صفحة : 227-248  

الفصل الثاني

إعتقادات.. لا مبرر لها..

 ما في هذا الفصل؟!:

ما نقدمه إلى القارئ في هذا الفصل ذو ألوان مختلفة، فبعضه يدخل في علوم القرآن، وبعضه تاريخي، وبعضه يرتبط بالعقائد، وبعضه أغلاط فاضحة وواضحة.. وغير ذلك، وهو على العموم يظهر أنه لا مجال للإعتداد بما يراد الترويج له، من أن ثمة درجة من الدقة والتحقيق والإطلاع وما إلى ذلك، ما دام أن ذلك لم يثبت بالأرقام وبالأدلة والشواهد.

فنقول:

1030 ـ المعصوم يخطئ في الترجمة.

1031 ـ تعبير المعصوم ليس دقيقاً.

1032 ـ الأحاديث القدسية مترجمة.

يقول البعض عن الأحاديث القدسية:

«لعلها هي الأحاديث تمثل ما كان ينزل على الأنبياء السابقين، ونقل عن النبي «صلى الله عليه وآله»، وعن الأئمة «عليهم السلام».. الظاهر هكذا»([1]).

ثم يقول عن الحديث القدسيّ: «عبدي أطعني تكن مثلي تقول للشيء كن فيكون»:

«إن الأحاديث القدسية قد تكون منطلقة مما بقي لنا من الكتب السابقة، إمّا من الكتب التي بقي لنا بعضها، كالإنجيل، والتوراة، وإما من الكتب التي لم تبق لنا في كيانها الكتابي، مثل صحف إبراهيم «عليه السلام»، أو ما يقال عن صحف إدريس «عليه السلام»، وما إلى ذلك.

   ومن الطبيعي أنّ هذه الأحاديث على تقدير صحتها، ترجمت من اللغة الأصلية التي نزلت بها إلى اللغة العربية، وقد لا تكون الترجمة دقيقة في الكثير من الحالات، لأن المترجم قد ينقل معنى الكلمة في اللغة، ولكن من الصعب أن ينقل أجواء اللغة، فلكل لغة أجواؤها، ولكل لغة إيحاءاتها وطريقتها في التعبير، ولذلك من الصعب جدّا أن نجد ترجمة دقيقة لأي أثر فكري، سواء كان دينيا أو غير ديني.

معنى الحديث:

وفيما أفهمه من هذا الحديث، فإن الله، يقول للإنسان، أطعني، فإنّك إذا أطعتني، قربت إليّ، وإذا قربت إليّ كنت مهيئا، لأن أعطيك ما تريد، فأنا على كل شيء قدير.. ومن الممكن أن أجعلك تقول للشيء: كن فيكون، كما جعلت ذلك لعيسى «عليه السلام»، عندما أبرأ الأكمه، وشفى الأبرص، وأحيى الميت، ولكن ليس معنى ذلك أن الطاعة تستلزم هذه القدرة وليس كل من أطاع الله حصل على هذه القدرة، ولكنها قد تكون كناية على أن الإنسان، إذا أطاع الله كما يجب أن يطيعه في قدرته، كان وليا لله، ومن كان وليا لله فان الله يمكن أن يعطيه القدرة التي يستطيع من خلالها أن يقول للشيء: كن فيكون... وليس من الضروري أن يكون تعبير «مثلي» دقيقا، لأن الإنسان ـ وحتى الأنبياء ـ عندما يمارسون القدرة، فإنما يمارسونها بإذن الله ﴿وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللهِ([2])، فالله تعالى ليس كمثله شيء، لذلك كلمة «مثلي» ليست دقيقة، وأظن أنها تحمل خللاً في الترجمة»([3]).

   ويقول عند سؤاله أيضاً:

   س: ما هو رأيكم في الحديث القدسي المشهور: «عبدي أطعني تكن مثلي تقول للشيء كن فيكون»؟!

