صفحة : 227-252  

الفصل السادس

بيت الأحزان..

بـدايـة:

إن هذا البعض يحاول أن ينكر وجود بيت الأحزان، الذي اتخذته السيدة الطاهرة المعصومة الزهراء «عليها السلام»، بعد منعها من قبل السلطة من البكاء، لأن ذلك يحرجهم، ويذكر الناس بأحداث يحبون أن لا يتذكرها أحد..

وقد بذل طاقات وجهوداً كبيرة، للاستدلال على نفي حصول حزن بمستوى يجعل الآخرين يتضايقون منه، ويلجئونها ـ من ثم ـ إلى الخروج من بيتها، ومن عند قبر أبيها، لتتخذ بيتا عرف ببيت الأحزان.

وفيما يلي نماذج من جهوده التي بذلها في هذا السبيل..

731 ـ لا حاجة إلى بيت الأحزان لتبكي الزهراء فيه.

732 ـ التاريخ الصحيح وغير الصحيح أفاض في الحديث عن أحزانها، وربما كان بعض هذا الحديث غير دقيق.

733 ـ حزنها القريب من الجزع على الرسول ينافي عصمتها.

734 ـ بكاؤها الشديد ينافي مكانتها وعظمتها.

735 ـ النبي أوصى فاطمة بالابتعاد عن الحزن الشديد.

يقول البعض:

«إنه لا حاجة إلى بيت الأحزان لتبكي فيه الزهراء، إذ لا يتصورها تبكي بحيث تزعج أهل المدينة ببكائها، ليطلبوا منها السكوت، لأن ذلك يعني أنها كانت تصرخ في الطرقات. والصراخ والإزعاج لا يتناسب مع مكانتها «عليها السلام»..».

وقال أيضاً:

«التاريخ الصحيح وغير الصحيح أفاض في الحديث عن أحزانها، وربما كان بعض هذا الحديث غير دقيق»([1]).

ويقول:

«يقول الإمام الصادق «عليه السلام» في ما رواه الكليني بسنده الصحيح عنه: عاشت بعد رسول الله «صلى الله عليه وآله» خمسة وسبعين يوماً لم تُرَ كاشرة ولا ضاحكة، تأتي قبور الشهداء في كل أسبوع مرتين، الاثنين والخميس، فتقول: ههنا كان رسول، وههنا كان المشركون([2]).

وفي رواية أخرى، عن الصادق «عليه السلام»: أنها كانت تصلي هناك، وتدعو، حتى ماتت([3]). وهذا المقدار من الحزن والبكاء يليق بمكانة الزهراء «عليها السلام»، ولا غضاضة فيه، لأنه حزن القضية الذي لا يلغي قيمة الصبر.

وأما ما أفاضت به بعض المرويات([4])، التي يقرأها بعض قراء العزاء، والتي تصور الزهراء وكأنها لا شغل لها إلا البكاء، فهذا ما نرسم حوله بعض علامات الاستفهام، لأني لا أتصور الزهراء «عليها السلام» إنسانة لا شغل لها في الليل والنهار إلا البكاء، ولا أتصور الزهراء، وهي المنفتحة على قيم الإسلام وعلى قضاء الله وقدره، إنسانة ينزعج منها أهل المدينة لكثرة بكائها كما تصوّر هذه الروايات حتى لو كان الفقيد على مستوى رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فإن ذلك لا يلغي معنى الصبر، لأن الصبر قيمة إسلامية تجعل الإنسان يتوازن ويتماسك في أشدّ الحالات قساوة وصعوبة. وهذا ما يجعلنا نعتقد أن حزن فاطمة «عليها السلام» كان حزن القضية وحزن الرسالة أكثر مما هو حزن الذات، لأنها كانت تستشعر بفقدها أبيها محمد «صلى الله عليه وآله» أنها فقدت الرسول الذي انقطعت بموته أخبار السماء، كما جاء في بعض كلماتها»([5]).

مشروعية البكاء وحدوده:

وزيادة في توضيح هذا الأمر، ودفعاً لبعض الالتباسات والاعتراضات نقول:

إن فراق رسول الله «صلى الله عليه وآله» لم يكن بالأمر الهيّن، لا سيما على ابنته السيدة الزهراء «عليها السلام»، التي أحست أكثر من غيرها بعظيم الفادحة وثقل المصيبة التي المت بالمسلمين بوفاة رسول الله ولهذا كان حزنها عليه أعظم الحزن، وبكاؤها عليه أعظم البكاء، وكانت تخرج إلى قبره الشريف مصطحبة ولديها الحسنين «عليهما السلام» لتبكي أباها، وكل الشهداء الذين سقطوا معه، لتذكّر المسلمين من خلال ذلك برسول الله «صلى الله عليه وآله» حتى لا ينسوه في غمرة الأحداث الكبيرة التي عاشوها، ولكنها لم تكن تستغرق وقتها في الليل والنهار في البكاء، ولا أنها كانت كل هذه المدة «يغشى عليها ساعة بعد ساعة»([6]).. وذلك:

2 ـ لأن الصبر كما أشرنا قيمة إسلامية كبرى. ومن الطبيعي أن تمثل الزهراء «عليها السلام» أعلى درجات الصبر من خلال مقامها الرفيع عند الله، فهي ككل أهل البيت «عليهم السلام» قدوتنا في الصبر، كما كان رسول الله «صلى الله عليه وآله» قدوة الناس كلهم في هذا المجال، وكما كان الرسل من قبله ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ([7]).

