الفصل السابع
وعصمتها أيضاً؟!!
لم تقتصر مقولات هذا البعض على التشكيك والنفي لما جرى
على سيدة النساء فاطمة الزهراء «عليها السلام» من مصائب وبلايا بعد
أبيها المصطفى «صلى الله عليه وآله» ، بل طالت حتى مقامها ومكانتها
الدينية ومنزلتها عند الله تعالى، فها هو بعد كل ما تقدم من تشكيك ونفي
يتعرض لكلام حول عصمتها «عليها السلام» بما لا يمكن أن ينسجم مع ما هو
المعروف من مذهب الإمامية قاطبة «رضوان الله تعالى عليهم» في مكانتها
ومنزلتها عند الله تعالى وعصمتها، والنماذج التالية من كلمات البعض سوف
تظهر هذا الأمر بجلاء ووضوح، فإلى بعض من تلك العبارات، ومن الله
السداد والتوفيق.
736 ـ تكذيب السيدة الزهراء في تفسير
آيات الإرث.
737 ـ سليمان يرث أباه في امتداد حركة
النبوة فيأخذ موقعه.
738 ـ وراثة سليمان لداود لا بمعنى الإرث المادي.
يقول البعض:
﴿وَوَرِثَ
سُلَيْمَانُ دَاوُودَ﴾([1])
كما يرث الابن أباه، في ملكه وماله، وكما يرث الأشخاص الموقع والدرجة
وكما يرث الأنبياء الرسالة ممن تقدمهم، لا بمعنى الإرث المادي لأن الله
هو الذي يعطي الرسالة والموقع والدرجة العليا، للمتأخر من الأنبياء،
وليس هو النبي المتقدم، بل بمعنى الامتداد الذي يجعل من كل واحد مرحلة
متصلة بالمرحلة السابقة فيما هو امتداد حركة النبوة في الحياة وهكذا
أخذ سليمان موقع أبيه.. وأراد أن يعلن القوة التي يملكها في مواقع
المعرفة، ليعرف الناس من قوته الجانب الذي يربطهم به ليزدادوا التصاقا
بشخصيته واتباعا لرسالته([2]).
ونقول:
سيأتي الحديث عن ذلك في تعليقنا على الفقرة التالية.
739 ـ المال ليس هو المشكلة المعقدة
لدى زكريا في من يملكه بعد موته.
740 ـ يرثني ويرث من آل يعقوب، ليكون
امتدادا لخط الرسالة.
741 ـ ليس المقصود بالآية هو ارث
المال.
742 ـ المال ليس هو الأساس في الإرث في
تفكير زكريا.
743 ـ زكريا يريد من يرث موقعه (أي
بالنسبة إلى الرسالة).
يقول البعض:
«.. ﴿وَكَانَتِ
امْرَأَتِي عَاقِرًا﴾
مما يجعل المسألة صعبة أو مستحيلة على مستوى الوضع الطبيعي ـ فأراد أن
يلتمس لنفسه الأمل من خلال قدرة الله ﴿فَهَبْ
لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا﴾([3])
فيما تعنيه الكلمة من الشخص الذي يلي أمر الإنسان فيعينه في حياته،
ويخلفه بعد موته، وربما كان في التعبير بكلمة ﴿مِنْ
لَدُنْكَ﴾
ما قد يوحي بأن المسألة لا تتصل بالحالة الطبيعية للسبب، بل بالحالة
الغيبية التي لا سبب فيها إلا للقدرة الإلهية المباشرة ﴿يَرِثُنِي
وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ﴾([4])
ليكون امتداداً للخط الرسالي الذي يدعو إلى الله، ويعمل له، ويجاهد في
سبيله، ولتستمر به الرسالة في روحه وفكره وعمله.
ما هو المراد بالإرث؟!:
وقد أثيرت في هذه الفقرة مسألة إرث المال، وهل هو
المقصود بكلمة الإرث؟! أو أن المقصود به إرث العلم والرسالة؟! لأن
الأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً، بل ورثوا شيئاً من علومهم..
