الفصل الثاني
إهانات للأمة وعلمائها أو هكذا
ينتقم لنفسه
963 ـ نحن أناس متعصبون.
964 ـ نحن أناس لسنا ملتزمين.
ويسأل البعض:
لماذا يمثل التقليد مشكلة عند الشيعة؟!
فيجيب:
ويورد في الإجابة كلاماً يتحدث فيه عن لزوم الإبتعاد عن
العصبية، وأن مشكلة التقليد هي مشكلة العصبيات.
ويقول:
«إن العصبية ليست ديناً «فمن تعصب أو تعصب له، فقد خلع
ربقة الإسلام من عنقه» ونحن أناس متعصبون، ولسنا ملتزمين»([1]).
ويقصد بكلامه هذا شيعة أهل البيت رضوان الله تعالى
عليهم.
965 ـ تجمّد مفهوم المسلمين لدينهم.
966 ـ المسلمون يتعلّقون باللفظ دون المعنى.
967 ـ المسلمون عاجزون عن استحضار
القيمة الحقيقية للإستغفار.
968 ـ المسلمون تعاملوا مع الإستغفار
كعبارة لغوية معلّبة.
يقول البعض:
«لقد تجمّد مفهوم المسلمين لدينهم، فأصبحوا يتعلّقون
باللّفظ دون المعنى. ونحن نرى أن القرآن كان منطلقاً فكرياً. أما
الدعاء، وأعني هنا الدعاء النبوي بشكل خاص، فقد كان تجسيداً لخبرة
وتجربة الرسول «صلى الله عليه وآله» التي نستوحيها ونستلهمها..»([2]).
ويقول:
«ونحن نرى: أن المشكلة في قضية الإستغفار بالتحديد هي
عدم قدرة المسلمين على استحضار القيمة الحقيقية للإستغفار، التي ترتبط
بالسلوك، وتنعكس عليه. بل إنهم ـ بكل أسف ـ تعاملوا معها باعتبارها
عبارة لغوية معلّبة، الغرض منها، هو ترديدها لفظاً»([3]).
إنك تراه يهين المسلمين جميعاً، وينسب إليهم جمود مفهوم
الدين لديهم، وأنهم يتعلّقون باللفظ دون المعنى.. ليُظهر نفسه على أنه
هو المنفتح المجدّد، والواعي، فيقول:
«ونحن نرى أن القرآن كان منطلقاً فكرياً إلخ..».
ثم هو يهين المسلمين مرة أخرى، ويتهمهم بأنهم «غير
قادرين على استحضار القيمة الحقيقية للإستغفار إلخ..» مظهراً نفسه أنه
المفكّر والواعي الذي يعرف المشكلة، ويأسف لطريقة تعامل المسلمين معها.
969 ـ هناك عقليات لا تزال تعيش قبل
مئات السنين في أساليبها وفي نظرتها.
970 ـ عقليات تنظر للأمور من خلال
الزوايا المغلقة التي تتحرك فيها.
971 ـ عقليات تنظّر للأمور من الأجواء
التجريدية التي تغرق فيها بعيداً عن الواقع.
972 ـ الكثيرون يعيشون خارج نطاق
التاريخ.
973 ـ إن هؤلاء يفرضون أنفسهم على
مواقع الوعي في الأمة.
974 ـ هؤلاء الكثيرون يفرضون أنفسهم
على مواقع القرار.
975 ـ فرض أنفسهم على مواقع القرار
يفقد الأمة توازنها.
976 ـ فرض أنفسهم على مواقع القرار
يضيّعها في متاهات التجريد.
977 ـ هؤلاء لا يصلحون لمواقع القرار.
978 ـ الأمة لا تتحرك للمستقبل من خلال كهوف الماضي.
979 ـ إنهم كهوف تحمل الكثير من
الظلام.
980 ـ إنهم كهوف تحمل الكثير من عناصر
التخلّف.