وهذا هو معنى التأسي بهم، فالحزن على المصاب، لاسيّما إذا كان أليماً له دوره في رقة القلب. ولكنّ للصبر عليه درجة عظيمة لا مخصص لها.. فإن قوله تعالى: ﴿وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ([8]).

وقوله: ﴿وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ([9])، لا يقبل التخصيص، والتقيد، فهو من العمومات الآبية عن ذلك، وكذلك قول الصادق «عليه السلام»: «الصبر رأس الإيمان».

وقوله الآخر: «الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا ذهب الرأس ذهب الجسد، كذلك إذا ذهب الصبر ذهب الإيمان»([10]). فإن هذا اللون من البيان يأبى التخصيص والتقييد كما يقول علماء الأصول.

2 ـ ولأن الزهراء «عليها السلام» كانت مشغولة في معظم وقتها بالدفاع عن حق علي «عليه السلام» في الخلافة، ومن أبرز مظاهر تحركها خطبتها في المسجد، وكلامها مع نساء المهاجرين والأنصار ورجالهن، وإذا صح الحديث بأنّ علياً «عليه السلام» كان يطوف بها على بيوت المهاجرين والأنصار أو جموعهم كما جاء في بعض الروايات. فهذا يعني: أنها كانت تتحرك بشكل يومي نحو تحقيق هذا الهدف الكبير، مما لا يترك لها مجالاً واسعاً للانصراف إلى البكاء والاستغراق فيه.

3 ـ إنّنا لا ننكر مشروعية البكاء إسلامياً، فقد بكى رسول الله على ولده إبراهيم([11])، وبكى يعقوب على يوسف «عليه السلام»([12]). ومن الطبيعي: أن تبكي الزهراء «عليها السلام» لأنها بشر، والبشر من طبعه البكاء عند فقد الأحبة، لكننا ننكر أن يتحول البكاء إلى حالة من الجزع أو ما يشبه الجزع بحسب الصورة التي تتلى في المجالس، ومفادها: «أن أهل المدينة ضجّوا من كثرة بكائها»([13]). وأنهم شكوا الأمر إلى علي «عليه السلام» وقالوا له: «إما أن تبكي أباها ليلاً أو نهاراً»، لأن هذه الصورة لا تليق بمكانة الزهراء في الواقع العام، ولا تنسجم مع عصمتها وعظمتها. كيف والجزع مذموم شرعاً وعقلاً. يقول أمير المؤمنين لبعض أصحابه وقد فقد ولداً: «إن صبرت جرى عليك القدر وأنت مأجور، وإن جزعت جرى عليك القدر وأنت مأزور([14])»([15]).

وقال أيضاً وهو يلي غسل رسول الله «صلى الله عليه وآله» وتجهيزه: «بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لقد انقطع بموتك ما لم ينقطع بموت غيرك من النبوة والإنباء، وأخبار السماء. ولو لا أنك أمرت بالصبر ونهيت عن الجزع لأنفذنا عليك ماء الشؤون»([16]).

«وأما ما جاء في بعض النصوص، مثل ما روي عن أمير المؤمنين عندما وقف على قبر رسول الله «صلى الله عليه وآله» ساعة دفنه أنه قال: «إن الصبر لجميل إلا عنك، وإن الجزع لقبيح إلا عليك، وإن المصاب بك لجليل، وإنه قبلك وبعدك لجلل»([17])، فمحمول على شدّة الحزن وعظيم الفاجعة والمصيبة، وإلا فحسن الصبر وقبح الجزع لا يقبلان الاستثناء والتخصيص كما أشرنا.

إن هناك وصية خاصة من رسول الله لابنته فاطمة في هذا الخصوص، وهي ما رواه الصدوق بإسناده عن عمرو بن أبي المقدام، قال سمعت أبا الحسن وأبا جعفر «عليه السلام» يقول في هذه الآية: ﴿وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ([18])، قال: «إن رسول الله قال لفاطمة «عليها السلام»: «إذا أنا مت فلا تخمشي عليّ وجهاً، ولا ترخي عليّ شعراً، ولا تنادي بالويل ولا تقيمي عليّ نائحة».

ثم قال: هذا المعروف الذي قال الله عز وجل في كتابه: ﴿وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ﴾»([19]).

«ونستوحي من هذا الحديث التحفظ عما نسب إلى سيدتنا فاطمة الزهراء من الحزن الذي يقرب من الجزع، لأن هذه الوصية تدل على أن النبي «صلى الله عليه وآله» أراد لها أن تبتعد عن مظاهر الحزن الشديد.

5 ـ إن الزهراء «عليها السلام» نفسها أمرت نساء بني هاشم اللاتي جئن يساعدنها عند وفاة أبيها «صلى الله عليه وآله» بأن يقتصرن على الدعاء، ففي الكافي بإسناده عن أبي عبد الله «عليه السلام»، عن أمير المؤمنين قال: «مروا أهاليكم بالقول الحسن عند موتاكم، فإن فاطمة «عليها السلام» لما قبض أبوها «صلى الله عليه وآله» اسعدتها بنات هاشم فقالت: اتركن التعداد وعليكن بالدعاء»..»([20]).

ونستوحي من هذا الحديث: أن الزهراء «عليها السلام» كانت متوازنة إبّان وفاة أبيها، رغم فداحة المصيبة.

