صفحة :371   

تأويلات غير معقولة:

وقال المعترض عنا: «قد أحسن في رد المسلمة التاريخية، من كون السيدتين تزوج بهما ابنا أبي لهب، ومن بعده عثمان، لما وضع من الشواهد المانعة من ذلك».

اعترف أيضاً: بأننا استطعنا أن نستأنس قول الإستغاثة الشاذ كما يستأنس الوحش النافر([1]).

فعلقنا على ذلك بإبداء العجب منه: فهو يمدحنا على ردنا مسلمة تاريخية هنا، ولكنه يهاجمنا بقسوة لردّنا مسلّمة تاريخية أخرى ـ كما يقول ـ حيث قلنا: إن البنات ربيبات.

فأجاب المعترض بقوله: «الفرق بين المسلّمتين واضح، فالتي مدحناه عليها، بل على نيّته في معالجتها هو زواج ابني أبي لهب منهن، وليس معناه نجاحه في ردها».

وقال: «وتسميتنا الشواهد بالمانعة بعلاقة قصده من ذكرها، لا بما أنتجت من المنع. وإنما مدحنا هذا الموقف، فلأنه ما من مسلم يرضى بما جرى على السيدتين من عدو الله أبي لهب.

والمسلّمة التاريخية الثانية التي اعتبرناها جريمة من الجرائم، وعظيمة من العظائم هي دفع نسب السيدات عليهنّ السلام من أبيهنّ الحقيقي «صلى الله عليه وآله»، ولا ملازمة بين القضيّتين، ليكون مدحنا لواحدة مدحاً للأخرى، وردنا لها رداً لصاحبتها، ولا توقف لإحداهما على الأخرى، نفياً أو إثباتاً.

فما الذي يمنع أن يكون السيد أجاد في الأخرى، حين نوى الخير، وقصد تطهير النسب من الأعراق الفاسدة، وأساء في أختها حين أراد بلا حجة أو دليل ملزم نفي السيدات.

وقولنا عنه: إنه استأنس الوحش، أجل؛ لقد استأنسه حقاً، ولكن الوحش بقي وحشاً، لم يحدث تغييراً في سياق شكله، وصيغته الوحشية، ولم يحله إلى إنسان له مقوماته في الشكل والعقل»([2]).

ونقول:

أولاً: إن سياق كلام المعترض يدل على أنه قد مدحنا على نجاحنا في ردنا لتلك المسلمة، لأننا ـ كما يقول ـ قد استفدنا من شواهد تمنع من حصول تلك المسلمة. فالشواهد المانعة هي التي أوجبت مدحه لنا، لأنها جعلتنا نحسن في رد المسلّمة.. فلماذا يعود هنا فيقول: إنه مدحنا على نيتنا، لا على نجاحنا في رد المسلمة؟!

ثانياً: قول المعترض؛ إنه سمى شواهدنا بالمانعة بعلاقة أننا قصدنا منها ذلك، لا بما أنتجت من المنع. غير مقبول، فإن عبارته ظاهرة في أن ما أوردناه من الشواهد المانعة هو السبب في أننا أحسنا في رد المسلمة..

وهذا معناه: أن الشواهد قد أنتجت المنع.

وليس معنى عبارته أننا قد أحسنا في نيتنا رد المسلّمة، وسبب إحساننا أننا وضعنا شواهد قصدنا منها رد المسلّمة، فإن وضعنا للشواهد بقصد رد المسلّمة ليس هو السبب في إحساننا في نيتنا رد المسلمة.. فإن هذا الكلام ركيك وغير منسجم، ولا ظاهر الوجه..

ثالثاً: قول المعترض: إن سبب مدحه لنا على رد المسلّمة هو أنه ما من مسلم يرضى بما جرى على السيّدتين من عدو الله أبي لهب.. غير مقبول أيضاً، فإن عدم الرضا بفعل أبي لهب إنما يدعو إلى إدانة فعل ذلك الجبار الخبيث.. ولا يدعو إلى تكذيب زواج البنات، لكي ينتج من ذلك تبرئة أبي لهب مما صدر منه!

رابعاً: ما ذكره من الفرق بين المسلّمتين، غير ظاهر الوجه، فإن ما قصدناه هو أنه إذا كان ذنبنا هو أننا قد أنكرنا مسلمة تاريخية، وإنكار مسلّمات التاريخ ممنوع، فيرد عليه أنه لا فرق بين مسلّمة وأخرى في ذلك، فلماذا جرت الباء في موضع، ولم تجرَِّ في آخر؟ ولم يجبنا المعترض على هذا..

خامساً: ما ذكره من أننا قد أنكرنا أن نسب البنات من أبيهن الحقيقي، يرد عليه:

أننا لم نفعل ذلك، بل ما فعلناه هو أننا قد نسبناهنّ إلى أبيهنّ الحقيقي.. وقد قلنا: إنّ لذلك نظائر كثيرة، فقد يتوهّم متوهم أن زيداً مثلاً هو ابن فلان.. فيأتيه من يعلمه أنه ابن فلان الآخر.. وليس في ذلك أيّة غضاضة على زيد، وليس على المتوهّم إثم في ذلك أيضاً.

سادساً: نحن لم ندَّع وجود ملازمة بين قضية أبي لهب مع البنات، وبين كون البنات ربيبات إلَّا على تقدير أن يكون النبي قد تزوّج بخديجة قبل البعثة بخمس سنوات أو نحو ذلك، مقارناً بقولهم: إن أبناء أبي لهب وأبا العاص بن الربيع قد تزوجوا البنات قبل البعثة أيضاً.

سابعاً: إن حديثه عن استئناس الوحش النافر.. غير مقبول أيضاً، فإنّ استئناس الوحش النافر قد أحال نفور الوحش إلى ضده وهو الاستئناس. وهذا يدل أنه قد نجح فيما سعى إليه، وحقق مطلوبه، إذ هو لم يرد قلب حقيقة الوحش، بل أراد قلب نفوره إلى استئناس.. وقد حصل ذلك باعتراف المعترض..


 

([1]) راجع: القول الصائب، ص119.

([2]) بنات النبي «صلى الله عليه وآله» لا ربائبه، ص125 و126.

 
   
 
 

موقع الميزان