بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على الرسول
المسدد، والمصطفى الأمجد، المحمود الأحمد، حبيب إله العالمين، سيدنا
وشفيع ذنوبنا أبي القاسم محمد، وآله الطيبين الطاهرين.
وبعد..
لا نريد أن نتجنّى على أحد، ولا أن نسيء إلى أي كان من
الناس، وما نريده هو فقط أن نسهم في حفظ السلامة العامة من الوقوع تحت
تأثير بعض الأفكار التي سجّلها البعض في مؤلفاته، وطرحها ليتداولها
الناس في شرق الأرض، وغربها.
ونحن نرى أن كل مؤلّف يحب نشر أفكاره، ولا سيما
التجديدية منها.. ويرغب في أن يتداولها الناس، ليستفيدوا منها، أو
لينقدوها، لتصبح أكثر دقةً، وأعمق تأثيراً..
ولكن الأمر في هذا المورد بالذات قد يكون على عكس ذلك،
فقد ينزعج البعض من نشر ما لديه من أفكار، رغم أنها كانت منشورة مسبقاً
في ثنايا الكتب، والنشرات، وعلى صفحات الجرائد والمجلات.
ولا ندري إن كنا سنتّهم من جديد بأننا نهدف من وراء ذلك
إلى التشهير، أو الإسقاط، أو أننا لم نفهم كلامه، ولم ندرك مقاصده، مع
أنه يتكلم بلسان عربي، لا تشوبه عُجمة، ولا يعاني من لُكنة. كما أن من
يستمعون ويقرؤون له إنما يفهمون الكلام العربي باللغة العربية ولا
يفهمونه بغيرها من اللغات كالصينية أو الهندية أو الكردية، وهم في
أكثرهم ـ أعني من يستمعون لذلك البعض ـ أناس عاديون، فيهم الكبير
والصغير، والمرأة والرجل، والمثقف وغير المثقف.
ومهما يكن من أمر،
فإننا قد صرّحنا والمحنا إلى أن ما دعانا إلى كتابة كتاب: «مأساة
الزهراء «عليها السلام» شبهات وردود» ليس هو خصوص قضية كسر الضلع
الشريف للزهراء البتول، والصديقة الشهيدة. بل هو دفع ما أثير من شبهات
خطيرة حول ظلم الزهراء وما جرى عليها، ثم الإلفات والتحذير مما هو أوسع
وأشمل، وأكبر وأخطر، وأمرّ وأدهى..
ونحن في ضمن كتابنا هذا بأقسامه المختلفة، نعرض مجموعة
من مقولات «جريئة» سجلها البعض في مؤلفاته المنتشرة في مختلف البلاد،
وبين أصناف شتى من العباد، وللقارئ الكريم الحق في أن يؤيد ما فهمناه
واستفدناه منها، أو يرده، إذا اقتضى الأمر ـ بنظره ـ أياً من الرد أو
القبول، شرط أن يكون ذلك وفق المعايير الصحيحة والموضوعية، ووفق النصوص
القرآنية، والتوجيهات الثابتة عن أهل بيت العصمة «عليهم السلام»، وما
هو ثابت ومعروف في مذهب الشيعة الإمامية.
ولنا أن نوفّر على القارئ الكريم الجهد والوقت، لنقول
له إن هذه المقولات التي أوردناها، إنما أوردناها للتدليل على أنها
مقولات لا يصح القبول بها، وتبنيها كجزء من تكوينه الفكري والإيماني،
ومن أراد ذلك فعليه إن لم يكن قادرا على تمحيصها بالوسائل العلمية
الصحيحة، أن يرجع إلى علماء الأمة ليوقفوه على ما فيها من هنّات، وما
تشتمل عليه من إشكالات وثغرات.
وغني عن القول:
أن ما سوف نورده هنا يتفاوت ويختلف الأمر فيه من حيث الأهمية، ثم في
طريقة التعاطي معه، فقد نورده لخطأ الرأي فيه بحيث يحتاج إلى التصحيح،
وقد نورده لفساد طريقة التعاطي معه، ولوجود خطأ أساسي في معالجته له.
وبعدما تقدم نقول:
لنفترض أننا استطعنا أن نجد لكلام هذا البعض تأويلات
بعيدة، ومحامل شاذة وغير سديدة. ولكن ما يثير تعجبنا، وتساؤلنا هو أن
يكون كل هذا الحشد الهائل الذي يعد بالمئات ـ بل الألوف ـ مما لا بد من
تأويله أو حمله على خلاف ظاهره، بالإضافة إلى الكثير الكثير مما يأبى
عن أي حمل أو تفسير مقبول أو معقول!!
ولقد كان بالإمكان التغاضي عن ذلك لو كان الخطاب شخصيا
وفي نطاق محدود، أما حين يصبح الخطاب للناس كلهم، ثم يسجل في عشرات
الكتب والنشرات وفي مختلف الوسائل المقروءة والمسموعة، ليتناقله الناس
ويتداولوه جيلا بعد جيل، حيث سيفهمونه بعفوية، وبسلامة نية، وبالطريقة
التي يستظهرها منه أهل المحاورة، فإن الأمر يصبح أكثر حساسيةً، وأهميةً
وخطرا.. ويجعل الجميع أمام واجباتهم، ويفرض عليهم التعاطي مع الموضوع
بصورة أكثر جدية ومسؤولية، حيث لا بد من التنبيه على هذا الخطأ، وتحصين
الناس من الوقوع فيه.
