الفصل الأول
التشهير بالحوزات العلمية
و بالعلماء
بـدايـة:
العلماء والحوزات العلمية، وكذلك الصفوة من المؤمنين
الملتزمين، هم المنارة التي تبعث نور المعرفة في كل اتجاه، وهم الحصون
المنيعة التي تحفظ هذا الدين، وتذود عن حياضه، وترفع أعلامه وبيارقه
خفّاقة في سماء العز والعظمة والسؤدد، فأي إضعاف لها ولهم أو تشويه
لصورتها وصورتهم، سيؤثّر سلباً على ثقة الناس بها، وبهم، وسيحوّل سكون
نفوسهم إليهم و إليها إلى قلق وتشويش، ثم إلى فراغ يجد فيه أعداء الدين
فرصتهم الذهبية لاقتحام حصون الإيمان، ونسف قواعده، وإسقاط بنائه
الشامخ العتيد، وليهينوا ـ من ثَمّ ـ ما عزّ وغلا بلؤمهم الرخيص،
وحقدهم البغيض..
أمّا بالنسبة للتشهير بالحوزات العلميّة، وبعلماء
الأمة، ومراجع الدّين، ثم نعتهم بأوصاف لا تليق بهم فحدّث عن ذلك ولا
حرج، ونحن نكتفي هنا بذكر نموذج ضئيل جدّا من مقولات البعض في هذا
المجال، فلاحظ ما يلي:
895 ـ ليس في الحوزات العلمية حريّة
فكر.
896 ـ لا يستطيع الطالب مناقشة
العقائديات والفقه والإجتماعيّات.
897 ـ تغيير الحوزات يحتاج إلى ما يشبه
الثورة.
898 ـ هناك تجربة (تغييرية) تمشي بين
الألغام.
يقول البعض:
«ولقد أطلق العصر تحدّيات في العقائد بالنسبة للمفاهيم
الإسلامية وفي الإتجاهات الفكريّة التي لا تنطلق من الجانب الفلسفي
فقط، وإنما تنطلق في الجانب الحركي الذي يتصل بقضايا الناس وحركة الناس
وواقع الناس وقضايا التقنين والتشريع. لذلك فنحن لحدّ الآن لم نحصل
للأسف على نقلة نوعيّة في الحوزات. وإن مسألة تغيير الحوزات تحتاج إلى
ما يشبه الثورة، وأظن أن ظروف الثورة لحد الآن ليست متوفرة، لأننا نعرف
أنه ليست في الحوزات حرية فكر، فلا يستطيع الطالب أن يناقش فيها حتى
بعض القضايا التاريخية في الهواء الطلق. فكيف يمكن أن يناقش فيها قضايا
عقيدية أو اجتماعية أو فقهية، وما إلى ذلك؟! علما أن هناك محاولة تجربة
تمشي بين الألغام وإن شاء الله تتكلل بالنجاح»([1]).
899
ـ إنتخاب المرجع كانتخاب البابا.
900 ـ المرجعية: فردية، شخصية، مزاجية.
901 ـ مرجعيات لاعلاقة لها بالواقع
المعاصر، وتحدياته، وتطلعاته.
يقول البعض:
«كما أن المسألة لا بد أن تنطلق من أن يشارك علماء
الشيعة بأجمعهم أو بأكثريتهم لانتخاب المرجع، تماما كما هي المسألة
بالنسبة للبابا في انتخابه عالميا، لأن المرجعية بحسب واقعها الفردي
الشخصي المزاجي كالتي تتحرك في واقعنا قد تخرّج مرجعا طليعيا وقد تخرج
مرجعا ليس له أي علاقة بالواقع المعاصر وتحدياته وتطلعاته».
إلى أن قال:
«كنت أضع تشبيها لمسألة المرجعية ـ كطرح المسألة في
إطار استكمال مشروع ـ بـ (الفاتيكان) وإن كانت خصائصنا الفكرية تختلف
عن خصائصهم، ولكننا نشير إلى طبيعة التنظيم الموجودة هناك، فهناك أجهزة
تتصل بجانب التنسيق وأجهزة تتصل بجانب العلاقات السياسية والإجتماعية
وتدرس كل الوسط الكاثوليكي في العالم»([2]).