   ج: فيما أفهمه من هذا الحديث، فإن الله يقول للإنسان: أطعني، فإنك إذا أطعتني قربت إلي، وإذا قربت إلي كنت مهيئاً لأن أعطيك ما تريد، فأنا على كل شيء قدير، ومن الممكن أن أجعلك تقول للشيء كن فيكون، كما جعلت ذلك لعيسى «عليه السلام» عندما كان يبرئ الأكمه والأعمى بإذن الله ويحيي الموتى بإذن الله.. فمن الممكن جداً أن الطاعة تستلزم ذلك أي الحصول على هذه القدرة، ولكنها قد تكون كناية عن أن الإنسان يجب أن يطيع الله كما أطاعه بقدرته «كن ولياً لله» ومن كان ولياً فإن الله يمكن أن يعطيه القدرة التي يستطيع بواسطتها أن يقول للشيء كن فيكون، لكن ليس من الضروري أن يكون تعبير «مثلي» دقيقاً لأنه عندما يمارسون ذلك فانهم يمارسونه بإذن الله ﴿وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللهِ([4])، ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ([5])، لذلك فكلمة مثلي ليست دقيقة([6]).

وواضح: أنه لا معنى لادعاء الخطأ في الترجمة إذا كان الحديث قد قاله المعصوم. لأن المعصوم إنما ينقل الحديث الصافي والمبرأ والسالم عن أي عيب أو خطأ. ولا ينقل الخطأ على أنه الحقيقة، ولأن المعصوم ليس صحفياً يأخذ من الكتب.

1033 ـ الأحاديث القدسية هي ما كان ينزل على الأنبياء السابقين ونقلها المعصومون عنهم.

سئل البعض:

ما هي الأحاديث القدسية؟!

فأجاب:

«الأحاديث القدسية لعلها هي الأحاديث التي تمثل ما كان ينزل على الأنبياء السابقين، ونقل عن النبي «صلى الله عليه وآله»، وعن الأئمة «عليهم السلام» الظاهر هكذا»([7]).

وقفة قصيرة:

ونقول:

1 ـ بل الأحاديث القدسية هي تلك التي رواها المعصوم على أنها من كلام الله سبحانه، ولكنها ليست من القرآن، وذلك مثل ما روي من قوله تعالى: «عبدي أطعني تكن مثلي، تقول للشيء كن، فيكون..» وليس بالضرورة أن تكون قد نزلت على نبي سابق.

2 ـ ونذكّر القاريء أن هذا البعض ذكر: «بأن الأحاديث القدسية هي ترجمات عن اللغات الأخرى، وقد احتمل أن تكون تلك الترجمات غير دقيقة»([8]). فراجع ما تقدم.

1034 ـ كذب الوقاتون: تشمل أحاديث الأئمة!!!

1035 ـ كذب الوقاتون: تشمل مدة حياة الإمام «عليه السلام» بعد خروجه.

ويسأل البعض عن مدة حياة الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) بعد ظهوره:

وما رأيكم في الروايات، مثلا تقول: يعيش 40 سنة، أو 7 سنوات؟!

فيجيب:

«كذب الوقاتون»([9]).

وقفة قصيرة:

ونقول:

1 ـ الظاهر أن هذا البعض يستند إلى رواية كذب الوقاتون، التي جاءت للرد على من يوقت خروج الإمام «عليهم السلام».

مع أن السؤال الموجه إليه هو عن الروايات التي تتحدث عن مدة بقائه «عليه السلام» بعد خروجه، ولا ارتباط لها بتوقيت الخروج..

2 ـ أما لو كان لا يستند إلى هذه الرواية، فإن الأمر يصبح أقبح حيث إنه يبادر إلى تكذيب ما يروى عن أهل البيت «عليهم السلام» بهذه الطريقة الجافة، والمهينة.

ومن الواضح: أن السؤال هو عن الروايات التي تحدد الوقت، والروايات إذا كانت صادرة عنهم «عليهم السلام»، فإن كلامهم هو المعيار والميزان فلا يصح اعتبارهم من الذين يكذبون، العياذ بالله.

وأما رواية: «كذب الوقاتون» فهي موجهة لغيرهم ممن يقولون بغير علم، ويملأون أسماع الناس بما هو مجرد تخرّص ورجم بالغيب..

وبعبارة أوضح وأصرح: إذا كان الأئمة «عليهم السلام» قد ذكروا ـ بالفعل ـ مدة معينة يعيشها الإمام «عليه السلام» بعد خروجه، وفرض أن هذا من التوقيت، فهل يكون كلامهم «عليهم السلام» كذباً، ليقال كذب الوقاتون؟!. أم أن اللازم هو البحث للتأكد من صدور الروايات عنهم، ومدى إمكان الإعتماد عليها؟!

1036 ـ لا فضل للملائكة في فعل الخير.

1037 ـ الملائكة يمارسون الخير تكويناً.

