صفحة :41-50   

إلفات نظر:

إننا كنا قد اعتمدنا في بعض موارد هذا الكتاب على الطبعة الأولى من كتاب البعض والمسمى ـ زوراً ـ «من وحي القرآن»، ولكن بعد أن صدرت الطبعة الثانية، آثرنا أن نعتمد عليها في سائر ما نورده من عباراته في كتابه المذكور، لأن الوصول إليها أيسر، فعلى القارئ الكريم مراعاة هذه الجهة وملاحظة الطبعة الأولى فيما لا يجده في الطبعة الثانية، راجين منه أن يقبل اعتذارنا عن هذا الأمر. 

تـمـهـيـد:

حيث لا بد من الإشارة:

قد عرفنا: أن البعض قد أفصح في كتبه ونشراته، وفي محاضراته، ومحاوراته الإذاعية وغيرها عن أمور أثارت جوّاً معيّناً.. وقد كتبنا كتابنا: «مأساة الزّهراء «عليها السلام» شبهات وردود»، للردّ على بعضٍ من ذلك..

وقبل أن نضع أمام القارىء بعضاً آخر مما قاله ذلك البعض، مما يحتاج إلى توضيح أو تصحيح، نذكّر بالأمور التالية:

الأمر الأول:

إن بعض مسوّدات هذا الكتاب قد سرقت وبيعت بمبالغ كبيرة، في محاولة لعرقلة صدور هذا الكتاب والحد من تأثيره، ولنا أن نتوقّع في نطاق الإصرار على هذه المقولات بعضاً مما عرفناه وألفناه، كما كان الحال حين صدر كتابنا: «مأساة الزهراء«عليها السلام» شبهات وردود».

الأمر الثاني:

إن ما يحويه هذا الكتاب من مؤاخذات، ليس هو من الأمور التي يمكن إغماض النظر عن أي مورد منها، فلو فرضنا ـ وفرض المحال ليس محالاً ـ أنه أمكن تلمّس بعض التأويلات لموارد قليلة مما ذكر، فإنه لا يمكن الإكتفاء بذلك، وغض النظر عن الباقي، لأن كل مورد فيه له أهميّة كبيرة، وقسم منه يتمتع بدرجة عالية من الحساسية والخطورة، فيما يرتبط بالتكوين الفكري، على مستوى المذهب.

الأمر الثالث:

إننا نتوقّع: أن تنصب ردودهم وإثاراتهم على الأمور التالية:

1 ـ سيقولون: إنها نصوص مجتزأة لا تمثّل الحقيقة كلّها.

ونحن نرجو من القارىء الكريم: أن يتأكّد من الأمر بنفسه، ليجد: أن هذا الكلام ليس دقيقاً.

2 ـ سيقولون: إن كلام ذلك البعض لم يفهم على حقيقته، أو إنه لا يقصد ما فهم منه..

ونقول:

أولاً: إننا نطلب من القارىء الكريم: أن يراجع كلام ذلك البعض، ليفهمه بنفسه، ليتبين له هل يصح أن يعتمد على ما يقال له من تأويلات بعيدة عن ظهور الكلام ودلالاته، أم لا يصح له ذلك؟!

ثانياً: ليكتب صاحب تلك المقولات إيضاحات لمقاصده، ويضمها إليها، ليقرأها القارىء معاً مباشرةً، ويكون بذلك قد حصّنه عن الوقوع في فهم خلاف مقصوده.

3 ـ قد يقال: إن هذا الكلام قد قيل في مقامات مختلفة تختلف وتتفاوت، ولكل مقامٍ مقال..

ونقول:

لا بدّ من بيان خصوصيات المقام الذي قيل فيه، إذا كانت تلك المقامات بمثابة قرائن متصلة على المراد؛ ليعرف الناس ذلك؛ فإن الناس لا يعلمون الغيب، ومن سيولد بعد مئة سنة سيكون أبعد عن هذه المقامات، وعن معرفة تأثيرها في دلالة الكلام.

كما أنّ لنا أن نسأل هنا:

هل المقام الذي قيل فيه هذا الكلام يفرض هذه التنازلات، أو تلك الإعترافات؟!

وهل ستستمر سلسلة التنازلات هذه في المقامات المختلفة؟!

وهل سيأتي يوم نتنازل فيه عمّا هو أهمّ وأعظم؟!

وهل هذا الحشد الهائل هو من بوادر ذلك وإرهاصاته؟!

وهل كل هذا الكم الهائل وسواه أضعاف كثيرة، قد اقتضته المقامات المختلفة؟!