وحيث تتأكد الحاجة
إلى إصلاح ما يحتاج إلى إصلاح، وإلى توضيح ما يحتاج إلى إيضاح، من دون
أن يكون ثمة أية خصوصية للجهة التي تتولى تحقيق هذا الغرض النبيل،
والعمل بهذا الواجب الشرعي والإنساني الجليل، فإن ما لا بد من مراعاته
في عملية الإصلاح والإيضاح هذه، هو شموليتها لكل ما كتب ونشر، ولكل ما
تتداوله الأيدي وتتناقله الألسن، أو استقر في الأسماع والقلوب.
ولا يكفي لتحقيق هذا الغرض حديث خاص هنا، أو حديث خاص
أو حتى عام هناك، يتضمن تأويلا أو تعديلا في مورد أو موارد يسيرة، قد
لا تكون هي الأهم والأولى بالإصلاح من غيرها؛ فان ذلك لا يكفي في نفسه،
بالإضافة إلى أن معناه أن تبقى نفس تلك الموضوعات، هي وغيرها مما يعد
بالعشرات والمئات، مبثوثة في عشرات الكتب والنشرات، وفي مختلف وسائل
الإعلام، يتداولها الناس في شرق الأرض وغربها، ويتوارثونها جيلا بعد
جيل.
وهذا ما يؤكد
الحاجة إلى إجراء تعديلات وإصلاحات مباشرة على كل
تلك المكتوبات والمنشورات، وفي كل ما قيل وأذيع، ثم
اعادة نشره مع التأكيد ـ توضيحاً وتصريحاً ـ على أن أي رأي أو قول قد
يختلف عما ورد في هذه الطبعات الأخيرة لا اعتداد به ولا اعتبار له.
وفقنا الله جميعاً للعمل بما يرضي الله ونسأله أن
يجعلنا ممن ينتصر به لدينه، وأن لا يستبدل بنا غيرنا، وأن يثبتنا على
طريق الهدى، ولنا برسول الله «صلى الله عليه وآله»، وبأهل بيته
الطاهرين أسوة حسنة، ومنار رشاد، وصلاح وسداد.
وبعد كل ما تقدم نقول:
إننا نقدم للقراء الكرام هذا الكتاب خلفيات كتاب مأساة
الزهراء «عليها السلام» على أمل أن يجدوا فيه ما ينفع ويجدي في توضيح
الحقيقة، وتمييزها عن شوائب يحاول البعض لسبب أو لآخر إلحاقها بها.
ولكن من المحتمل:
أن الأمر لن يقف عند هذا الحد، إذ قد يظهر أنّ ثمة حاجة لمتابعة
إصدارتٍ أخرى تبين موارد الخلل فيما ينشره هذا البعض بين الناس من
مقولات.
وبما أن هذا البعض يقول تارة:
«إن 99، 99 % هو كذب وافتراء وبهتان..».
ويقول تارة أخرى:
«إن 90% كذب وافتراء، وعشرة بالمئة تحريف للكلام عن
مواضعه..».
فقد التزمنا
في هذا الكتاب أن لا نأتي من كلمات هذا البعض إلا بما
هو مكتوب أو منشور ومتداول، ولا نتعرض إلى ما يذاع أو يباع على شكل
أشرطة تسجيل أو فيديو. إلا في حالات يسيرة تبلغ عددها أصابع اليد
الواحدة.. وإن كنا نعلم: أن ذلك لن يردعهم عن التمادي في الاتهام
الظالم لنا بدبلجة الكلام مخابراتياً أو بغير ذلك!!!
إننا لا نريد أن نتحدث عن الخلفيات، والدوافع، والنوايا
التي تدفع لتسجيل هذا النوع من السعي لاقتحام المسلمات ـ على حد تعبير
البعض ـ لأن همنا هو لفت نظر القارئ إلى أن عليه أن لا يأخذ من أقوال
هذا البعض شيئاً إلا بعد البحث والتمحيص، لأنه يتبنى آراء خاصة به،
ويلقيها إلى الناس، دون أن يبين لهم: أنها آراؤه الشخصية التي لا
تتوافق مع مذهب أهل البيت «عليهم السلام».
وفي اتجاه آخر نشير:
إلى أن بيان
آراء هذا البعض وطرح أقاويله على بساط البحث ليس سباباً ولا شتماً له..
ولا يمكن أن يدخل في دائرة الخلافات الشخصية معه.. فلماذا يحاول هذا
البعض الخلط بين هذين الامرين وتصوير الامر للناس على أنه هجوم على
شخصه ثم هو يدعي: أنها هجمة مخابراتية، وان منشأها العقدة والغريزة
وقلة الدين.. وأن من يناقشونه في أفكاره ﴿كَمَثَلِ
الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا﴾([1])،
وأن مثلهم ﴿كَمَثَلِ
الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ﴾([2])..