1038 ـ النوع الإنساني هو المستخلف.

يقول البعض:

«وبهذا انطلقت مسؤولية الإنسان للقيام بدوره بالإنسجام بين طبيعة الحياة وبين إرادة الله، وتسخير القوى التي بين يديه في سبيل الخير لا في سبيل الشر.

وهذا ما يرفعه إلى المستوى الكبير لدى الله، فيكون أفضل من الملائكة الذين يمارسون الخير بشكل تكويني، فلا فضل لهم في ذلك»([10]).

ثم يذكر أن الذي جعله الله خليفة في الأرض هو:

«النوع الإنساني، لأن آدم الشخص، محدود بفترة زمنية معينة، ينتهي عمره بانتهائها، فكيف يمكنه القيام بهذا الدور الكبير الذي يشمل الأرض كلها ويتّسع لكل هذه المرحلة الممتدة. هذا أولاً.

وثانياً: إن الملائكة قد وصفوا هذا الخليفة بأنه يفسد في الأرض ويسفك الدماء. وهذا الوصف لا ينطبق على آدم بل ينطبق على بعض الجماعات التي يتمثل فيها النوع الإنساني في مدى الحياة»([11]).

وقفة قصيرة:

ونلاحظ هنا:

1 ـ إن كلامه يعني: أن الأنبياء والأوصياء لا فضل لهم فيما يمارسونه من فعل الخير.. لأن هذا البعض يقول: إن العصمة إجبارية.. إما مطلقاً، وإما في خصوص ترك المعاصي، حيث اختلفت أقاويله في هذا المجال..

ومن المعلوم: أنه حين تكون العصمة إجبارية، فإنهم يؤدون الواجبات، ويمتنعون عن المعاصي، بشكل تكويني، لأنهم لا يقدرون على ترك تلك، ولا على فعل هذه، لأن ترك الواجب معصية لا يقدر عليها المعصوم، فلا فضل للمعصوم إذن لا في هذا ولا في ذاك، وفقاً لمقولات هذا البعض.

2 ـ إن الملائكة، وإن كانوا لا يعيشون الشهوات، كما يعيشها الإنسان، ولكنهم لا يمارسون الخير بشكل تكويني، كما يقول هذا البعض بل هم خلق مختارون يمارسون الخير بملء إرادتهم.

وقد يختارون الاستزادة فيه، فترتفع بذلك مقاماتهم، ويزيد فضلهم، ولأجل ذلك كان بعضهم أفضل من بعض وأكرم، ولجبريل فضله العظيم فيهم، والمراجع للروايات الكثيرة جدا يجد صحة ما ذكرناه.

3 ـ من أين علم هذا البعض أن الملائكة يمارسون الخير بشكل تكويني، فلا فضل لهم فيه.. إن ذلك يحتاج إلى القطع واليقين، لأنه يرتبط بحقائق المخلوقات.. وهذا البعض يشترط القطع واليقين في كل ما عدا الأحكام الشرعية..

ويزيد الأمر إلحاحاً في مثل هذا المورد، الذي لا يحصل إلا بالإخبار عن الله سبحانه عن طريق النبي «صلى الله عليه وآله» وأهل بيته «عليه السلام».

4 ـ أما بالنسبة لاستخلاف النوع الإنساني أو آدم. فإنه قد استظهر أنه النوع الإنساني.. رغم وجود روايات عن الأئمة الطاهرين «عليهم السلام» تصرح بأن المقصود هو خصوص آدم «عليه السلام»..

5 ـ إن ما استدل به على أن المقصود هو النوع الإنساني لا يصلح لإثبات ذلك..

فأولاً: إن وصف الملائكة للخليفة بأنه يفسد في الأرض ويسفك الدماء، إنما هو استنتاج منهم ـ فقد روى هذا البعض نفسه رواية عن العياشي تقول: «إنهم قاسوه على من سبقه من الذين استخلفهم الله في الأرض، فأفسدوا فيها»، ولم يكونوا على معرفة بنبوة آدم «عليه السلام»، لينزهوه عن الإفساد وسفك الدماء.. فعن الإمام الصادق «عليه السلام» قال: «ما علم الملائكة بقولهم: ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ([12]) لولا أنهم كانوا رأوا من يفسد فيها ويسفك الدماء»([13]).