902
ـ توهين وهتك الحوزات العلمية الدينية.
903 ـ يشربون المخدرات لعدم الدليل
عندهم على الحرمة.
904 ـ الأفيون والترياك في الحوزات العلمية.
يقول البعض:
«وكذلك الأمر في مسألة الأفيون والترياك بل في الحوزات
العلمية كانوا يمارسون شرب الترياك على أساس أنه ليس فيها دليل، وحتى
فقهاؤنا عندما أرادوا أن يفتوا بحرمة هذا الإدمان هل إنه بنفسه محرم أم
لا، فلم يثبت لديهم إلا في الحالات التي يتحول الإدمان إلى مشكلة صحية
غالبة فوق العادة»([3]).
ونحن رغم أننا قضينا في الحوزات العلمية ما يقرب من
ثلاث وثلاثين سنة، فإننا لم نجد لهذا الأفيون وسواه من المخدرات
المحرمة عند الفقهاء أثرا فيها، بل وجدنا رجال الدين من أشد الناس
حنقا، وشدّةً، وأعظمهم جهاداً في مواجهة ظاهرة انتشار المخدرات في
المجتمعات.
905 ـ الغوغاء منعت الفقهاء من إعلان
فتاواهم.
906 ـ الغوغاء منعت المفكرين من أن
ينطلقوا في أفكارهم بحريّة.
907 ـ العامّة أصبحت تحكم الخاصّة.
908 ـ لا يمكن الفتوى بخلاف ما اعتاده
الناس.
ويُسأل البعض:
«ألا ترى أن بعض فقهائنا يبالغون في مسايرة العرف
والناس في طرح المسائل الشفوية ولا يدونونها في رسائلهم»؟!
فيجيب:
«قد يكون لهؤلاء العذر، لأن المشكلة هي أن كثيراً منهم
يبتلون بالغوغاء الذين يعطلون عليهم أمرهم، ذلك أن مشكلة الكثيرين هي
مشكلة قيادة الغوغاء وحركة الغوغاء، يقول الإمام علي «عليه السلام»:
«الناس ثلاثة عالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع كل
ناعق يسيرون مع كل ريح لم يستضيئوا بنور الحق ولم يلجأوا إلى ركن
وثيق»، فهذا هو الذي منع الكثيرين من المفكرين أن ينطلقوا في أفكارهم
بكل حرية، ومنع الكثير من الفقهاء أن يعلنوا عن فتاواهم لأنهم يخافون
من العامّة.
والمشكلة أن العامّة أصبحت تحكم الخاصّة، فهل يستطيع
أحد أن يفتي في شيء اعتاد الناس عليه؟! أو يحرم شيئاً لم ينطلق الناس
فيه من قاعدة ولكنهم ألفوا المشكلة»([4]).
909 ـ اجتهاد فقهائنا غير منفتح على كل
تفاصيل القرآن.
910 ـ القرآن أساس لاستنباط فتاواه.
911 ـ المنهج التقليدي أبعد الفقهاء عن
استيحاء القرآن.
يقول البعض:
«ولقد رأيت أن فقهاءنا الأقدمين والمحدثين لم تنفتح
حركة الاجتهاد لديهم على كل تفاصيل القرآن، وهم الذين تعلمنا منهم،
ولكن كان لهم منهج تقليدي خاص يجعلهم لا يستوحون من القرآن كثيرا من
الأحكام الشرعية والمفاهيم الإسلامية العامّة. فحاولت أن أدخل القرآن
كأساس لاستنباطي للفتاوي لأعتبر القرآن هو الذي يشع ضوءا على الأحاسيس
ويعطيها إشراقة»([5]).
912
ـ الخطاب الإسلامي يمثل هروبا من الواقع.
913 ـ أسلوب العلماء في الخطاب فوقي
غالبا.
