وحين
قلنا:
إنه لا فرق بين المصادر التي يحتج بها علينا وبين كتاب البدء والتاريخ،
فإنها هي الأخرى مليئة بالفضول، وبالإفتراءات، والأساطير قال المعترض:
«هذا صحيح، والصحيح أيضاً أن نعامل كل ما ورد فيها بهذا
السياق معاملة سواءاً، ولا نبعضها، فنقل (كذا) بما يروق، ونرد ما لا
يروق، لأن فيها ما به حجة لنا عليهم، فلا وجه لشطبها من قائمة الإعتبار..
وأما تعويلنا على مصادرهم، أو عدم تعويلنا فأقول: إذا
انفردت مصادرهم بما يخصهم فلا عبرة بها، ولا معول عليها، وأما إذا
اعترفت بما يخصنا من المسائل، ففيها أكبر النفع لنا».
إلى أن قال:
«وأما إذا وافقونا فلا ضير من الإعتضاد بهم فيما اتفقنا عليه. وهؤلاء
أهل الكتاب كانت شهادتهم للنبي «صلى الله عليه وآله» مقبولة، بل جعلها
لنبيه المصطفى على من خالفه من أهل الكتاب».
إلى أن قال:
«والسيد حفظه الله طالما حاجنا بمنعنا من الإحتجاج بكتبهم، ثم احتجاجنا
نحن بها.
ونقول له:
كلا، ما احتججنا بها، بل الحجة أولاً وبالذات فيما
يذكره علماؤنا، واتفقوا عليه، وإنما اعتضدنا بما رواه المخالف».
ثم ذكر أننا لو برأنا ساحة المقدسي، وقتادة، والبلاذري،
والمقريزي من الإختلاق، فليسوا بريئين من رواية المختلق
([1]).
ونقول:
أولاً:
إن ما طلبه منا من التعامل مع ما ورد من ترهات وأباطيل في مصادر أهل
الخلاف هو ما نطالب به المعترض، فإنه بادر إلى رفض ما نقلناه عن كتاب
البدء والتاريخ، بحجة أن غيره أوثق منه.. مع أنه يوصي هنا بأن نعامل
المصادر المشار إليها في سياق واحد ولا نبعِّضها.
ثانياً:
يقول المعترض: لا وجه لشطب مصادر أهل السنة من قائمة الإعتبار، لأن
فيها ما به حجة لنا عليهم..
ونقول:
لا اعتبار لأي من تلك المصادر إلا ما ثبت صحة نقلهم له،
ولو بمعونة القرائن.
ووجود ما هو حجة لنا في مصادرهم لا يوجب وثاقتها ولا
وثاقتهم. إلا أننا نأخذ به على سبيل الإلزام لهم، على قاعدة: من فمك
أدينك، أو لأنه مما دلت القرائن وأيدت الشواهد صحته، أو كان يؤكد بطلان
طريقتهم.
فمن القسم الأول ما يرتبط بالنصوص الدالة على إمامة علي
وأهل بيته «عليهم السلام»..
ومن القسم الثاني ما يدل على فساد بعض عقائدهم، كذلك
الذي يصرح بالتجسيم، أو بالجبر الإلهي، أو بنسبة النقائص للأنبياء وما
إلى ذلك..
ثالثاً:
يقول المعترض: «إذا انفردت مصادرهم بما يخصهم فلا عبرة بها».
ونقول:
إن ذلك غير مقبول على إطلاقه، فإن ما يخصهم قد يكون
حكاية لواقع نحتاج للإطلاع عليه، لنعرف إلتزاماتهم العقائدية والفقهية،
فإن علينا أن نأخذ ذلك من أهله، لأنهم أعرف بالأمور التي تخصهم،
والمفروض أنهم صادقون مع أنفسهم، مأمونون على الشؤون الخاصة بهم.
رابعاً:
قد ذكر المعترض: أنه لا ضير في الإعتضاد بما يذكره أهل السنة، فيما
نتفق معهم عليه.. وذلك ليبرر إستدلاله بأقوالهم حول البنات الكريمات،
وأنهن بنات النبي «صلى الله عليه وآله» على الحقيقة.
غير أننا نقول:
ألف:
إذا جاز الإعتضاد بما يذكره أهل السنة، فذلك لا يختص به هو، بل لغيره
من الشيعة أن يعتضد بهم أيضاً إذا وافقوه على رأيه، فلماذا لم يرتض
استدلالنا بكلام المقدسي؟! ولا سيما إذا أضفنا إليه المقريزي، ومغلطاي،
والنويري فضلاً عن غيره ممن ذكر النصوص الدالة على كون البنات ربائب،
كالحاكم النيسابوري، وغيره؟!
ب:
إذا كان يقصد بما يوافقوننا عليه هو الموافقة لنا فيما هو من خصوصيات
المذهب.. فكون البنات ربائب وعدمه ليس من خصوصيات مذهبنا، كما أنه ليس
من خصوصيات سائر المذاهب..
وإن كان يقصد به موافقة ما أجمع عليه الشيعة، فمن
الواضح: أنه لا إجماع في مسألة البنات..
خامساً:
إن تمثيله لمورد الإعتضاد بقبول شهادة أهل الكتاب، غير مقبول، فإن قبول
شهادتهم، لا لأجل وثاقتهم في أنفسهم، بل لأنها تمثل إلزاماً لهم بما
ألزموا به أنفسهم، واعترافاً بالحق. وموضوع البنات ليس فيه إلزام لأهل
السنة، بل هم الذين يسعون لانتزاع إقرار منا بهذا الأمر، لتأييد
خلفيتهم، وإثبات فضيلة له بزعمهم.
سادساً:
ما نسبه إلينا حول الإحتجاج بكتبهم، غير مقبول، فإن كلامنا إنما كان
على سبيل النقض عليه، والإلزام له.
يضاف إلى ذلك:
أن ما ذكره من أنه لم يستدل بكلام غير الشيعة، بل اعتضد به لا يتلاءم
مع سياق كلامه في كتابه السابق واللاحق، فراجع.
سابعاً:
ما ذكره عن المقدسي وقتادة، والمقريزي ينطبق على غيرهم من الرواة الذين
اعتمد عليهم استدلالاً واعتضاداً.
([1])
بنات النبي
«صلى الله عليه
وآله»
لا ربائبه ص 121 و 122.
|