سئل البعض:
في كلمة له أثناء افتتاح مؤتمر عن جمال الدين الأفغاني
في طهران([4])
حمل رئيس الجمهورية الإسلامية السابق الشيخ رفسنجاني على من أسماهم
(المتعصبين في الحوزات الدينية) وأشاد بمن أسماهم أصحاب (العقول
المنفتحة) وبمنظّري (التغيير الواقعي).
كيف تنظرون إلى هذه الرؤية، وأين هي التحديّات الحقيقية
التي تواجه الحوزات الدينيّة وحركة العلماء عموماً؟!
فأجاب:
«إنني ألتقي مع هذا الطرح الذي يدرس رسالة الحوزات
الدينية دراسة واقعية ميدانية رسالية بحجم الرسالة الموكلة إلى هذه
الحوزات في الإنفتاح على العالم بالإسلام.
إنَّ هناك عقليات لا تزال تعيش قبل مئات السنين في
أساليبها وفي نظرتها إلى الأمور من خلال الزوايا المغلقة التي تتحرّك
فيها، والأجواء التجريديّة التي تغرق فيها بعيداً عن الواقع. إنَّ هناك
الكثيرين من هؤلاء الذين يعيشون خارج نطاق التاريخ، ويفرضون أنفسهم على
مواقع الوعي في الأمة، وعلى حركة القرار في الأمة، فيؤدي بالأمة إلى أن
تفقد توازنها وتضيع في متاهات التجريد بعيداً عن حركيّة الواقع، إنَّ
مثل هؤلاء لا يصلحون لأن يكونوا في مواقع القرار، لأنَّ القرار، سواءً
كان فقهيّاً أو سياسيّاً أو اجتماعياً يمثل حركة الأمة نحو المستقبل،
ولا يمكن للأمة أن تتحرّك نحو المستقبل من خلال كهوف الماضي التي تحمل
الكثير من الظلام ومن عناصر التخلّف»([5]).
981 ـ الكثيرون من المسلمين اليوم
يقولون لعلي: كم شعرة في رأسي.
982 ـ نحن المسلمين نريد دخول الحياة من الزوايا
المغلقة.
983 ـ نحن المسلمين نريد أن نجر ذكرى أهل البيت إلى جو
التخلّف.
يقول البعض:
«إنّ الكثيرين منا في ما يتحدثون وفي ما يتناقشون به
ومما يثيرونه من أشياء هامشية، قد يقولون لعلي «عليه السلام» وللزهراء
«عليها السلام» وللأئمة «عليهم السلام» كم شعرة في رأسي، لأن ضيق
الفكرة هنا هو ضيق الفكرة نفسه هناك، ولقد أراد علي «عليه السلام» من
خلال رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وكذلك أراد لنا ابناؤه وزوجته
الطاهرة «عليها السلام»، أن ندخل الحياة من الباب الواسع، ولكننا نريد
أن ندخلها من الزوايا المنغلقة، فمشكلة أهل البيت «عليهم السلام» أنهم
أرادوا أن يفتحوا لنا أبواب الوعي، ونحن نريد أن نجرّ ذكراهم إلى جوّ
التخلّف لأن المتخلفين لا يحبّون إلاّ أن يعيش الآخرون معهم في أجواء
التخلّف»([6]).
فيلاحظ: أنه قد تحدث أولاً عن «الكثيرين منا» ثم استطرد
في حديثه ليتحدث «عنا» بصورة التعميم، ويدخلنا من ثم في أجواء التخلف،
خصوصاً في ما يرتبط بالمناسبات المرتبطة بأهل البيت، مثل عاشوراء، وعيد
الغدير وغيرهما.
984 ـ ندرس الكثير من التاريخ ومن
القرآن على أساس مشاعرنا لا عقولنا.
985 ـ الكثيرون منا موقفهم هو تأويل ما
لا ينسجم مع الموروث.