يقول البعض:
«إن الغالب في الخطاب الإسلامي ـ ويمكنكم ملاحظة ذلك ـ
كونه خطابا واقعيا غير أن الأسلوب الخطابي الإسلامي لدى الكثير من
الذين يمارسونه على مستوى الوعّاظ والمرشدين والعلماء غالبا ما يصاغ
بطريقة فوقية وبطريقة كلية لا بطريقة حركة الجزئيات».
إلى أن قال:
«كما أتصور أن هناك تجارب جيدة في هذا المجال. وأنا مع
الأخ السائل في أن الخطاب العام الإسلامي هو خطاب وعظي فوقي لا يلامس
الواقع بل يمثل هروبا من الواقع لأن الكثيرين من الوعّاظ لا يريدون أن
يضعوا أيديهم على الجرح بل يريدون أن يعظوا الجرح في أن يدبّر أمره
بنفسه»([6]).
914
ـ تشويه العلماء صورة فهم النص القرآني والنبوي.
يقول البعض:
«ومع الأسف إن الطريقة التي درج عليها الكثيرون من
العلماء في استنطاق قواعد اللغة العربية، ربما تؤدي إلى الكثير من
تشويه صورة فهم النص القرآني، أو فهم النص النبوي، أو أحاديث أهل البيت
«عليهم السلام»..»([7]).
915
ـ علماؤنا لا يهتمون بالقرآن.
وهو القائل عبر أثير إذاعة تابعة له:
«علماؤنا لا يهتمون بالقرآن، القرآن عندهم على الهامش».
916 ـ إختصاص العلماء مقتصر على الفقه.
917 ـ العلماء لا يملكون عمق التحليل
في العقائد.
918 ـ العلماء لا يهتمون بالمسائل العقيدية.
919 ـ لا إلمام للعلماء بالعقائد.
920 ـ خوف العلماء من العامة هو سبب
عدم اهتمامهم بالعقائد.
ويقول هذا البعض:
«من المؤسف أن المسائل العقيدية لا تولى الإهتمام
المناسب عند العلماء انطلاقا من اقتصار تخصصهم على الفقه وأصوله، مما
يجعلهم غير ملمين بالجانب العلمي للعقائد، فلا يملكون عمق التحليل فيه،
وربما كانت مراقبة العوام سببا لذلك لدى البعض منهم»([8]).
ونقول:
لعله غاب عن ذهنه توقف الاجتهاد على كثير من العلوم ومن
جملتها علم الكلام في كثير من مباحثه، علما أن الفقهاء المتكلمين
كثيرون، ومنهم المفيد، وابن شاذان، والعلاّمة الحلي، والشيخ الطوسي،
والسيد المرتضى، والفاضل المقداد، وغيرهم ممن لا تتيسّر الإحاطة بهم،
ولا مجال لحصر أسمائهم، وليراجع الفهرست الذي وضعه في هذا الشأن السيد
محسن الأمين في الجزء الأول من أعيان الشيعة، وليراجع أيضاً: تأسيس
الشيعة لفنون الإسلام وغيرهما.
921
ـ المرجعيات تقبع في الزاوية.
922 ـ إكتفاء المرجعيات بالعاطفة.
923 ـ لا توجد مرجعية رائدة.
924 ـ الأسماء المطروحة للمرجعية
تقليدية غير منفتحة.
925 ـ حركة المراجع تنطلق من طموحاتهم
للمرجعية.
ويقول:
«إن المرجعيّات عندما تنطلق في صيغتها التقليديّة
فإنّها تقبع في زاوية معينة من الساحة، وتكتفي بهذا الجوّ العاطفي الذي
تمنحه إياها الساحة»([9]).
ويقول:
«إن الأسماء المطروحة لا تزال أسماء تقليدية تنطلق
طموحاتها للمرجعية من خلال خبرتها في الفقه والأصول، وقد تختلف بعض
الأسماء عن بعض في بعض نوافذ الوعي».
إلى أن قال:
«لذلك فان من الصعب من خلال هذه الأسماء أن ينفتح
الواقع على مرجعية رائدة منفتحة على الواقع الإسلامي كله»([10]).