أم أنّ أكثره قد كتب ونشر بمبادرة مباشرة، ومن دون أن يكون ثمّة مقام يقتضيه؟! أو يفرض له وعليه قيوداً وحدوداً؟!

4 ـ قد يقال: لماذا تتمسّك بهذا القول بالذات، وتترك ما سواه من أقوال أخرى لهذا البعض نفسه؟!

وجواب ذلك واضح:

أولاً: إن الطبيب إنما يلاحق موضع الداء، ويضع إصبعه على الجرح ويعالجه، ولا شغل له بما هو صحيح وسليم.

   ثانياً: إن ذلك البعض قد أعلن في ندوة له قبل مدّةٍ يسيرة: أنه مسؤول عن كل ما كتبه منذ ثلاثين سنة وهو ملتزم به([1]).

   وقال أيضاً:

«إنني عندما انطلقت في العمل الإسلامي والفكري منذ ما يقارب الـ 45 عاماً كنت أعتقد في كل ما كتبت وحاورت وحاضرت وكانت حصيلة ذلك عشرات الكتب وآلاف المحاضرات»([2]).

وهذا الذي نقدّمه هو بعض ما صدر منه وعنه.

ثالثاً: إذا كانت أقوال هذا البعض متناقضة، فليدل على الصحيح منها، ليؤخذ به، وليبين للناس الفاسد ليُجتنب عنه، فإنّ بيان ذلك من مسؤولياته، أيضاً، كما أن من مسؤولياته أن لا يتكلم بالمتناقضات.

5 ـ قد يقال: إن بعض الموارد التي يرد عليها الإشكال، قد ذُكرت لها في مواضع أخرى حدود وقيود تجعلها مقبولة ومعقولة..

ونقول:

إن من الواضح: أن من يكتب شيئاً في مقالة ما، فإنه لا يصح له أن يطلب من الناس أن يقرأوا ما كتبه طول عمره، ليعرفوا ماذا يقصد بكلامه في مقالته تلك، وليس له أن يؤخر البيان عن وقت الحاجة، فيفصل بين مراده وبين الشاهد والقرينة عليه؟!

وما هو الداعي له ليجعل البيان في كتب أخرى، فإن الأولى هو إصلاح نفس الكتاب الذي يشتمل على الخطأ، ثمّ إعادة طباعته، أمّا تسجيل الإصلاح في كتب قد لا تصل إلى جميع من سيقرأ له؟! أو في محاضرة أخرى قد لا يسمع بها قرّاء مقالته تلك، ولا تمرّ عليهم؟! فلا أثر له، ولا يمكن أن يحل المشكلة، لا سيما مع تكرر صدور هذه المقولات عنه.

بل لماذا يجعل الجواب في موضع آخر من الكتاب نفسه، خصوصاً إذا كان ذا أجزاء عديدة، قد تصل إلى خمسة وعشرين جزءاً، حيث لا يخطر في بال الكثيرين أن يقرأوه كله، وإذا خطر ذلك لبعضهم، فقد لا يمكنه ذلك؟!

وهل يصح أن يقال: إنه من أجل معرفة المراد من آية قرآنية، لا بد من قراءة تفسير القرآن كله بجميع أجزائه؟!

ثم ما هي الضمانة في أن تصل تلك الموارد التي تتضمن الفكرة الصحيحة للأجيال اللاحقة؟! فلعلّها تضيع ـ كما ضاع غيرها ـ وتصل إليهم الأفكار التي هي موضع الإشكال.

6 ـ قد يقال لك في بعض الموارد: قد ذهب فلان من العلماء إلى هذا القول، أو إلى ذاك القول..

ولكن لماذا لا يقال لك: إن ألوفاً، بل عشرات الألوف على مرّ التاريخ، وكلّهم من كبار العلماء، وأفذاذ الرجال قد قالوا بخلافه؟!

ولماذا لا تلاحظ الحقيقة التي تقول: إن معالم المذهب إنما تؤخذ من مشهور علمائه، الذي يمتلك الأدلة القاطعة على ذلك، ولا يصح نسبة رأي شذّ به هذا العالم أو ذاك العالم إلى المذهب. فمثلاً لا يصح أن يقال: الشيعة يقولون ويعملون بالقياس، لأن واحداً من علمائهم كان يعمل به  ـ لو صحّت النسبة إليه  ـ  فإن رفض القياس معروف من مذهب الشيعة، فمن يقول به يكون مخالفاً للتشيع، حتى وإن كان ثمة عالم من السابقين يقول به، وإن الزواج المؤقت معروف من مذهب الشيعة، فلا يصح الخروج على ذلك، بحجة أن فلاناً العالم قد ذهب إلى رأي آخر.

