صفحة : 378  

المعترض يلزمنا نفي وجود البنات:

ثم دافع المعترض عن فكرته التي تقول: بلزوم نفي وجودهنّ لنفي بنوّتهنّ، فقال:

«إذا اختلط علينا من تاريخهنّ الحابل بالنابل، فلا ندري عن ولادتهنّ شيئاً، إلّا أقوالاً مدفوعة، أو مشكوكاً بها، ولا عن وفاتهنّ وهجرتهنّ، وكذبنا زواجهنّ من.. الثلاثة، وصيرناهنّ ربائب. على شكل غير معهود في جاهلية أو إسلام. وعزوناهم إلى قومٍ لم يؤثر عن أحد منهم كلمة، أو بعض الكلمة، وليس لهنّ فيهم عم، أو ابن عم، أو ذو رحم معلوم. فما المانع من كونهنّ مختلقات..»؟!.

إلى أن قال: «ونقول: اختلقهنّ المختلق ليثبت فضيلة لعثمان، ويصير له نورين (كذا)، نوراً (كذا) في ذنبه، ونوراً (كذا) في رأسه. ويصبح عثمان كإشارة المرور في مفارق الطرق، أعلاه نور أحمر، وأسفله نور أخضر».

إلى أن قال: «فذلك أسهل من جحد نسبهنّ لو حققت..»([1]).

وحين قلنا: إذا صح هذا فلا بد من تعميم هذه القاعدة لتشمل كل اختلاف، ردّ علينا المعترض برفض هذا التعميم.

وقال: «لأن هناك اختلافاً في وجود، وبإزائه قرائن تدل على العدم. واختلافاً في عدم، وبإزائه قرائن تدل على الوجود. وما كل اختلاف يلازمه نفي الوجود، فأي عاقل يرى هذا الرأي؟

على أن ما ذكره السيد من الأمور التي اختلفت فيها، ولم يشك في وجودها، نقول له: بلى والله، لقد وقع الشكّ في وجودها أيضاً، فالباري سبحانه أنكر وجوده جلّ أهل الأرض إن لم يكن كلّهم! إلّا شرذمة آمنت به وبوحدانيته ببركة الإسلام. وهذه الشرذمة لا تعادل الأكثرية الساحقة من النافين.. والمنكرين، والمشكّكين والمشركين».

إلى أن قال: «وأمّا القضايا التاريخية، فإنكارها لوجود الاختلاف فيها أكثر من أن تحصى. وها هو السيد ينكر وجود زواج لهبي نعثلي من السيدتين، لوجود الاختلاف فيهما».

وقال: «إذا جرى الشك في إنسان من ألفه إلى يائه دخل القلب ريب من أصل وجوده. وهذه الملازمة هي التي تلج عقل كل باحث([2])».

ونقول:

أولاً: قول المعترض: إن جهلنا بولادتهنّ، ووفاتهنّ، وهجرتهنّ، يضاف إليه تكذيبنا بزواجهنّ من فلان وغيره، وصيّرناهن ربائب، يجعلنا نقول ما المانع من كونهنّ مختلقات؟! غير مقبول. فإن كونهنّ ربائب لا يبرر اعتبارهنّ شخصيات وهمية..

ثانياً: قول المعترض: «وصيّرناهنّ ربائب على شكل غير معهود في جاهلية أو إسلام» ليس في محله، فقد ذكرنا أن النسبة إلى الشخص بالتربية.. كانت شائعة قبل الإسلام وبعده. وقد يتربى الإنسان بعد موت كافله عند عمه، أو خاله، فينسب إليه.

ثالثاً: قول المعترض: «وعزوناهم إلى قوم.. ليس لهنّ فيهم عم، أو ابن عم، أو ذو رحم معلوم» غير مقبول أيضاً.. وقد أوضحنا ذلك فيما سبق بما لا مزيد عليه..

على أن ذلك لو صح فهو ليس بالأمر الغريب، ولا المستهجن، وإن كان قليل الحصول..

رابعاً: إن ما قاله المعترض عن أنه ليس كل اختلاف يلازمه نفي الوجود وعكسه، ينقض ما أراد إثباته، لأن قضية بنوّة البنات لرسول الله «صلى الله عليه وآله»، هي من موارد الإختلاف الذي تصاحبه قرائن بل أدلة على نفي كونهن بنات على الحقيقة، وتثبت كونهنّ ربائب للنبي الكريم «صلى الله عليه وآله».. فلماذا لا يأخذ بهذه القرائن بل الأدلة؟! ويريح ويرتاح.. ولماذا يلجأ إلى نفي وجود البنات من الأساس؟! فإن أصل وجودهنّ ليس فقط مما قامت القرائن عليه، بل هو قطعي ولا ريب فيه!!

خامساً: لو صح ما قاله المعترض، فلنا أن نسأله: ما هي القرائن التي دلّته على انتفاء وجود البنات من الأساس؟! حتى صح له أن يجعل من الاختلاف في تاريخهنّ دليلاً ملازماً لنفي وجودهنّ..

سادساً: لقد أقسم المعترض على أنه قد وقع الشكّ في وجود البنات أيضاً. واعتبر ذلك كإنكار وجود الباري..

ونقول له:

ليدلنا على شخص واحد شك في أصل وجود البنات، وليذكر لنا مصدر ذلك.. علماً بأن من أنكر وجود الباري يمكن الإشارة إليه، والدلالة عليه، وليس الأمر في البنات كذلك، فلماذا يقيس هذا على ذاك؟!

سابعاً: قول المعترض: «أما القضايا التاريخية، فإنكارها لوجود والإختلاف فيها أكثر من أن تحصى..» غير مقبول، فإن الإختلاف إن وصل إلى درجة التناقض، فإنه يعلم أن جميع ما تناقض باطل، إلّا واحد يحتمل صحته، ولا يستطيع أحد نفيه بصورة مطلقة وقاطعة لمجرد وجود الاختلاف فيه. ومع ذلك نقول: ليدلنا على من أنكر قضية تاريخية لمجرد وجود الاختلاف فيها.

ونحن لم ننكر زواج البنات من النعثلي أو اللهبي، لمجرد وجود الإختلاف، بل لوجود أدلة أخرى اقتضت ذلك.

ثامناً: نحن لم نشك في البنات من ألفهنّ إلى يائهنّ، بل شككنا في بعض ما أشيع عنهم، لأجل وجود الأدلة على خلاف ما شاع.


 

([1]) بنات النبي «صلى الله عليه وآله» لا ربائبه، ص126 و127.

([2]) بنات النبي «صلى الله عليه وآله» لا ربائبه، ص127 و128.

 
   
 
 

موقع الميزان