وأنها إسقاط للرمز و.. و.. الخ.. وأنهم حاقدون وحاسدون ومعقدون لا
يخافون الله.
وإن كانت
مناقشة أفكار هذا البعض تعني كل ذلك.. فإنه هو نفسه لم
يزل يناقش أفكار العلماء ـ الشيعة وغيرهم ـ وينتقدهم.. ويوجه لهم أبشع
الإهانات، وقد ذكرنا طائفة من كلماته في حقهم في بعض فصول هذا الكتاب.
فهل يرضى منا ـ
ولأجل هذا بالذات وفقاً لمنطقه ـ أن نجعل ذلك في دائرة
العقد النفسية، والكيد المخابراتي، وعدم التدين وفقدان التقوى.. إلى
آخر ما هنالك مما ألمحنا إلى بعض منه؟!
على أن مناقشتنا لا تهدف إلى تسجيل أي هنات في شخصه،
ولا في شخصيته، ولا في ممارساته العملية..
كما أنها لم تتضمن أية قائمة، لا طويلة، ولا قصيرة في
أي شأن من الشؤون، لا في دائرة تعامله مع الناس ولا في نطاق المواقف
والممارسات العملية للشأن العام، ولا في محيط الاخلاق والالتزام.
وذلك لأننا نربأ بأنفسنا عن الانجرار إلى هذه المزالق،
أو الوقوف عند مثل هذه الامور على أننا قد تحيرنا مع هذا البعض، فتارة
هو يقول:
«إنه هو المستهدف شخصياً، وإن المسألة تنطلق من أجواء
عقد نفسية وحالات غرائزية».
وأخرى يقول:
«إن الهدف هو إرباك (الحالة) وإن المخابرات الإقليمية
والمحلية والدولية ـ وحتى قمة شرم الشيخ هي رائدة هذا التوجه البغيض».
وأخرى يقول:
«إن الصراع إنما هو بين ظاهرتي التخلف والتجديد».
ورابعة يقول:
«إن مرجعيته هي المستهدفة..».
إلى آخر ما هنالك
من مفردات احتوتها قائمة البالونات الاعلامية، الهادفة
إلى تمييع القضية الأساس، التي هي تلك المخالفات الخطيرة في أمور الدين
والعقيدة.. والتي سنقدم في هذا الكتاب طائفة وفيرة منها..
ولا ندري إذا كان الإصرار على تشويه الحقيقه سوف يضطرنا
إلى متابعة إطلاع الأخوة الأبرار على المخالفات التي ارتكبت والتي
أثارت عاصفة من الاعتراضات القوية في الساحة..
والذي يلفت نظرنا:
أن هذا البعض يعمل باستمرار على نشر ردود، على كتبنا
تهدف إلى إثارة الغبار، وذر الرماد في العيون.
ونلاحظ على هذه الردود أموراً كثيرة نذكر منها ما يلي:
1 ـ
إنه يتم انتقاء موارد يسيرة جداً، يرون أن بإمكانهم
المداورة، والمناوره فيها.. ولكنهم يتركون الأمور الأساسية، ولا يجرؤون
على الإقتراب منها..
2 ـ
إن هذه الامور اليسيرة التي يتعرضون لها يحاولون أيضاً
تغيير اتجاه البحث فيها ثم الإطالة في الحديث، والذهاب يمينا وشمالا
حتى يضيع القارئ الكريم في فوضى الأقوال..
ونذكر نموذجاً على ذلك، وللقارئ أن يقيس عليه الكثير من
الموارد ـ ما ذكره البعض حول امتداد نسل آدم..
فإن إشكالنا الأساسي عليه هو في ثلاثة أمور هي:
أولاً:
قوله: «إنه لا طريق إلى امتداد النسل إلا تزويج الإخوة
بالأخوات».
مع أن الله الذي خلق آدم وحواء، قادر على أن يخلق
لأبنائهما أناسي أجمل من الحور، ليمتد النسل من هذا الطريق..
ثانياً:
قوله: «إنه بعد امتداد النسل، استقام نظام العائلة،
ولتنمو في جو طاهر من الناحية الجنسية».
فإن هذا يستبطن اتهاماً خطيراً لبيت نبي الله آدم «عليه
وعلى نبينا وآله الصلاة والسلام».
ثالثاً:
قوله: «إنه لا مناعة جنسية بين الأم وولدها..».
فترى:
أن الذين تصدوا للدفاع عنه قد أقاموا الدنيا ولم
يقعدوها في عمل خداعي يهدف إلى صرف نظر القارئ عن الإشكال الحقيقي إلى
أمر آخر غير ذلك كله، وهو: أنه هل يجوز تزويج الإخوة بالأخوات أم لا،
مع أن هذا الأمر لم نبحث فيه، ولم نورده في جملة العناوين التي تحدثنا
عنها وإن كنا قد أشرنا إليه إشارة عابرة.