ونحن نجلّ علماءنا عن أن يكون لهم طموحات للمرجعية، فان
هذا ما لم نعهده منهم، بحسب ما عرفناه عنهم وألفناه منهم.
926
ـ أسماء المرجعيات لا تملك الكثير من الوعي.
927 ـ لا إضاءات كبيرة في الحركة
التاريخية للمرجعيّات.
ويقول ذلك البعض:
«إن الأسماء المطروحة في ساحة الحوزات العلمية لا تملك
الكثير من الوعي المرجعي الذي يطل على المسألة السياسية من موقع متقدم،
باعتبار أن حركتهم التاريخية من حياتهم الماضية لا تمثل إضاءات
كبيرة»([11]).
928
ـ التخلف سبَّب خطأ العلماء في فهم النص والواقع.
929 ـ أغلب العلماء لا تزال نظرتهم
سلبية للمرأة.
930 ـ قليل من العلماء درس القضايا
بعمق.
يقول هذا البعض:
«إن جو التخلف حين يتفشى لا يستثني علماء الدين من
الإصابة والتأثر به، إذا ما كان عندهم الإستعداد لذلك، بحيث يعكس عالم
الدين هذا التأثر اللاشعوري بالبيئة، ورواسب التخلف الموجودة فيها في
فهمه للنص والواقع.
لذلك فان غالبية علماء الدين تبنّوا ولا يزالون نظرة
سلبية تجاه المرأة، وقليل منهم من درس القضايا بالعمق الخ..»([12]).
931 ـ العلماء قوى تخلّف.
932 ـ العلماء قوى عنت.
933 ـ العلماء غير مستعدين للحوار.
934 ـ العلماء لا يقرؤون.
935 ـ العلماء لا يسمعون.
936 ـ العلماء يصدّرون فتاوي ضالة.
937 ـ العلماء يصدّرون كلمات نابية.
سئل البعض:
ألا تعتقدون أن الاختلاف في الاجتهاد يؤدي إلى بروز
مدارس مختلفة بعضها يخالف بعضها الآخر؟!
فأجاب:
«هذا صحيح، ولكن هناك فرق بين من يتحدث بطريقة موضوعية
علمية وبين من يتحدث بخلاف ذلك. فالسيد الخوئي مثلاً كان لا يرى ولاية
الفقيه العامّة، في حين أن السيد الخميني يرى ولاية الفقيه العامة.
ولكن كلاًّ منهم يحترم الآخر، فالسيد الخوئي كان يشجّع جماعة من
المؤمنين أن يدفعوا الحقوق الشرعية للثورة الإسلامية في وقتها. وأنا
أعرف أن الحكومة العراقية حاولت الضغط على السيد الخوئي لإصدار ولو
موقف حيادي بين العراق وبين إيران في الحرب، ولكنه رفض ذلك. ولقد قلت
مثلما قال الإمام الخميني إن هذا يحزّ في قلبي ويدميه أكثر من الرصاص،
ولست الوحيد في ذلك، فالكثير من العلماء المصلحين المجاهدين يواجهون من
قوى التخلّف العنت، فهؤلاء غير مستعدين للحوار، ولا هم يقرأون أو
يسمعون، بل يصدّرون الفتاوي الضالّة، والكلمات النابية. وإني لأعتبر
الفتاوي التي تتحرك بلا حساب من دون ارتكاز، فتاوي ضالة ولا غرابة أن
نرى أنه من نفس الموقع الذي كان يُواجه الإمام الخميني بالأمس يواجه
العلماء الصالحون والمجاهدون اليوم»([13]).
لست أدري كيف نفسر قول هذا البعض عبر إذاعة تابعة له عن
علماء الأمة، ومراجع الطائفة بأنهم معقّدون، وأنهم عملاء للمخابرات
تارة أو واقعون تحت تأثيرها أخرى، وبأنهم موساد. وأنهم كمثل الحمار
يحمل أسفاراً، وأن مثلهم كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث، وإن تتركه
يلهث، وأنهم إنما يفهمون الكلام بغرائزهم، وأنهم يعانون من عقدة. وأنهم
متخلفون. وأنهم يثيرون الفتنة، ويربكون الساحة، وأنهم، وأنهم..