وأما ما قد يقال: بأنها كانت تبكي إظهاراً: لمظلوميتها ومظلومية زوجها، وتنبيها على غصب حق أمير المؤمنين «عليه السلام» في الخلافة، وحزناً على المسلمين بعد انقلاب جملة منهم على أعقابهم، فيرد عليه:

أولاً: إن إظهار ذلك لا ينحصر بالبكاء، بل يتحقق في خطبتها في المسجد، وفي أحاديثها الصريحة مع المسلمات والمسلمين، وفي حديثها مع أبي بكر وعمر اللذين تحدثت معهما عن غضبها عليهما من خلال غصبهما فدكا وغصبهما للخلافة([21]).

وثانياً: إن الأحاديث الواردة في كلامها أو التي تحدثت عن بكائها استهدفت ذكرى رسول الله «صلى الله عليه وآله».

إننا نرى: أن أهل البيت «عليهم السلام» قمة في العطاء والصبر، وفي مقدمتهم السيّدة الزهراء «عليها السلام»، التي تمثل القدوة في الصبر حتى في طريقة بكائها، فهي تبكي بكاء الصابرين الرساليين الشاكين إلى الله سبحانه وتعالى.

نعم.. إن بكاء علي بن الحسين «عليه السلام» كان إظهاراً لمظلومية أبيه الإمام الحسين «عليه السلام»، لأن زين العابدين «عليه السلام» كان يتحدث عن مظلومية أبيه، وهو يبكيه، لكي يتذكر الناس الواقعة ويدفعهم ذلك إلى الثورة على بني أمية.

الحزن الرسالي:

ومحصل ما نريد قوله: إن الزهراء «عليها السلام» لم تعرف الفرح في الفترة القصيرة التي قضتها بعد وفاة أبيها رسول الله «صلى الله عليه وآله»([22]). لكن حزنها كان حزناً إسلامياً.. لم يكن جزعاً ولا ابتعاداً عن خط التوازن.

والرواية التي يمكن الوثوق بها في هذا المقام هي التي تقول: إنها كانت تخرج في الأسبوع مرة أو مرتين إلى قبر النبي «صلى الله عليه وآله» وتأخذ معها ولديها الحسن والحسين «عليهما السلام»، وتبكيه هناك، وتتذكر كيف كان يخطب هنا، وكيف كان يصلي هناك، وكيف كان يعظ الناس هنالك([23]).

وأرادت بذلك أن تعيد للأمة الغارقة في متاهات الدنيا رسول الله «صلى الله عليه وآله» في معناه الرسالي، ولذا لم تتحدث عنه «صلى الله عليه وآله» في ما نقل في الروايات الموثوقة حديثاً عاطفياً شخصياً لأنها كانت الرسالة مجسدة»([24]).

وقفة قصيرة:

إننا قبل كل شيء نذكّر القارئ بما أوردناه في كتابنا: مأساة الزهراء ص 336، فليراجعه القارىء الكريم إن أحب.. ثم نقول:

إن من يقرأ هذا البحث الطويل العريض يشعر بمدى اهتمام هذا البعض في إسقاط الحقيقة التاريخية التي تقول: إن فاطمة كانت تظهر الحزن الشديد على أبيها، وإن السلطة قد تضايقت من ذلك، لأنه يذكّر الناس بمقامها منه، ويذكر الناس أيضاً بما جرى عليها من ضرب وإهانات، وإسقاط جنين، ومن هتك لحرمتها..

نعم.. لقد تضايقت السلطة من ذلك فبادرت إلى منعها من البكاء بحجة واهية، وغير صحيحة، وهي أن بكاءها يؤذي الناس الذين يزورون المسجد الذي هو النقطة المركزية للمدينة كلها. وفيه يجتمع الناس للعبادة وللسياسة، وللحديث في مختلف الشؤون..

ونتيجة هذا الجهد المبذول منه هي تبرئة السلطة من هذا العمل الذي لا يرضاه وجدان أي إنسان، وان الإطلاع عليه، من قبل أي كان من الناس، يفتح باباً واسعاً امام كل أحد لمعرفة المحق من غيره، والمعتدي من المعتدى عليه..

2 ـ إن جميع ما استدل به هذا البعض هنا لا يصلح (حسب قواعده هو) لإثبات ما يريد إثباته. لأنه يعتمد على روايات لا تستطيع أن تكون دليلاً قاطعاً، ومفيداً لليقين في هذا الأمر التاريخي الذي يشترط هو فيه اليقين والقطع على أساس الدليل اليقيني، ولا يكتفي فيه بخبر الواحد، ولا بمطلق ما هو حجة عنده.

3 ـ إن أدلته التي ساقها لاثبات ما يرمي إليه تخالف ما حكاه لنا القرآن الكريم عن يعقوب «عليه وعلى نبينا وآله الصلاة والسلام»، فإنه قد بكى على ولده حتى ابيضت عيناه من الحزن، وكان مثابراً على ذكره حتى قال له أبناؤه:

﴿قَالُوا تَاللهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ([25]).

وكان يعقوب معززاً مكرماً، لم يتعرض لأي إساءة من أحد.. بخلاف الزهراء، المقهورة المظلومة التي تعرضت للضرب وللإهانة، والاضطهاد ساعة دفن أبيها صلوات الله عليه وآله.