3 ـ
إن عمدة ما يستدلون به هو أن فلانا قال كذا، وفلاناً
الآخر قال كذا.. وكأن الأدلة أصبحت خمسة هي:
«الكتاب، والسنة، والإجماع، والعقل، وقول فلان، أو
فلان».
ونقول لهم:
إذا قال أهل الأرض كلهم بأمر يخالف قول الله ورسوله
والأئمة وقواعد الدين والمذهب الثابتة، فإنهم يكونون مخطئين ولا بد من
رد أقوالهم جميعاًً.
4 ـ
إن الكثير مما ينسبونه إلى العلماء يعاني من التحريف في
معناه أو لفظه.. كما أوضح ذلك الذين واجهوهم بالامر، وصدعوا بالحق،
فراجع كتاب: (جاء الحق) و: (الفضيحة) و: (حتى لا تكون فتنة).. وغير ذلك
من الكتب التي بينت ذلك حين ردت على تلك المقولات التي أطلقها البعض.
5 ـ
إن ما ينقلونه أيضاً من أقوال العلماء لا ينسجم في
معظمه مع ما يريدون، بل إن أكثره لا يشبه كلام هذا البعض في شيء، ولا
يتضمن أية جرأة على الأنبياء والمرسلين، وعلى الأئمة الطاهرين، ولا
ينال من مقاماتهم التي وضعهم الله فيها.
فمثلاً لو قارنت بين كلام من يقول:
إن سورة عبس وتولى نزلت في رسول الله «صلى الله عليه
وآله»، وبين ما قاله هذا البعض في هذا المورد، لرأيت البون شاسعاً،
والفرق كبيراً.. فإن من قال بنزولها فيه «صلى الله عليه وآله» لم يزد
على ذلك أي توصيف.
فلم يقل مثلاً:
«لا تفعلوا مثل فعل النبي «صلى الله عليه وآله»..».
ولا تكن «تكون (باللهجة العراقية أو اللبنانية العامية)([3])»
منطلقاتكم منطلقات النبي «صلى الله عليه وآله»..».
ولا قرَّر: أن النبي يترك الأهم وينشغل بالمهم.
وأن النبي «صلى الله عليه وآله» يقوم بتجربة غير ذات
موضوع..
وأن الله يربي رسوله تدريجاً بعد الوقوع في الخطأ.
وأن النبي «صلى الله عليه وآله» يستغرق فيما فيه مضيعة
للوقت.
ويفوت الفرص المهمة.
ويخطئ في التشخيص.
ولا يعرف مسؤوليته المباشرة..
6 ـ
إنهم يحاولون التشكيك في النوايا فيما يرتبط بالإعتراض
على مقولات البعض، فتارة يقولون: هي عقد شخصية.
وأخرى:
إنها خطط مخابراتيه.
وثالثة:
إنها لأجل الطعن بمرجعية بعينها.
أو أي سبب آخر.
ونقول لهم:
ليكن الدافع أي شيء تفرضونه، فإن ذلك لا يبرئ صاحبكم من
الأخطاء التي وقع فيها، ولا يجعل خطأه صواباً، ولا يعفيه من مسؤولية
التصحيح والتراجع.
7 ـ
إنهم يتهمون من يعترض على هذا البعض، الذي يريد صدم
الواقع، ويسعى لاقتحام المسلمات، بأنه يثير فتنة.
ونقول لهم:
إن إطلاق الإتهام بهذه الطريقة يذكرنا بقصة قتل عمار بن
ياسر الذي قال رسول الله «صلى الله عليه وآله» له: «تقتلك الفئة
الباغية».
فلما قتل، وطولب معاوية بذلك قال: نحن قتلناه؟! إنما
قتله من وضعه بين أسيافنا.
وبعد..
فإن ما يثير العجب حقاً: أن هذا البعض لا يكل ولا يمل
من التلفظ بالدعوة إلى الحوار في الهواء الطلق.. فإذا ندبناه إلى ذلك،
وسيرنا إليه وسطاء الخير، وأصحاب النوايا الطيبة وتكررت المحاولات،
واختلفت حالات الوسطاء في مواقعهم الاجتماعية، وفي ميزاتهم وسماتهم،
وتكرر الذهاب والإياب، زرافات تارة، ووحداناً تارة أخرى.. وبعد الكثير
من الأخذ والرد والجلسات الطويلة، وحين يبلغ الحق مقطعه، فإنك تجده حين
يجد نفسه محاصراً ومحرجاً يعلن رفضه لهذا الأمر، ويريح نفسه ويريحهم
حين يطلب منهم إقفال الموضوع.
مع أننا لم يكن لدينا أي شرط سوى شرط واحد يتيم، وهو أن
يتم الحوار أمام ثلة كبيرة من العلماء الذين هم من الطراز الأول، يختار
هو نصفهم، ونختار نحن النصف الآخر، وذلك ليكونوا الحكم والمرجع حين
تتباين وجهات النظر، وهم الذين يضعون حداً للمكابرة، أو التجني، إن حدث
أي شيء من ذلك.