وأنه هو المصلح، وهو الواعي، والمجاهد، والمنفتح،
والمجدّد، والمثقّف، وأنه يقول مثل ما قال الإمام الخميني!! وأنه هو
العلماء الصالحون والمجاهدون، وأنه.. وأنه..
وما ذلك إلا لأنهم واجهوه بكلمة الحق، ولم يقبلوا منه
جرأته على الأنبياء، وردّوا عليه تعدّياته على قضايا العقيدة. ونصحوه،
وبذلوا الكثير من المحاولات لإصلاح أمره، ورأب الصدع. ودعوه للحوار
العلمي.. فرفض. ورفض، وهاجمهم في كل اتجاه وعلى كل صعيد. واستخدم
للتشهير بهم وتحقيرهم مختلف التعابير والوسائل المتوفرة لديه.. وما
أكثرها..
938 ـ الواقع الشيعي كان خارج التاريخ.
939 ـ لعل الشيعة عزلوا أنفسهم عن حركة
الحياة، أو عزلوهم.
940 ـ كان الشيعة جماعات منفصلة عن
الواقع السياسي والثقافي في العالم.
941 ـ الذهنية العامة للشيعة في العالم
لا تزال ذهنية تقليدية.
942 ـ الواقع الشيعي والحوزات تفكر في
الثقافة الفقهية والأصولية للمرجع.
943 ـ الشيعة وحوزاتهم لا يفكرون
بالانفتاح والمعاصرة.
944 ـ الشيعة والحوزات لا يلاحظون وجود
ثقافة سياسية.
945 ـ الواقع الشيعي والحوزات لا يزال
واقعاً تقليدياً.
946 ـ دور المرجع محصور في الفتوى وقبض
الحقوق والتراخيص.
947 ـ الواقع الشيعي والحوزات هو ضد
مصلحة التشيع.
948 ـ لا توجد لدى مراجع النجف وإيران
أفكار أو تطلعات بمستوى حاجة الواقع الشيعي.
سئل البعض:
ما الفرق بين دور المرجعية الدينية ماضياً وحاضراً؟!
كيف هي العلاقة بين المرجعية الدينية وبين موضوع ولاية الفقيه وقيادة
النظام الإسلامي؟! وما الضرورات الواجب دراستها في ما يخص المرجعية في
العالم الإسلامي؟!
فأجاب:
«بالنسبة إلى مسألة المرجعية في الماضي والحاضر أعتقد
أن الموضوع مختلف جداً، بحيث أن الشروط التي كانت توضع للمرجع في
الماضي، لا بد من إضافة شروط إليها في الحاضر لأن الواقع الشيعي كان
خارج التاريخ وكان الشيعة يمثلون مجرّد جماعات منفصلة عن الواقع
السياسي والثقافي في العالم، باعتبار أنهم عزلوا أنفسهم أو أن الآخرين
عزلوهم عن حركة الحياة. أما الآن فقد أصبح المسلمون الشيعة في قلب
التجربة السياسية والثقافية والأمنية في العالم، بحيث نجد أن العالم
يعمل على دراسة الفكر الشيعي وكل حركات الشيعة وكل خطوطهم السياسية،
مما يفرض وجود قيادة للعالم الإسلامي الشيعي تختلف عن القيادة السابقة،
بحيث لا بد أن تكون ـ بالإضافة إلى معرفتها الواسعة بالشريعة وتقواها ـ
أن تكون واعية للواقع السياسي العالمي ومنفتحة على الواقع الثقافي
العالمي ومنطلقة في سبيل التخطيط للأوضاع الجديدة قبل أن يفرضها
الآخرون علينا.