986 ـ أصبح استظهار النصوص خاضعاً
للذهنيات المسبقة لدينا.
987 ـ صار القرآن صوراً لما نفكر به
بدل العكس.
988 ـ التاريخ صورة لما نفكر به بدل
العكس.
989 ـ عواطفنا تحكم الكثير من حركة
البحث عندنا.
990 ـ لسنا عقلانيين ولا موضوعيين.
991 ـ لا ندرس القرآن والسنة على أساس
القواعد التي يتلاقى عليها الناس في فهم النص.
992 ـ التضليل والتفسيق يطال من يقول
إن القرآن ظاهر فيما لا يتفق مع المتوارث.
993 ـ نحن ضعفاء في الثقافة وفي
الحجّة.
يقول البعض:
«مشكلتنا أننا ندرس الكثير من نصوص التاريخ أو نصوص
القرآن الكريم على أساس مشاعرنا لا على أساس عقولنا، ولهذا ترى
الكثيرين قد يأخذون موقفاً مسبقاً من مختلف القضايا، فإذا كان النص
يتفق مع موقفهم أخذوا به، وأما إذا كان لا ينسجم مع ما توارثوه فإنهم
يعملون على تأويله وإبعاده عن ظاهره وعن سياقه، ولذا فقد أصبحت عملية
استظهار النصوص خاضعة للذهنيات المسبّقة التي نحملها. وغدونا نفرض
الكثير من هذه الذهنيات على القرآن نفسه، حتى صار القرآن صورة لما نفكر
به، بدل أن يكون ما نفكر به صورة قرآن، والأمر نفسه حصل بالنسبة
للمسائل التاريخية التي تتصل ببعض الخطوط الفكرية والثقافية والعقيدية،
فإن البعض يختار من النصوص التاريخية ما يناسبه ويرفض منها ما لا يروق
له، أو أنه يحاول أن يرتب التاريخ على حسب مزاجه ومذاقه الفكري، لا أن
يجعل مزاجه الفكري خاضعاً لنتائج البحث العلمي التاريخي.
تحكّم العاطفة في حركة البحث:
إن مشكلتنا أننا عاطفيون، وعواطفنا هي التي تحكم الكثير
من حركة البحث عندنا، ولسنا عقلانيين موضوعيين ندرس الأمور على أساس
الكتاب والسنة انطلاقاً من القواعد التي يتلاقى عليها الناس في فهم
النص العربي، ولا نخضع تفكيرنا للنتائج المستفادة من الكتاب والسنة،
حتى إذا جاءنا شخص وقال إنّ الكتاب ظاهر في أمر ما، أو السنّة ظاهرة في
حكم ما مما لا يتفق مع المألوف والمتوارث، نادينا بالويل والثبور
وعظائم الأمور، وتحركت حملات التكفير والتضليل والتفسيق.
إن الذين يتّبعون هذه الأساليب فيتهمون من خالفهم في
اجتهاداتهم بالكفر والضلال والفسق والانحراف، ضعفاء في ثقافتهم كما هم
ضعفاء في حجّتهم، لأن من يملك الحجة لا يشتم، ومن يملك البرهان الساطع
لا ينطق بالكلمات غير المسؤولة»([7]).
ونقول:
1 ـ إن كلام هذا البعض موجّه إلى أهل الإسلام.. كما هو
ظاهر. فهو يتهمهم بتلك التهم الباطلة، ويسجل للتاريخ هذه الشهادة
عليهم.. وسوف تكون شهادة مقبولة عند الأعداء، لأنها تمثل اعترافاً
طوعياً. يفرح به الأعداء، ويحزن له الأصدقاء، الذين يعرفون أنه غير
صحيح، أو لا أقل هو غير دقيق.
ولا نريد أن نقول هنا أكثر من ذلك.