وآخر ما نذكره هنا:
هو أن
من حقنا جميعاً أن نطالب من يقول: إن أفكاره ما تزال أفكاره منذ
الثمانينات، وأنه يتحمل مسؤوليتها، نطالبه بتصحيح أفكاره، وبأن يعلن
هذا التصحيح. كما أعلن الإصرار خصوصاً بالنسبة لكتابه «من وحي القرآن»
حيث يقول عنه:
«إن جميع ما ورد في كتابه «من وحي القرآن» في الطبعة
الأولى، والطبعة الثانية، التي هي طبعة دار الملاك، فهو صحيح،
والإختلاف إنما هو في الأساليب».
مما يعني:
أن كل فكرة وردت في الطبعة الأولى هي صحيحة، حتى لو
حذفها من الطبعة الثانية، لأن الأسلوب يكون هو السبب في الحذف..
فكيف يفسر لنا إذن:
إنكاره لنبوة يحيى «عليه السلام» في الطبعة الأولى، وسكوته عن ذلك في
الطبعة الثانية، فإن كل ما فيهما صحيح على حد قوله.
وكيف يفسر لنا ما قاله: من أن فواتح السور ﴿ألم، كهيعص﴾
وغيرها هي من إضافات النبي في القرآن ـ إن كانت السور التي وردت فيها
هذه الأحرف مكية في أغلبها ـ وهي كذلك.
وقد سكت عن هذا الأمر في طبعة دار الملاك، ولم يصرح
بخطئه فيه ولا بخطئه في قضية يحيى «عليه السلام»، وإذا كان كل ما في
هذه الطبعة وتلك صحيحاً.. فإن معنى ذلك: أنه منكر لنبوة من صرح القرآن
بنبوته، وأنه يقول: بأن النبي «صلى الله عليه وآله» قد زاد في القرآن،
وأن القرآن محرف بالزيادة فيه.
على أننا نقول:
إننا من جهة:
نتوقع من هذا البعض الذي يعلن أنه سعيد بنقد الناس له،
وأنه يقول: رحم الله امرءاً أهدى إلي عيوبي ـ نتوقع منه ـ أن يترحم
علينا، وأن يكون سعيداً بهذا النقد.. وأن يعفينا من قوله عن مراجع
الأمة وعلمائها في إذاعة تابعة له:
ـ ﴿كَمَثَلِ
الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا﴾([4]).
ـ ﴿كَمَثَلِ
الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ﴾([5]).
ـ بلا دين، بلا تقوى.. ولا تثبّت.
ـ يفهمون الكلام بغرائزهم..
ـ يعانون من عقدة وحسد..
ـ متخلفون..
وما إلى ذلك..
هذا عدا عن وصمهم: بأنهم عملاء مخابرات إقليمية، أو
دولية، أو محلية.. أو: أنهم واقعون تحت تأثير المخابرات.
ثم هو يصور المراجع للناس على أنهم (ألعوبة بلهاء شوهاء)
بأيدي بعض المحيطين بهم، وأنهم يأتيهم الناس بقصاصات: ما رأيكم بمن
يقول كذا؟!
فيكتب هذا كذا وكذا. على طريقة ويل للمصلين..
نعم..
إن الأمر أجل من ذلك وأخطر.
ومن جهة ثانية:
فإننا
نتوقع من أي
مؤمن ومنصف أن لا ينظر إلى هذا الأمر على أنه خلاف شخصي
بين فريق وفريق..
فكما يستبعد
أن يكون شيء من ذلك قد صدر من هذا البعض، ويستبعد أن
يكون هذا البعض لا يصرح له بالحقيقة حين يقول له: إن هذه الأمور مكذوبة
أو محرفة..
فإننا نطلب منه:
أن يستبعد أيضاً أن يكون العلماء، ومراجع الدين في شتى
بقاع الأرض قد كذبوا على هذا الرجل.. أو أنهم يتحاملون عليه من موقع
الحقد والضغينة، فإنهم أيضاً علماء مسلمون مؤمنون لهم حق علينا أن
ننصفهم، وأن لا نظن بهم سوءاً، وأن نسمع منهم كما نسمع من غيرهم، وأن
نحتمل الخير والصلاح فيهم كما نحتمل ذلك في من عداهم.
فلا يظن السوء بفريق بعينه، ولا يتهمه ويتحامل عليه،
ولا يرفض قراءة ما سجله من مخالفات، بل يقرأ لكل فريق، ويسمع من
الطرفين، ويراجع المصادر ليطمئن إلى صحة ما يقال له.
ومن جهة ثالثة:
إن
موقف المراجع وعلماء الأمة مما يجري..
لم يكن لأجل جر النفع إلى أنفسهم، إذ إنهم أتقى، وأجل
من أن يظن في حقهم ذلك، وهم حفظة هذا الدين، والأمناء على حقائقه،
وأحكامه..
وإنما هدفهم هو:
تحصين أهلنا وأبنائنا من الإنسياق وراء الخطأ في أمور لا تختص بفريق
دون فريق.. ولا بطائفة دون طائفة، ولا بجيل دون جيل.