ونحن نلاحظ أن الذهنية العامة لدى الشيعة في العالم لا
تزال هي الذهنية التقليدية، التي تنظر إلى الفقيه الذي يراد تقليده
باعتباره الأعلم في الفقه والأصول وهو الأورع وما إلى ذلك. وهذا ما
لاحظناه في التجربة التي عشناها، سواء في الذين رجعوا إلى المرجع
الموجود في النجف أو المرجع الموجود في إيران، فإننا لا نجد في هذا
الجانب أية أفكار جديدة أو تطلعات جديدة بالمستوى الذي يحتاجه الواقع
الشيعي، لأنه ليست هناك أية مبادرات هنا أو هناك مما يعني أن الواقع
الشيعي حتى واقع الحوزات ـ لا يزال يفكر بأن المرجع الشيعي هو المرجع
الذي يتميز بثقافة فقهية أصولية، من دون أن يلاحظ وجود ثقافة سياسية
ومعاصرة أو انفتاح على الواقع المعاصر. إن هذا يعني أن الواقع الشيعي ـ
حتى في عالم الحوزات ـ لا يزال واقعاً تقليدياً، فلا فرق بين موقع
وآخر.
ونحن نعتقد أن هذا من الأمور التي هي ضد مصلحة حركة
التشيع، لأن دور المرجع بقي محصوراً في إصدار الفتاوي وقبض حقوق وترخيص
أخرى ولا دور في خارج نطاق هذا الموضوع.
..الجديد الذي حصل في واقع التشيع هو مسألة الولاية،
باعتبار أن الولي الفقيه هو الإنسان الذي لا بد أن يكون ـ بالإضافة إلى
اجتهاده وعدالته ـ عارفاً بأمور زمانه ومحيطاً بها ومنفتحاً على كل
قضايا الواقع الإسلامي في العالم، لا الواقع الشيعي فحسب بل واقع
المستضعفين في العالم»([14]).
949 ـ بعض المراجع يعطون الرأي فيما لا
يملكون معرفته.
950 ـ بعض المراجع يعطون آراءهم
اعتماداً على نظرات سريعة.
951 ـ بعض المراجع يعطون الرأي
اعتماداً على غير الثقات.
952 ـ بعض المراجع يعطون الرأي
اعتماداً على من لا يملك دقّة المعرفة.
ويقول البعض أيضاً.
«ونحن نلاحظ أن بعض المراجع قد يعطون الرأي في كثير من
المواقف أو المواقع أو الأشخاص فيما لا يملكون معرفته اعتماداً على
نظرات سريعة، أو على نقل بعض الأشخاص الذين لا يملكون الثقة أو دقّة
المعرفة»([15]).
1 ـ إن من يراجع الفقرات التي ذكرناها في هذا الفصل؛
بالإضافة إلى نصوص أخرى منثورة في ثنايا هذا الكتاب يجد أن من حقه أن
يخرج بالنتيجة التالية:
إن هذا البعض حين يرمي الطائفة وعلماءها بما يرميهم به
نجده يطلق أوصافاً أخرى تخالفها، مثل التجديد والانفتاح والمعاصرة وما
إلى ذلك، ملمّحاً أو مصرّحاً بأنه هو الوحيد ـ تقريباً ـ الذي يتحلى
بها ـ فيرسم بذلك لنفسه شخصية ذات مواصفات معينة، ثم يسقطها على الأدلة
الشرعية، ثم يقدمها إلى القارئ والمستمع على أساس أنها هي الأدلة، وهي
الشرع.. حتى ليجد الإنسان العادي نفسه أمام خيار وحيد هو هذا الرجل دون
سواه.
2 ـ إننا نريد للقارئ أن يسأل هذا البعض عن المصلحة وعن
السبب في طرحه لتساؤلات، واحتمالات ترتبط بواقع طائفة الشيعة الإمامية
دون غيرها.. حتى تكون النتيجة هي إظهار هذه الطائفة على أن من الممكن
أن تكون هي قد عزلت نفسها عن حركة الحياة، وأن الواقع الشيعي خارج حركة
التاريخ، وأنه تقليدي. وأنه ضد مصلحة التشيع. وأن الشيعة لا يفكرون
بالانفتاح والمعاصرة.. وما إلى ذلك!!
3 ـ ثم نريد للقارئ أيضاً أن يسأله عن السبب والسر في
مهاجمته للحوزات العلمية للشيعة بهذه الحدّة والشدّة..