2 _ إن الظاهر من كلام هذا البعض: أنه بصدد التجريح
بعلماء الإسلام وبمراجع الدين الذين وقفوا من مقولاته المخالفة لحقائق
الدين والتاريخ والعقيدة وغيرها موقفاً صريحاً، وقوياً وحازماً..
وقد وصفهم بأنهم «أيدهم الله» ضعفاء في ثقافتهم، كما هم
ضعفاء في حجتهم، فأين هو دليله المفيد لليقين في هذا الأمر، فإن هذا
النفي يحتاج إلى دليل، ولا بد أن يكون يقينياً حسب مقرراته.
3 ـ إنه يصور الأمر فيما بينه وبين غيره على أنه اختلاف
في الاجتهاد مع أن الأمر ليس كذلك، إذ ليس من حق أحد أن يجتهد في
الحقائق اليقينية الثابتة والذي يفعل ذلك، فإنه يتحمل مسؤولية ما قدم
عليه، فإن خالف أمور العقيدة وحقائق الدين، فإنه تترتب عليه آثار ذلك،
ويحكم عليه بما يحكم على كل مخالف، ولا يصح له أن يعتذر بالاجتهاد، ولا
يمنع اجتهاده هذا ترتب تلك الآثار والأحكام عليه، وإلا لصح للمسيحي
واليهودي والملحد أن يعتذر بالاجتهاد.. فإن اجتهاد المسيحي والملحد لا
يمنع من الحكم عليه بالكفر وبعدم جواز تزويجه، وبحرمانه من الإرث، وعدم
قبول شهادته، وحرمة أكل ذبيحته وما إلى ذلك..
994 ـ كيف يكون مؤمناً ويغتاب
المراجع؟!
995 ـ يغتاب بحجّة نصرة المذهب ومواجهة الضلال.
996 ـ لا يريدون نصرة المذهب ولا مواجهة الضلال ولكنه
الشيطان يوسوس.
سئل البعض:
لي صديق عزيز أذهب إليه، ونجلس، ونتحدث، ولكنه يتكلم
بالسوء على مرجعيّة كبيرة ومؤمنة. وعندما أقول له: لا يجوز ذلك. لا
يقبل مني، بل يزيد حملاته، وهو إنسان مؤمن.
فأجاب:
«..كيف يكون مؤمناً، وهو يغتاب المراجع؟! وهو يعلم أن
الغيبة طعام كلاب أهل النار. وأن الله تعالى يقول: ﴿وَلَا
يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ
لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ﴾([8]).
وأن الغيبة أشد من الزنا.
قالوا: كيف؟!
قال: لأن الزنا قد يغفره الله للإنسان إذا تاب، ولكن
الغيبة لا يغفرها الله، حتى يغفرها صاحبها. لقد أصبح البعض من الناس
يبرر لنفسه اغتياب الآخرين بعناوين مختلفة؛ فمنهم من يقول أريد نصرة
المذهب، والوقوف ضد الضلال، وهكذا.. ولكنه الشيطان يوسوس لبعض الناس»([9]).
1 ـ لا أدري كيف أجاز هذا البعض لنفسه أن ينفي الإيمان
عن إنسان، لمجرّد أنه ارتكب جريمة الغيبة.
2 ـ من أين علم أن ما يذكره ذلك الصديق لصديقه هو من
مفردات الغيبة المحرّمة، فلعل تلك المرجعية التي يتحدث عنها تستحق أكثر
من ذلك.. بسبب ما صدر عنها من مخالفات للدين وللإسلام كله، بنظر هذا
المغتاب؟! ولعل المغتاب قد سمع أو قرأ ما يبرر له غيبة ذلك الذي يوصف
بأنه (مرجعية)..
3 ـ وحتى لو لم تكن تلك المرجعية بهذه المثابة من
الإنحراف والسقوط، فلعل ذلك الصديق الذي أحبه ذلك الرجل، ولمس منه
الإيمان والتقوى ـ لعله ـ معذور في اغتيابه لذلك الشخص.
