صفحة :363   

المتهم شاهد، واللص حكم:

وحين قلنا: «إن قول الكوفي ليس غريباً، فقد وافقه فيه المقريزي وغيره، ونُسِب إلى البلاذري»، فقال المعترض: «والسيد دائماً يجعل من المتهم شاهداً، ومن اللص حكماً».

وقال: «إن تسجيله في كتاب الكوفي لا يعني صحته، وإذا كان البلاذري متقدماً في الوجود على الكوفي. وقد قلنا: إن المذكور يحكي قوله، لا قوله نفسه ليمكن الحكم عليه، فإن المقريزي متأخر في الوجود عن الكوفي، فما الذي يمنع من استناده إليه، وتعويله عليه. هذا بعد فرض عدم غفلته» ([1]).

ونقول:

أولاً: إن كان الكوفي متهماً بالغلو، فذلك لا يعني أنه متهم بالكذب في هذا المورد بالخصوص، أو في كل ما يقوله، فقد لا يكون له غرض في الكذب أصلاً، أو في بعض المواضع، وربما كان له غرض بالصدق في كل أقواله، أو في العديد منها.

ولم يذكر المعترض هنا ما يصح اعتباره من دواعي الكذب لدى الكوفي في خصوص هذا المورد.

ثانياً: إذا كان للكوفي غرض في تزوير الحقيقة هنا، فما هو غرض البلاذري، والمقريزي، والنويري، ومغلطاي، والمقدسي، وابن عمر، وعروة بن الزبير، والطريحي، وكاشف الغطاء، والجزائري، والمقدس الأردبيلي، وغير هؤلاء؟!. وقد ذكرنا أكثر من مرة أن دليلنا لا يقتصر على قول الكوفي.

ثالثاً: إن الحديث عن غفلة المقريزي لا يمكن قبوله. فبالإضافة إلى أن الأصل عدم الغفلة، نقول:

إن ذلك قد يجرُّ ذلك إلى التشكيك وردّ الكثير من النقول، حتى ما يستشهد به المعترض نفسه، بادعاء حصول الغفلة فيها، إذ لا يستطيع أحد ادعاء حصر احتمال الغفلة في نص دون سواه، أو في كتاب دون آخر.

رابعاً: إن حكاية القول لا تقلل من قيمة القول، ولا تبطل تأثيره. وإلا لوجب إبطال الاستدلال بنصوص جميع الكتب، لأنها كلها تحكي أقوال من تنسب تلك الكتب إليهم. إذ ليس لأصحابها حضور أمامنا، ولا يدلون بشهاداتهم بصحة نسبة ما دوِّن في الكتب إليهم.

على أن جميع الاجماعات والشهرات التي يدعيها العلماء، ويدعيها المعترض، قائمة على حكاية القول، لا على القول نفسه.

خامساً: قوله: إن تسجيل أمر في كتاب الكوفي لا يعني صحته..

يجاب عنه: بأن ذلك لا يعني بطلانه أو كذبه أيضاً. والمعترض هنا يدعي كذبه.

سادساً: دعوى أن المقريزي استند إلى الكوفي فيما ذهب إليه تحتاج إلى إثبات. كما أن الغفلة التي ينسبها إليه تبقى مجرد دعوى، لم يقم عليها أي دليل.


 

([1]) بنات النبي «صلى الله عليه وآله» لا ر بائبه ص122 و123.

 
   
 
 

موقع الميزان