وربما اتصل هذا الحدث بمسألة إرث السيدة العظيمة فاطمة الزهراء فدكاً
من أبيها محمد رسول الله «صلى الله عليه وآله» ومدى صحة الحديث الذي
واجهها به أبو بكر عن رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «نحن معاشر
الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة». وغير ذلك من التفاصيل.
وقد أشرنا ـ فيما تقدمنا من حديث ـ: أن المال لم يكن
هو الأساس في الإرث في تفكير زكريا، لا من جهة أن الأنبياء لا يورثون،
بل لأن المال لم يكن في مستوى المشكلة المعقدة لديه، فيمن يملكه بعده
موته.. وذلك انطلاقاً من خلو الساحة من بعده، من شخص يحمل الرسالة مما
يجعل القضية في دائرة الخطورة فيما يتطلع أبيه([5])
زكريا من مستقبل الرسالة، لأن الذين يأتون من بعده ويرثون موقعه، ليسوا
في مستوى المسؤولية ليترك الأمر لهم فيما يقومون به في حركة الواقع..
ولعل الحديث عن إرث آل يعقوب، الذي هو خط الرسالة يؤكد هذا المعنى،
والله العالم»([6]).
ونقول:
لقد احتجت السيدة الزهراء «عليها السلام» على أبي بكر
بقوله تعالى: ﴿وَوَرِثَ
سُلَيْمَانُ دَاوُودَ﴾([7])،
كما استدلت بهذه الآية بالذات في قضية فدك على اعتبار أنهما تتحدثان عن
إرث المال. وهذا البعض ـ كما ترى ـ يذهب إلى أن المراد بهذه الآية وتلك
هو إرث النبوة فقط، من دون نظرٍ إلى إرث المال!!
ومما قالته السيدة الزهراء «صلوات الله وسلامه عليها»
في احتجاجها على أبي بكر:
«..يا ابن أبي قحافة، أفي كتاب الله أن ترث أباك ولا
أرث أبي؟! لقد جئت شيئاً فرياً..
أفعلى عمد تركتم كتاب الله، ونبذتموه وراء ظهوركم،
إذ يقول: ﴿وَوَرِثَ
سُلَيْمَانُ دَاوُودَ﴾([8]).
وقال ـ فيما اقتصّ من خبر زكريا ـ إذ قال: ﴿فَهَبْ
لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ﴾([9]).
وقال: ﴿وَأُولُو
الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ﴾
([10]).
وقال: ﴿يُوصِيكُمُ
اللهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾
([11]).
وقال: ﴿إِنْ
تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ
بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾
([12]).
وزعمتم: أن لا حظوة لي، ولا أرِث من أبي. افخصكم
الله بآية أخرج أبي منها؟ أم هل تقولون: إنّ أهل ملّتين لا يتوارثان؟!
أولست أنا وأبي من أهل ملة واحدة؟!
أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي، وابن عمي؟!
فدونكها مخطومة مرحولة، تلقاك يوم حشرك الخ..»([13]).
ومما قالته «صلوات الله عليها» أيضاً: في احتجاجها
عليهم في المسجد: «سبحان الله، ما كان رسول الله «صلى الله عليه وآله»
عن كتاب الله صادفاً ولا لأحكامه مخالفاً، بل كان يتبع أثره، ويقفو
سوره. أفتجمعون إلى الغدر، اعتلالاً عليه بالزور؟! وهذا بعد وفاته شبيه
بما بُغي له من الغوائل في حياته.
هذا كتاب الله حكماً عدلاً، وناطقا فصلا، يقول: ﴿يَرِثُنِي
وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ﴾
([14])
و ﴿وَوَرِثَ
سُلَيْمَانُ دَاوُودَ﴾
([15]).
فبين عز وجل فيما وزّع عليه من الأقساط، وشرع من
الفرائض والميراث، وأباح من حظ الذكران والإناث ما أزاح علة المبطلين،
وأزال التظني والشبهات في الغابرين؛ كلا، ﴿بَلْ
سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ
الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ﴾
([16])».