أما وصف المرجعية بأنها كبيرة فلا يدفع هذا الاحتمال،
ولا يزيل آثاره.
4 ـ لماذا لا نقبل ممن يقول: أريد نصرة المذهب، ومواجهة
الضلال، ونصدقه فيما يقول؟! أو لماذا لا نأخذ كلامه مأخذ الجدّ على
الأقل ونحقق وندقق في الأمر؟! وكيف صح من هذا البعض أن يعتبر ذلك
وسوسات شيطانية؟!
5 ـ ثم إن نفس هذا البعض يغتاب المراجع، ويصفهم بعدم
التقوى، ويصغّر من شأنهم، ويصورهم على أنهم ألعوبة في أيدي غيرهم حتى
على شاشات التلفاز وفي الإذاعات وعلى صفحات الصحف والمجلات.. فلماذا لا
يرضى بأن نأخذ بمداليل كلامه ونطبقه عليه أيضاً؟! أم أن باءه تجرّ،
وباء غيره لا تجر؟!
6 ـ إن هذا البعض يقول:
«إن النفي يحتاج إلى دليل، والإثبات كذلك».
ويقول:
«إن الدليل لابد أن يوجب اليقين».
فما دليله على نفي الإيمان عن هذا الشخص المسؤول عنه؟!.
997 ـ لا يجوز التهجّم على علماء
الدين.
ثم يناقض نفسه فيتهجم على المراجع
والعلماء، فيقول:
998 ـ من يضلّل ويكفّر.. لا يستعمل
علمه.
999 ـ المشكلة في من يضلل ويكفر هو
انعدام التقوى.
سئل البعض:
هل يجوز التهجم على علماء الدين وغيرهم لسبب أو لآخر،
مع عدم معرفتنا بظروفهم، وعدم الإطلاع على طبيعة أوضاعهم؟!
فأجاب:
«لا يجوز ذلك»([10]).
ونقول:
إننا لم نعرف إن كان مقصوده: أنه مع الاطلاع على
الأوضاع والظروف يجوز التهجّم على العلماء، أم أنه لا يجوز.
ولأجل ذلك اتجهنا نحو بيانات أخرى لهذا البعض، فوجدناه
قد سئل مرة أخرى، وذلك في الأسبوع التالي للأسبوع الذي وجه إليه فيه
السؤال السابق فقيل له:
ما هو الحكم في الطعن بسيرة العالم وتسقيطه.
فأجاب:
«هذا إجرام وربما يصل إلى درجة كبيرة من الحرمة، لأنه
إساءة إلى موقع القيادة الربانية»([11]).
وحتى هذا المقدار لم يقنعنا أيضاً، فتابعناه في
الأسابيع التالية، فوجدناه يوجّه له سؤال آخر بعد شهر واحد من توجيه
السؤال السابق، والسؤال هو:
يطلق بعض الناس العنان لألسنتهم في الكلام حول المراجع
العظام، والعلماء العاملين. وفي كل مكان يجلسون فيه يتحدثون عن أن
المجتهد الفلانى أصدر فتوى بكذا. أو حرم كذا، وأحلّ كذا، ويبدأون
بتقييم هؤلاء، وتقييم هؤلاء، وتقييم فتاواهم. فما رأيكم بمثل هذا الصنف
من الناس.
فأجاب:
«السؤال أولاً: هل إن هؤلاء يملكون الثقافة الشرعية
فيما يقيّمون؟! وهل يملكون التقوى التي يستطيعون من خلالها أن يقيّموا
العلماء والمراجع؟! ذلك أن كثيراً من هؤلاء إما أن يكونوا من العوام،
أو من أشباه العوام بأساليبهم وبطريقتهم..».
إلى أن قال:
«وباختصار نقول: إن الشخص الذي ليس عنده علم وثقافة لا
يصح أن يتدخل في هذه الأمور. والذي عنده علم يُسأل عن الدليل.