ويلاحظ:
أن الإعتراضات قد انصبت بصورة أكبر على الجانب
العقائدي، وعلى المفاهيم والقيم، وعلى التفسير، وعلى المناهج التي تحكم
التوجه الفكري والعقيدي والمفاهيمي، ولم تركز اهتمامها ـ بصورة جدية ـ
على المخالفات في نطاق الأحكام.
وما ذلك
إلا لأن دائرة الأحكام تبقى محصورة في نطاق جماعة
بعينها استطاع ذلك الشخص بأساليبه أن يؤثر عليها ويربطها بنفسه. وينتهي
الأمر عند هذه الفئة، ولا يتعداها إلى الجيل الذي يأتي بعدها، حتى من
أبنائها.
أما المفاهيم والحقائق الإيمانية، وشؤون العقيدة،
والتفسير، فلا تقتصر على من إليه يرجع في التقليد. بل يأخذ ذلك الناس
كلهم وقد يأخذونها من الحي ومن الميت على حدّ سواء.
فإذا كان ثمة من خطأ، فإن هذا الخطأ سينتشر في هذه
المجالات، ولسوف لا يقتصر الأمر على فئة دون فئة، أو جيل دون جيل.
فكان أن وقف مراجع الدين، وعلماء الأمة ليصونوا حقائق
هذا الدين، حتى ولو أهينوا وحقّروا على شاشات التلفزة، وصوروا على أنهم
ألعوبة في يد بعض المقربين منهم، أو يقعون تحت تأثير سياسات
المخابرات.. وما إلى ذلك.
فإنا لله وإنا إليه راجعون...
إن المشكلة هي:
أنه بعد أن افتضح الأمر في ما يرتبط بمقولات البعض الكثيرة جداً، والتي
تعد ـ ربما ـ بالألوف، والمتنوعة جداً والتي تتعلق بقضايا العقيدة،
وحقائق الدين والإيمان، والشعائر، والتفسير، والتاريخ وما إلى ذلك..
ونشرت طائفة من هذه المقولات، وتصدّى لها العلماء ومراجع الأمة في
النجف الأشرف، وفي قم المشرفة.. وسائر البلاد لجأ هذا البعض إلى أمر
بالغ الخطورة، وهو: التطلع إلى سدّة المرجعية، ليصبح كلامه أشد
تأثيراً، وأكثر قبولاً عند الناس، حيث يضفي عليه هذا المقام مسحة من
القداسة، وليدخل من ثم إلى وجدان الناس بطريقة عفوية، وبتسليم بعيد عن
أي إحساس بالحاجة أو الميل إلى مناقشة الأمر، أو إلى التفكير فيه..
ورغم أن ظهور هذه الأمور، وقيام العلماء ضدها قد بدأ
قبل إعلانه عن طموحاته في المرجعية بسنوات، فقد ارتفعت الضجة العارمة
ضد مقولاته في سنة 1993م وهو إنما أعلن عن طموحات للمرجعية في سنة
1995م.
نعم.. رغم ذلك، فإنه ما فتئ يقول للناس عبر الإذاعات،
وأجهزة التلفاز، وفي الجلسات الخاصة: إن السبب في قيام الضجة هو تصدّيه
لمقام المرجعية المقدس..
ومهما يكن من أمر، فإننا لم نزل نؤكد على أن ما يهمنا
بالدرجة الأولى هو: مقولات هذا البعض العقائدية، ولا تهمنا كثيراً
آراؤه الفقهية، لأنها لا ولن تجدلها مكاناً مرموقاً بين فقهاء الأمة
وأساطينها بعد أن كانت مرتكزة إلى منهجية بحث مرفوضة لدى علماء المذهب.
غير أننا أحببنا أن نعطي القارئ الكريم صورة متكاملة
ومتقاربة الملامح عن نهج هذا الرجل وعن آرائه، ولسوف يجد أنه حتى في
مجال الفقه، لم يزل يقدم الدليل تلو الدليل على أنه بعيد كل البعد عن
مسلك فقهاء مذهب أهل البيت «عليهم السلام» في منهجه الاستنباطي غير
المرضي عندهم، لأنه يعتمد القياس والاستحسان وغيرهما من مناهج غير
مرضية.
ونضيف إلى جميع ما تقدم:
أن هذا البعض كان في بدايات ظهور مقولاته إلى العلن، وتنديد مراجع
الدين بها.. واعتراض علماء الأمة عليها، ورفضها وتفنيدها.. ـ كان ـ
يقول:
«إنهم يقطّعون كلامي..».
ويقول:
«إن ذلك مكذوب علي..».
ويقول:
«إن الأشرطة مدبلجة مخابراتياً..».
ويقول.. ويقول..
ولكن الذي شهدناه أخيراً هو تبدل قوي وملفت في السياسة
مع المعترضين على هذه المقولات. حيث توجهت أنظاره هو ومؤيدوه إلى
الإعتراف والتسليم بأنها من مقولاته، واتجهت هممهم وجهودهم إلى إثبات:
أن ثمة من يوافقه عليها من أهل العلم، أو من المفسرين، أو ما إلى ذلك..