ثانياً: إن الله سبحانه لم يخبرهم بعدد من يستخلفه، فلم يقل لهم: هل هو واحد شخصي أو نوعي، أو جماعة أو غير ذلك.. وذلك يدل على أن الملائكة قد فهموا ما فهموه من عند انفسهم بحسب ما استخلصوه من أمور عرفوها سابقاً واستنبطوا منها أو قاسوا عليها.. وقد أظهر الله لهم أن ما فكروا فيه لم يكن صواباً..

ثالثاً: إن ما ذكره من أن آدم شخص محدود لا يمكنه القيام بهذا الدور الكبير إنما يدخل في دائرة الاستحسانات التي لا محل لها.. فإن الخليفة الحقيقي لله ـ إن كان المقصود بالخليفة ـ الخليفة لله ـ هو آدم «عليه السلام»، وليس أحداً من العصاة والكفرة والجبارين.. فإن هؤلاء يفسدون في الأرض ولا يمثلون خلافة الله..

إذ ليس المقصود بالخلافة هو التجارة والصناعة والزراعة وبناء القصور والدور.. وإنما معنى أسمى من ذلك وهو تجسيد إرادة الله سبحانه على الأرض، وإعمارها بالإيمان والتقوى والعمل الصالح. كما عمرها رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وعمرها سائر أنبياء الله وأوصياء رسله..

رابعاً: لو كان المراد إعمار الأرض كلها كما ذكر هذا البعض، فالسؤال هو: متى تحقق هذا الإعمار للأرض كلها يا ترى، بالطريقة التي قررها هذا البعض؟!([14]).

1039 ـ مضاعفة الثواب تفضلاً دليل على أن أصل المثوبة تفضل أيضاً!

1040 ـ البعض ينسب إلى العلماء ما لا يقولون به في موضوع الجزاء.

يقول البعض:

   «هل الإحسان الإلهي تفضل أو استحقاق:

   وقد أفاض علماء الكلام الحديث حول الإحسان الإلهي لعباده المؤمنين المتقين، هل هو تفضل أو استحقاق، ولكن هذا البحث غير دقيق لأن الذي يقول بالاستحقاق، يقصد به الاستحقاق من خلال تفضل الله عليهم بوعده لهم بالمثوبة والإحسان وقد جاء عن الإمام علي «عليه السلام» لو كان لأحد أن يجري له ولا يجري عليه لكان ذلك خالصاً لله سبحانه دون خلقه لقدرته على عباده، ولعدله في كل ما جرت عليه صروف قضائه، ولكنه جعل حقه على العباد أن يطيعوه وجعل جزاءهم عليه مضاعفة الثواب تفضلاً منه وتوسعاً بما هو من المزيد أهله»([15]).

وقفة قصيرة:

1 ـ إن الرواية التي استدل بها على مقصوده ـ من كون أصل المثوبة تفضلاً ـ تقول: جعل جزاءهم عليه مضاعفة الثواب تفضلاً منه وتوسعاً الخ..

   ومن الواضح: أن الثواب الذي يثبت بالاستحقاق هو الثواب المقرر من الأساس، فإذا ضاعف الله الثواب، وزاد فيه ؛ فإن هذه الزيادة تكون تفضلاً منه تعالى وكرماً.

   وليس في الرواية أن أصل الاستحقاق، قد نشأ عن تفضل الله سبحانه وتعالى على العباد بجعل أصل المثوبة لهم، ووعدهم بها.

2 ـ إن هذا الرجل قد نسب إلى علماء الكلام مقولة مفادها: أن مقصود القائل بالاستحقاق هو الاستحقاق من خلال تفضل الله عليهم بوعده لهم بالمثوبة والإحسان.

وهذه النسبة غير صحيحة قطعاً، و لعله استعار ذلك من البلخي الذي يقول: إن الثواب على الطاعة إنما هو بالتفضل لا بالاستحقاق، و قد رد العلماء مقولة البلخي هذه بأن: الطاعة مشقة ألزم الله العبد بها؛ فإن لم يكن لغرض كان ظلماً وعبثاً، وهو قبيح لا يصدر من الحكيم، وإن كان لغرض، فإن كان عائداً إليه تعالى فهو باطل لغناه، وإن كان عائداً إلى المكلف، فإن كان هذا الغرض هو الإضرار به كان ظلماً قبيحاُ، وإن كان هو النفع له، فإن كان يصح أن يبتدئ الله به العبد، فيكون التكليف حينئذ عبثاً، وإن كان لا يصح الابتداء به بل يحتاج إلى تكليف ليستحق أن يحصل على ذلك النفع فهو المطلوب. فالنتيجة إذن هي: أن الثواب بالاستحقاق لا بالتفضل.