أما الذي عنده علم، ويضلّل، ويكفّر الناس، فهذا لا
يستعمل علمه. وإلا فمن السهل أن يتّهم، ويفسّق الناس على الطريقة
السائدة في الأوساط السياسية: فهذا خائن، وهذا عميل.
ولدينا الشيء نفسه، فهذا كافر، وهذا فاسق، وهذا ضال.
والمشكلة هي انعدام التقوى.
وحينما نقول: أن لا دخل للجاهل في هذه الأمور، لأنه لا
يعرف أسس الفتوى، نرى أن البعض يقول: إن العلماء السابقين الخ..»([12]).
1 ـ إننا لا نريد أن نناقش ما قاله هذا البعض هنا،
ولكننا نلفت نظر القارئ إلى أن الجواب لا يتناسب مع السؤال.. فإنه سأله
عن أناس يتداولون فيما بينهم الحديث عن فتاوي العلماء، ويقيّمونها..
فجاء الجواب بهذه الطريقة القاسية التي تحمل في طياتها الكثير من
الإهانة لهم..
فهل تقييم الأشخاص فيما يعلنون به من أفعال.. سواء
أكانت فتاوي أم غيرها حرام وممنوع، حتى استحق هؤلاء هذه القسوة من هذا
البعض؟!
أم أن ذلك يعتبر من مفردات الغيبة عنده؟!
وهل الحديث عما هو ظاهر ومعروف ويتدواله الناس وخصوصاً
تقييم الفتاوي، ومن يفتي بها، بهدف الرجوع إليه في التقليد، أو بهدف
تلمس مواقع الصواب والخطأ، هل يعتبر جريمة تستحق كل هذه الضجّة والقسوة
والإهانات؟!
2 ـ كيف ولماذا يشكّك بتقوى هؤلاء الذين يحاولون تقييم
الفتوى والمفتي؟! ولنفرض جدلاً ـ أنهم قد أخطأوا ويخطئون في التصدّي
لأمر ليسوا أهلاً له.. فهل ذلك يخرجهم عن جادة التقوى؟!
3 ـ ونلاحظ: أنه حكم على العالم الذي يصدر حكمه على
البعض بالفسق، أو بالضلال أو بالكفر بأنه لا يستعمل علمه.
وسؤالنا هو:
ألف:
من أين عرف أنه لم يستعمل علمه؟! فإن النفي ـ حسب قوله
هو ـ يحتاج إلى دليل ولابد في الدليل ـ حسب قوله ـ أيضاً من أن يكون
قطعياً.
ب:
ومن أين عرف أنه يتّهم ويفسّق الناس على الطريقة
السائدة عند السياسيين؟! فإن مقتضى حمله على الأحسن هو أن نقول: إنه قد
استعمل علمه، واستعمل الطريقة الشرعية الصحيحة التي أدت به إلى هذه
النتائج. وانصاع إلى حكم الشرع بوجوب التصدّي لضلال هذا، أو لكفر، أو
لفسق ذاك..
4 ـ إنه حكم على العالم الذي يصدر الحكم على أهل الضلال
والفسق بأنه يعاني من «انعدام التقوى».
ونقول له أيضاً:
أولاً:
النفي يحتاج إلى دليل، حسب قوله. ولا بد من أن يكون
قطعياً حسب قوله كذلك.
ثانياً:
مقتضى الحمل على الأحسن. ومقتضى حمل فعل المسلم على
الصحّة هو أن نصفه بأنه في حكمه هذا ـ الذي يعرّض نفسه فيه لمثل هذه
الإهانات ـ في أقصى درجات التقوى والورع، والإنقياد لأحكام الله
سبحانه.
وبعدما تقدم فإننا ندعو القارئ العزيز للاطلاع على بعض
ما يصف به هذا البعض علماء الأمة وأعلامها فيما تقدم ويأتي من مطالب في
هذا الكتاب.