ولو أردنا أن نجمع شذوذات العلماء إلى بعضها البعض، فقد يتكون لدينا مخلوق جديد، له مواصفات وحالات تجعله أعجوبة، ما دام أنه قد لا يشبه أيّاً مما نعرفه ونألفه.

على أن من الواضح: أن كثيراً من الأمور الإيمانية، لا بدّ أن تؤخذ من النصوص، وقد جمعت تلك النصوص من كتاب إلى كتاب، ومن عالم إلى عالم، في ذلك الزمان الصعب، وضم بعضها إلى بعض بصورة تدريجية، حيث تبلورت النظرة من خلال ذلك، وقد كان طبيعياً أن يتأخّر الإلتفات إلى بعض القضايا، أو أن يعطي عالم ما رأياً خاطئاً فيها، ولا سيّما إذا كانت من الأمور التفصيلية، أو تلك التي تحتاج إلى توثيق وتدعيم بالشواهد الكثيرة، والنصوص الغزيرة، خصوصاً إذا كان أمراً يقل التعرّض لذكره، أو يصعب الإنقياد له..

وكجزء من التمهيد نذكر ما يلي:

1 ـ عقائد الشيعة (متوارثة).

2 ـ عقائد الشيعة قد يكون فيها الخطأ.

3 ـ هل في عقائد الشيعة بدع؟!!

4 ـ أسعى لاقتحام المسلّمات.

لقد قُدّمَ إلى البعض سؤال يقول:

هناك فكرة لدى البعض مفادها لزوم ترك التحدّث في الأمور العقائديّة، حتى ولو كانت محل حاجة الناس الفكريّة، والإقتصار في ذلك على المجالس الخاصّة للعلماء، وذلك خوفاً من أن تتزلزل عقيدة العامة، فهل في الإسلام ما يبرّر كتمان العلم والإقتصار على تثقيف الخاصة وحسب، وما هو الصحيح في هذه الفكرة؟!

فاعتبر أنّ هذا الطرح قد جاء بدافع الخوف على موروثاتهم.. لا أنّه جاء بدافع الحرص على عدم إدخال الناس في بلبلة فكريّة واعتقاديّة، فهو يقول:

«يخاف البعض أن يؤدي طرح المسائل الفكرية والعقائدية إلى مس أفكار متوارثة قد تكون صحيحة وقد لا تكون».

ويقول:

«ليس من حق أيّ عالم أن يطرح القضايا التي تثير الجدل أمام الناس، وأن عليه أن يقتصر في ذلك على العلماء الذين يناقشهم ويناقشونه حذراً من (ضياع) الناس.

   وربما يلاحظ عليّ بعض إخواننا أنني أطرح القضايا وأثير التساؤلات في الهواء الطلق، ويعتبرون أن بعض الأفكار المطروحة قد تصدم الذهنية العامّة المتوارثة، ويرون أن ذلك خطأ، لأنه يولّد جدلاً ومشاكل تضعف عقائد الناس»([3]).

ثم بدأ يستدل على صوابية موقفه: بأن القرآن قد طرح أفكار المشككين في النبي «صلى الله عليه وآله»، كقولهم: ساحر، مجنون، وكاذب.. ثم قال:

«ولو أن كل مصلح أو عالم أخفى أفكاره عن الناس، فكيف ستصل الحقيقة إليهم»؟!([4]).

نعم، لقد قال هذا البعض ذلك، مع أن القرآن إنما ذكر أقوال المشركين في مقام الإنكار والتهجين لها، هذا مع أنها ليست أفكاراً وإنما هي شتائم.

ثم إن ذلك البعض خاطب الناس بقوله:

«لا تبيعوا عقولكم لأحد، ولا تبقوا على جمودكم على غرار ما ذكرته الآية الكريمة: ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ([5])، لأن كل جيل يجب أن ينفتح على الحقيقة وفق ما عقله وفكر به».

ولكن قد فات ذلك البعض: أن عدم إشراك العامّة في البحث الفكري والعقائدي ـ عند القائلين بذلك ـ إنّما هو في مرحلة التحقيق، لا في إطلاعهم على النتائج، ولا يلتزم القائلون بهذا القول، بعدم إشراك جميع الناس في ذلك، بل يقتصرون على من ليس عندهم الأهلية للتحقيق.

وهذا لا ينطبق على الأمور الفكرية والعقائدية فقط، وإنما على جميع العلوم، فلا يُتوقع أو يُطلب من باحث الطبّ أن يشرك أو يُطلع جميع الناس على تدرجه في البحث مرحلة فمرحلة، ولا الباحث الفيزيائي، ولا سواه في أي علم من العلوم، فلا معنى لقول البعض:

«لو أن كل مصلح أو عالم أخفى أفكاره عن الناس، فكيف ستصل الحقيقة إليهم».