وأما قول البلخي، فهو باطل من الأساس، لأنه يستند فيما ذهب إليه إلى أن التكاليف إنما وجبت شكراً للنعمة، فلا يستحق بسببها مثوبةً، فالثواب تفضل منه تعالى.

ولا شك في عدم صحة هذا القول، إذ إن الكلام إنما هو في مرحلة الحسن والقبح، ويقبح عند العقلاء أن ينعم شخص على غيره، ثم يكلفه ويوجب عليه شكره من دون إيصال ثواب على هذا التكليف فإنهم يعدون ذلك نقصاً، وينسبونه إلى حب الجاه والرياسة، ونحو ذلك من المعاني القبيحة التي لا تصدر من الحكيم؛ فوجب القول باستحقاق الثواب.

غاية ما هناك أنه يمكن أن يقال، وإن كان ذلك لا يلائم كلام البلخي أيضاً بل هو أيضاً ينقضه ويدفعه: إنه وإن كانت مالكية الله سبحانه لكل شيء تجعله، متفضلاً في تقرير أصل المثوبة لمملوكيه على أفعالهم، ولكنه بعد أن قرر لهم ذلك بعنوان الجزاء، وتفضل عليهم في زيادة مقاديره، حتى لقد جعل الحسنة بعشرة أمثالها، أو بسبع مائة ضعف، والله يضاعف لمن يشاء وبعد أن دخل ذلك في دائرة القرار، وأصبح قانوناً إلهياً مجعولاً، فقد دخل في دائرة الاستحقاق بعد أن لم يكن ولأجل ذلك لم يجز في حكم العقل أن يعطي الله للعاصي، ويمنع المطيع، ولو كانت المثوبة من باب التفضل لجاز ذلك.

وهذا نظير ما لو قرر رجل أن يجعل لولده جائزة على نجاحه في الامتحان في مدرسته، فإذا نجح الولد فسيطالب أباه بالجائزة ويرى أنه مظلوم ومهان لو لم يعطه إياها، فضلاً عن أن يعطيها لأخيه الراسب([16]).

1041 ـ آيات الخلود في النار تدل على الاستحقاق لا الفعلية.

1042 ـ الإسلام قد يكون سبباً في العفو، فلا يخلد المسلم في النار.

وحول تفسير قوله تعالى:

﴿وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ([17]).

 يقول البعض:

«ربما توحي هذه الآية ـ كغيرها من الآيات التي تتحدث عن عذاب المتعدي لحدود الله في أجواء المعصية ـ بخلود العاصي في النار، وان المسلم يمكن أن يخلد في النار بفعل معصيته.

 وهذا ما استدل به القائلون بأن مرتكب الكبيرة من أهل الصلاة مخلد في النار، ومعاقب فيها لا محالة ـ كما جاء في مجمع البيان..».

 وبعد أن ذكر بعض المناقشات في ذلك قال:

«ولكن من الممكن أن تكون هذه الآية، وأمثالها واردة على سبيل تحديد الاستحقاق للعذاب الخالد، لا على بيان الفعلية، فلا تنافي ما دل على عدم خلود المسلم في النار، لأن إسلامه قد يكون سبباً في العفو الإلهي عنه..»([18]).

وقفة قصيرة:

ونقول:

1 ـ لقد قال الله سبحانه في كتابه الكريم ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا([19])، وهذا الحكم لا يختص بالكافر القاتل بل يشمل المسلم إذا قتل مؤمنا أيضاً.

2 ـ إن الذي قتل علياً أمير المؤمنين«عليه السلام»، والذين قتلوا الحسين «عليه السلام» وأهل بيته وأطفاله، وأصحابه، كانوا يتظاهرون بالإسلام، فهل يحكم هذا البعض لهم وليزيد بعدم فعلية خلودهم في النار وأن إسلامهم قد يكون سبباً في العفو الإلهي عنهم؟!

1043 ـ الصراط أمر رمزي.

1044 ـ اللوح المحفوظ أيضاً قد يكون رمزيّا.