ومن الواضح:
أن هذا البعض قد سجل رأيه هذا وهو على علم تام بموقف الزهراء «عليها
السلام» من هذا الموضوع، كما هو صريح من كلماته المنقولة عنه آنفاً. بل
هو يصرح بتوازن مضمون خطبة الزهراء «عليها السلام» وبصحتها والالتزام
بها، فهو يقول:
«الظاهر: أن اهل البيت «عليهم السلام» كانوا يتناقلونها
كابراً عن كابر، بحيث كانت معروفة حتى عند صبيانهم؛ مما يدل على أنها
من المسلمات عندنا. أما من ناحية المتن، فالظاهر أنها متناسبة مع
التوازن الفكري في المضمون »([17]).
ولكنه ـ مع ذلك كله ـ يتبنى الموقف الآخر، ثم يستدل له
بما رأينا، ثم يضيف إلى ذلك قوله: لعل الحديث عن إرث آل يعقوب، الذي هو
خط الرسالة يؤكد هذا المعنى.
فأقرأ واعجب، فما عشت أراك الدهر عجباً.
744 ـ لا خصوصيات غير عادية في شخصية
الزهراء «عليها السلام».
745 ـ لا توجد عناصر غيبية تخرج
الزهراء «عليها السلام» عن مستوى المرأة العادي.
746 ـ «الروح» لطف وجّه مريم «عليها
السلام» عمليا وثبتها روحيّاً.
747 ـ «الروح» لا يمثل حالة غيبية في
الذات.
748 ـ نقاط الضعف الإنساني في شخصية
مريم «عليها السلام».
يقول ذلك البعض:
«نلاحظ، في المقارنة بين الرجل والمرأة اللذين يعيشان
في ظروف ثقافية واجتماعية وسياسية متشابهة، أنه من الصعب التمييز
بينهما؛ إذ ليس من الضروري أن يكون وعي الرجل للمسألة الثقافية
والإجتماعية والسياسية أكثر من وعي المرأة لها، بل قد نجد نماذج
متعدّدة لتفوّق المرأة على الرجل في سعة النظرة، ودقّة الفكر، وعمق
الوعي، ووضوح الرؤية، وذلك من خلال ملاحظة بعض العناصر الداخلية أو
الخارجية المميّزة لها بشكل خاص. وهذا ما نلاحظه في بعض التجارب
التاريخية التي عاشت فيها بعض النساء في ظروف متوازنة من خلال الظروف
الملائمة لنشأتها العقلية والثقافية والإجتماعية. فقد استطاعت أن تؤكد
موقعها الفاعل ومواقفها الثابتة المرتكزة إلى قاعدة الفكر والإيمان،
وهذا ما حدّثنا الله عنه في شخصية مريم، وامرأة فرعون، وما حدّثنا
التاريخ عنه في شخصية خديجة الكبرى (رض) وفاطمة الزهراء «عليها السلام»
والسيّدة زينب ابنة علي «عليه السلام».
إن المواقف التي تمثلت، في حياة هؤلاء النسوة
العظيمات، تؤكد الوعي الكامل المنفتح على القضايا الكبرى التي ملأت
حياتهن على مستوى حركة القوة في الوعي والمسؤولية والمواجهة للتحدّيات
المحيطة بهن في الساحة العامة.. وقد لا يملك الإنسان أن يفرّق بأيّة
ميزة عقليّة، أو إيمانيّة، في القضايا المشتركة بينهن وبين الرجال
الذين عاشوا في مرحلتهن.
