وقال المعترض:
«متى
قررنا أنه لا يجوز الأخذ إلّا بالمجمع عليه؟! بل الأمر بعكس ذلك
تماماً، وإنما قلنا: لا يجوز ترك المجمع عليه، وأما الأخذ فقد يكون من
روايات الآحاد، ومن الأخبار الضعيفة، أما المتواتر فلا ريب في الأخذ به..».
ثم ذكر أنّ ثمّة قاعدة تقول: لا يجوز ترك المجمع عليه،
والأخذ بالشاذ.
ثم اعترف المعترض أيضاً بأنّه لا بد من تحقيق القضايا،
ولا سيما المسلمّات منها إذا خالفت منهاج الدين، ولا مانع يمنع من ذلك،
ولكن المنع في إثارة قضية متسالم عليها، وإحاطتها بجو من الريبة
والشكوك، ورد ما لا يقبل الرد، والتسليم بالخاطئ السقيم، والقفز على
الإجماع، وضرب الروايات الواردة عن أهل البيت التي بلغت العشرات، وأخشى
أن أقول المئات، وصرف القرآن عن معناه الحقيقي بالتأويل الغث، مع
تصريحه بسلامة القضية من الشك، وهذا كله ممنوع عند العلماء بمن فيهم
السيد نفسه»
([1]).
ونقول:
أولاً:
إن الكلام كل الكلام في وجود هذا الإجماع الذي يتحدث عنه المعترض،
وكأنه من المسلمات.
ثالثاً:
أن ما روي عن النبي «صلى الله عليه وآله»، مما دل على انحصار الصهر
بعلي «عليه السلام»، ينقض هذا الإجماع المزعوم، وكذلك الحال بالنسبة
لما روي عن الزهراء «عليها السلام»، وسكوت المهاجرين والأنصار عن
الأعتراض، وما ذكر عن ابن عمر، وعروة بن الزبير، ثم ما ذكره البلاذري،
والخصيبي، والكراكجي، والمقريزي، والكركي، والجزائري، والطريحي،
والمقدس الأردبيلي، والخاقاني، والكاظمي، والدلفي، وتاج الدين
الأصفهاني، ومغلطاي، والنويري، والمقدسي، وآل يس.. وكاشف الغطاء، وما
نسب إلى السيد المرتضى والطوسي، وكتاب الأنوار، ومن أشار إليهم الخصيبي،
والذي سأل المفيد، وغير هؤلاء.. فإن ذلك كله يدل على أنه لا إجماع في
البين.
ولذا قلنا:
إن الظاهر هو أن إطلاق كلمة بنت على البنات الكريمات قد جاء في الأصل
على معنى الربائب. وبسبب قلة تداول الحديث عنهنّ غفل كثير من الناس عن
خصوصية هذا الاستعمال.
كما أن الكثير من العلماء إن لم نقل: الأكثر منهم، لم
يذكروا البنات في كلماتهم وكتبهم، فلم يعرف رأيهم فيهنّ، هل هنّ بنات
على الحقيقة، أم ربائب لرسول الله «صلى الله عليه وآله»؟!
ثالثاً:
إذا كان لا بد من تحقيق القضايا، ولا سيما المسلّمات منها إذا خالفت
منهاج الدين، كما يقول المعترض، فلماذا يقيم المعترض الدنيا علينا ولا
يقعدها، حين حققنا في هذه المسألة، وهي مسألة تاريخية، لا تتعرض لمنهاج
الدين في شيء؟ بل كان سبب الحاجة إلى هذا التحقيق هو أننا نحن الذين
جهلنا حقيقة هذا الأمر الذي مضت عليه السّنون والأحقاب، فأحببنا
معرفته، والتأكد من صحة معلوماتنا عنه.. وقد أنتج ذلك إسقاط حجة أراد
أتباع عثمان التسويق لها..
رابعاً:
إذا جاز التحقيق في القضايا المتسالم عليها، فلا يفرق فيها بين ما خالف
منهاج الدين، وبين غيره.. بل إن ما خالف منهاج الدين قد يحتاج إلى
التحقيق لاكتشافه، فإذا انكشف يضرب به عرض الحائط، وينحصر البحث
والتحقيق في خصوص المتسالم عليه مما عداه.. بالإضافة إلى المظنون
والمشكوك، والمحتمل.
خامساً:
قول المعترض: لا يجوز إثارة الحديث في القضية المتسالم عليها، وإحاطتها
بجوّ من الريبة والشك، غير دقيق، فإنه إذا كان له منشأ صحيح، فلا بدّ
من إثارته، وتعريف الناس بأنّ هذا التسالم في غير محلّه، لأنّ هناك ما
يوجب الشك و الشبهة.
سادساً:
قول المعترض: إنه لا يجوز رد ما لا يقبل الرد، والتسليم بالخاطئ
السقيم، ولا القفز على الإجماع، وإن كان صحيحاً في نفسه، ولكنه لا مورد
له في موضوع البنات الكريمات، لأننا قد رددنا ما يقبل الرد، ونرى أن
أدلتنا تكفي لكشف الواقع، ولا بد من التسليم بالصحيح وبالواقع..
كما أننا لم نقفز على الإجماع، لعدم وجود إجماع من
الأساس..
سابعاً:
أما عن ضرب الروايات عرض الحائط، فنقول: إن الروايات حين تعارضت وجدنا
أن وجه الجمع بينها هو حمل الروايات التي عبرت بكلمة
«بنت
النبي»
أو نحو ذلك على معنى الربيبة حسبما تقدم، فبادرنا إلى ذلك، ولم نتردد
فيه.
ثامناً:
بالنسبة لصرف القرآن عن معناه الحقيقي نقول: إننا لم نفعل ذلك، بل
بيّنا المراد من الآية، حتى ظهر: أنها لا تنطبق على موضوع البنات
الكريمات..
([1])
بنات النبي «صلى الله عليه وآله» لا ربائبه، ص128.
|