وقال المعترض:
«من أين أتيت بتلك البنات اللواتي طابقت نسختهن نسخة الأصل، وتوفين في
الجاهلية. والمؤرخون الذين استشهدت بهم «قد صرحوا بولادة بناته بعد
البعثة» ([1]).
وهذا القول عماد حجتك التي جحدت بها نسب السيدات، كما
صرح بذلك آخرون لم تستشهد بهم، وجعلوه قولاً ضعيفاً. فهل هو استنباط
منك، قام على دليل خاص توصلت إليه؟!
أو هو رجم بالغيب؟! واحتمال فرضه الظن والحدس؟!
إنه لقول غريب! ولكني لم أوت سعة في العلم لأجزم بردهن.
ولا استقرأت السيرة النبوية كلها لأقول بالقطع واليقين: إن هذا القول
غريب، خلا أنه مع كل هذا وذاك غريب عن عالمي الثقافي الذي أعيشه.
ولا أكتم سماحة السيد أني أراه أول مرة عمري كله، وقد
نيف على الستين في كتاب: «القول الصائب» وهو بحق كتاب عجائب. وهذه إحدى
عجائبه» ([2]).
ونقول:
أولاً:
إن من يراجع كلامنا يتضح له أننا لم نخترع بنات مُتن صغاراً، في مقابل
البنات الثلاث، بل كان ذلك هو مقتضى الجمع بين النصوص، التي أفادت: أن
بنات الرسول قد ولدن بعد البعثة، فدلنا ذلك على أن المقصود بهذا الكلام
بنات أخريات غير اللواتي ولدن وتزوجن قبل البعثة، ثم طلقت اثنتان منهما
بعد البعثة كما هو ظاهر.
ثانياً:
لم نقل عن البنات الصغيرات إنهن توفين في الجاهلية، بل قلنا: إن
المؤرخين قالوا: إنهن ولدن بعد البعثة، وذلك يدل على مغايرتهن للبنات
اللواتي ولدن وكبرن، وتزوجن في الجاهلية. وإذا كنا لا نجد لهؤلاء
البنات أثراً في حياة النبي «صلى الله عليه وآله» في مكة وبعد الهجرة،
فلا بد من الحكم بأنهن قد متن في حال الصغر..
ثالثاً:
إن هذا القول ـ أعني وجود بنات صغيرات غير اللواتي تزوجن في الجاهلية
ليس هو عماد حجتنا، بل عمادها هو ما روي عن النبي «صلى الله عليه وآله»
في ذلك، وعن الزهراء «عليها السلام»، وما ذكرته سورة الكوثر.. ورواية
الحاكم في المستدرك التي اعترف فيها عروة رغماً عنه بأن البنات لسن
بنات رسول الله «صلى الله عليه وآله» والرواية عن ابن عمر، وغير ذلك من
أدلة ذكرناها في كتبنا المطبوعة والمتداولة».
فلماذا جعل المعترض الوجه الذي ذكرناه للجمع بين
النصوص، هو العماد لحجتنا، مع أننا لم نجعله من الأدلة..
رابعاً:
قال المعترض: إن المؤرخين الذين لم نستشهد بهم قد جعلوا هذا احتمال
وجود بنات ثلاث أخريات، باسم زينب، وأُم كلثوم ورقية، وقد متن وهن صغار
ـ جعلوه ـ قولاً ضعيفاً.. فيا حبذا لو ذكر لنا أسماء هؤلاء المؤرخين
الذين ذكروا هذا القول وضعفوه. فإن ما نعرفه هو أننا قد ذكرناه على
أساس أنه احتمال خطر ببالنا، صالح لأن يكون وجهاً للجمع بين النصوص
التي تبدو مختلفة لأول وهلة..
ولأجل ذلك نلاحظ:
أن المعترض نفسه صار يشنع علينا بما يشير إلى ما ذكرناه فقد قال: «فهل
هو استنباط منك؟ قام على دليل خاص توصلت إليه؟ أو هو رجم بالغيب؟ أو
احتمال فرضه الظن والحدس..».
إلا أن يكون مقصوده بـ «القول الضعيف» هو جحدنا ـ على
حد تعبيره ـ لنسب السيدات. وحينئذ لا بد لنا من أن نسأل المعترض عن سبب
هذا الاختلاف في أقواله، فتارة يجعل هذا القول ضعيفاً، وأخرى يجعله على
سبيل الحتم والجزم من مخترعات أبي القاسم الكوفي.. ويتهمنا ثالثة
باختراعه.
خامساً:
إن المعترض لا يجزم بغرابة هذا القول على نحو الإطلاق، لأنه لم يؤت سعة
من العلم تخوله الجزم بردهنّ، ولا استقرأ السيرة النبوية كلها ليقطع
بغرابة هذا القول.. ولذلك اكتفى بالقول بأنه غريب عن عالمه الثقافي..
إذن، فكيف استساغ الجزم، بانتساب السيدات إلى رسول الله «صلى الله عليه
وآله» فإن ذلك يتوقف على الجزم ببطلان هذا الاحتمال.. لا الإكتفاء
بمجرد الإستغراب عن عالمه الثقافي، وهو الذي لم يؤت سعة من العلم تخوله
الجزم، على حد تعبيره؟!
([2])
بنات النبي
«صلى الله عليه
وآله»
لا ربائبه ص118.
|