5 ـ إننا نتفهم جيداً ونعطي الحق الكامل لأي إنسان
يواجه تهمة مَّا في أن يدافع عن نفسه..
ولكن ليس من حقه أن يمارس في ذلك أساليب غير مشروعة،
مثل كيل التهم إلى مراجع الأمة وعلمائها. وتحقيرهم على صفحات الجرائد،
ومن خلال الإذاعات، وعلى شاشات التلفزة المحلية منها والإقليمية، وربما
العالمية أيضاً، فضلاً عما يسجله في المقابلات، وما يلقيه في المحاضرات
وما إلى ذلك.
إن المتهم إذا كان يعتقد ببراءة نفسه، فما عليه إلا أن
يقدم الدليل والحجة.. وكيف وأنى له أن يقدم الدليل على ذلك؟! وهذه كتبه
زاخرة بهذه المقولات، وتلك هي الإذاعات وأجهزة التلفاز، وأشرطة
الفيديو، وأشرطة التسجيل لم تزل تحمل للناس على مر الأيام التأكيد تلو
التأكيد على نفس تلك المقولات التي اعترض عليها علماء الامة وفقهاؤها،
ومراجعها ولم يزل هو نفسه يشجّع من حوله على الكتابة والدفاع عن تلك
المقولات، وتزيينها للناس، وتمحّل المؤيِّدات لها في قول هذا العالم أو
ذاك ونشهد ـ وللأسف ـ في كثير مما يقدمونه للناس من كتابات للدفاع عنه
عملية خيانة وتزوير، كبيرة وخطيرة جعلتنا نحسب ألف حساب للأخطار التي
تنشأ عن هذه الخيانة، وعن ذلك التزوير، نعوذ بالله من الزلل، في القول
والفكر وفي العمل..
6 ـ إن هذا البعض لم يزل يؤنب الناس على تصدّيهم لأمور
لا خبرة لهم فيها. وما قرأناه آنفاً لعله من أخف حملاته على هذا النوع
من الناس..
ولكننا نجده في مقابل ذلك يفيض في خطبه لهم على المنابر
في كثير من البحوث الكلامية، والاستدلالات الفقهية، وغيرها من العلوم..
وكأنه يدرّسهم دروس الاجتهاد العليا. مع أن الحاضرين تحت منبره، هم من
الناس العاديين الذين لا يملكون ثقافة فقهية أو غيرها تخوّلهم فهم هذه
المطالب، والتمييز بين صحيحها وسقيمها، وحقها وباطلها..
والذين يلقي عليهم دروسه هذه هم الذين إذا اعترض عليه
أحدهم بما لا يروق له، يواجهه بالتأنيب واللوم على تصدّيه لأمور لا
يفهمها..
ومهما يكن من أمر، فإن بالإمكان التأكد من صدقية هذا
القول بأدنى مراجعه لأي كتاب ينشر محاضراته، وأسئلته وأجوبته..
([1])
فكر وثقافة العدد 177ص4 بتاريخ 29/3/1421 هـ.
([2])
جريدة الشرق الأوسط، عدد 8001 بتاريخ: 24/10/200
([4])
عقد هذا المؤتمر في طهران بتاريخ 8 آذار 1997م.
([6])
الزهراء القدوة ص348.
([7])
الزهراء القدوة ص42 و 43.
([8])
الآية 12 من سورة الحجرات.
([9])
فكر وثقافة عدد 185 ص4 بتاريخ 26 ج1 سنة 1421 هـ.
([10])
فكر وثقافة عدد 170 ـ ص4 بتاريخ 9/2/1421 هـ.
([11])
فكر وثقافة عدد 171 ص4 بتاريخ 16/2/1421 هـ.
([12])
فكر وثقافة عدد 175 ص3 بتاريخ 15 ربيع الأول 1421 هـ.
|