مكارم
الأخلاق، الطبعة الحجرية، فراجع.
وقالوا:
وهناك نصوص تذكر: أن للسيد مير أسد الله المرعشي،
المشتهر بشاه مير، بن علي، بن محمد شاه، بن مبارز الدين مانده، بن حسن
تآليف وتصانيف. منها رسالة في أن زينب ورقية هما بنتا رسول الله «صلى
الله عليه وآله» من صلبه.
وقد ذكر القاضي نور الله التستري شاه مير في كتاب
المجالس، وأثنى عليه، وفي بعض المجاميع أنه كان من تلامذة المحقق
الكركي وقد توفي سنة 963 هـ([3]).
وقالوا أيضاً:
الأمير غياث الدين بن منصور الشيرازي له رسالة في أن زينب ورقية هما
بنتا رسول الله صلى الله عليه و آله([4]).
قال الطهراني:
«تاجا الأصفهاني: تاج أرساب العمامة. تاج الدين حسن بن محمد بن محمد
الأصفهاني، المجاز من المولى حسن علي بن عبدالله التستري. رأيت في بعض
المواضع أنه توفي في سنة (1085هـ) وجاء في الروضات: من تصانيفه.. رسالة
في زوجتي عثمان، وأنهما لم تكونا بنتي النبي «صلى الله عليه وآله»..»
([5]).
والمعترض نفسه قد ألف الكتب في هذه المسألة أيضاً،
فلماذا لا يعتبر نفسه من المسهمين في إثارة هذه الفتنة؟!
بالإضافة إلى أن الذين ذكرنا أسماءهم في ثنايا هذا
الكتاب من أمثال الكراجكي، وكاشف الغطاء، وآل يس، والجزائري وغيرهم قد
تعرضوا في كتبهم إلى هذا الموضوع وكتبوا فيه ما رأوه مناسباً، فلماذا
يحصر القضية بنا؟!
واعتبر المعترض:
أن الدليل الحاكم على كتاب بنات النبي أم ربائبه، «من أوله إلى آخره هو
تخبُّط بعض المؤرخين في تاريخ بنات النبي، فمنهم من أثبت ولادتهن بعد
الإسلام، ومنهم من جعلها في الجاهلية الخ..».
واعتبر أن هذا الأسلوب دليل على الشك في أمرهن، إما
وجوداً، وإما عدماً، وإما بنوة وتربية».
وقال:
«كما أننا لم نقل: اقتصر السيد على هذا فحسب، وإن كان معتمده الأصلي.
وكنا نخال السيد يترك كل هذا، ويعمد إلى كتاب الله أولاً، ويبحث
الآيتين بحثاً مستوعباً، ويتخذ من ذلك دليله إن استطاع على عدم بنوتهن.
ولكنه لم يذكر الآيتين، ولو بالإشارة، ولا غنى عن بحثهما في مثل هذه
المسألة»([6]).
ونقول:
أولاً:
قد تحتاج بعض الأدلة، أو حتى بعض المؤيدات إلى مزيد من البيان لاستكمال
عناصرها.. ثم تضم إلى غيرها، مما قد لا يحتاج إلى أقل القليل من ذلك،
فذلك لا يعني أن تكون هي الدليل المهيمن والحاكم.. كما أنه لا يعني
أنها هي المعتمد الأصلي للمستدل..
ثانياً:
اعتبر المعترض الاختلاف في النصوص، الموجب لاختلال الصورة التي يدعون
ثباتها ـ اعتبره ـ تخبطاً من بعض المؤرخين.. وذلك للإيحاء بأن الصورة
ثابتة، لكن بعض المؤرخين قصر في محاولته رسم معالمها..
مع أن الأمر ليس كذلك، لأن الذين اختلفوا، وتباينت
آراؤهم، واختلفت كلماتهم، هم في درجة واحدة في ميزان الاعتبار، وليس
بعضهم أولى من بعض، ليصبح هو المعيار، ويكون من عداه هو المتخبط.. فمن
يريد المعترض أن يعتبرهم متخبطين، قد يكونون أولى من غيرهم في اعتبار
أقوالهم أساساً، ليكون غيرهم هو المتخبط فيما قال..
ثالثاً:
لماذا يريد المعترض أن يفرض علينا طريقة معينة في الإستدلال؟! مع أن
هذا قد رفضه المعترض نفسه، حين توهم أننا نريد أن نفرض عليه طريقة
بعينها.
علماً بأن الطريقة التي يريد منا أن نعتمدها هنا هي
طريقة مختلة، لأن الآيات الشريفة لا ربط لها بموضوع تربية البنات
الكريمات، وليس ظهور هذا الأمر لنا بالبحث العلمي من مصاديق الآيات
الشريفة. ونحن في غنى عن بحثها، لأننا لا ندعي أنهن بنات بالتبني. ولا
ندعوهن لغير أبِيهن الشرعي.
([1])
بنات النبي «صلى الله عليه وآله» لا ربائبه ص109.
([2])
اعيان الشيعة ج8 ص 156.
([3])
راجع: شرح احقاق الحق المقدمة.
([4])
راجع: فيض الإله في ترجمة القاضي نور الله ص 129.
([5])
طبقات أعلام الشيعة ج5 ص90.
([6])
بنات النبي «صلى الله عليه وآله» لا ربائبه ص112.
|