كما أن يعقوب «عليه السلام» لم يكن يملك دليلاً على موت ولده، بل ربما كان يعلم أنه لا يزال حياً([26]).. أما رسول الله «صلى الله عليه وآله» فقد مات مهموماً مغموماً، يرى ما آلت إليه الامور في تجهيز جيش اسامة، ويسمع وهو في مرض موته مقولة من قال: إن النبي ليهجر، ويعلم ماذا سيجري على وصيه وعلى ابنته بعد وفاته، وقد تضافر الحديث عنه بأنه لم يزل يخبر علياً به، ويأمره بالصبر..

3 ـ إن دعبل الخزاعي ينشد قصيدته التائية بحضرة الإمام الرضا «عليه السلام»، وقد ورد فيها:

أفاطم لو خلـت الحسين مجدلاً           وقد مـات عطشاناً بشط فرات

إذن للطمت الـخد فاطم عنده      وأجريت دمع العين في الوجنات

وقد أقره الإمام الرضا على قوله، ولم يعترض، ولو بأن يقول له: إن جدتي فاطمة لا تفعل ذلك بل نجد أنه «عليه السلام» ـ حسبما ورد في نصوص هذه الحادثة ـ قد زاد بيتين في هذه القصيدة وهما:

وقبر بطوس يـا لـها مــن مصيبة              ألحت على الأحشاء بالزفرات

إلى الحشر حتى يبعث الله قـائماً                      يفرج عنـا الهم والكربـات

4 ـ إن هذا البعض يصوّر القضية، وكأن أهل المدينة قد انزعجوا حقاً من بكاء الزهراء.. ويجعل ذلك مبرراً لنفيه أن يكونوا قد منعوها من البكاء وإظهار الحزن، بحجة أن بكاء كهذا لا ينسجم مع شخصية الزهراء.. ومع اهتماماتها «عليها الصلاة والسلام».

مع أن الحقيقة هي: أن السلطة هي التي انزعجت من بكاء الزهراء، وهي ترى أن الناس حين يأتون إلى المسجد، فانهم يبادرون إلى السلام على رسول الله، وما إلى ذلك، فيرون هناك ابنته الحزينة المقهورة، ويتذكرون ما جرى عليها من ضرب، وهتك لحرمة بيتها، ومن إسقاط جنين واقتحام وغيره..

فأعلنت هذه السلطة ـ وربما تكون حرضت بعض أتباعها ـ على إعلان الشكوى، والمطالبة بإخراج من يزعجهم من هذا المكان الحساس جداً بالنسبة إليهم، والذي لو استمر الحال على ما هو عليه، فلربما يؤثر في تغيير مجرى الأمور في غير صالحهم..

5 ـ وعلى هذا الأساس نقول:

إنه لم يكن ثمة جزع مذموم، ولا مخالفة لفضيلة الصبر، كما لم يكن ثمة نواح ونحيب، أو ولولة، ولا كانت الزهراء تجوب الشوارع والأزقة صارخة باكية، بحيث ينزعج الناس منها، وإنما كانت تجلس في بيتها؛ وإلى جنب قبر أبيها، ومن كان يدخل، يجد ابنة رسول الله «صلى الله عليه وآله» هناك. فيرى حالها، ويتذكر ما جرى لها، حسبما ألمحنا إليه.

6 ـ وبعد ما تقدم، وبعد أن علمنا: أنها «عليها السلام» كانت الصابرة المجاهدة التي لم يخرجها غضبها وحزنها عن صراط الطاعة لله نقول:

إن حزن الزهراء إنما كان على الإسلام، كما أن ما جرى عليها وما نالها من أذى لم يكن يؤذيها من حيث ما نشأ عنه من آلام جسدية.. بقدر ما كان يؤذيها بما كان له من آثار على الدين، وعلى الأمة.. ومن جرأة على الله ورسوله..

7 ـ وما هو الضير بعد هذا في أن يستغرق هذا الحزن ليلها، ونهارها، أو أن يُغشى عليها ساعة بعد ساعة، كما ورد في الأحاديث؟! فإن ذلك لم يكن جزعاً على شخص، بل كان حزنا على ما أصاب الدين من وهن، وما ألم به من انتكاسات خطيرة..

8 ـ إذن، فلا معنى لتصوير هذا الحزن على أنه حزن بنت على أبيها، من خلال علاقة البنوة بالأبوة. لكي نطالبها بالتزام الصبر على المصاب بالشخص.

9 ـ إن القول بأن الصبر على المصاب درجة عظيمة، وأن أوامر الصبر غير قابلةٍ للتخصيص، يصبح بلا مورد، فإن الحزن لم يكن على الشخص بما هو أب وفقيد.. بل كان الحزن على الإسلام بما هو مطعون وقتيل وشهيد..

10 ـ إن انشغال الزهراء «عليها السلام» في معظم وقتها بالدفاع عن علي «عليه السلام».. لا يشغلها عن الحزن حيث يجب أن تحزن، كما يريد البعض أن يدعي..

كما أن حق علي في الخلافة لا يدل على أن حزنها لم يكن شديداً وشاملاً، فان حزنها كان اعظم وسائل الدفاع عن هذا الحق. وحفظه، وبيان أنهم قد أخذوا ما أخذوه ظلماً وعدواناً..

