وقد أصر المعترض على أن على الكوفي أن يسمي مشايخه،
وإلا فهو كاذب فيما نقله عنهم، لأن المسألة خلافية، لا بد له من إقناع
خصمه بالحق فيها، ولا يثبت الحق إلا بشاهد على المدعى، ولا يثبت الشاهد
إلا بذكر اسمه للنظر فيه
([1]).
وذكر أيضاً:
أن الراوي إذا أرسل الرواية «يتوقف العلماء عن العمل برواياته، وقبول
رأيه، حتى تثبت براءته، ويثبت من طريق آخر صحة ما أرسل، وإلا فيرد ولا
يقبل، اللهم إلا في الرقائق، والمواعظ، والسلوكيات. أما المسائل
الهامة، كالتي نحن بصددها، من نفي نسب شريف عن شجرة أصلها ثابت وفرعها
في السماء، فلا يغني الإرسال عن الإتصال»([2]).
ونقول:
1 ـ
من الذي قال: إن الكوفي كان بصدد الخصومة مع الآخرين، ليطالب بتسمية
مشايخه؟
2 ـ
إن للكوفي
مشايخ معروفين، ومن أعيان الطائفة، فقد روى عن: علي بن إبراهيم القمي،
وعن جعفر بن محمد بن مالك الكوفي، وهو من مشايخ الصدوق ابن بابويه([3])
وروى عن أبيه أيضاً([4])..
وأشار في رياض العلماء إلى كثرة مشايخه كما تقدم..
3 ـ
هل إذا لم يذكر لنا الكوفي مشايخه ـ حتى لو كان في مقام الحجاج ـ يكون
كاذباً؟!
4 ـ
هل إقناع خصمه بالحق يتوقف على ذكر المشايخ؟! فلعل خصمه لو كان هناك من
يخاصمه كان يتيقن صدقه في أقواله.. ربما لأن ما يذكره له ويحتج به عليه
كان معروفاً وشائعاً لدى الجميع..
5 ـ
لعل خصوم الكوفي كانوا يعرفون شيوخ الكوفي الذين نقل عنهم تلك الروايات
الصحيحة..
6 ـ
هل مجرد ذكر اسم الشيخ كاف في الإثبات؟! أم لا بد من ثبوت صدقه في نسبة
هذا الأمر إلى ذلك الشيخ؟! إذ يمكن للكاذب أن يذكر أسماء من شاء من
العلماء، وينسب إليهم ما يشاء. فلماذا يكون سكوته عن ذكر الأسماء
دليلاً على الكذب، ويكون ذكره لأسمائهم من دلائل الصدق.. ما دام أنهم
أموات، ولا يمكن لنا التحقق من صحة ما ينسب إليهم؟!
7 ـ
لقد استثنى المعترض الرقائق، والمواعظ، والسلوكيات، من لزوم ذكر
الأسانيد.. وكان عليه أن يستثني أيضاً القضايا التاريخية، وقضايا
الأنساب، ومسألتنا هذه منها.. فإنه لا يلزم فيها أكثر من ذلك الذي ذكره
في المواعظ والسلوكيات، إلا إذا كان تاريخاً للمعصوم، ويتضمن حكماً
شرعياً، أو أمراً اعتقادياً، أو غير ذلك..
8 ـ
هل كل من لم يذكر الأسانيد يكون كاذباً؟! فماذا يصنع بكتاب مكارم
الأخلاق، وتحف العقول، والمواعظ العددية، ونهج البلاغة، ودستور معالم
الحكم، وكشف الغمة، ومناقب آل أبي طالب و.. و.. الخ.. فإنها جميعها لم
تذكر المشايخ، والأسانيد، فهل نحكم بكذب مؤلفي هذه الكتب وسواها،
وباختلاق مضامينها؟!
9 ـ
إذا كان العلماء يتوقفون في العمل برواية من أرسل الرواية، فكيف لم
يتوقف المعترض هنا، وبادر إلى الحكم بكذب الكوفي، إن لم يذكر مشايخه في
هذه المسألة؟!
10 ـ
لنفترض أن الكوفي قد ذكر مشايخه، الذين رووا له هذه الرواية وكانوا
ثقاةً وتقاةً، فهل يرى المعترض صحة روايته؟! أم أنه سوف يرفضها أيضاً،
باعتبار أنها توقعه في محذور اعتقادي وعملي، وهو مخالفة آية: ﴿ادْعُوهُمْ
لآبَائِهِمْ﴾،
حسبما قرره، وهو ما لا يمكن أن يوقع نفسه فيه؟!
11 ـ
ذكرنا أكثر من مرة: أن المورد ليس من موارد نفي النسب الثابت.. وإنما
هو من موارد التعرف على أمر كنا نحن نجهله، لأننا لم نعش في ذلك
الزمان..
أما في زمان صدور النص أو بعده بعشرات السنين، فلم يكن
الناس يجهلونه، كما دل عليه كلام ابن عمر، وعروة ابن الزبر، والرواية
عن رسول الله «صلى الله عليه وآله»،
وعن الزهراء «عليها السلام»
وغير ذلك من دلائل وشواهد.
12 ـ
ماذا يقول المعترض عن عمل طائفة من العلماء بمراسيل ابن أبي عمير، إذ
قد كان من المفترض ـ حسب رأي المعترض ـ أن يعتبروه ـ والعياذ بالله ـ
كاذباً فيما يرويه، إذ لم يكن يذكر لهم شيوخه، حينما كان يروي لهم من
حفظه من دون ذكر الأسانيد.
([1])
بنات النبي
«صلى الله عليه
وآله»
لا ربائبه ص92.
([2])
بنات النبي
«صلى الله عليه
وآله»
لا ربائبه ص 93 و94.
([3])
راجع: مستدرك الوسائل ج14 ص242.
([4])
راجع: رياض العلماء ج3 .
|