يقول البعض:

«والظاهر: أن الكلمة لا تعبر عن شيء مادّي، فلم يرد في القرآن الحديث عن الصراط إلاّ بالطريق أو الخط الذي يعبّر عن المنهج الذي يسلكه الإنسان إلى غاياته الخيّرة أو الشريرة في الحياة، وبذلك يكون الحديث عن الدقّة في تصوير الصراط في الآخرة كناية عن الدقة في التمييز بين خط الاستقامة وخط الإنحراف، فمن استطاع أن يعرف الحدّ الفاصل بينهما وأخذ بالحق الخالص من الباطل سار إلى الجنة ومن اختلف عليه الأمر وأخذ بالباطل سار إلى النار، ومن خلال ذلك يطلق على الأنبياء والأولياء كلمة الصراط المستقيم باعتبار أن خطّهم هو الخط المستقيم الذي أنعم الله على السائرين عليه في مقابل الخط المنحرف الذي غضب الله على السائرين عليه من المتمردين والضالين»([20]).

ويُسأل هذا البعض:

ما معنى قوله «صلى الله عليه وآله»: «الصراط أحدّ من السيف وأدقّ من الشعرة»؟!

فيجيب:

«لو صحّ هذا الحديث فالمقصود قد لا يكون الجانب المادّي طبعاً، فالإنسان عندما يمشي على الصراط المستقيم مع كل هذه الإلتواءات والإنحرافات يكون مسيره دقيقا جدّا كدقّة الشعرة وكحد السيف لأنه إذا لم يكن دقيقا فلا يمكنه أن يعرف أو يتفهم الفرق بين الخط المنحرف والخط المستقيم فيقع في الهاوية وهذا كناية عن ذلك وهناك من يحمله على الواقع المادي بحيث يكون هناك خيط طويل أحدّ من السيف وأدقّ من الشعرة فمن كان مؤمنا سار عليه بشكل طبيعي ومن لم يكن مؤمنا اهتز ووقع في النار، والله العالم»([21]).

وقال في أجوبته على المرجع الدّيني الشيخ التبريزي:

«ليس القول بأن الصراط أمر رمزي قولا بغير علم، بل هو ناشئ من الاستفادة من الآيات القرآنية، مع الأخذ بعين الإعتبار المقارنة مع الروايات التي ترد على نحو الاستعارة، لا على النحو المطابقي، الذي يلحظ فيه المعنى الحقيقي»([22]).

   ويقول عن اللوح المحفوظ:

«ربّما تكون الكلمة رمزاً لما عند الله سبحانه..»([23]).

ونقول:

كنّا نتمنى أن يذكر لنا تلك الآيات والروايات التي استفاد منها رمزيّة الصراط، وكيف؟!.. وكنّا نتمنى أن لا يفتح باب الرمزيّة على مصراعيه، لأن ذلك قد يطال الكثير من المفردات الدينية والإيمانية، خصوصا ما يتعلق منها بالغيب وكل ما هو غيبي، ومن جملة ذلك ما يرتبط بالآخرة.. والجنة والنار، وما إلى ذلك.

1045 ـ المنطقة الجغرافية للعرش.

وحين يصل الأمر إلى ذكر (العرش) نجد أن البعض لا يبادر إلى اعتباره أمرا رمزيّا كما فعل بالنسبة إلى الصراط المؤدي إلى الجنّة يوم القيامة، بل اتخذ موقفا آخر.. يقترب تارة، ويبتعد أخرى.. قد جاء في ضمن سؤال وجواب ما يلي:

«س: ما المقصود بالعرش، وأين هو؟!

   ج: طبعا هناك قول بأن المراد من العرش هو منطقة من مناطق السماء، وهناك قول بان المراد من العرش إنما هو أعلى مرتبة، يعني له جانب معنوي أكثر من جانب مادي.

   أما أين هو؟! طبعاً، ليس عندنا جغرافيّة السماء، حتى نعرف المنطقة الجغرافية التي يقع فيها العرش»([24]).

   ويقول عن العرش أيضاً:

«هو منطقة من المناطق التي تمثل أعلى منطقة»([25]).

فالعرش إذن هو منطقة جغرافية، فهل يمكن تفسير (استواء الله) في قوله تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾.. بالجلوس، أو بالكينونة في تلك المنطقة، أو عليها؟!

مع أنه من الواضح عند علمائنا الأبرار كافة: أن المقصود بآية: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾، مقام القدرة والهيمنة الإلهيّة.

1046 ـ التأليه للملائكة بسبب الأحاديث الدينية عن أوضاعها وأسرارها.