11 ـ إن بكاء الزهراء لم يكن من خلال أنها بشر تبكي عند فقد الأحبة كما يقول البعض.. بل من خلال: أن رسالتها هي الإعلان بهذا الحزن، وإظهار الرفض لما جرى من عدوان عليها. وهتك لحرمتها من أجل اغتصاب حق الأمة الذي جعله الله لها، بأن تكون الخلافة لأمير المؤمنين «عليه السلام»..

إذن، فما معنى الحديث عن الجزع في هذا المقام؟! فإنها لم تجزع على شخص، بل كان حزنها على الرسالة، وعلى الدين، وعلى الأمة..

12 ـ وحتى لو كان جزعها على شخص أبيها، فانه ليس كل جزع مذموماً، بل المذموم منه هو الذي يمثل اعتراضاً على قضاء الله وقدره، وعدم الرضا به..

وأما الجزع الذي يعبر عن الحب للرسول. وعن الحزن على ما أصاب الدين ورموزه، فانه يمثل أقصى حالات الطاعة لله، والانقياد إليه، والحب له. وهو من العبادات التي ورد الأمر بها، ووعد الله بالثواب الجزيل عليها.

وقد ورد ذلك في روايات كثيرة، منها ما هو صحيح ومعتبر.. فما معنى الخلط بين ذاك الجزع المذموم، وهذا الجزع المحبوب والمطلوب.

13 ـ وأما ما نسب إلى أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام، من أنه قال، وهو يلي غسل رسول الله «صلى الله عليه وآله» وتجهيزه: لولا أنك أمرت بالصبر، ونهيت عن الجزع لا نفذنا عليك ماء الشؤون([27]).

فيرد على الاستدلال به:

أولاً: إن هناك ما يعارض هذه الرواية، وهو ما ذكره هذا البعض نفسه أيضاً، حيث ذكر ما روي من أنه «عليه السلام» وقف على قبر رسول الله «صلى الله عليه وآله» ساعة دفنه، فقال: «إن الصبر لجميل إلا عنك، وإن الجزع لقبيح إلا عليك»([28]).

والملفت للنظر هنا أمران:

أحدهما: أن هذا البعض قال عن النص الأول: «وقال أيضاً، وهو يلي غسل رسول الله إلخ..».

ولكنه بالنسبة لهذا النص الثاني قال:

«وأما ما جاء في بعض النصوص، مثل ما روي عن أمير المؤمنين «عليه السلام»..».

فتراه يرسل الأول إرسال المسلمات، ويتحدث عن الثاني بطريقة أخرى، تقلل من قيمته بالمقايسة مع النص الأول..

الثاني: أن النصين معا موجودان في نهج البلاغة، ولكن المذكور في هامش الكتاب الذي يمثل كل فكر البعض عن الزهراء.. هو الإشارة إلى أن مصدر الأول هو نهج البلاغة.. وكلنا يعلم مدى اهتمام الناس بنهج البلاغة، وخضوعهم لمضامينه، وانقيادهم لها.

والإشارة إلى أن مصدر الثاني هو البحار.. الذي لم يزل يواجه حملات التوهين لمضامينه، والتشكيك بما فيه، من قبل هذا الفريق الذي يدين بالولاء لهذا البعض الذي نحن بصدد تعريف الناس بمقولاته..

ثانياً: من الذي قال: إن وجه الجمع بين حديثي: «نهيت عن الجزع ـ وإن الجزع لقبيح إلا عليك» هو حمل الثاني على انه كناية عن شدة الحزن، كما قال البعض؟!

ولماذا لا يكون العكس، فيقال: إن الحزن الذي نهي عنه هو الحزن الذي يسقط معه الجازع أمام المصاب.. إذ ليس ثمة مصاب يستحق السقوط امامه، إلا إذا كان برسول الله «صلوات الله وسلامه عليه وآله»، أو بمثل فاجعة الحسين «عليه السلام» في كربلاء..

أو يقال: إن الجزع على غير الرسول ص حين يستبطن الاعتراض على قضاء الله، فانه يصبح مذموماً..

أما حين يكون حزناً على الرسول بما هو رسول، فذلك عبادة وتقرب إلى الله سبحانه كما كان حزن يعقوب عليه وعلى نبينا وآله السلام على ولده النبي يوسف «على نبينا وآله، وعليه صلوات الله وسلامه». فإنه إنما حزن عليه بما أنه رسول اصطفاه الله، لا يصح أن يصاب بما أصيب به من كيد من قبل إخوته.. فإن ما حدث قد كان في مستوى الكارثة التي استهدفت نبياً من الأنبياء بعثه الله لهداية الأمة بأسرها.

ثالثاً: ما ادعاه من أن قبح الجزع وحسن الصبر لا يقبلان التخصيص والاستثناء، غير مقبول..

فإن.. الجزع إن كان على الرسول بما هو رسول، وعلى الإسلام، كان طاعة ومحبوباً لله سبحانه..

والذي لا يقبل الاستثناء هو ذلك الذي يستبطن الاعتراض على الله سبحانه في قضائه وقدره..

رابعاً: قد وردت روايات صحيحة وصريحة في حسن الجزع على مصاب الإمام الحسين «عليه السلام». فلو كان قبيحاً ذاتاً، كالظلم لم يكن معنى لهذا الاستثناء.. كما أنه لو كان كذلك لا ستهجنه الناس ورفضوه. ورفضوا روايته عنهم «عليهم السلام». وقد تقدمت قصيدة دعبل التي أنشدها بحضرة الإمام الرضا عليه الصلاة والسلام..