فإنّ ثمرة جهد الباحثين والمحققين ستصل إلى الجميع، وتكون مشتركة بينهم، وتعمّهم فائدتها.

وسيأتي كلامه بنصه الحرفي والذي يعتبر فيه: أن المشكلة هي: أن الشيعة لا يريدون أن يتنازلوا عن شيء مما ورثوه.

   ثم يقول:

«إنني أشعر بأن مسؤولية العالم أن يظهر علمه إذا ظهرت البدع في داخل الواقع الإسلامي وخارجه، وإذا لم يفعل ذلك «فعليه لعنة الله» كما يقول النبي «صلى الله عليه وآله»، والله تعالى قال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ([6])»([7]).

إذن، فهو يرى: أن ما يطرحه هو البينات والهدى، وأن هناك بدعاً في عقائدنا، وأن عليه أن يظهر علمه لإزالتها، على أساس أنه لا يؤمن بأن الناس عوام يجب أن نبقيهم على جهلهم.

حيث يعقب ذلك بقوله:

«أنا لا أؤمن بأن الناس عوام يجب أن نبقيهم على جهلهم، إنما يجب أن نثقفهم ليعوا دورهم ومسؤولياتهم في الحياة وأمام الله تعالى.

إني أرى أن من الخطأ إثارة القضايا في المجالس الخاصة وحسب، بل لا بد من أن نثيرها في المجالس العامة بالطريقة التي تحقق للناس توازناً في فهمهم وأفكارهم، حتى يعيشوا ثقافة الإسلام بوعي وفهم وتدبر، لأن الله لم يخاطب الخاصة ليحولهم إلى طبقة مغلقة، ولكنه خاطب الناس والمؤمنين جميعاً.

وإذا كان بعض الناس يختلفون معي في الرأي أو في فهم القضايا، لأن لهم وجهة نظر أخرى، فليس معنى ذلك: أن آرائي التي أطرحها تؤدي إلى نتائج سلبية على مستوى الحقيقة أو في الواقع، بل قد تكون سلبية على مستوى آرائهم. وإذا كان هؤلاء لا يجدون مشكلة في طرح أفكارهم على الناس، لأنهم يرون صوابيتها، فما المشكلة في طرح أفكار أخرى يعتقد أصحابها بصوابيتها؟! علماً أن اختلافك مع الآخر لا يعني أنك تمثل الحق المطلق، ليكون الآخر في موقع الباطل المطلق».

إذن، فهو يعتبرها أفكاراً في مقابل أفكار، وآراء في مقابل آراء، ووجهات نظرٍ تقابلها وجهات نظرٍ أخرى، وعقائد موروثة.. وقد يكون فيها الخطأ.

غير أن الذي لم يتضح بعد، هو أنها إذا كانت كذلك، كيف ثبت له أن ما عدا أفكاره ووجهات نظره وآرائه هي بدع لا بد من إظهار علمه لإزالتها؟!

ومهما يكن من أمر، فإن ذلك يجعلنا نفهم ما يرمي إليه حين يعلن: أنه «يسعى لاقتحام المسلّمات»، فهو يقول:

«إنني أحاول أن أبحث عن الحقيقة، وأسعى إلى اقتحام المسلّمات، لأن المسلّمات قد تكون ناتجة من حال ذهنية معينة، وقد تصير مسلّمات وهي ليست كذلك. بعض الناس يخاف اقتحام المسلّمات وحتى اقتحام المألوف. ولكن عندما نريد أن نصنع تاريخنا وفكرنا علينا أن نفكر على أساس البحث عن الحقيقة ومراعاة واقع العصر».

وأضاف: «على صاحب التفكير المنفتح أن يتحمل ضربات التيار الذي يقف في وجهه، وأن يتحمل الرجم بالحجار الإجتماعية والسياسية»([8]).

المقصد الأول:


([1]) ندوة في مناسبة ولادة الزهراء في هذه السنة 1418 ه. ق. ( قاعة الجنان).

([2]) نشرة بينات العدد الصادر في 25 ـ 10 ـ 1996.

([3]) بينات العدد الصادر بتاريخ 25 ـ 10 ـ 1996.

([4]) المصدر السابق.

([5]) الآية 22 من سورة الزخرف.

([6]) الآية 3 من سورة التين.

([7]) نفس المصدر.

([8]) جريدة النهار بتاريخ 29/7/1997 م.

 
   
 
 

موقع الميزان