وإذا كان بعض الناس يتحدّث عن بعض الخصوصيات غير
العاديّة في شخصيات هؤلاء النساء، فإننا لا نجد هناك خصوصية إلاّ
الظروف الطبيعية التي كفلت لهن إمكانات النمو الروحي والعقلي والإلتزام
العملي بالمستوى الذي تتوازن فيه عناصر الشخصية بشكل طبيعي في مسألة
النمو الذاتي. ولا نستطيع إطلاق الحديث المسؤول القائل بوجود عناصر
غيبية مميزة تخرجهن عن مستوى المرأة العادي، لأن ذلك لا يخضع لأي إثبات
قطعي، مع ملاحظة أن الله، سبحانه وتعالى،
تحدّث
عن اصطفاء إحدى النساء،
وهي مريم،
«عليها السلام»،
من خلال
الروحانية التي تميّزها والسلوك المستقيم في طاعتها لله. وهذا واضح في
ما قصّه الله من ملامح شخصيتها، عندما كفلها زكريّا،
وعندما واجهت الموقف الصعب في حملها لعيسى «عليه
السلام»، وفي ولادتها له.
وإذا كان الله قد وجهها من خلال الروح الذي أرسله
إليها فإن ذلك لا يمثل حالة غيبيّة في الذات بل يمثل لطفاً إلهياً في
التوجيه العملي والتثبيت الروحي، على أساس ممارستها الطبيعية للموقف في
هذا الخط من خلال عناصرها الشخصية الإنسانية التي كانت تعاني من نقاط
الضعف الإنساني في داخلها، تماماً كما هي المسألة في الرجل في الحالات
المماثلة.. وهذا يعني أننا لا نجد فرقا بين الرجل والمرأة عند تعرّض
أيٍّ منهما للتجربة القاسية في الموقف الذي يرفضه المجتمع من دون أن
يملك فيه أي عذر معقول؛ الأمر الذي يخرج فيه الموقف عن القائمة
المتمثلة فيه من حيث القيمة الإجتماعية السلبية في دائرة الإ نحراف
الأخلاقي»([18]).
وحين أثير النقد القوي ضد هذا التصريح الذي يشمل فاطمة
ومريم «عليهما السلام» وغيرهما، وكتب المرجع الديني الشيخ التبريزي
حكمه القاطع ببطلان هذا القول، وقال: «ما يكتب وينشر في إنكار خصوصية
خلقها وظلامتها، فهو داخل في كتب الضلال»([19]).
أجابه ذلك البعض بقوله:
«إن المقصود من الظروف الطبيعية التي كفلت النمو الروحي
والعقلي للسيدة الزهراء «عليها السلام» وغيرها من النساء الجليلات هو
مثل تربية النبي «صلى الله عليه وآله» للزهراء «عليها السلام» وتربية
زكريا لمريم «عليها السلام».
أما المقصود من عدم وجود عناصر غيبية، فهو أن
أخلاقياتها، وعناصر العظمة فيها كانت باختيارها، ولم تكن حاصلة من أمر
غيبي غير اختياري.
ولا ينافي ذلك حصول بعض الكرامات لها،
وهي ما
زالت جنينا في بطن أمّها،
أو بنزول
الملك عليها. ثم إننا ذكرنا في ختام الحديث الذي ذكره السائل: أن الله
أعطى هؤلاء النساء ـ وكان الحديث عن مريم ـ لطفا منه،
بحيث يرتفع بهن إلى الدرجات العليا. وهذا هو معنى
«العصمة»، ولكن السائل حذف ذلك، واقتطع من النص ما يناسب سؤاله»([20]).
ونقول:
1 ـ
إن هذا الإعتذار من البعض لا يتلاءم مع قوله: لا نستطيع إطلاق الحديث
المسؤول القائل بوجود عناصر غيبية مميزة تخرجهن عن مستوى المرأة
العادي.
إذ إن حصول بعض الكرامات لها وهي ما زالت جنينا في بطن
أمّها، وكذلك كونها نوراً، وكونها حوراء إنسية، وكونها لا تبتلى
بالطمث،
وكونها
قد ولدت من ثمرة الجنة،
ونزول الملك
ليحدثها،
وكذلك مريم،
التي
كانت ﴿كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا
زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ
أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ
يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾([21])،
وغير ذلك أمور غيبية وميزات وكرامات لا تتلاءم مع القول بأنها: لم تخرج
عن مستوى المرأة العادي.