كما أننا قد ذكرنا هناك: أنه «عليه السلام» قد زاد بيتين في قصيدته يرتبطان بالبكاء عليه «صلوات الله وسلامه عليه». فراجع..

بل هذا البعض نفسه يشترط كون حكم العقل قطعياً، فهو يقول:

«عندما ندعو إلى قراءة التاريخ بموضوعية، ندعو قبل ذلك إلى تنمية الذهنية الموضوعية، التي تتحرك بدون أفكار مسبقة، بل تلاحظ ما يقوله العقل القطعي لتأخذ به. وليس كل ما يعتبره البعض حكماً عقلياً فهو في الحقيقة حكم عقلي.. لا بد أن نعتمده، ونؤول النصوص على ضوئه. بل إن تصوراتهم قد يعتبرونها حكماً عقلياً..»([29]).

فنحن نلزم هذا البعض هنا بما ألزم به نفسه. ونعتبر أن حكمه بإباء حكم العقل عن التخصيص في مورد الجزع غير دقيق..

خامساً: من أين ثبت لهذا البعض: أن حزن فاطمة «عليها السلام»، الذي نهاها الحكام عنه، قد بلغ إلى درجة الجزع، ليستدل بالروايات الناهية عن هذا الأمر، وبالروايات الآمرة بالصبر عند المصاب؟!

سادساً: إن هذا البعض نفسه يقول عن حزنها: «الحزن الذى يقرب من الجزع»، فهل الحزن الذي يقرب من الجزع حرام؟! وما الدليل على ذلك؟!

14 ـ وأما عن وصية النبي «صلى الله عليه وآله» للزهراء: لا تخمشي علي وجهاً الخ.. التي استدل بها البعض..

فإننا نقول:

أولاً: إن الزهراء حين بكت بعد رسول الله، وطال حزنها، وأظهرت هذا الحزن.. لم تخالف وصية رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فهي:

ألف: لم تخمش عليه وجهاً.

ب: ولم ترخ عليه شعراً.

ج: لم تناد بالويل.

د: لم تقم عليه نائحة..

فما معنى الاستدلال بهذه الرواية؟!

ثانياً: لا معنى لاستيحاء هذا البعض من هذه الوصية: أن النبي «صلى الله عليه وآله» أراد لفاطمة أن تبتعد عن مظاهر الحزن الشديد..

فإن الوصية قد ذكرت أموراً محددة أمرها بالابتعاد عنها، وكل ما عدا ذلك مما جاء به هذا البعض فهو رجم بالغيب، ومخالف لإطلاق النص.

ثالثاً: إن هذه الوصية ـ لو صحت سنداً ـ فإنما هي تاريخ وهي خبر واحد، لا يفيد اليقين الذي يشترطه هذا البعض في غير الأحكام..

رابعاً: إن الوصية قد ذكرت كلمة «عليَّ» ثلاث مرات. فالنهي إنما هو عن ممارسة هذه الأمور بعنوان كونها عليه كشخص، لا مطلقاً حتى ولو كان الحزن على الإسلام، وعلى الأمة..

خامساً: إن حزن يعقوب.. الذي بلغ إلى درجة أنه قد عمي بسببه خير شاهد على مشروعية هذا المستوى من الحزن، إذا كان على الرسالة والرسول.

15 ـ وأما بالنسبة لأمرها نساء بني هاشم اللواتي جئن يساعدنها بالاقتصار على الدعاء كما يستدل به هذا البعض فيرد على الاستدلال به:

أولاً: أنه لا يفيد اليقين الذي يشترطه هذا البعض ـ حتى لو فرض أن سنده صحيح.

ثانياً: أنهن جئن ليساعدنها على النواح على أبيها كشخص، وأين بكاؤهن من بكائها هي الذي كان بكاء على الرسالة؟! وقد أشار علي «عليه السلام» إلى أن هدفهن كان البكاء على الشخص، فقال: مروا أهاليكم بالقول الحسن عند موتاكم، فإن فاطمة الخ..

ثالثاً: إن هذا الذي يفعلنه في بكائهن هو أحد مفردات الوصية التي تحدثنا عنها آنفاً، فلا مجال لأن تسمح لهن بأكثر من ذلك..

16 ـ وقد ذكر البعض:

«أن إظهار مظلوميتها لا ينحصر بالبكاء، بل يتحقق في خطبتها في المسجد، وفي أحاديثها مع الناس. وفي حديثها مع الشيخين حين جاءا ليسترضياها».

ونقول:

ألف: إن عدم انحصاره بالبكاء لا يعني أن لا تلجأ إلى البكاء، باعتباره الوسيلة الأشد تأثيراً..

ب: إن استعمالها للبكاء لا يعني إلغاء غيره من الوسائل، فهي تستعمل كل وسيلة ممكنة من أجل الدفاع عن الحق والدين..

ج: إن إتمام الحجة إذا تحقق، فان الكلام يكون قد استنفد أثره. أو كاد.. وإذا كان الجميع يعلم بما جرى، فإن إدراك عمق الجرح وإدراك استمرار حالة الألم والمرارة في نفس وقلب بضعة المصطفى «صلى الله عليه وآله»، هو الذي يحرك معرفتهم بما جرى لتزحف نحو أحاسيسهم ومشاعرهم، وتثيرها. لتتجسد موقفاً رسالياً صلباً، في الموقع المناسب..