4 ـ ويسأله كذلك عن السر في وصف المراجع بهذه الأوصاف
المهينة والمشينة.
5 ـ ثم نريد من القارئ الكريم أن يقف ليتأمل بتجرّد،
ومقارنة، ليعرف من خلال ذلك من هو ذلك الذي لا يملك معرفة كافية في
أمور العقيدة.. هل هم المراجع.. الذين تصدّوا لمقولات هذا البعض، التي
طالت مختلف شؤون العقيدة، ومفرداتها. والدين وحقائقه، وشعائره
ومسلماته..
أم هو الذي أطلق هذه المقولات التي يتعذّر على الإنسان
العادي حصرها، وكثير منها تخالف أبده البديهيات فضلاً عن الكثير الآخر
الذي هو داء ليس له دواء؟!
ومن هو ذلك الجدير بالثقة، هل هو الحوزات العلمية التي
هبّت بعلمائها ومراجعها للدفاع عن حقائق الدين؟ أم هو الذي لا يكل ولا
يمل ولا يرتدع عن محاولات التشكيك بهذه الحقيقة وبتلك في مختلف قضايا
الدين والإيمان؟!
ومن هو المتسرّع، هل هو الذي يجيب بالمتناقضات في أكثر
الأمور حساسية كمسألة العصمة وغيرها؟!
أم هو الذي يشكل لجنة من العلماء الموثوقين ليدرسوا
مقولات غريبة، أطلقها البعض ولا يزال يؤكدها ويرسخها بمختلف ما يملك من
وسائل؟!
ومن الذي لا يملك الدقّة في المعرفة؟! ويعيش هاجس العمل
السياسي، وتستهلكه النشاطات الاجتماعية..
هل هو هذا البعض؟ أم هم علماء الحوزات العلمية
ومراجعها، الذين يقضون عمرهم في التحقيق والتدقيق في أمور الدين
ويحملون هَمّ الحفاظ على الإسلام وحفظ ورفعة شأن المسلمين، ولا همّ
لهم، ولا عمل سوى ذلك؟!.
إن الحوزات العلمية هي التي خرّجت أساطين العلم وأفذاذ
الرجال، ممن لم يزل هو وغيره يفخرون بهم ويحاول اكتساب الثقة والمقام
الرفيع بربط اسمه باسمهم، وأن يحكي للناس ما يقول عنه: إنه تاريخ له
معهم..
بل إنه هو نفسه لم يزل يلهج بانتسابه لهذه الحوزات،
ويتغنّى باستمرار بالتلمُّذ على أيدي علمائها، خصوصاً السيد الخوئي
«رحمه الله» وغيره.
مع أن الذين عاشوا في النجف يعرفون: أن تلمُّذه عليه
إنما كان لفترة وجيزة، لا تقاس بتلمّذ الآخرين. من علماء الأمة
ومراجعها على يدي ذلك العالم الجليل والبارع.. خصوصاً إذا أخذنا بنظر
الإعتبار الفرق الشاسع بين من يحضر الدرس لمجرد الحضور، فلا يهتم
بالقيام بأي نشاط سوى هذا الحضور، وبين من يقضي الساعات ويسهر الليالي
للتحقيق في ما سمعه من أستاذه. والتدقيق في النصوص المؤيّدة أو
المفنّدة.
953 ـ الرواسب الجاهلية انعكست على فهم
العلماء للنصوص حول المرأة.
954 ـ أجواء التخلف انعكست على فهم
العلماء للنصوص حول المرأة.
955 ـ العلماء استغرقوا في الجانب
الوحيد الذي عاشوه حول المرأة.
956 ـ النصوص كانت متوافقة مع الذهنية
الاجتماعية السائدة.
957 ـ هناك رواسب جاهلية في عمق المجتمع المسلم.
سئل البعض:
هل هذا يعني أن المعرفة الأصح بالنظرة الإسلامية إلى
المرأة، تمّت في العصر الحالي، ولماذا؟!