وارتكبوا في هذا السبيل الكثير من جرائم التزوير، والتحريف، حتى لكلام
نفس هذا البعض صاحب المقولات الذي يناصرونه، ويدافعون عنه.
ونحن إذ نشكر الله على هذا الإعتراف، فإننا نعيش أشد
أنواع الأسى والألم تجاه هذه الفاجعة التي تحل بالدين من جراء هذا
التزوير المتعمد والفاضح من قبل أناس يصح أن يقال فيهم: إنهم باعوا
دينهم بدنيا غيرهم.
ونرى في هذا الأمر:
خطورة قصوى لا تماثلها خطورة.. ولا ندري كيف نوقف زحف هذا التزوير، ولا
كيف نكافحه، ونقضي عليه..
وهذا الأمر لا يختص بنوع من مقولات هذا البعض دون نوع،
بل هو منتشر في كل اتجاه، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
ومهما يكن من أمر، فإننا نذكر في هذا الكتاب موارد
كثيرة من أقوال البعض توضح لنا: أن ما ذكرناه عنه لم يكن مجرد هفوة
عابرة، نشأت عن عدم التفات منه أو أي سبب آخر، ليقال: إنها لا تمثل
قناعة راسخة عنده..
بل إن ذلك الذي ذكرناه، وأمثاله كثير، يبين بما لا مجال
معه للشك: أن هذه المقولات هي صفوة ما عنده من فكر، وأنه يتبناها،
ويرددها وينشرها، وأنه يعتقد بها، ويدافع عنها بكل ما أوتي من قوة
وحول..
شاهدنا على ذلك:
أنه قد أعاد طبع بعض كتبه، ومنها كتابه المعروف باسم
«من وحي القرآن» ولم يغير منه شيئاً ذا بال، ولا أصلح أياً من مقولاته
الخطيرة والهامة، وإنما بدل بعض العبارات التي لا تحمل في طياتها أهمية
تذكر، وإذا كان يقول على المنابر وفي المناسبات، ما ربما يظهر منه خلاف
ذلك، فإن إعلانه عن أن أفكاره لم تتبدل منذ الثمانينات كما أشرنا
قريباً، ثم إصراره على إبقاء ما كان على ما كان يدلنا على أنه يعرف أن
ما يبقى هو المكتوب، أما الخطب والمقابلات، والمداولات في المجالس
فإنها تتلاشى، وتزول، وهو يسعى لإرضاء الناس بكلام مبهم من جهة، ويصر
من جهة أخرى على إبقاء كل شيء على ما هو عليه، لتتداوله الأجيال من
بعده، ومن يريد التأثير عليهم في العالم الإسلامي الكبير.. ليفرض على
الآتين أن يفهموا ما ورد في خطبه ومداولاته الشخصية، على أنه إنما كان
تحت وطأة الضغوط التي واجهها..
ولي رجاء أكيد من القارئ الكريم، هو: أن يراجع كتاب
«مأساة الزهراء» في طبعته الثانية التي تشتمل على كتاب «لماذا كتاب
مأساة الزهراء».
وثمة رجاء آخر آمل أن لا يردّه القارئ عليّ، وهو: أن
ينظر إلى ما قيل في هذا الكتاب وفي غيره، ولا يكن همه النظر إلى من
قال.. ولتكن القاعدة القوية والحاسمة عنده هي: «إن الحق لا يُعرف
بالرجال، وإنّما يعرف الرجال بالحق». و «اعرف الحق تعرف أهله» و ﴿أَفَمَنْ
يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي
إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾([6]).
فليراجع النصوص التي نقلناها في مصادرها، وليقارن،
ليتأكد من أننا لم نقطّع أوصال الكلام، ولا أخللنا بالنقل.
وليكن رائده هو معرفة الحق ليحدد موقفه من خلال
معرفة تكليفه الشرعي الذي سيطالبه الله به يوم يلقاه، حيث ﴿لَا
يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ
إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ
سَلِيمٍ﴾([7]).
وإنَّا على ثقة ويقين: أن من يعمل بهذه القاعدة بصدق، وينطلق منها
بإخلاص، فإن الله سيشرح صدره للحق وللحقيقة، وسيكون إن شاء الله مسدداً
ومؤيداً من الله سبحانه ...
قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ
جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾([8]).
ويلاحظ هنا:
ألف:
يقول بعض الأخوة: إنك إذا تتبعت مقولات هذا البعض،
فستجد أنه قد تعرّض لمختلف الحقائق الإسلامية بالتشكيك، وربما إلى درجة
النفي القاطع أحياناً.. لكن الملفت ـ والكلام لبعض الإخوة ـ أنه لم
يتعرض حتى الآن بالتشكيك في الموضوعات التالية:
1 ـ
الخمس..
2 ـ
الصدقات والمبرّات..
3 ـ
المرجعية، وفقاً لبعض المواصفات المناسبة!!