وهذا بالذات هو ما كانت السلطة تخشاه، وتحاذر منه، وتعمل على التخلص منه، فكان أن أخرجتها من بيتها، ومنعتها من البكاء.

17 ـ إن تكذيب هذا البعض حقيقة أن يكون حزنها على الرسالة، استناداً إلى أنها هي نفسها قد صرحت: بأن بكاءها كان لأجل الرسول، لا لأجل الرسالة..

غريب وعجيب..

فأولاً: إن البكاء على الرسول بكاء على الرسالة، وإعلام للناس بأن ما أصاب الرسالة قد كان حين فقده. ولو أنه كان موجوداً فلن يجرؤ أحد على القيام بأي شيء مما قاموا به ضدها وضد علي «عليه السلام» من أجل اغتصاب الحق.

وثانياً: هل ثبت له أنها قالت ذلك بطريقة أفادته اليقين والعلم بصدور ذلك منها، وفقاً لشروطه هو في أمثال هذه الموارد؟!

ثالثاً: إن من يراجع ما جرى عليها يجد: أنها كانت تستنجد بأبيها، وتلهج باسمه في أشد الحالات، وفي أحلك الظروف التي تواجهها.. ولعل بعض ما تهدف إليه من ذلك هو أن يتذكروا أقواله لها وفيها، وأن يعرفوا حجم الجريمة التي يرتكبونها، لأنها في كل أبعادها ومختلف مظاهرها تستهدف الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، وهي عدوان صريح عليه هو قبل أن تكون عدواناً عليها، ولأجل ذلك نجد أنها كانت في الأزمات تنادى أباها، ولا تنادي علياً.

فحين وجأ عمر جنبيها نادت: وا أبتاه.

وحين ضرب ذراعها نادت: «يا رسول الله لبئس ما خلفك به الخ..

وفي نص آخر صاحت: يا أبتاه..

وحين دخلوا عليها بغير إذن، وما عليها خمار نادت بنفس هذا النداء..»([30]).

وحين ضربها على خدها حتى بدا قرطاها تحت خمارها وهي تجهر بالبكاء وتقول:

«وا أبتاه، وا رسول الله، ابنتك تكذب وتضرب، ويقتل جنين في بطنها»([31]).

وعن النبي «صلى الله عليه وآله»: «كأني بفاطمة بنتي، وقد ظلمت بعدي، وهي تنادي يا أبتاه، فلا يعينها أحد من أمتي»([32]).

وأنشدت مخاطبة أباها:

قد كـان بعدك أنبـاء وهنبـثة      لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب

إنا فقدناك فقـد الأرض وابلها                    واختل قومك فـاشهدهم ولا تغب

وأنشدت أيضاً:

ضاقت عليّ بلاد بعدما رحب                      وسيم سبطاك خسفاً فيه لي نصب([33])

18 ـ ان هذا البعض قد ذكر:

«أن بكاء السجاد «عليه السلام» كان إظهاراً لمظلومية أبيه الإمام الحسين «عليه السلام»، لكي يتذكر الناس الواقعة، ويدفعهم إلى الثورة على بني أمية..».

وهذا هو عين ما نقوله عن بكاء الزهراء، فإنه كان إظهاراً لمظلوميتها التي تمثل عدواناً على رسول الله «صلى الله عليه وآله» لكي يتذكر الناس الواقعة، ويدفعهم ذلك إلى الثورة على من فعل ذلك..

19 ـ ونقول أخيراً:

إنه قد أصاب حين قال: إن حزن فاطمة الذي منعت منه «كان حزناً إسلامياً.. لم يكن جزعاً، ولا ابتعاداً عن خط التوازن».

لكنه أخطأ حين قال:

«إن الرواية التي يمكن الوثوق بها في هذا المقام هي التي تقول: إنها كانت تخرج في الأسبوع مرة، أو مرتين إلى قبر النبي «صلى الله عليه وآله»، وتأخذ معها ولديها الحسن والحسين، وتبكيه هناك، وتتذكر كيف كان يخطب هنا، وكيف كان يصلي هناك، وكيف كان يعظ الناس هنالك».

إذ يرد عليه:

أولاً: إننا فيما تتبعناه من روايات لم نجد ما ذكره في أي مصدر من المصادر، إلا ما رواه الكليني: من أنها «عاشت بعد رسول الله «صلى الله عليه وآله» خمسة وسبعين يوماً لم تُرَ كاشرة، ولا ضاحكة، تأتي قبور الشهداء في كل أسبوع مرتين: الاثنين والخميس، فتقول: ها هنا كان رسول الله، وها هنا كان المشركون»([34]).

وهذه الرواية تختلف كثيراً عما ذكره، واعتبره الرواية التي يمكن الوثوق بها، فمن أوجه الاختلاف بينهما:

ألف: ليس فيها هذا الترديد: مرة أو مرتين.

ب: ليس فيها: أنها تأخذ معها الحسن والحسين.

ج: ليس فيها: أنها تبكي رسول الله هناك.

د: ليس فيها: أنها تتذكر: كيف كان يخطب، وكيف كان يصلي، وكيف كان يعظ الناس.

هـ: ليس فيها: أنها كانت تخرج إلى قبر النبي «صلى الله عليه وآله».

فمن أين أتت هذه المعلومات، وفي أي خبر قرأها، وفي أي كتاب.. لا ندري!! نعم، لا ندري!!.