2 ـ وأما ما ذكره من أنه قد ذكر في الفقرة الأولى:
أن الله أعطى مريم لطفاً منه بحيث يرتفع بها إلى الدرجات العليا.. وهذا
هو معنى العصمة.. وأن السائل قد حذف ذلك، واقتطع من النص ما يناسب
سؤاله..
أما هذا الذي ذكره.. فلا يصلح الإعتماد عليه، لأن
الفقرة التي تحدثت عن مريم ليس فيها: أن الله أعطاها لطفاً منه يرتفع
بها إلى الدرجات العليا.. بل فيها ما يظهر منه النفي لهذا الأمر؛ لأنها
قد ذكرت: أن الله وجّهها بواسطة الملك «الروح» الذي أرسله إليها ـ
وجّهها ـ كيف تتصرف وثبّتها حين واجهت المشكلة فيما يرتبط بولادتها
عيسى «عليه السلام»، أي أن الملك قد ثبّتها وعلمها كيف تمارس الموقف
بصورة طبيعية لتخرج من المأزق الذي وجدت نفسها فيه..
فأراد لها أن تتصرف بصورة طبيعية من خلال عناصرها
الشخصية الإنسانية التي كانت تعاني من نقاط الضعف الإنساني في داخلها.
3 ـ إذن قد أصبح واضحاً: أن وجود ملك يرشد مريم «عليها
السلام»، ويثبتها في أزمتها لا ربط له بعصمتها وإن كانت العصمة لطفا ـ
على بعض الأقوال ـ كما لا يعني أن غيرها من النساء اللواتي ذكرهن قد
كان لهن ملك يرشدهن ويثبتهن.
4 ـ إن هذا الإعتذار لو صح، فإن على هذا البعض أن
يلتزم بوجود ملك يرشد ويثبّت زينب ابنة علي «عليه السلام» وكذلك سائر
النساء اللواتي ذكرهن في حديثه في الكلام المذكور آنفا.
5 ـ وأخيراً.. فان تربية النبي «صلى الله عليه وآله»
للزهراء «عليها السلام»، وزكريا لمريم «عليهما السلام»، لا يصح
الإعتماد عليه في إعطاء الضابطة التي نشأ عنها استبعاد الحديث المسؤول
القائل بوجود عناصر غيبية مميزة تخرجهن عن مستوى المرأة العادي، على
حدّ تعبير ذلك البعض.
إذ إن ذلك لا يشمل خديجة بنت خويلد، ولا آسية بنت
مزاحم، إلَّا إذا قيل أن أبويهما كانا من الأنبياء، أو الأوصياء أيضا..
ولو سلمنا ذلك بالنسبة لآسية، ولم نناقش في الرواية التي تحدثت عن ذلك،
فلا شك في أن خويلداً لم يكن نبياً ولا وصيّاً.. كما هو معلوم..
وأخيراً.. فقد انتهى تعداد مقولات هذا البعض في شأن
سيدة النساء «عليها السلام» إلى هذا العدد الكبير وقد حاولوا عن طريق
التلفيق والتزوير، والإفتراء على العلماء ان يجيبوا على عدد يسير جداً
جداً منها، مع الإبتعاد قدر إمكانهم عن الموارد الأكثر شناعة، وصراحة،
وحساسية. ومع الانتقال بالقارىء الكريم من البحث حول النقاط التي
اثرناها إلى نقاط لم نشر إليها، أو لم نهتم بالحديث عنها.
ومع ذلك فقد حمدنا الله وشكرناه على أن هذا البعض الذي
ما فتئ يتهمنا بالافتراء عليه، وبتقطيع كلامه، وبأننا لا نفهم كلامه،
وبأننا.. وبأننا.. وبأننا.. قد أعلن على الملأ تأييده لكتاب يدافع عنه،
بهذه الطريقة المشار إليها.. حيث إنه في هذا الكتاب أصبح يعترف: بأن
هذه هي مقولاته..
وبأننا قد فهمناها بصورة سليمة.
وبأنها غير مقطعة..