1047 ـ التأليه للملائكة بسبب الأحاديث الدينية عن طاقاتها وقدراتها.

يقول البعض:

«لقد حدث في التاريخ الديني القديم أن بعض الناس قد تطرفوا في تعظيم الأنبياء الذين كانوا يملكون طاقات روحية كبيرة، وينطلقون في حياة الناس من خلال الدور العظيم الذي أوكل الله إليهم القيام به، مما استلزم صدور المعجزات على أيديهم لمواجهة التحدي الذي كان يوجه إليهم من قبل الكافرين، ولإثبات علاقتهم بالله من خلال النبوة فنشأ من بعدهم جماعة يؤلهونهم وينسبون إليهم صفات الربوبية من خلال ما يدّعونه لهم من أسرار خفية في طاقاتهم ترتفع بهم إلى هذا المستوى، كما حدث ذلك بالنسبة إلى عيسى «عليه السلام» في ظاهرة التأليه والغلو التي امتدت إلى وقتنا هذا في ما يعتقده النصارى من فكر المسيح ـ الإله.

وقد حدثت ظاهرة أخرى للتأليه، وهي ما كان متعارفا لدى بعض العرب أو غيرهم من تأليه الملائكة، وذلك من خلال الأحاديث الدينية التي تتحدث عن طاقاتهم الخارقة، وقدراتهم الكبيرة في أوضاعهم وأشكالهم، وأسرارهم»([26]).

ونقول:

1 ـ إن من غير المعقول أن يلقى اللوم على الأحاديث الدينية التي تتحدث عن الملائكة، وتبين للناس بعض الحقائق عنهم، واعتبارها هي سبب وقوع الناس في هذا الامر العظيم.

فإن بيان الحقيقة فيما يتعلق بالملائكة لا يمثل غلواً وإرتفاعاً إذ إن حقيقة الملك، وإن كانت ربما يجد بعض الناس فيها نوعاً من الغرابة، ولكن ذلك لا يبرر لهم الغلو بهم وتأليههم وعبادتهم.

فإذا حصل وانحرف بعضهم في هذا الإتجاه، فإنه يكون بسبب تقصيره هو، ولا ربط لذلك بالدين.. إذ إن الدين حينما يتحدّث عن هذه المخلوقات إنما يهدف إلى الإرتفاع بمستوى الوعي لدى الناس، وتحصينهم من الوقوع في أمثال هذه الإنحرافات وتعريفهم بالله وبقدرته وبمخلوقاته..

2 ـ وهل يمكن أن نوجه اللوم إلى علي «عليه السلام» لأن بعض الناس قد غلوا فيه وألّهوه؟!


([1]) مجلة الموسم عدد 21 ـ 22 ص315.

([2]) الآ ية 49 من سورة آل عمران.

([3]) الإنسان والحياة ص329 ـ 330.

([4]) الآية 49 من سورة آل عمران.

([5]) الآية 11 من سورة الشورى.

([6]) الندوة ج1 ص353.

([7]) الموسم: العددان 21 و 22 سنة 1995 ص315.

([8]) راجع: الجزء الأول من هذا الكتاب ص216.

([9]) الموسم العددان (21 ـ 22) ص307

([10]) من وحي القرآن (الطبعة الثانية ـ دار الملاك) ج1 ص23.

([11]) المصدر السابق.

([12]) الآية 30 من سورة البقرة.

([13]) من وحي القرآن ج1 ص229.

([14]) المصدر السابق.

([15]) من وحي القرآن (الطبعة الأولى) ج21 ص376 ـ 377.

([16]) راجع مأساة الزهراء ج1 ص63 ـ 64.

([17]) الآية 14 من سورة النساء.

([18]) من وحي القرآن (الطبعة الثانية ـ دار الملاك) ج7 ص131 و 132.

([19]) الآية 93 من سورة النساء.

([20]) المعارج المجلد السادس السنة الثامنة ص368.

([21]) الندوة ج1 ص382.

([22]) أجوبة البعض على فتاوى المرجع الديني الشيخ التبريزي، الجواب رقم 14.

([23])

([24]) مجلة الموسم عدد 21 ـ 22 ص250.

([25]) للإنسان والحياة ص301.

([26]) من وحي القرآن (الطبعة الثانية ـ دار الملاك) ج6 ص126.

 

   
 
 

موقع الميزان