ثانياً: إن بيت الزهراء كان في المسجد، وقد دفن رسول الله «صلى الله عليه وآله» في نفس ذلك البيت..

فما معنى قوله في روايته:

«إنها كانت تخرج، وتأتي قبره، وتأخذ معها ولديها الحسن والحسين.. وتبكيه (هناك)»؟!

ثالثاً: إن هذا الخبر الذي اعتبره موثوقاً.. وفيه كل هذه التفاصيل كيف ثبتت له وثاقته.. وهل هو ـ لو صح ـ إلا خبر واحد لا يفيد اكثر من الظن.. وهو يشترط اليقين والقطع في الاخبار التاريخية وغيرها، باستثناء الاحكام الشرعية.

وقد قلنا: إن هذا الإشتراط معناه إسقاط ما لدى هذا البعض من معلومات تاريخية وعقائدية وكونيات وو وو الخ.. إسقاطها ـ عن الاعتبار، وليصبح من ثم عاجزاً عن إثبات اكثر القضايا، والأحداث والمعارف الإيمانية.. بل إن ذلك يجعله عاجزاً عن الحديث وعن الخطابة التي يشرح فيها للناس تاريخ الإسلام وحقائقه وما إلى ذلك .

 

([1]) من شريط مسجل بصوته.

([2]) الكافي ج4ص 561 بحار الأنوارج43 ص195 وعوالم الزهراء ص447.

([3]) الكافي ج4 ص561.

([4]) جاء في مرفوعة محمد بن سهل البحراني عن أبي عبد الله «عليه السلام» في حديث البكاؤون الخمسة: «وأما فاطمة، فبكت على رسول الله  «صلى الله عليه وآله»  حتى تأذى بها أهل المدينة فقالوا لها قد آذيتنا بكثرة بكائك فكانت تخرج إلى المقابر. مقابر الشهداء. فتبكي حتى تقضي حاجتها ثم تنصرف». عوالم الزهراء ص448.

([5]) بحار الأنوار ج43 ص207 وجاء فيها: «يا أبتاه انقطع عنّا خبر السماء».

([6]) كما جاء في بعض الروايات، راجع: بحار الأنوار ج43 ص187 وعوالم الزهراء ص451.

([7]) الآية 35 من سورة الأحقاف.

([8]) الآية 146 من سورة آل عمران.

([9]) الآية 46 من سورة الأنفال.

([10]) أصول الكافي ج2 ص87.

([11]) إقناع اللائم على إقامة المأتم (ط مؤسسة المعارف الإسلامية ـ قم ـ إيران 1418هـ) ص114.

([12]) م.ن ص86.

([13]) تقدم الحديث في الهامش رقم 1 من الصفحة 64.

([14]) الوزر: الإثم.

([15]) بحار الأنوار ج79  ص134.

([16]) نهج البلاغة، الخطبة 235 والشؤون منابع الدمع في الرأس.

([17]) بحار الأنوار ج79 ص134.

([18]) الآية 12 من سورة الممتحنة.

([19]) معاني الأخبار للشيخ الصدوق (منشورات جماعة المدرسين ـ قم ـ إيران) ص39.

([20]) الكافي ج3 ص217 رواية 6 ورواه الصدوق في الخصال ص610 رواية 1.

([21]) عوالم الزهراء ص445.

([22]) وقد مرّ أنها لم تر كاشرة ولا ضاحكة. راجع: بحار الأنوار ج42 ص185 والكافي ج4 ص561.

([23]) م. ن.

([24]) الزهراء القدوة ص72 ـ 79.

([25]) الآية 85 من سورة يوسف.

([26]) فإنه قال: ﴿عَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا﴾[ الآية 83 من سورة يوسف]. وقال: ﴿إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ﴾[ الآية 94 من سورة يوسف]. وقال: ﴿يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ﴾[الآية 87 من سورة يوسف].

      بل في الروايات ما يدل على أنه كان يعلم أنه حي، فقد روي: أن بعضهم سأل الإمام زين العابدين «عليه السلام»: يا بن رسول الله إلى متى هذا البكاء؟!

فقال «عليه السلام»: إن يعقوب بكى على يوسف حتى ابيضت عيناه من الحزن وهو يعلم أنه حي، وأنا رأيت أبي وسبعة عشر من أهل بيتي ليس لهم على الأرض شبيه يذبحون كما تذبح النعاج  الخ..

([27]) نهج البلاغة الخطبة رقم 235 وأمالي الزجاج ص112 وأمالي المفيد ص60.

([28]) بحار الأنوار ج79 ص134 ونهج البلاغة الحكمة رقم 292 وراجع دستور معالم الحكم ص198 وغرر الحكم ص103 ونهاية الارب ج5 ص196 وتذكرة الخواص.

([29]) الزهراء القدوة ص43.

([30]) راجع: بحار الأنوار ج28 ص269 و 270 و 299 وج43 ص197.

([31]) بحار الأنوار ج53 ص19.

([32]) بحار الأنوار ج43 ص156 عن المفيد.

([33]) راجع: بحار الأنوار ج43 ص196 والبيتان الأولان عن الكافي والبيت الأخير عن مناقب آل أبي طالب.

([34]) الكافي ج4 ص561 وبحار الأنوار ج43 ص195 وعوالم الزهراء ص447.

 
   
 
 

موقع الميزان