فأجاب:
«أعتقد أن عصرنا الحالي هو العصر الذي حقّق فيه علماء
الإسلام الانفتاح الأوسع على الجانب الإنساني والاجتماعي الذي يؤكد
إنسانية المرأة بالدّرجة ذاتها في تأكيده على إنسانية الرجل.
وربما يعود ذلك إلى الآفاق الجديدة التي فتحت في
العالم؛ الأمر الذي جعل العلماء يفكرون في الجانب الآخر من الصورة، وقد
كانوا مستغرقين في الجانب الوحيد الذي عايشوه في دائرة مجتمعهم، وفي
دائرة النصوص المتوافقة مع الذهنية الاجتماعية السائدة»([16]).
ويقول:
«هناك رواسب جاهلية لا تزال موجودة في عمق المجتمع
المسلم، وقد انعكست هذه الرواسب متضافرة مع أجواء التخلّف على فهم
النصوص المتصلة بقضية المرأة، وهي نصوص قد تكون خاضعة لظرف معين أو
لحالة معينة»([17]).
إن هذا البعض يقول:
إن العلماء يفهمون النصوص من خلال رواسب الجاهلية
المتضافرة مع أجواء التخلف.
ثم هو يقول:
إن
النصوص حول المرأة لا يمكن أن تفيد في إعطاء رأي الإسلام في المرأة،
لأنها نصوص كانت خاضعة لظرف معين أو حالة معينة..
ولا ندري إن كانت مسألة الحجاب، ومسألة الإرث ومسألة
قيمومة الرجل و.. كانت الأخرى خاضعة لهذا الظرف، أو لتلك الحالة!!
958 ـ التقاليد والعادات تجبر الفكر
على الخضوع لها وتبنّيها.
959 ـ التقاليد والعادات تضغط على
طريقة التفكير.
960 ـ العلماء الكبار يخافون من مواجهة
ضرب الظهور بالسلاسل في عاشوراء.
961 ـ العلماء يخافون من مواجهة ضرب
الرؤوس بالسيوف في عاشوراء.
962 ـ العلماء لا بد أن يتأثروا
بالأفكار السائدة في المجتمع.
يقول البعض:
«على هذا النحو، تضغط التقاليد والعادات على طريقة
التفكير وتجبر الفكر على الخضوع لها وتبنّيها، وهو ما نشهد له أمثلة
حيّة في الواقع الإسلامي، حيث تحوّل ضرب الرؤوس بالسيوف وضرب الظهور
بالسلاسل في عاشوراء إلى عادة متجذرة يخاف العلماء الكبار الوقوف في
وجهها، باعتبار أنها أحد مظاهر التعبير عن الهوية الشيعية.
العلماء كانوا، ومازالوا، جزءاً من المجتمع، وبالتالي،
لا بد من أن يتأثروا بالأفكار السائدة فيه»([18]).
ونقول:
إن هذا البعض قد وقع في التناقض، فتارة يقول:
«إن العادات والتقاليد تجبر الفكر على الخضوع لها
وتبنيها وتضغط على تفكير العلماء.. مما بعني أن الفكر قد قبل بالفكرة
وتبناها».
ومعنى ذلك أنهم يبرزون أفكارهم بلا خوف ولا وجل من أحد،
لأنها أفكارهم وقناعاتهم.
وتارة
يقول:
«إن العلماء يخافون من الناس».
ومعنى ذلك أنهم لا يتبنون أفكار الناس ولا يوافقونهم
عليها، ولا يخضع فكرهم لها..
والخلاصة: إن الموافق للناس لا يخاف من إبراز ما عنده:
والذي يخاف من إبراز ما عنده لا يوافق الناس ولا يتبنّى ما عندهم.
([6])
الندوة ج1 ص538 و 539.
([7])
المرأة بين واقعها وحقّها في الإجتماع الإسلامي.
([8])
المسائل الفقهية ج1ص317.
([9])
المعالم الجديدة للمرجعية ص128.
([10])
المعالم الجديدة للمرجعية ص122 و 123.
([11])
المعالم الجديدة للمرجعية ص81.
([14])
حوارات في الفكر والسياسة والاجتماع ص366 و 367.
|