ولكن هروبهم من الإشكال أصبح يتمثل في محاولات التخييل
للقارىء الكريم بأن العلماء كلهم أو جلهم، أو طائفة منهم يذهبون إلى
نفس هذه المقولات. فكان أن ألجأهم ذلك إلى أن زوروا، وكذبوا، وحرفوا
كلام العلماء ليتوافق مع مقولات هذا البعض.
فنحن إذ نشكرهم على اعترافهم الصريح هذا، فإننا نأسف
لأمرين:
أحدهما:
أن همهم قد انصرف لاثبات مقولات تطعن في الأنبياء
والأوصياء، وفي مقاماتهم، وفي عصمتهم. وتصغر من شأنهم، وتحط من قدرهم.
وتشكك في فضائلهم. إلى جانبها مقولات تستهدف حقائق الدين، وعقائده،
وتاريخه، ومناهجه، وشعائره، ورموزه.. وو و.. بالانتقاص، وبالتشكيك،
وبالطعن، وبغير ذلك مما تضمنته كل تلكم المقولات..
الثاني:
إننا نأسف لتطاولهم على علماء الأمة، وخيانتهم لهم،
وذلك بتحريف كلامهم، وبنسبة أمور مكذوبة عليهم، وبغير ذلك من أمور..
ولا يفوتنا أخيراً..
أن نسجل إدانة للحالة التي تساعدهم على ممارسة هذا
الأسلوب من التجني على الحق، وعلى الحقيقة، وعلى أهل الحق.. وهي حالة
الإنسان المسلم، الذي يتعامل مع هذه القضية بسلامة نية، وحسن طوية تصل
إلى درجة التغافل؛ فلا يراجع، ولا يقارن، ولا يتعامل مع هذا الأمر
بإنصاف، بل يتعامل معه ببساطة وبانفعال. وتغره شعارات براقة ولا يفكر
باختبار تلك الشعارات، وبأحجام تبهره، ولا يتلمس تلك الأحجام، ليتعرف
على مواقع الانتفاخ، الكاذب، ليميزها عن مواقع الصلابة المستندة إلى
واقع ثابت وقائم وقوي وحصيف..
نسأل الله سبحانه أن يوفق القارىء الكريم لكل خير
وسداد، وصلاح ورشاد، إنه ولي قدير، وبالإجابة حري وجدير.
والحمد الله والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين
28 شهر رجب 1321 هـ. جعفر مرتضى الحسيني العاملى..
([1])
الآية 16 من سورة النمل.
([2])
من وحي القرآن (الطبعة الأولى) ج17 ص217 .
([3])
الآية 5 من سورة مريم.
([4])
الآية 6 من سورة مريم.
([5])
الظاهر أن الصحيح : إليه .
([6])
من وحي القرآن ج15 ص14 و 15 .
([7])
الآية 16 من سورة النمل.
([8])
الآية 16 من سورة النمل.
([9])
الآيتان 5 و 6 من سورة مريم.
([10])
الآية 6 من سورة الأحزاب.
([11])
الآية 11 من سورة النساء.
([12])
الآية 180 من سورة البقرة.
([13])
راجع: بغداد لطيفور ص12 ـ 19 وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد
ج16 ص252 و 249 و 210 وكشف الغمة للإربلي ج1 ص479 وبحار
الأنوار ج29 ص227 وأعلام النساء ج4 ص116 ودلائل الإمامة ص30 ـ
39 والإحتجاج ج1 ص268 وكتاب الشافي للسيد المرتضي ج4 ص75 .
([14])
الآية 6 من سورة مريم.
([15])
الآية 16 من سورة النمل.
([16])
الآية 18 من سورة يوسف.
([18])
تأملات إسلامية حول المرأة (ط سنة 1413 هـ ق) ص8 ـ 9.
([19])
الجواب الخامس من الإستفتاءات المقدمة للتبريزي حول مقولات
البعض، كما كتب ما يشبه ذلك كل من آية الله الشيخ بهجت وآية
الله الشيخ فاضل اللنكراني.
([20])
أجوبة ذلك البعض على المرجع الديني الشيخ التبريزي، الجواب
الخامس .
([21])
الآية 37 من سورة آل عمران.
|