ويضيف هؤلاء الإخوة أموراً أخرى، لا نحب أن نتعرّض لها،
لأنها قد تصل إلى حد الإتهام..
ونحن لا نريد أن نتهم أحداً، لأننا نعتقد: أن الأهم من
كل شيء هو إلفات نظر الناس إلى مقولات نرى أنها على غاية في الخطورة
لأنها تمسّ جوهر مذهب أهل البيت «عليهم السلام»، وتهدف إلى إثارة
التساؤلات والشكوك حول أهم مفردات العقيدة، والكثير من حقائق الدين..
ب:
إنه ربما يشعر البعض: أن ثمة درجة من الجفاء، أو الجفاف
في تعابيرنا، الأمر الذي قد يفسح المجال أمام التعللات الهادفة إلى
التهرب من مواجهة الحقيقة، حيث يتمكنون من إثارة عواطف الناس، وتحريك
مشاعرهم، وصرفهم عن حقيقة المشكلة حيث يصوّر هو للناس أو يصورون لهم:
أنه مستهدف، وأنه مظلوم.. وأنه وأنه..
ونقول:
لا بد من ملاحظة الأمور التالية:
أولاً: إن
اللغة العلمية هي بطبيعتها لغة جافة، لأنها تسعى إلى وضع النقاط على
الحروف، بصراحة تامة، وبأمانة ودقّة.
ثانياً:
إننا نرتاب كثيراً في صدقية كثير من الألقاب والمقامات
والقداسات التي يحاط بها بعض الناس، ويتخذون منها ذريعة لمنع الناس من
توجيه النقد، وحتى الإتهام المستند إلى الوقائع، وإلى الشواهد المكتوبة
وغيرها.. التي يعطيها ذلك البعض لنفسه.. بل نقطع بما لا نحب التصريح به
في هذا المجال..
ثالثاً: إنه
لا مجال لمجاملة من يجترئ على مقامات الأنبياء والأوصياء، ويسعى
لاقتحام مسلمات الدين والعقيدة والمذهب، ولا يصح: تعظيمه وتبجيله، وهو
يصف الأنبياء بكثير من أوصاف المهانة، ويصورهم بصورة، هي أقرب إلى صورة
المتخلفين عقلياً منها إلى صورة الإنسان العادي، حتى إن شيخ الأنبياء
فيها ـ عنده بدرجة من السذاجة ـ ينظر إلى السماء نظرة حائرة بلهاء.
مع أنهم «عليهم السلام» هم الذين اصطفاهم الله
لرسالاته، وانتجبهم، واختارهم ليكونوا الأسوة والقدوة، والقادة،
والهداة للعباد و.. وقدّمهم على أنهم الإنسان النموذج، والأكمل والأفضل
والأرقى، والأمثل..
إن الصورة التي يقدّمها هذا البعض للأنبياء «عليهم
السلام» قد تجعل الانسان العادي يعيد النظر في ما عرّفه وهداه إليه
عقله عن الذات الإلهية، فيظن بالله الظنون ـ والعياذ بالله ـ فينسب
إليه الجهل بمخلوقاته.. أو العمل على غشهم، وعدم النصيحة لهم. حيث
يختار أناساً غير لائقين بما يختارهم له.
وإن ما نورده في هذا الكتاب من مقولات هذا البعض يوضح
هذه الحقيقة بجلاء تام.
هذا كله..
عدا عما يصف به هذا البعض أئمة الدين، وأولياء الله.
وكذلك ما يصف به السيدة الزهراء «عليها السلام»، مما سيمر على القارئ
الكريم بعضه أيضاً في قسم مستقل إن شاء الله تعالى..
والحمد لله رب العالمين.
جعفر مرتضى العاملي
([1])
الآية 5 من سورة الجمعة.
([2])
الآية 176 من سورة الأعراف.
([3])
و قد اعترف هذا البعض: أنه كان يتكلم باللهجة العامية وذلك في
شريط مسجل له، مع أحد أصدقائه الموجودين في قطر، وذلك في نفس
الشريط الذي قال فيه: لعل الزهراء لم تكن تدري: أنها يجب أن
تستيقظ لصلاة الصبح، وقد أراد النبي «صلى الله عليه وآله» أن
يعلمها هذا الحكم، حين حركها برجله(!!) وقال لها: قومي يا بنية
لا تكوني من الغافلين.
فإذا كان يتكلم بالعامية، فيكون قوله لا تكون منطلقاتكم، يريد
به: لا تكن منطلقاتكم.. لأن المقصود هو العامية باللهجة
العراقية، وهي اللهجة التي يفضل أن يتحدث بها، وأن لا يتخلى
عنها، الأمر في اللهجة اللبنانية أيضاً كذلك. فإن المعنى أحذرك
أن تكون قد فعلت ذلك سواء باللهجة العامية اللبنانية أو
العراقية.
([4])
الآية 5 من سورة الجمعة.
([5])
الآية 176 من سورة الأعراف.
([6])
الآية 35 من سورة يونس.
([7])
الآيتان 88 و 89 من سورة الشعراء.
([8])
الآية 69 من سورة العنكبوت.
|